أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الكتابة في ظلال ملحمة كلكامش















المزيد.....

الكتابة في ظلال ملحمة كلكامش


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3667 - 2012 / 3 / 14 - 11:45
المحور: الادب والفن
    


نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية ثقافية للشاعر فوزي كريم. وقد ساهم في تقديمه الباحث محمد توفيق، عضو جمعية أنهيدوانا المعنية بالسومريات أيضاً. استهلّ الشاعر فوزي كريم حديثه عن ملحمة (كلكامش) بالتنويه إلى أنه ليس معنياً بالأدب السومري، وغير متخصص بالتراث العراقي القديم، ولكنه مفتون بهذه الملحمة، تماماً كما هو مفتون بسماع الموسيقى، وتذوقها، ومتابعتها، والكتابة عنها، لكنه ليس متخصصاً بها. أشار فوزي كريم إلى أنه أحاط بهذه الملحمة من خلال الترجمات المتعددة لها من اللغات السومرية والأكدية والآشورية إلى اللغة الإنكليزية، أما الترجمات العربية فهي محدودة جداً، وتكاد تقتصر على ترجمة طه باقر، الأمر الذي يكشف عن ضآلة الاهتمام العراقي بهذه الملحمة الإنسانية العظيمة، أما إذا ذهب القارئ إلى محرِّك البحث (غوغل) فسيجد (10,300,000) مادة، وهو رقم مذهل يكشف عن حجم المتابعة والاهتمام بهذه الملحمة الكبيرة. ولابد لهذا الكم الكبير من المواد والكتب أن يعزِّز ثقة القارئ، ويلبّي حاجته، ويشفي غليله المعرفي. هذا إضافة إلى أن الإنكليز أو الأوروبيين بشكل عام هم الذين اكتشفوا ألواح هذه الملحمة، وأن مجمل الأنشطة المؤازرة لهذا الاكتشاف تكاد تكون أوروبية غربية. ذكر كريم بأن الاهتمام الأوروبي الهائل بدأ منذ اكتشافهم للألواح في عام 1852 في مكتبة آشوربانيبال في نينوى، حيث كان هذا الملك يحتفظ بمكتبة كبيرة جداً من الألواح الطينية المفخورة التي كانت مدفونة تحت التراب لحين لحظة اكتشافها، ولو كانت شاخصة للعيان لكان مصيرها لا يختلف كثيراً عن مصير (تمثال بوذا) الذي فجّره الأصولويون المتخلفون في أفغانستان. ويبدو أنه من حسن حظ الثقافة العراقية والعالمية أن هذه الألواح قد نُقلت إلى سراديب المتحف البريطاني الذي يضم الآن عشرات الآلاف من هذه الألواح غير المقروءة التي تم حفظها بعيداً عن أيدي المتطرفين، وهي تحتاج إلى طاقم كبير من المتخصصين بقراءة النصوص السومرية القديمة.

