أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - القصيدة المغناة وساحات التحرير















المزيد.....



القصيدة المغناة وساحات التحرير


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3741 - 2012 / 5 / 28 - 09:18
المحور: الادب والفن
    


القصيدة المغناة وساحات التحرير
إبراهيم اليوسف
إيه طفلي الصغير
أيان تكن
وأنت تردِّد أرجوزتك الجميلة
بلثغتك
يتردد صداها في ست جهات العالم
يصطاد لقطتك بعدساته
وأنت في مرمى
منظار
القنّاصة
في كل مكان..!
"مقطع من نص لم يكتمل لشاعرجوال"
يؤكد الشعر، يوماً بعد آخر، أن لا مناص من الاستغناء عنه البتَّة، مهما أوغل الزمان، في إبداع فنونه، واختراعاته، واكتشافاته، وفتوحاته العظمى، مادام أنه أبو الفنون، بل وسيِّدها، وهوأول فنِّ ترنم به الإنسان الأول، كاتباً قصيدته الأولى، القصيدة التي لما تزل تواصل كتابتها، على أيدي الشعراء، على اختلاف العصور والأمكنة، واللغات..!.
وإذا كان في عالم الإبداع، المدوّن، والمنطوق، نوعان من الكتابة،والفن، فإن أحد هذين الإبداعين، ليتجسد، في النثر، والآخرفي الشعر، فهما وجها إبداع الكلمة، وبينهما الكثير من نقاط الاختلاف، والاتفاق، وإن كانا-معاً-مفتوحين، على الجمال، كل وفق خصائصه، وصفاته، وأدواته، فإن كل نوع من هذين النوعين لابدَّ له من أن تكون له وظيفته الجمالية،والدِّلالية، وهوما يحققه كل منهما، من جهته على حدِّ سواء.
بيد أنه، وللحقيقة، لابدَّ من تأكيد مسألة مهمة، وهي أننا لوعدنا إلى الأمثلة الشاخصة، في التاريخ، لوجدنا أن الإنسان، كان، ولايزال، يلجأ في أفراحه وأتراحه، وفي الحروب، والملمَّات، والأحداث العظمى، إلى الشعر، لأنه خيرمن يعبر عن خلجات النفس، ويفتح نوافذ الجمال، على مصاريعها، في الجهات، كافة، ناهيك، عن أنه يمتلك خصاله الكريمة، ليكون بذلك الأكثرحضوراً، بل والأكثر تأثيراً، وسطوةً، وسحراً، من سواه، ولهذا فإن أيَّ سرد، يعول عليه سارده، أن يكون له مثل تلك الصفات، المشارإليها، فإنه كان ليقدم نفسه، في إهاب الشعر، آخذاً عنه بعض خصائصه، ليؤدي مثل ذلك الدور. ونحن لو عدنا إلى سرديات مثل هذه المناسبات جميعها، فإننا لنقع فيها على القاسم المشترك الأعظمي مع الشعر، وفي مقدمة هذا المشترك، الخيال، الإيقاع، اللغة..إلخ، ولعلَّ في بعض خطب القادة العظام التي استظهرناها، مايبين مثل هذا الأمر، لذلك، فإنها، وبالرغم، من طول الشريط الزماني الذي يربطنا بها،لا تزال ممسكة، بسحرها، وتأثيرها، وكأنها قد كتبت اللحظة.
والشعرنفسه، قديمُه، وجديدُه، أمام امتحان الغنائية، نوعان، فمنه، من يسلس على الغناء، وتستسيغه الأذواق، والنفوس، وتهفو إليه القلوب، وتطرب له الآذان، وتتقبله الأرواح، لتحلِّق معه، عالياً، بيد أن هناك قصائد أقلَّ غنائية، بل هي معدومة الغنائية، حتى وإن كانت تمتلك شرطها الإبداعي، ولعلَّ هذا النوع من القصائد، هو الأبقى، و الأكثر التصاقاً بأرواح مبدعيه، كما هو الأقرب التصاقاً بأرواح جمهرات متلقيه، على اختلاف عاملي المكان، والزمان. لذلك، فإن نصوصاً كثيرة، لانزال نستظهرها، جميعاً، منذ طفولاتنا الأولى، إلى الآن، وينشدها كل منا، لتظل محافظة على ألقها الإبداعي، وكأنها ابنة اللحظة، ِدلالة، وجمالية، وعذوبة.

