أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قراءات نقدية ل (كوميديا الحُب الإلهي)















المزيد.....

قراءات نقدية ل (كوميديا الحُب الإلهي)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3746 - 2012 / 6 / 2 - 11:17
المحور: الادب والفن
    


نظّم المقهى الثقافي بلندن أمسية نقدية خاصة لرواية "كوميديا الحب الإلهي" للروائي لؤي عبد الإله. وقد اشترك فيها إلى جانب الروائي نفسه الشاعر فاضل السلطاني والكاتب الإيراني أمير طاهري. كما عرض القائمون على المقهى الثقافي شهادتين نقديتين مصورتين، الأولى للناقد سعد هادي والثانية للناقد ياسين النصير.
استهل السلطاني حديثه بالقول إنه قرأ الرواية وهي مخطوطة، ثم قرأها ثانية بعد صدورها عن "دار المدى"، وحينما كُلِّف بهذه الأمسية قرأها للمرة الثالثة فاكتشف بأن الرواية ليست سهلة بسبب تركيب الشخصيات، وتشابك الأحداث، وتداخل الأزمنة والأمكنة. وأشار بأن تداخل الماضي والحاضر والمستقبل قد يحدث ضمن الصفحة الواحدة، وهنا تكمن صعوبة قراءة هذه الرواية.

البؤرة المركزية
يعتقد السلطاني من خلال قراءاته الثلاث بأن "التحقق" هو موضوع الرواية وبؤرتها المركزية، أي بمعنى كيف يستطيع الإنسان أن يحقق ذاته في زمان ومكان معينين؟ وهو يرى أن الرواية تبدأ من هذه البؤرة المركزية ثم تعود إليها بما تنطوي عليها من شخصيات وأحداث وأزمنة وأمكنة متداخلة. كما يرى أن العنصر الفاعل في غالبية الأحداث هو الذاكرة. وقد ساق أكثر من مثال في هذا الصدد فحينما تكون شخصية من الشخصيات في غرفة الطعام أو صالة الجلوس أو حديقة عامة في لندن ينقطع السرد فجأة ونعود إلى بغداد في حقبة ما بعد "الانقلاب الأسود" لعام 1968 وما تعرّض له أبطال الرواية، وخاصة صالح وحياة إلى ظلم كبير واستباحة مأساوية. تظل هذه الذكريات بما تنطوي عليه من تجارب مفجعة تلاحق جميع شخصيات الرواية منذ الصفحات الأولى للنص الروائي وحتى نهايته، وتأخذ غالباً صيغة الاستذكار أو الاستعادة الذهنية التي يتعمّدها الروائي نفسه. وعلى الرغم من أنّ هذه الذاكرة بائسة ومليئة بالشجن والدم إلاّ أنها تستحوذ على غالبية المسار السردي للأحداث. فلا غرابة إذاً أن تتحرّك المسارات الروائية باتجاه الماضي أكثر من حركتها صوب الحاضر أو المستقبل. يعتقد السلطاني أن الروائي، سواء أكان لؤي أم غيره، يتدخل أحياناً في تضاعيف النص بحيث نسمع صوته أو تعليقه أو صدى أفكاره هنا وهناك، ولكنه بالمقابل يترك للشخصية الروائية أن تتصرف كما تريد،أي كأنها هي التي ترسم قدرها، وليس خالق النص ومبدعه. تخَلّل حديث السلطاني بعض الإشارات المهمة إلى عدد من المصطلحات النقدية مثل "الشخصية النموذجية" التي تكاد تنطيق على معظم شخصيات النص الروائي وهو المصطلح الذي استعمله الفيلسوف والناقد الأدبي الهنغاري جورج لوكاش والذي يرى بأن "الشخصية النموذجية" هي التي تعكس مرحلة تاريخية معينة، إذ لا توجد هناك مصائر فردية معزولة عن ظروفها الاجتماعية والاقتصادية وما إلى ذلك. فكل الشخصيات التي قصدها لوكاش بهذا المعنى هي شخصيات نموذجية. وبما أن المعطى الزمني يدور عن حقبة الستينات من القرن الماضي، وخاصة بعد انقلاب 1968 فإن الشخصيات الروائية هي من نتاج تلك المرحلة المُفجعة فلاغرابة أن تكون مشوّهة ودامية وممسوخة من جهة، كما أنها تمثل في الوقت ذاته نتاج حركة سياسية مضادة للسلطة، ليس بمعنى المناوءة الفكرية حسب، وإنما بمعنى المقاومة المسلّحة، فصالح كان عنصراً من عناصر القيادة المركزية التي خاضت الكفاح المسلّح قبل عام 1968 وبعده. وأكثر من ذلك فهو محمّل بتجربة سياسية دامية، كما أنّ "حياة" نفسها كانت مناضلة سياسية سُجنت وتعرّضت للتعذيب في "قصر النهاية" وأُغتُصبت وحملت جنيناً من الجلاد الذي ظل يلاحقها بعد موته عبر الرسائل التي أوصلها إلى لندن بواسطة شخص يقيم هناك تحت اسم مستعار وهو جلاد سابق أيضاً. إذاً، هذه الشخصيات المستلبة والمطاردة والمقموعة تمثّل مرحلة سياسية واجتماعية كاملة. وعلى الرغم من أنّ هذه الشخصيات موجودة في لندن إلاّ أنّ وجودها مادي لا غير، فالمكان الحقيقي هو بغداد، والزمن الحقيقي هو زمن بغداد أيضاً، كما أنَّها محكومة بالماضي الذي يطاردها جميعاً ماعدا شخصية واحدة هي شخصية "عبدل" التي تشكِّل نموذجاً مختلفاً عن بقية الشخصيات.