اكتشفت طوفان نوح!
توقف فوزي كريم عند حادثة جورج سميث، أحد علماء السومريات الذي كان أميناً للمتحف البريطاني عام 1872 والذي كرّس جلّ حياته للبحث في هذه الألواح والكشف عن مضامينها. سمع العاملون في المتحف أصواتاً قادمة من أعماق السراديب، وحينما ذهب بعضهم إلى هناك وجد جورج سميث عارياً يرقص أمام هذه الألواح الطينية ويصرخ قائلاً: (لقد اكتشفت طوفان نوح)، وهذا يعني أنه استطاع قراءة ملحمة كلكامش، وعرف قصة الطوفان التي تعتبر واحدة من أهم محاور الكتاب المقدّس، وأن جذور هذه القصة تعود إلى هذه الملحمة، أي إلى قبل 2000 سنة من عودة اليهود من السبي البابلي. ذكر الشاعر و(الباحث) فوزي كريم أن هذه المخطوطة كُشفت عن الآشورية، لأن الآشوريين احتفظوا بهذا التراث عن الأكديين، والسومريين، ولذلك انطوت القصة على بعض الاختلافات عن النصوص المتفق عليها. كما توقف كريم عند اللغتين الأكدية والسومرية، فحينما جاء الأكديون بعد السومريين احتفظوا باللغة السومرية لأنها لغة المثقفين والنخبة والمدارس. نوّه كريم إلى أن الشخص الذي يقرأ بعناية فائقة، ويغوص في الدراسات التحليلية والنقدية التي كُتبت عنها سيجد أشياء مذهلة، ذلك لأن معظم القصص والظواهر الثقافية والأسطورية والدينية تعود جذورها إلى تلك الملحمة، وأورد بعض القصص منها قصة (موسى) الشهيرة التي تقول: (أمي الكاهنة أنجبتني وحملتني سراً، وضعتني في سلّة من قصب، وبالقار أحكمت إغلاق غطائها، ورمت بي على غير هدى في التيار الذي لا منجىً منه حتى جاء بي النهر إلى آكي ساقي الماء) الذي ينقذه بعد ذلك. أكدّ كريم بأن قصة الطوفان التي وردت في الملحمة هي القصة نفسها التي وردت في التوراة والقرآن، لكن هذا لا يهم الباحث كثيراً، لأن النقطة المهمة، من وجهة نظره، هو أن نكتشف في هذه الملحمة معظم العناصر الأساسية للعلوم المعرفية الحديثة مثل علم النفس، وأطاريح الفكر الفلسفي بشأن الحب، والحياة الأبدية، والموت، وبقية الأفكار والمفاهيم المهمة التي تشكِّل ألغازاً محيّرة للفلاسفة والبشر العاديين على حد سواء.

خلق أنكيدو
يعتقد فوزي كريم أن أعظم ما في الأسطورة حكايتها الممتعة، والآسرة في مخيلتها، والأكثر من ذلك أنها ملغومة حد الإشباع بالدلالات الرمزية العميقة التي تحتاج إلى قراءة كتب نقدية وتحليلية أخرى تعزِّز النص الأصلي الذي قسّمه الباحث فوزي كريم إلى ثلاثة أقسام، إذ ينطوي القسم الأول على خلق أنكيدو، وهو الشخص الثاني في الملحمة. أما القسم الثاني فيتضمن