أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بحر كاظم يستنطق ذاكرة المكان وتجلياته عند سعود الناصري















المزيد.....

بحر كاظم يستنطق ذاكرة المكان وتجلياته عند سعود الناصري


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3669 - 2012 / 3 / 16 - 13:44
المحور: الادب والفن
    


يندرج الفلم الوثائقي (ذاكرة المكان) للمخرج بحر كاظم تحت لافتة الأفلام الوثائقية التي ترصد أوضاع الوطنيين العراقيين المُقتلعين من جذورهم، والمهجّرين قسراً من أوطانهم إلى المنافي العالمية في مشارق الأرض ومغاربها. وقد وقع اختيار المخرج بحر كاظم على شخص وطني مرموق وهو الكاتب والصحفي سعود الناصري الذي لم يقتصر اهتمامه على الصحافة حسب، وإنما تعداها إلى التلحين والرسم، هذا إضافة إلى انغماسه في العمل السياسي فقد كان واحداً من أبرز قيادات الحزب الشيوعي العراقي في تنظيمات الخارج. يستهل المخرج فلمه الوثائقي بأغنية (الويل ويلاه أصل / الليل كله أصل) وهي من تلحين وغناء الفنان سعود الناصري. وجاء هذا الاستهلال لتعزيز تعددية المواهب لدى بطل الفلم وشخصيته الرئيسية بامتياز، تلك الشخصية التي تعاني من الغربة الموجعة والحنين المُمض المتواصل للأهل والأصدقاء.
اعتمد المخرج بحر كاظم على تقنية (الفويس أوفر) كثيراً لتسليط الضوء على الشخصية الرئيسية التي لعبت دوراً فاعلاً في المشهد الثقافي والسياسي العراقي في الخارج. وقد ارتأى المخرج أن تكون انطلاقة الفلم من منزل سعود الناصري في منطقة (غرين فورد) غربي لندن، وقد وصف السينارست هذا المنزل بـ (القَمرة المعلّقة) بين الأرض اللندنية وسمائها النائية حيث يبثّ فيها المُغترِبون أشواقهم ويغنّون (أحلامهم المعتَّقة) بفعل الغربة الطويلة واشتطاط المزار. كما ينفتح المشهد الداخلي للبيت على أثاث جميل، وصور حميمة، وآلة عود شرقية تذكِّرنا بأن سعود الناصري فنان وموسيقي حتى وإن انقطع عن التلحين لمدة ليست بالقصيرة. فحياته نسيج متشابك من الكلمات والنوتات الموسيقية، وأكثر من ذلك فإن طيبته الجارفة تغمر كل شيء في أرجاء هذا المنزل الوثير، والمفعم بالمشاعر والأحاسيس الداخلية الفيّاضة. يتنازع الناصري مكانان لا ثالث لهما، وهما الوطن والمنفى. وعلى الرغم من نأي المسافات إلاّ أن عينيه المغمضتين بقوة كانتا تريان أعمق مما تبوح به الصور التلفازية وهي تنقل المَشاهد الدموية المرعبة التي تنهش في أحشاء الوطن الذبيح. لم يعرف الناصري طوال غربته المكثّفة اليأس أو الإحباط أو الفتور لأن قطرات الضوء التي كانت تتساقط على جبينه كانت كفيلة بأن تبدِّد جيوش الظلام التي دهمت أرض الرافدين وأحالتها إلى بقعة منسيّة في ذلك الزمن اللقيط الذي تسيّد فيه الاستبداد، وهيمنت فيه الدكتاتورية.
يطل الناصري بين أوانٍ وآخر لكي يقدِّم وجهات نظره عن الوضع المأسوي في العراق حيث يموت الناس كل يوم موتاً مجانياً لا مسوِّغ له، فلاغرابة أن يقول بأن الإنسان العراقي هو هدفهم الأول والأخير وهم يعملون جميعاً (من أجل أن يتعافى العراق وأن يُسعَد العراقي).