أرومة أولى:
لابدَّ من معرفة، أمرعلى درجة كبرى من الأهمية، وهوأن الإنسان الأول الذي استمع إلى وقع حديثه، أوصداه، مرنَّماً، في حالات ما، وبات ُيعنى به، ويكرره، راسماُ أحلامه، معرباً عنها، أومتناولاً الموضوعات الكبرى التي تمسّه، تبعاً لحاجاته اليومية، على اختلاف جوانبها، وهي غالباً ذاتية، أوتتعلق بالجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها. وإن هذا الاكتشاف الأول من قبله، للبعد الإيقاعي، في مجرد الأصوات، والترنيمات، الأولى، قاده إلى مسألة وضع اللَّبِنات الإيقاعية، في ذاته، بالتساوق مع العامل النفسي، ضمن مدى اكتشاف أكبر، من قبله، للجمال.
و الغنائية، مصطلحاً، صنو الشعر، أو هي الشعرنفسه، بحسب أمَّات النظريات النقدية الأولى، وإن كان هذا المفهوم، سينظرإليه، في مابعد، وعلى ضوء بعض النظريات الشعرية الجديدة، اللاحقة، على أنه بات من مستلزمات النص التقليدي، وإن النص الجديد قد تجاوزه، كي يعاد إليه الاعتبارلاحقاً، في دورة منصفة، حقاً...

الغنائية في خطِّ سيرها البياني:
وإذا كانت الغنائية، بين الواقع والتنظير، قد ظلت حالة، ذات حضورخاص، فإنه لمن الضروري الإشارة، إلى أن أول منظِّرللغنائية، هوالشاعرذاته، لاسيَّما عندما يجد أن هذا الشكل الشعري، إنما الأكثرقدرة على التعبير، عن تأجج عاطفته، وهي تصل مرحلة ذروتها، سواء أكانت في حالة الفرح، أوفي حالة الحزن،والألم، إذ تستطيع-هنا-أن تترجم أحاسيس الشاعر، ومشاعره، في مرايا، شديدة الحساسية، والنَّصاعة، إنها صدى غليان روحه، في مرجل النفس، وفق تفاعلها مع اللحظة الزمانية. لذلك، فإن هذه القصيدة، تأتي ذاتية، قصيرة، يهيمن عنصرالموسيقا فيها، على سواه، وهي الموسيقا الصافية التي رآها ليبنتز"1646-1716" أفضل من موسيقا الآلات..!.
وبدهيٌٌََ، أن الرومانسية، قد أعادت الاعتبارإلى الغنائية، حيث كانت أحد الشروط التي ينبغي على القصيدة أن تعتمدها، وإن كان بعض النظريات الحديثة، التي ستلي هذه المرحلة، يحاول تقويضها، لئلا يهيمن الجرس الموسيقي على المكونات الأكثرحساسية، وتكويناً للنص الشعري، ولئلا يتم التفاعل مع النص، عبرهيمنة مجرد عنصرواحد، على حساب العناصرالأخرى، إذ رأى بعضهم، أن دورالإيقاع، يجب أن يكون ضمن حدوده العادية.

