أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حرية الجسد














المزيد.....

حرية الجسد


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3676 - 2012 / 3 / 23 - 11:13
المحور: الادب والفن
    


تتسم التجربة الفنية للمخرجة رانية محمد توفيق، المقيمة في الدنمارك حالياً، بالتنوّع والثراء من جهة، والمغايرة والاختلاف من جهة أخرى، ذلك لأن مرجعيتها الإخراجية دنماركية قلباً وقالباً. وعلى الرغم من أنها عاشت نحو اثني عشر عاماً في سوريا وتونس إلا أن المناخ الثقافي الدنماركي هو الذي طبع حياتها اليومية والاجتماعية. كما أن دراستها للإخراج السينمائي في مرحلتي البكالوريوس والماجستير قد عززت لديها هذا النزوع الثقافي الغربي على وجه العموم. لابد من التنويه إلى أن الجيل الثاني من المهاجرين أو المُقتلعين من جذورهم بطريقة أو بأخرى يحاولون العمل دائماً في المنطقة الوسطى بين البلد الطارد للأبناء وبين البلد المُستقبِل لهم والذي يمنحهم غالباً حقوقاً وامتيازات لم يحلموا بها في بلدانهم الأصلية، فلاغرابة أن تركّز رانية محمد توفيق على موضوعات عراقية أو عربية كما هو الحال في فلميها السابقين (نوال) و (خالد) أو حتى في فلمها الثالث (نسمة هواء) الذي نحن بصدد تحليله وقراءته قراءة نقدية متأنية. لابد من الإشارة إلى أن رانية محمد قد حصلت على شهادة الماجستير من أكاديمية (الفلم والإعلام) في كوبنهاغن فلاغرابة أن تكون تقنياتها غربية بالكامل، بل أن رؤيتها الإخراجية هي رؤية أوروبية صرف سواء في التعاطي مع موضوعات حرة أو اختيار ثيمات قد تبدو جريئة بالنسبة للمتلقي العربي، لكنها طبيعية ومألوفة بالنسبة للمُشاهِد الغربي. لا تنطوي أفلام رانية محمد على أي شكل من أشكال الترهل السينمائي أو الثرثرة البصرية، ذلك لأن كل شيء فيها محسوب بدقة متناهية. ففي فلم (نسمة هواء) ثمة فكرة واحدة لا غير هي التي شغلت بال المخرجة وعملت عليها على مدار الفلم الذي يبلغ طوله (25) دقيقة. وجوهر الفكرة أن الفتاة الشابة (سحر) التي تبدو منهمكة في مظهرها الخارجي من جهة، ومنغمسة في عالمها الداخلي من جهة أخرى، تريد أن تتعلم الرقص، وأن تشارك زميلاتها الاثنتي عشرة فتاة في الرقص، فمن غير المعقول أنهن جميعاً يرقصن ويغنين ويفرحن، فيما تظل هي منعزلة لوحدها، ومنطوية على عالمها الخاص. فسحر حينما ترقص تشعر بالسعادة حقاً، وهذه المشاعر الداخلية العميقة كانت بداية للفلم، كما أن الشعور بالحرية كان نهاية له. أما التفاصيل التي تؤثث متن الفلم فقد انطوت على الكثير من المفارقات التي تضع هذا الفلم في سياقه المبهج الذي رسمته هيكليته المخرجة المبدعة رانية محمد. يقوم بعض المواقف في الفلم على المفارقة اللغوية، فحينما يتحدثن عن كلمة (الفيس بوك) التي صادفتهن في لعبة (من غير كلام)، أي الوصول إلى معنى الكلمة بواسطة التعبير الإيمائي (البانتومايمي) قالت شقيقة الفتاة المشاركة في اللعبة: أتقرأين القرآن؟ أتغسلين وجهكِ؟ أترتدينَ الحجاب؟ إذ تصورّت أنها تعني (وجه وكتاب)، وأخيراً وبعد جهد جهيد تذكرت كلمة (فيس بوك) الإنكليزية التي يعرفها معظم الناس الذين يتعاطون مع الإنترنيت في الأقل. تشعر سحر بأن الهواء نقي على سطح المنزل، وهو كذلك في معظم الدول الأوروبية تقريباً، لكن الأكثر أهمية أن هذه النقاوة في الهواء العليل يُشعِرها بالحرية والاسترخاء. أما جدران الغرفة أو المنزل على سعته فإنه يسبب لها الكدر والضيق والاختناق. فتيات الجيل الأول يتحدثن الدنماركية بطلاقة، ويتقنَّ حتماً عدداً آخر من اللغات الأوروبية الحيّة. كما أنهنّ متفحتات، يدخنّ النارجيلة على غرار الفتيات الشاميات واللبنانيات، لأنهن يحملن جزءاً من ذلك الموروث العربي المتفتح الذي قد لا تجده في دول عربية أخرى. لم تخرج النكات التي يتبادلنها عن الإطار اللغوي أيضاً مثل نكتة (أبو عبد) التي شاعت على الإنترنيت. إذ خاض هذا الرجل امتحان اللغة الإنكليزية وهو لا يتقن منها سوى عبارة (تعال هنا)، وحينما سأله الأستاذ: كيف تقول لشخص تعال هنا بالإنكليزية؟ فأجاب: أقول له: (كوم هير). وإذا كان هناك، بعيداً عنك قليلاً، فماذا تقول تقول: أذهَبْ إلى هناك وأقول له (كوم هير)! تحاول سحر أن تتعلم معظم الرقصات العربية التي تبعث على الفرح والمسرّة مثل الدبكة العربية، والرقصات الشامية التي يشترك فيها النساء والرجال، خصوصاً وأنها تتصف بالخفة والحيوية والحركات السريعة المبهجة. ثمة فتيات كثيرات في هذا الفلم نذكر منهن ديانا، ميسون، فاطمة، عصمت، آية، كارولين، أمينة وأخريات يأتين على الموعد، لكن هناك اثنتين منهن يتأخرن دائماً عن مثل هذه الحفلات البيتية الجميلة وهنّ دعاء وسيرين اللتين يتمترسن وراء أعذارهنّ القوية أو الواهية على حد سواء. تنهمك الفتيات جميعاً بالرقص، فيما تظل سحر مترددة، خائفة من بعض الأخطاء التي قد ترتكبها في هذه الرقصة أو تلك، لكن ديانا تتبرع بتعلميها الدبكة، مثلما تعلمها الأخريات أنواعاً أخرى من الرقصات العربية الشائعة والمألوفة في أوساط الجاليات العربية. تتقدم سحر رويداً رويداً في أدائها لعدد من الرقصات الشعبية الجميلة التي تمنحها إحساساً عميقاً وراسخاً بالحرية، فهي حينما ترقص لا تفكر بشيء، وإنما تشعر بالتحليق والبهجة والاسترخاء. عالجت المخرجة رانية محمد فكرة النص بطريقة ذكية، كما استطاعت أن تدير لنا هذه المجموعة الكبيرة من الفتيات اللواتي بلغ عددهن ثلاث عشرة شخصية، كما نجحت في التعاطي مع الشخصية الرئيسية سحر، وكشفت لنا الكثير من جوانب شخصيتها الخارجية والداخلية بلقطات ومشاهد سينمائية شديدة البلاغة والتعبير.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نأي الرأس وغربة الجسد في مرويات تحسين كرمياني
- بحر كاظم يستنطق ذاكرة المكان وتجلياته عند سعود الناصري
- الكتابة في ظلال ملحمة كلكامش
- ترجمة النفس
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (2-2)
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (1-2)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)
- السخرية السوداء واللغة المبطنة في روايات الداودي
- الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حرية الجسد