شخصيات مُخرَّبة
تشير الإحالات الذكية للسلطاني في قراءته النقدية إلى تعالقات فنية وفكرية مع نصوص عالمية شديدة التعبير مثل هذا المقطع المقتبس من قصيدة لقسطنطين كفافي يقول فيها: "إذا خرّبت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما حللت". وقد وصف شخصيات الرواية بأنها مُخرَّبة، أي خُرّبت في داخل العراق، وبالتالي فإنها أصبحت مُخربة في لندن أو في أي مكان آخر من هذا العالم. وعلى الرغم من تخريب هذه الشخصيات ومسخها من قبل النظام المُستبد إلاّ أنها لم تستسلم، وربما يقودنا هذا الاقتباس إلى الثيمة الرئيسية في رواية "الشيخ والبحر" لأرنست همنغواي التي يقول فيها: "الإنسان لم يُخلق للهزيمة، ممكن أن يتحطّم الإنسان ولا يمكن هزيمته". يرى السلطاني بأنّ الشخصية الوحيدة في الرواية المحكومة بذكاء المستقبل هي شخصية "عبدل"، غير أنّ هذا الذكاء ليس بالضرورة إيجابياً، فهذا الشخص فقدَ اسمه بسبب سرقة زر صغير غيّر على إثرها أبوه اسمه من عبد الوهاب إلى "عبدل"، والاسم، كما هو معروف، هو هوية إنسانية، وعنوان لفرد له كينونة كاملة ومستقلة، لكن هذا الاسم الجديد سوف يطارده في لندن وفي كل مكان يحلّ فيه. يؤكد السلطاني بأن هذه المشاكسة الصغيرة غيّرت مجرى حياة "عبدل" لأن الأب تعامل معه بوحشية رهيبة لم نألفها عند الآباء العاديين، ولكن الكاتب كان يشير إليه بوصفه رمزاً للسلطة التي يمكن أن تستبد وتقمع وتصادر حقوق الآخر حتى وإن كان هذا الآخر ابناً أو فرداً من أفراد الدائرة الضيقة للسلطة المستبدة. انتبه "عبدل"، كما يشير السلطاني، إلى اللعبة التي سيختلف فيها عن الآخرين حينما جعل هاجسه الأول والأخير هو المال. فمن خلاله كان يريد أن يصل إلى فكرة تحقيق الذات. أحالنا السلطاني إلى مقولة أخرى مهمة للروائي البريطاني دي. أج. لورنس الذي يعتقد "بأن الإنسان ممكن أن يحقق ذاته عبر ثلاثة أشياء وهي الفن والحب والجنس"، وأشار أيضاً بأن وجهة النظر هذه قد تكون صائبة إلى حدَ ما، لكن "عبدل" حاول أن يحقق ذاته عن طريق المال، وقد تملّكه هذا الشعور إلى درجة الاستحواذ على حياته وذاكرته الشخصية التي تلهث وراء هذا التحقق حتى وإن كان بصيغة سلبية، ولم يستغرب السلطاني حينما ذهب "عبدل" إلى السوق بغية بيع دُماه والحصول على المال. وأكثر من ذلك سوف يبيع "عبدل" كِليته إلى عبد الرؤوف بغية امتلاكه إلى الأبد على اعتبار أنه أنقذ حياته من موت أكيد. سوف يترك هذا الأب القاسي، سواء عن قصد أو غير قصد، نافذة الغرفة مفتوحة وبعدها يقفز الابن المعاق ويواجه مصيره المحتوم، وهذا نموذج صارخ في وحشيته بحيث يستحوذ عليه المال ويتحكم به بطريقة مستهجنة.