النص الخالد:
في ما لودققنا، في القصيدة الغنائية، عبرالتاريخ الإبداعي، وإلى هذه اللحظة، مقارنة بغيرها، من النصوص الشعرية، على اختلاف تصانيفها، وأشكالها، وأنواعها، لوجدنا، أنها من بين النصوص الأكثرحظوة، في تفاعل الناس معها، جيلاً بعد جيل، حيث أنها شفافة، سلسة، متداولة، تتناقلها الألسن، هاهو حسان بن ثابت، الذي استحثَّه الرسول، ذات يوم، ليذود عن الإسلام: ب"لسانه" كما يذود عنه ب" سنانه"، فراح يترجم مهمَّته، مدفوعاً ب"الروح القدس"، يقول:
تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله إن الغناء لهذا الشعرمضمار
وإذا كان النصُّ الغنائيُّ، يختصرطريقه، إلى ألسنة الناس، كي تلهج به، أفئدتهم، وتهفوإليه الأرواح، فإن هذا النص، لايبقى في حدود النشيد، فحسب، بل إنه ليتحوَّل إلى أغنية، يصدح بها الناس،ولعلَّ هذا النمط من النصوص، إنماهو ليس مشروع أغنية، فحسب، يأتي الملحن كي يعيد خلقها، وفق رؤيته الجمالية، بل إنها-غالباً-ما تقترح ألحانها، في انتظارتلك الحنجرة التي تبث فيها الحياة، مرة أخرى، كي يكون النص الشعري، مشروعاً مشتركاً بين الشاعروالمغنِّي، وما أكثرهذه الأغاني التي جمعت بين الشعراء، ونجوم الغناء، كي يتركوا لنا ملاحم غنائية، خالدة، ستظلُّ محافظة، على تأثيرها، وجمالها، وقدرتها، على أسرالنفس، وتطهيرالروح، وهوما يحدث مع الأغنية الخالدة، الأغنية التي لايمكن لدورة الزمان أن تقلل من جدواها الإبداعية.ناهيك عن أنها-وبسبب شفافيتها وسلاستها وبساطتها وقبل ذلك عنصرالموسيقا- الأكثراستظهاراً،وهي الأقرب للمتلقي، وللشاعر، بل أنها الأكثرتجسيراً بينهما، من جهة، وبينهما والحياة من جهة أخرى، وهذا ما جعل نصوص الإنسان المغناة، منذسالف العصور، وإلى الآن، تفرض ظلال ميدعها، وأصداء همسه، وأنينه، وغبطته، في كل مكان، ناهيك عن محافظتها على رذاذ صوته، وكأنه ابن اللحظة المعيشة ..!
ترجمات حرفية:
سأترك في جيب قميصي
رسالة
كتبتها البارحة
لم تكن هناك وسيلة
كي أوصلها إليك
سريعاً
غيرها
رسالة
فيها أشياء أقولها للمرة الأولى
أشياء عن أمي وشقيقتي
عن مكتبتي في منفرداتها الكرتونية
أشجارالحديقة
وعنوان المكان الذي تركت لك فيه
هدية أخرى
متواضعة أيضاً
أعرف أنّها الهدية
ما قبل الأخيرة
لأنني غداً
على موعد أكيد
مع رصاصة
ستخترق صدري
لأبقى عندك
اسماً
تتباهين به
يدل على رجل مخلص
طالما أحبَّك بصدق
ولم يجد شيئاً
ثميناً
يهديه إليك
يؤكد خلاله
أنك غالية، وعزيزة، وطاهرة
وليس عنده غير روحه
لتظل تكررذلك لك
دائماً....!
"نص لشاعر مجهول في إحدى ساحات التحرير"
لأوَّل مرَّة
أكتب قصيدتي
جامعاً كلماتها
من أفواه أصدقائي
لأكتشف
أنها
تبني وطناً
كاملاً...!
وحقيقة، إنَّ ساحات التحرير، في ما عرف ب"الربيع العربي" في المنطقة، أعادت للشعرالغنائي أهميته، من جديد، فها هي القصيدة التي كتبها أبوالقاسم الشابي 1911-1934 والتي يقول في مطلعها:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