موت أنكيدو، فيما يشتمل القسم الثالث والأخير على تغريبة كلكامش، والبحث عن سرّ الأبدية، ومحاولة تجنّب الموت. وقبل الولوج في تفاصيل الأقسام الثلاثة لابد من الإشارة إلى أن كلكامش يتكوّن من ثلثي إله وثلث بشر كما يعتقد كاتب الملحمة، لذلك فإن طبائعه، كما يقول الباحثون والدارسون، هي طبائع روحية، بينما خلق أنكيدو من طين خالص، أي أنه تكوين بشري مئة في المئة، وربما لهذا السبب البشري فإن أنكيدو أقرب لنا من كلكامش كثيراً. ذكر كريم بأن كلكامش يفخر بأنه باني أوروك (الوركاء) أول مدينة في التاريخ، وأنها رمز من رموز أمجاده التي يفاخر بها أمام الملأ، ولكنه كان قوياً، ومتجبراً، ومستبداً، يسطو على نساء المدينة على هواه، ولا يقبل أن يدخل أحد على عروسته قبل أن يدخل عليها كلكامش نفسه! وعلى الرغم من التجنّي الواضح في فعل الاغتصاب الذي يقوم به كلكامش إلاّ أن الباحث فوزي كريم يطالب المتلقين والقرّاء أن يفهموا هذا الفعل المموّه بمزيد من الدخان والذي يؤلف الحس البدائي آنذاك! لأن الاغتصاب يجب أن لا يفهم بالطريقة الحديثة، ذلك أن مفهوم الجنس في تلك المرحلة يختلف عن مفهوم الجنس عن هذه المرحلة الراهنة. فالجنس الذي تمارسه عاهرة المعبد كان مقدساً ومرتبطاً بالخصب، لذلك كانت تنذر نفسها حينما تذهب إلى المعبد لكي تمارس الجنس مع أول رجل يدخل إلى المعبد، لأن هذه اللحظة بالنسبة إليها مقدسة! أشار الباحث إلى تغيّر معاني المفردات ودلالاتها بعد أن مرّت عليها بضعة آلاف من السنين والتأثيرات الاجتماعية والدينية والأخلاقية، وألغت مفهوم الغرائز الداخلية الخام التي لم تكن تخضع لمعايير الخطأ والصواب بحكم بدائيتها آنذاك. وعلى الرغم من كل المعطيات المُشار إليها سلفاً إلا أن مدينة أوروك قد ضاقت ذرعاً بكلكامش، وبدأوا يتذمرون، ويشتكون، ويلتمسون من الآلهة أن تعينهم، وتساعدهم على إيقاف هتك أعراض الناس من قبل هذا البطل الفتي، الجميل، الذي يأسر ألباب النساء! تجتمع الآلهة وتتفق على خلق كائن آخر بشري لكي يقف بوجه كلكامش، ويحدّ من طغيانه وغروره. تُكلّف إحدى الآلهات بخلق هذا الإنسان من طين، أي من سلالة البشر، وليس من سلالة الآلهة، فيكون في شكل الإنسان البدائي الشبيه بالحيوان، ثم تلقيه على الأرض. يقارب الباحث فوزي كريم بين عملية خلق أنكيدو وخلق آدم ويجد أنها متقاربة جداً، فكلاهما خلق من طين، وهذا ما قرّب أنكيدو منا نحن البشر، فيما ابتعد كلكامش عنا بمسافة بعيدة، ذلك لأن تكوينه إلهي في جزء كبير منه.