الاستمتاع بالحقارة
يستعير السلطاني توصيف جان بول سارتر في هذا الصدد الذي يسميه "الاستمتاع بالحقارة" أو السقوط فهو يشبه الجلاد الذي يبدأ عمله بالتعذيب، لكنه يفقد حسه الإنساني تدريجياً، ويبدأ بالاستمتاع بالحقارة. أما الشخصية الأخرى التي تشارك "عبدل" بفكرة الاستمتاع بالحقارة فهي شخصية حياة التي كانت معتقلة سياسية ثم تعرضت للتعذيب والاغتصاب. وكما ذكر السلطاني بأن كل الإشارات تدلل على أنّ "المبدع" هو "ناظم كزار" أو شخص شبيه به، وهو الذي يظل يطاردها عبر الرسائل التي تصل إلى لندن، وعبر الجنين الذي تحمله في أحشائها والذي تكتشف أنه يشبه أباه أكثر مما يشبهها هي نفسها. إذاً، المشترك الآخر الذي يتوصل إليه السلطاني من خلال قراءته النقدية بين حياة وعبدل هو مسألة الاستمتاع بالحقارة. لقد حاولت حياة أن تحب وأن تحقق ذاتها من خلال هذا الحب، ولكنها اكتشفت أنها معطلّة روحياً مثل صالح تماماً. لقد حاولت حياة أن تحب صالح، لكنها اكتشفت أنها لا تستطيع أن تمنحه شيئاً، وبالتالي بدأت تستمتع بالسقوط، وتقيم علاقة أخرى مع صديقه بحضوره هو شخصياً لتصل إلى مرحلة الانحطاط الكلية. يخلص السلطاني إلى القول بأن كل الشخصيات محكومة بالماضي ماعدا عبدل فهو محكوم بالمستقبل، لذلك فهو الشخصية الوحيدة التي تفتقر إلى التداعيات أو المونولوغ الداخلي لأنه منهمك في السير إلى أمام بغية تحقيق تطلعاته الذاتية. الخلاصة الأخرى الآخرى اللافتة للانتباه هو عدم وجود أية شخصية في هذه الرواية تحقق ذاتها عبر الحب، فلا أحد يحب أحداً وحتى شهرزاد التي أقامت علاقة مع صالح اكتشفت في لحظة غير متوقعة بأنها تعاني من غربة شديدة، وشعرت بأن العلاقة بينهما انتهت من دون أن يرتكب أحدهما خطأً بحق الآخر. ويصل السلطاني إلى نتيجة منطقية مفادها أن هذه الشخصيات معطوبة تماماً، وقد خُرّبت في ذلك المكان النائي، وفي تلك الحقبة الاستبدادية المقيتة، ولم تعد قادرة على القيام بأي فعل يحقق ذواتها الإنسانية.