حيث أن هذه القصيدة، نفض عنها الغبار، مرة أخرى، ليعاد إليها الاعتبارالحقيقي، بعد حوالي ثمانين عاماً، إذ صار يرددهاأبناء الشعب التونسي، في ساحات التحرير، بل أن صداها تجاوزمرة أخرى، الرقعة الجغرافية التي كتبت فيها، لتردد في ساحات أخرى،مماثلة، من بلدان أخرى، وكأنها تكتب للتو، بل وكأن الشاعرالشابي، مواطن اللحظة، يتفاعل مع الحدث الكبير، الحدث الذي يعد إحدى العلامات الفاصلة،في مطلع الألفية الثالثة، لاسيما وأن كوابيس ثقيلة، كانت بلدان كثيرة ترزح تحت كلكلها، قد انزاحت، وأن هناك كوابيس أخرى، في طريقهاإلى الزوال الأكيد، وأن بوارق الأمل قيد ترجماتها الكبرى.
ولم يبق التواصل مع الشعرالغنائي، في حدود الذاكرة الإبداعية، بل إن نصاً غنائياً جديداً، بدأ ينشد، شفاهاً، قبل أن يكتب، حيث تطلقه الحناجر، ليكون لها صداه،وألقه، وفعله، وسطوته،يمارس دوره على أسطع صورة، حيث تشدُّ هيولاه، من أزرالجماهيرالعظيمة التي تردِّده، ناهيك عن أن من شأنه، أن يبثَّ الذُّعر، والخوف، في قلوب الظالمين، والقتلة، أنى كانوا:
كلّ الأشياء تبدو على حقيقتها
المدن
والناس
الهتاف
الزغاريد والتصفيق
والأسماء التي نحب
الحزن
وحديث الناس
والابتسامة
مجرَّدة من كل ما كان يشوبها
الطيور
التي
تبدووكأننا نتعرَّف عليها للتو
إنَّه غطاءٌ شاحب
وكئيب
زال عن كلِّ ما حولنا
كي تبدو الأشياء كما هي
كي تبدو الأشياء
على حقيقتها
تماماً......!.

ولعلَّ القصيدة التي لم تعد وقفاً، على شاعرذي خصائص، ونعوت محددة، باتت تبعث في الناس كهرباءها الخاصة، تؤجِّج نفوسهم، تسرد لهم أشكال عذاباتهم الطويلة، وآمالهم، وهي تتطلع إلى صناعة الحلم، عبر طريق واضحة المعالم، بل أن هناك قصائد مغنَّاة، يكتبها الطفل، والشاب، والكهل، والشيخ، والرجل، أوالمرأة، بل ربما أن هناك قصيدة مغناة، يكتبها كل هؤلاء، في آن واحد، ولعل هذا-تحديداً-ما يدفع بالشاعرإلى أن يرجىء كتابة نصه، عما يدورحوله، أوألا يرتقي هذا النص، في ما لوكتب إلى مقام النص الذي يفعل فعله، ويردِّده الكباروالصغار،معاً:
للمرَّة الأولى
أكتشف كيمياء الكلمة
وهي تمارس اللعب
في مختبر
يتناوب عليه
جميعهم
صانعين قصيدة
هي قصيدة الحياة
الحياة كما تحلو لهم...!

