كثيرون أولئك الذين يعرفون بأن سعود الناصري كان مريضاً، معتّل الكِلية إلاّ أنه كان يهتدي بنقطة الضوء المنبعثة من لؤلؤة الروح التي تمنحه نشوةً أبدية تحمل في طياتها سرّ عناده، ورغبته المحمومة في مواصلة طريق النضال حتى وإن كانت شاقة، معقدة، محفوفة بالمخاطر. يذكِّرنا الناصري على مدار الفلم بأن العراق مُمتحَن وقد تحوّل إلى حقل من الألغام التي تتفجّر يومياً تحت أقدام الفقراء والمُعدمين، بينما ينهمك أصحاب الكراسي الوثيرة بلعبة التحاصص التي جزأت المشهد السياسي الرخو، لكنها لم تفلح في تجزئة وحدة الشعب المتماسك مثل البنيان المرصوص. الأغنية الوطنية تفي بغرضها وهي تُوصل رسالتها الصريحة إلى الوطن مخاطبة إياه: (لا تحزن وأولادك أحنه / بوجه الريح نزيد إصرار). مثلما أشرنا آنفاً بأن الناصري لم ينقطع عن الفن كلياً، وها هو الآن يلحِّن أنشودة من كلمات الشاعر فلاح هاشم تتمحور حول الوضع في العراق وهي تصلح أن يؤديها كورس كبير وفرقة موسيقية مهيبة، أكثر مما تصلح للأداء الفردي نذكر منها: ( يا سومر يا أكد وبابل يا سفر المجد بآشور / ما يرجع دولاب الدنيا ليكدام يظل يدور). ثمة عودة موغلة في القِدم يتعمّدها كاتبا السيناريو فلاح هاشم وبحر كاظم إلى وقع أقدام الناصري طفلاً على طرق البصرة وأرصفتها المختبئة تحت ظلال النخيل وهما يتساءلان تساؤل المستفهمين عن الشيء الذي ورثه سعود من أبيه الصحفي أيضاً عبد الرزاق عبد العزيز الناصري، هل هو وهج الصدق أم لوعة العشق؟ ويخلصان إلى القول بأنه المغترب الذي يبحث تحت سماوات المنافي عن نجمة عراقية تعيد له بعض هدوئه المفقود منذ زمن طويل. تؤكد سيرته الذاتية بأنه من مواليد 1939، لكنه آثر الدخول في المعترك السياسي منذ وقت مبكر حيث أصبح عضواً في اتحاد الطلبة العام، ثم مسؤولاً للإعلام فيه عام 1960. ثم تدرّج في المسؤوليات والمناصب حتى أصبح رئيس اتحاد الطلبة العراقيين، ورئيس طلبة البلدان العربية في الاتحاد السوفييتي، كما كان منهمكاً بالعمل في القسم العربي في إذاعة موسكو حتى عام 1968. وحينما التحق بإذاعة بغداد تضاعفت مهامه، وتزايدت مشاغله حتى صار يتنقل بين فنلندا ومنغوليا وجيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفييتي مشاركاً في العديد من المؤتمرات والندوات الصحفية العالمية. كما عمل رئيساً للمحررين في صحيفة الجمهورية، لكنه لم يطق الحملة الشعواء التي شنّتها الأجهزة الأمنية التابعة للنظام الاستبدادي السابق ضد الوطنيين العراقيين الذين ينتمون للأحزاب اليسارية والإسلامية والقومية فغادر العراق مُكرهاً ميمماً وجهه شطر المنافي الثلجية تارة أخرى. يستعرض المخرج بحر كاظم تأثير مرحلة المنفى القسرية على شريحة مثقفة واسعة من الشعب العراقي حملت فكرها ووطنها في القلب والذاكرة، وما الناصري إلاّ أنموذج واحد لآلاف النماذج التي هاجرت مضطرة على أمل أن تعود ذات سنة إلى عراق لا يرزح تحت قبضة دكتاتور متجبِّر. يحاول المخرج التركيز على الناصري بوصفه مثقفاً، فهو محرر ومترجم ومشرف على النصوص المُترجَمة إلى العربية في صحيفة (أنباء موسكو) بين عامي 1978 و 1982، ثم مراسلاً لصحيفة (طريق الشعب) ومجلة (الثقافة الجديدة) في موسكو حتى عام 1984. وحينما ضاقت به موسكو على سعتها عام 1992 طلب حق اللجوء السياسي إلى لندن مثل آلاف العراقيين الذين أداروا ظهورهم لبلدان الاتحاد السوفييتي برمته ويمموا وجوههم شطر العواصم الغربية التي كانوا يناصبونها العداء ويحلمون بهيمنة معسكرهم الاشتراكي عليها، لكن هذا المعسكر المهيب تضاءل إلى الحد الذي حافظ بالكاد على بضع قطرات من ماء الجبين! ظل الناصري خبيراً في الشؤون الروسية وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة التي تفككت تباعاً، لكنه لملمَ وضعه الثقافي من جديد وأصدر من دون دعم مشروط صحيفة (الأبيض) بالتعاون مع زوجته ليلى البياتي، ورفيقته مهنته الصحفية والروائية العراقية سلام الخيّاط. لقد استدعى الناصري كل خبراته الصحفية التي اكتسبها طوال حياته السياسية والنقابية والإعلامية والفنية وبدأ يوظفها في مختلف كتاباته