رواية غير تقليدية
أمير طاهري: لم يخض الكاتب الإيراني أمير طاهري في تفاصيل الرواية بحجة أنه فعل ذلك في المقال الذي كتبه باللغتين العربية والإنكليزية ونشره في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، كما أن الزميل فاضل السلطاني قد أوفى هذا الجانب حقه، ولكنه دوَّن بعض الملاحظات العامة ذات العلاقة الجوهرية بالنص الروائي. أشار طاهري في مستهل حديثه بأن هذه الرواية لا تنطوي على قصة تقليدية واستشهد بحكاية "الملك والملكة اللذين كانا يعيشان حياة سعيدة وجميلة، ولكن فجأة اعتلّت صحة الملكة، ثم توفيت، فأصبح الملك حزيناً، وعاش حياة غير سعيدة بعد رحيلها إلى العالم الآخر". وهو يريد من هذا المثال بأن هناك صعوداً وهبوطاً في النص الروائي الذي لا يسير على نسق واحد. ثم ذكر مثالاً آخر عن "أنّ الله "سبحانه وتعالى" قرّر أن يخلق الكون، وقد واجه العديد من الصعوبات، ولكنه مع ذلك خلق العالم". والغاية من هذا المثال هو الإشارة إلى أنّ هناك بداية ووسط ونهاية أو ما تعرف بالوحدات الثلاث بحسب التوصيف الأرسطي.

الريبورتاج

توقف طاهري عند الريبورتاج الذي كتبه لؤي عبد الإله غبّ سقوط صدام حسين مباشرة، وكان الريبورتاج من وجهة نظر طاهري سريعاً ودقيقاً وخالياً من الحشو، كما أنه يذهب إلى الصميم مباشرة وقد استمتع به طاهري في ذلك الوقت. وحينما أخبره لؤي عبد الإله بأنه كتب نصاً روائياً شعر طاهري بالقلق لأنه يعتقد من وجهة نظره "بأن الصحفي ينبغي أن لا يكون روائياً" وعلى الرغم من حساسية هذا الرأي وخطورته إلاّ أننا سنحاول تقبّل هذه الفكرة من باب الفروقات الهائلة بين اللغة الصحفية اليومية الدارجة وبين اللغة الأدبية العميقة التي يتطلّبها النص الإبداعي، وبخلاف ذلك فإنّ هناك العديد من الصحفيين قد كتبوا نصوصاً روائية ناجحة لا يتسع المجال لذكرهم ويكفي أن نشير عراقياً إلى وارد بدر السالم الذي كتب "عجائب بغداد"، وشاكر نوري الذي كتب "شامان"، وأنعام كه ججي التي كتبت "الحفيدة الأميركية" وما إلى ذلك وهم صحفيون وروائيون في الوقت ذاته. لا شك في أن طاهري ينظر إلى العلاقة المختلفة بين البوستر الجيد واللوحة الممتازة، وبين النص الصحفي الجيد والعمل الأدبي الممتاز، وكل ما في الأمر أنه لا يفضل المزج بين الاثنين. ومن حسن الحظ فإن طاهري يرى في لؤي كاتباً روائياً لم تأخذه الصحافة كلياً، وهو يعني من بين ما يعنيه أن اللغة الصحفية العابرة لم تتسلل إلى نصه الأدبي، ولهذا نجح حينما كتب نصه الروائي الأول "كوميديا الحب الإلهي". يعتقد طاهري بأن هذه الرواية ليست تقليدية في شكلها ومضمونها، وأنها ليست تقليدية في بنائها الذي يتضح من خلال الوحدات الثلاث التي أشرنا إليها قبل قليل وهي البداية والوسط والنهاية، كما لفت طاهري الانتباه إلى شخصياتها المتعددة التي تنطوي على ثراء واضح وملموس.