القصيدة المغناة وساحات التحرير
إبراهيم اليوسف
إيه طفلي الصغير
أيان تكن
وأنت تردِّد أرجوزتك الجميلة
بلثغتك
يتردد صداها في ست جهات العالم
يصطاد لقطتك بعدساته
وأنت في مرمى
منظار
القنّاصة
في كل مكان..!
"مقطع من نص لم يكتمل لشاعرجوال"
يؤكد الشعر، يوماً بعد آخر، أن لا مناص من الاستغناء عنه البتَّة، مهما أوغل الزمان، في إبداع فنونه، واختراعاته، واكتشافاته، وفتوحاته العظمى، مادام أنه أبو الفنون، بل وسيِّدها، وهوأول فنِّ ترنم به الإنسان الأول، كاتباً قصيدته الأولى، القصيدة التي لما تزل تواصل كتابتها، على أيدي الشعراء، على اختلاف العصور والأمكنة، واللغات..!.
وإذا كان في عالم الإبداع، المدوّن، والمنطوق، نوعان من الكتابة،والفن، فإن أحد هذين الإبداعين، ليتجسد، في النثر، والآخرفي الشعر، فهما وجها إبداع الكلمة، وبينهما الكثير من نقاط الاختلاف، والاتفاق، وإن كانا-معاً-مفتوحين، على الجمال، كل وفق خصائصه، وصفاته، وأدواته، فإن كل نوع من هذين النوعين لابدَّ له من أن تكون له وظيفته الجمالية،والدِّلالية، وهوما يحققه كل منهما، من جهته على حدِّ سواء.
بيد أنه، وللحقيقة، لابدَّ من تأكيد مسألة مهمة، وهي أننا لوعدنا إلى الأمثلة الشاخصة، في التاريخ، لوجدنا أن الإنسان، كان، ولايزال، يلجأ في أفراحه وأتراحه، وفي الحروب، والملمَّات، والأحداث العظمى، إلى الشعر، لأنه خيرمن يعبر عن خلجات النفس، ويفتح نوافذ الجمال، على مصاريعها، في الجهات، كافة، ناهيك، عن أنه يمتلك خصاله الكريمة، ليكون بذلك الأكثرحضوراً، بل والأكثر تأثيراً، وسطوةً، وسحراً، من سواه، ولهذا فإن أيَّ سرد، يعول عليه سارده، أن يكون له مثل تلك الصفات، المشارإليها، فإنه كان ليقدم نفسه، في إهاب الشعر، آخذاً عنه بعض خصائصه، ليؤدي مثل ذلك الدور. ونحن لو عدنا إلى سرديات مثل هذه المناسبات جميعها، فإننا لنقع فيها على القاسم المشترك الأعظمي مع الشعر، وفي مقدمة هذا المشترك، الخيال، الإيقاع، اللغة..إلخ، ولعلَّ في بعض خطب القادة العظام التي استظهرناها، مايبين مثل هذا الأمر، لذلك، فإنها، وبالرغم، من طول الشريط الزماني الذي يربطنا بها،لا تزال ممسكة، بسحرها، وتأثيرها، وكأنها قد كتبت اللحظة.
والشعرنفسه، قديمُه، وجديدُه، أمام امتحان الغنائية، نوعان، فمنه، من يسلس على الغناء، وتستسيغه الأذواق، والنفوس، وتهفو إليه القلوب، وتطرب له الآذان، وتتقبله الأرواح، لتحلِّق معه، عالياً، بيد أن هناك قصائد أقلَّ غنائية، بل هي معدومة الغنائية، حتى وإن كانت تمتلك شرطها الإبداعي، ولعلَّ هذا النوع من القصائد، هو الأبقى، و الأكثر التصاقاً بأرواح مبدعيه، كما هو الأقرب التصاقاً بأرواح جمهرات متلقيه، على اختلاف عاملي المكان، والزمان. لذلك، فإن نصوصاً كثيرة، لانزال نستظهرها، جميعاً، منذ طفولاتنا الأولى، إلى الآن، وينشدها كل منا، لتظل محافظة على ألقها الإبداعي، وكأنها ابنة اللحظة، ِدلالة، وجمالية، وعذوبة.

أرومة أولى:
لابدَّ من معرفة، أمرعلى درجة كبرى من الأهمية، وهوأن الإنسان الأول الذي استمع إلى وقع حديثه، أوصداه، مرنَّماً، في حالات ما، وبات ُيعنى به، ويكرره، راسماُ أحلامه، معرباً عنها، أومتناولاً الموضوعات الكبرى التي تمسّه، تبعاً لحاجاته اليومية، على اختلاف جوانبها، وهي غالباً ذاتية، أوتتعلق بالجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها. وإن هذا الاكتشاف الأول من قبله، للبعد الإيقاعي، في مجرد الأصوات، والترنيمات، الأولى، قاده إلى مسألة وضع اللَّبِنات الإيقاعية، في ذاته، بالتساوق مع العامل النفسي، ضمن مدى اكتشاف أكبر، من قبله، للجمال.
و الغنائية، مصطلحاً، صنو الشعر، أو هي الشعرنفسه، بحسب أمَّات النظريات النقدية الأولى، وإن كان هذا المفهوم، سينظرإليه، في مابعد، وعلى ضوء بعض النظريات الشعرية الجديدة، اللاحقة، على أنه بات من مستلزمات النص التقليدي، وإن النص الجديد قد تجاوزه، كي يعاد إليه الاعتبارلاحقاً، في دورة منصفة، حقاً...