إغواء أنكيدو
تُكلّف شامات، إحدى عاهرات المعبد باغواء أنكيدو، واستدراجه إلى المدينة، ثم تمارس معه الحب سبعة أيام وسبع ليال، وتسقيه نبيذاً فيستمتع ويتلذذ، ولكن الخوار يصيبه، ولم يعد يتوفر على نشاطه (الحيواني) السابق. يرى الباحث فوزي كريم بأن نشاط أنكيدو الحيواني بدأ يتهذّب، ويتحول إلى نشاط إنساني، وأن لحظات التعب والضعف هي لحظات إنسانية بامتياز. وقد أفلح فوزي كريم الشاعر والباحث في آنٍ معاً حينما وصف هذه اللحظة الحسّاسة بأنها (لحظة الانتقال من الكائن البدائي قبل يقظة العقل والمُدركات الإنسانية إلى إشراقة شمس العقل). وهذا يعني أن الإنسان قد انتقل من الطبيعة الخام إلى التفكير الجدي والحيوي الذي يتجلى في العقل البشري في أجمل إشراقاته الفكرية. لا شك في أن إغواء أنكيدو من قبِل شامات يذكِّرنا بإغواء آدم من قبِل حوّاء التي حرّضته على أكل التفاحة، الفاكهة التي كانت محرّمة عليه آنذاك. على أية حال أغوته شامات، ودهنت جسمه بالزيت والمطهرات والعطور، وذهبت به إلى المدينة وهو في ذروة حيويته، وشبابه، وقوته، وحينما عرف أن كلكامش على موعد زواج مع إحدى البنات استثقل الفكرة، ومع ذلك ذهب عند عتبة البيت، وجلس منتظراً كلكامش، وحينما جاء هذا الأخير حدثت بينهما مشادة، لكن لم ينتصر أحد على أحد. لا يريد الشاعر فوزي كريم في قرارة نفسه أن يتحول إلى باحث، سواء في ملحمة كلكامش أو في غيرها من الملاحم أو الحكايات الأسطورية المعروفة، ولكنه، كما أشار سابقاً، مفتون بهذه الملحمة، ومسحور بها، فلا غرابة أن يقرأ أو يطلِّع، في الأقل، على بعض الترجمات الحديثة لها. المهم بالنسبة إلى الشاعر فوزي كريم هو كتابة نص شعري تحت ظل ملحمة كلكامش، وليس كتابة بحث قيّم يخوض في تفاصيل الملحمة ونتائجها. فيحنما يقرأ أية ترجمة حديثة للملحمة يدوِّن على صفحاتها بعض ملاحظاته الآنية التي تتولد في أثناء القراءة لكي يشتغل عليها لاحقاً في نصوص شعرية قادمة. ذكر كريم بأن كلكامش كان يحلم في منامه بأن شخصاً يسقط عليه من السماء مثل نيزك وقد فسّرت له هذا الحلم بأنه سوف يلتقي بصديق (يحبه حب الزوجة من شدة علاقته به). وحينما تم الصراع بينه وبين أنكيدو اكتشف كلكامش أن هذا الشخص هو المُرسَل من السماء، لذلك عانقه عناقاً حاراً، وأصبحا أصدقاء حميمين، لكن بعضاً من المحللين والدارسين رأوا أن هذه العلاقة تجاوزت حدودها الطبيعية وأصبحت علاقة (مثلية)، غير أن الشاعر والباحث فوزي كريم رأى أن هؤلاء الشعراء والكُتّاب المسرحيين قد أطفأوا الجانب الغامض في الملحمة، وحطّوا من قيمتها، وابتذلوها، لأنهم جعلوا هذه العلاقة المثيرة رخيصة، بينما كانت تنطوي على أول أطروحة للعلاقة الإنسانية التي تتناول موضوع الحُب، وتلامس جوهره الحقيقي على وفق المعايير التي كانت سائدة آنذاك. يطرح كلكامش على صديقه أنكيدو فكرة الذهاب إلى غابة الأرز للقضاء على خمبابا، حارس الغابة، وقطع أشجارها، وجلبها عن طريق الفرات إلى أوروك لكي يبنوا بواباتها الكبيرة.