المنفى وأشياء أخر
ذكر طاهري بأن بعض الحاضرين قد يتساءلون تساؤلاً مشروعاً مفاده: ما هي ثيمة الرواية؟ وما هي الموضوعات التي تتناولها؟ فأجاب بدوره على هذا التساؤل قائلاً: أستطيع القول بأن هذه الرواية تتمحور حول المنفى، كما تتناول أي موضوع آخر يخطر ببال القارئ بحجة أنك لا تستطيع أن تعزل جانباً واحداً من الحياة وتضعه تحت المجهر من دون أن تحيطه ببقية جوانب الحياة الأخرى. كما أضاف بأن هذه الرواية تدور حول الحياة، والحب، والقسوة، والصداقة، والخيانة، وانعدام الثقة بالنفس، وصراع الحضارات، إنها ببساطة عن كل شيء في الحياة. ربما لا نتقف كنقاد حول التعميم والقول بأن "هذه الرواية تتناول كل شيء في الحياة" لأن الحياة أوسع بكثير من أن يضمها أي كتاب. أشار طاهري في معرض حديثه المقتضب إلى أنّ الرواية تتوفر استرجاعات كثيرة للماضي، وهروب بعض الشخصيات المطاردة والمقموعة إلى لندن، كما أنها تتناول جزءاً من تاريخ العراقي السياسي، ولكنها تبقى من وجهة نظره رواية لا تنتمي إلى تيار "الواقعية الاجتماعية". أحالنا طاهري إلى جورج لوكاش مرة أخرى حينما ذكّرنا بطروحاته التي تقول " بأن الرواية يجب أن تظل قريبة جداً من الواقع" فطاهري يرى بأن لؤي عبد الإله في هذه الرواية "كان قريباً من الواقع، أمام الواقع وخلفه، وفوق الواقع وتحته في آن معاً، بل وذهب أبعد من ذلك حينما قال بأن الواقع يذوب في الرواية، وتذوب الرواية في الواقع نفسه".