التي تهدف إلى فضح كل الأعمال الشريرة والدفاع عن حقوق الناس. كما كان يركِّز على ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار للمواطنين. وبغية كسر هذا الإيقاع التنظيري كان لابد للمخرج بحر كاظم أن يطعّم هذا المناخ الفكري في مجمله بأغنية يؤديها الفنان الناصري بصوته الدافئ، وبالفعل غنّى أغنية روسية جميلة عنوانها (في موسكو المساء) آزره فيه عدد من الراقصين والراقصات الذين أضفوا على الحفل جواً رومانسياً حميماً. هكذا يجترح المغترِبون المسرّات، ولكنهم يحلمون دائماً بالعودة إلى النبع الأول، وهم مثل سعود الناصري (الذي لا يضع خدّه إلاّ على خدّ العراق)، فكل المحطات تبدو غريبة، وغالبية المغترِبين العراقيين يجلسون على حقائبهم بانتظار قطار العودة. ثمة انعطافة أساسية في هذا الفلم يمكن تأشيرها برياح التغيير التي هبّت على العراق، لكن القطار الإنكلو- أميركي جاء محمّلاً (بأدرانٍ جديدة) لعل أبرزها الطائفية والتحاصص. فالطائفية بحسب الناصري لم تكن موجودة في العراق، وإنما جاءت مع المُحتَل لأن الشعب العراقي متآخٍ منذ آلاف السنين. والاحتلال هو الذي جسّد التحاصص حينما أسس مجلس الحكم الانتقالي على أساس طائفي صرف وقاد العراق إلى سلسلة من المحن والمصائب التي لم تنتهِ حتى الآن. وعلى الرغم من تردّي الأوضاع السياسية في العراق عقب الاحتلال مباشرة إلا أن سعود الناصري ظل داخل الحلبة مؤمناً بأن قوة الكلمة الحقة هي المنفذ السديد للخروج من سلسلة المآزق الجديدة، فلاغرابة أن يضع ثقته في اللجان والتنظيمات الثقافية والصحفية والفنية التي تفضح كل شيء بدءاً من المحتل، مروراً بأدواته ومخالبه في داخل العراق، وانتهاءً ببراثن الإرهاب التي استهدفت العقل العراقي وذهبت في توجهاتها الإجرامية إلى أقصى الحدود. لقد نجح المخرج في إيصال رسالة أخلاقية إلى المتلقين مفادها أن الناصري بوصفه سياسياً محنّكاً ومثقفاً عضوياً يعرف علّة الوطن ودوائه، وعلى الرغم من علّته الشخصية إلا أنه كان يعضُّ على الجرح (ويغالب أوجاعه الشخصية) مركزاً جُلَّ اهتمامه على جسد العراق المعتّل. يشير الناصري في نهاية الفلم مثل طبيب حاذق متمرِّس إلى ضرورة استئصال الطائفية بوصفها مرضاً سرطانياً فتاكاً من جسد العراق والقضاء على جريمة التحاصص والمتحاصصين الذين سرقوا (كعكة العراق) في رابعة النهار (وتركوا العراقيين يخرجون من المولد بلا حمّص) كما يقال! أما اللازمة الأخيرة التي أنهتْ الفلم بحرفية عالية فكانت أشبه بشعار مكتوب بالخط العريض يحذِّر من مواصلة اختطاف الوطن بطرق أخرى ونهب ثرواثه جهاراً نهاراً من دون أن يهتّز لهم جفن. وقد جاء التحذير على الشكل التالي: (عندما يتعرض الوطن إلى مذبحة فيجب على العراقي الوطني الحقيقي أن يدافع ويتحد وينسى المصالح الضيقة والشخصية والذاتية سواء أكانت أحزاباً أو حركات). أما خلاصة هذه اللازمة فمفادها أننا كعراقيين أصلاء (يجب أن نقف موقفاً صُلباً ضد الطائفية والتحاصص).



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة في ظلال ملحمة كلكامش
- ترجمة النفس
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (2-2)
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (1-2)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)
- السخرية السوداء واللغة المبطنة في روايات الداودي
- الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران


المزيد.....




- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بحر كاظم يستنطق ذاكرة المكان وتجلياته عند سعود الناصري