قتل خمبابا
توقف الباحث فوزي كريم عند القسم الثاني من الملحمة الذي يقرِّر فيه كلكامش أن يذهب إلى غابة الأرز بصحبة أنكيدو لقتل خمبابا الذي يتوفر على جذور إلهية، الأمر الذي يفضي إلى غضب الآلهة وخاصة عشتار، لكن العقاب الذي تفرضه الآلهة يقع على أنكيدو فقط على اعتبار أنه المؤلِّب الأول على قتل خمبابا، بينما كان كلكامش متردداً في قتله. على أية حال قطعا أشجار الأرز، وقفلا عائدين إلى أوروك حيث ارتدى كلكامش أحلى الحُلل، وتزيّن بأثمن الحُلي، وبدا شاباً، أسر الجمال، بحيث أوقعَ عشتار في حبه، وصارت تدعوه للزواج منها، لكنه أبى، وأنكر هذا الطلب، وهاجمها بأقذع الألفاظ. يتذكّر الشاعر فوزي كريم أنه اشتغل على أحد الهوامش التي ذكرناها سابقاً في النسخ الجديدة للتراجم الإنكليزية هذا المقطع الذي شذّبه كثيراً من الكلمات النابية التي كانت تتردد على لسان كلكامش حيث يقول شاعرنا المعاصر: (أنتِ مدفأة لا تُقاوم برداً فتُطفأ، أنت بوابة رخوة تتصدى لريح الغشوم، أنت آلة دك الأسوار تتهاوى سريعاً بأرض العدو، وحذاء يعض بأنيابه رِجلَ صاحبه). وكما هو مُلاحَظ فإن صدود كلكامش في هذا المقطع قاسٍ، لكنه لغته مؤدبة ومشذّبة جداً. وعندما يرفض كلكامش طلب عشتار تتميز غيظاً، وتشعر بإهانة كبيرة، فتذهب إلى أبيها وتطلب منه أن يبعث لها ثور السماء، الذي يتوفر هو الآخر على عنصر إلهي، فيعطيها إياه، فترسله بدورها إلى أوروك، ويلتحم من كلكامش وأنكيدو في صراع مرير، لكنهما ينهكانه، ويقبضا عليه في نهاية المطاف، ويقتلاه، ومما زاد الطين بلّة أن أنكيدو قطع رِجل الثور، ورماها على عشتار، فعادت شاكية مرة ثانية إلى الآلهة الذين قرروا أن ينتقموا من القاتل حيث يموت أنكيدوا فعلاً ويبدأ كلكامش بندبه، ولا يكاد يصدِّق أن رفيقه أنكيدوا قد فارق الحياة إلى الأبد، ولكنه حينما رأى الدود يتساقط من أنفه أيقن أنه ميت لا محالة. فكلكامش نفسه لا يمتلك فكرة عن الموت، ربما لأن ثلثاه إله، وثلثه الباقي إنسان، ولكنه بدأ يوقن أن الموت حقيقة أرضية، وأنه مقدّر على جميع الكائنات البشرية، لذلك تغرّب كلكامش، وبدأ يبحث عن نبتة الخلود.