الشخصية الأنثوية
تحدث طاهري عن شخصيات النص الروائي وقال إنهم إمّا إن يصلوا متأخرين أو يغادروا متأخرين، وهذا التأخر قليلاً أو كثيراً هو الذي يغيّر حياتهم، ويتلاعب بمصائرهم التي لم يستطيعوا السيطرة عليها وتوجيهها بالاتجاه الذي يريدونه. لقد نجح لؤي عبد الإله، كما يرى طاهري، في خلق الشخصية الأنثوية، ووصفه بأنه متمكن في صناعة هذه الشخصية الأنثوية التي فشل غالبية الكتاب العرب في خلقها بالشكل الصحيح الذي يتناسب مع معطياتها الأنثوية. اختتم طاهري حديثه بالقول إن هذه الرواية لا تحتفي باللغة البلاغية الفخمة أو التزويق اللفظي الذي قد لا يضيف أي شيء للنص الإبداعي، فلغة لؤي عبد الإله هي لغة أدبية معبِّرة تنبثق من أعماق الشخصيات بحسب ثقافتها ومستواها الاجتماعي. كما أشار إلى توظيف الروائي للفتوحات المكية في الرواية، لكنه أسند مهمة الحديث عنها إلى الروائي نفسه لأنه يتوفر على باع طويل في هذا المضمار.
أتاحت لنا التقنيات الحديثة الاستماع إلى شهادتين نقديتين الأولى، للناقد سعد هادي، المقيم في فنلندا حالياً، وقد استمع إليها الحضور كلها، أما شهادة الناقد ياسين النصير فقد كان الصوت فيها رديئاً جداً وقد عزاه الأستاذ علي رفيق إلى العاصفة الترابية في العراق، بينما يكمن الخلل الحقيقي في رداءة التصوير لا غير الأمر الذي حرمنا من متابعة هذه الشهادة التي لم نستمع إلى جزء بسيط منها. لن أتوقف عند أي من الشهادتين لسبب بسيط مفاده أنهما منشورتان في أكثر من موقع إليكتروني، ومن يحب الاستزدادة يمكنه الاستعانة بغوغل الذي سيمكِّنه في الحال من الوصول إلى الشهادتين المذكورتين.
وبعد الانتهاء من مداخلات المُحاضرَين والاستماع إلى شهادة الناقد سعد هادي دار حوار بين الجمهور والمحاضرين الثلاثة.
تدخَّل السلطاني حينما تناهى إلى سمعه توصيف "البطل الإيجابي" لأن معظم الشخصيات تبدو سلبية من وجهة نظر بعض القرّاء فقال:" لا توجد شخصية إيجابية بالرواية، لأن السلب والإيجاب هو حكم أخلاقي، وليس حكماً جمالياً أو فنياً يأتي غالباً من خارج النص. استشهد السلطاني بالشاعر البريطاني فيليب لاركن الذي يُعاب عليه أنه يكتب قصائد متشائمة، وهو يرى، أي السلطاني، أنّ القصيدة الأكثر تشاؤماً هي القصيدة الأكثر تفاؤلاً في العالم لأنها تكشف أمامنا واقعاً معيناً من دون تجميل. فالمبدع يجب أن يكشف العالم بكل قبحة ومآسية، وهذه الدعوة لا تتم إلاّ عبر الفن، وليس الكلام النظري، إنها دعوة لتغيير الواقع بواسطة كشف القبيح بهدف تغييره. فحينما يقدِّم لنا الشاعر مشهداً حزيناً فهي دعوة مبطّنة وغير مباشرة للفرح. وفي معرض تعليقه على الشخصيات قال السلطاني إنها لم تحقق ذواتها جميعاً باستثناء "عبدل" الذي كان شخصية فاعلة في الرواية لأنه يعرف هدفه سلفاً، أما بيداء فهي شخصية منفعلة، وأعتبرها مجرد ردّ فعل لأفعال سابقة. حتى صالح كان يتمنى في أعماقه لو أنه لم ينتمِ للعمل الثوري المسلّح لربما تغيّر مصيره تماماً. في ختام الأمسية تدخّل خالد القشطيني وقال مخاطباً الروائي لؤي عبد الإله لو أنك كتبت عن حقبة العشرينات والثلاثينات المفرحة لأحبّك القارئ، ولكنك كتبتَ عن مرحلة الستينات والسبعينات والثمانينات وهي مراحل حزينة في تاريخ العراق، ولو فعلت مثلي لأحبوك القرّاء كما يحبون مقالاتي الممتعة التي تجعلهم يضحكون أو يبتسمون في الأقل. فردّ عليه أمير طاهري قائلاً: "المتعة ليست في الأشياء التي تجعلك تضحك يا خالد، فالتراجيديات اليونانية يمكن أن تحقق لك المتعة، ورواية لؤي هي ممتعة بهذا المعنى".
وقد ركّز الروائي لؤي عبد الإله في واحدة من إجاباته على أن هدف الرواية هو "الإمتاع" الأمر الذي حفّز على الجمهور على إثارة أكثر سؤال اعتراضاً على فكرة "الإمتاع". فالرواية أو أي نص إبداعي قد يكون هدفه الإمتاع، ولكن ثمة أهدفاً أخرى عديدة يحاول الروائيون تحقيقها من بينها الاستفزاز، المشاكسة، الفائدة العلمية، إقلاق القارئ، تحطيم قناعاته وما إلى ذلك من أهداف يعرفها القارئ جيداً. كما تحدث عبد الإله عن بعض المواقف الخاصة التي كان منشغلاً بها في أثناء كتابة روايته وبالذات ما يتعلق منها بالفتوحات المكية، وكيفية توظيفها ضمن نصه الروائي الذي لم ينل حقه من الرصد والدراسة والتحليل.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية الجسد
- نأي الرأس وغربة الجسد في مرويات تحسين كرمياني
- بحر كاظم يستنطق ذاكرة المكان وتجلياته عند سعود الناصري
- الكتابة في ظلال ملحمة كلكامش
- ترجمة النفس
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (2-2)
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (1-2)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)
- السخرية السوداء واللغة المبطنة في روايات الداودي
- الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - قراءات نقدية ل (كوميديا الحُب الإلهي)