تغريبة كلكامش
يبدأ القسم الثالث والأخير بسفرة كلكامش إلى أوتنابشتم، الإنسان الوحيد الخالد، فيمرّ بمواقف مذهلة ومخيفة مثل الجبل الذي يحرسه الرجال العقارب، وبعد أن يقنعهم بأنه يريد أن يلتقي بأوتنابشتم يسمحون له بالمرور من النفق، ثم يلتقي بصاحبة الحانة سيدوري التي تصاب بالذعر أول مرة من رؤية كلكامش المغبّر المنهَك، وتهرب إلى العليّة، وتغلق الأبواب، ولكنها تتأكد بعد ذلك أن الرجل المرهق هو ملك، وقد مرّ بتجربة عصيبة، تنزل إلى الحانة وتسقيه بعض النبيذ، ثم تدلّه على طريق أوتنابشتم، ويلتقيه بعد أن يعبر بحر الموت، ويسأله عن سر خلوده من دون بقية البشر، فيسرد قصة الطوفان، وهي نفس القصة الموجودة في التوراة والقرآن، ويخبره بأن الآلهة قد غضبت على البشر، وأنه كان الشخص الأكثر إخلاصاً فأعطوه الفرصة لأن يبني سفينة، وحينما جاء الطوفان رست السفينة على جبل نصير، ثم بعث الحمامة وعادت بغصن إلى آخر هذه الحكاية المعروفة التي تعني أنه أتيحت له الفرصة التي لم تتح للناس الآخرين الذين كتب عليهم الزوال. تعاطفت زوجة أوتنابشتم مع كلكامش الشاب، وطلبت من زوجها أن يحكي له عن سر البقاء، ويخبره عن نبتة الخلود الموجودة في أعماق البحيرة، وإذا أكلها فإن شبابه يتجدد. وهكذا يصل كلكامش إلى نبتة الخلود، ويقطعها، ويخرج إلى حافة البحيرة متعباً فيضعها إلى جانبه وينام. ثم تأتي الحية فتأكلها وتنزع جلدها وتهرب بعد أن تصبح خالدة. وحينما يستقظ كلكامش يكتشف فقدان نبتة الخلود فيبدأ عنده وعياً جديداً مفاده كما يذهب الباحث أنه يجب أن لا يندب الموتى، وأن لا يخشى الموت لأنه يحدث لكل مخلوق، وأن الأفضل له أن يبني مجداً، وأن يصنع خيراً يذكره كل من يأتي بعده. يخلص الباحث فوزي كريم إلى أن أقسام الملحمة الثلاثة تبدأ من الإنسان البدائي قبل يقظة العقل عنده، ثم يتهذب ويتشذب ويصبح مدينياً متحضراً يتوفر على قدر من الوعي، ثم يبدأ في المرحلة الثالثة بوعي جديد تماماً مفاده أن الموت مقدر على البشر وأن الآلهة قد استأثرت بالخلود. نوّه الباحث فوزي كريم إلى غياب الحب في هذه الملحمة، وهيمنة الممارسات الجنسية، وأفعال الاغتصاب التي يمارسها كلكامش مع نساء أوروك، ولكن الحب بدأ حينما التقى كلكامش بأنكيدو وأخذت العلاقة بعداً حميمياً واضحاً دفع العديد من الباحثين والدارسين والنقاد إلى اتهامهما بالمثلية الجنسية. توقف فوزي كريم عند عدد من ترجمات كلكامش إلى الإنكليزية لكل من وليم لويناردي، وكوفاكس، وروبرت تمبل، وديفيد فيري، وأندرو جورج، وستيفن ميتشيل. كما ذكر ثلاث روايات كُتبت عن كلكامش أو أستوحيت منها صادف أن قرأها في أوقات مختلفة. وفي الجانب الموسيقي أشار كريم إلى ثلاثة أوبرات للملحمة سمعها هو شخصياً وهي أوبرا (ملحمة كلكامش) للمؤلف الموسيقي الجيكي بوسلاف مارتينو، والثانية أوبرا (كلكامش) للدنماركي بير نورغارد، والأوبرا الثالثة لليوغسلافي رودولف بروشي. ختم الشاعر والباحث فوزي كريم محاضرته بالقول: (من البديهي حينما يقرأ الشاعر نصاً من هذا النوع فإنه لابد أن يرى فيه إضاءات جديدة، هذا إلى جانب الإضاءات الهائلة الموجودة في الثقافة الغربية ذاتها). وشدّد على القول في نهاية كلامه بأنه ليس مختصاً بالسومريات، وإنما عاشق لهذه الملحمة ومفتون بها، وقد كتب نصاً شعرياً لم يكتمل بعد من وحي الملحمة ومن ظلالها الكثيفة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترجمة النفس
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (2-2)
- تكريم الدكتور محمد مكية في حياته (1-2)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الثاني)
- استذكار العالم عبد الجبار عبدالله (الجزء الأول)
- السخرية السوداء واللغة المبطنة في روايات الداودي
- الرهان اليساري والعلماني لا يزال قائما
- التوجّهات الجديدة في الاقتصاد العراقي. . . إشكالية التنمية و ...
- دور كفاءآت المهجر في تطوير التعليم العالي في العراق
- إشكالية تطوّر العملية السياسية وتأخّر الإعمار في العراق(ج1)
- مهرجان ريندانس السينمائي الدولي يحتفي بالفكر الأميركي الثوري ...
- أدب السجون في العراق: جدار بين ظلمتين مثالاً
- تريّيف المدينة العراقية
- الدكتور حميد الهاشمي يتحدث عن -عجلة المدنية وعصا العشائرية-
- المبالغة والغرور
- تحيّة لدار الشؤون الثقافية العامة
- الروائي زهير الجزائري في أمسية ثقافية بلندن (3)
- إلى السيد نوري المالكي، رئيس مجلس الوزراء المحترم
- شركة الناصر للطيران
- الأحزاب الدينية والسينما العراقية


المزيد.....




- السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-
- رقص ميريام فارس بفستان جريء في حفل فني يثير جدلا كبيرا (فيدي ...
- -عالماشي- فيلم للاستهلاك مرة واحدة
- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الكتابة في ظلال ملحمة كلكامش