الغنائية في خطِّ سيرها البياني:
وإذا كانت الغنائية، بين الواقع والتنظير، قد ظلت حالة، ذات حضورخاص، فإنه لمن الضروري الإشارة، إلى أن أول منظِّرللغنائية، هوالشاعرذاته، لاسيَّما عندما يجد أن هذا الشكل الشعري، إنما الأكثرقدرة على التعبير، عن تأجج عاطفته، وهي تصل مرحلة ذروتها، سواء أكانت في حالة الفرح، أوفي حالة الحزن،والألم، إذ تستطيع-هنا-أن تترجم أحاسيس الشاعر، ومشاعره، في مرايا، شديدة الحساسية، والنَّصاعة، إنها صدى غليان روحه، في مرجل النفس، وفق تفاعلها مع اللحظة الزمانية. لذلك، فإن هذه القصيدة، تأتي ذاتية، قصيرة، يهيمن عنصرالموسيقا فيها، على سواه، وهي الموسيقا الصافية التي رآها ليبنتز"1646-1716" أفضل من موسيقا الآلات..!.
وبدهيٌٌََ، أن الرومانسية، قد أعادت الاعتبارإلى الغنائية، حيث كانت أحد الشروط التي ينبغي على القصيدة أن تعتمدها، وإن كان بعض النظريات الحديثة، التي ستلي هذه المرحلة، يحاول تقويضها، لئلا يهيمن الجرس الموسيقي على المكونات الأكثرحساسية، وتكويناً للنص الشعري، ولئلا يتم التفاعل مع النص، عبرهيمنة مجرد عنصرواحد، على حساب العناصرالأخرى، إذ رأى بعضهم، أن دورالإيقاع، يجب أن يكون ضمن حدوده العادية.

النص الخالد:
في ما لودققنا، في القصيدة الغنائية، عبرالتاريخ الإبداعي، وإلى هذه اللحظة، مقارنة بغيرها، من النصوص الشعرية، على اختلاف تصانيفها، وأشكالها، وأنواعها، لوجدنا، أنها من بين النصوص الأكثرحظوة، في تفاعل الناس معها، جيلاً بعد جيل، حيث أنها شفافة، سلسة، متداولة، تتناقلها الألسن، هاهو حسان بن ثابت، الذي استحثَّه الرسول، ذات يوم، ليذود عن الإسلام: ب"لسانه" كما يذود عنه ب" سنانه"، فراح يترجم مهمَّته، مدفوعاً ب"الروح القدس"، يقول:
تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله إن الغناء لهذا الشعرمضمار
وإذا كان النصُّ الغنائيُّ، يختصرطريقه، إلى ألسنة الناس، كي تلهج به، أفئدتهم، وتهفوإليه الأرواح، فإن هذا النص، لايبقى في حدود النشيد، فحسب، بل إنه ليتحوَّل إلى أغنية، يصدح بها الناس،ولعلَّ هذا النمط من النصوص، إنماهو ليس مشروع أغنية، فحسب، يأتي الملحن كي يعيد خلقها، وفق رؤيته الجمالية، بل إنها-غالباً-ما تقترح ألحانها، في انتظارتلك الحنجرة التي تبث فيها الحياة، مرة أخرى، كي يكون النص الشعري، مشروعاً مشتركاً بين الشاعروالمغنِّي، وما أكثرهذه الأغاني التي جمعت بين الشعراء، ونجوم الغناء، كي يتركوا لنا ملاحم غنائية، خالدة، ستظلُّ محافظة، على تأثيرها، وجمالها، وقدرتها، على أسرالنفس، وتطهيرالروح، وهوما يحدث مع الأغنية الخالدة، الأغنية التي لايمكن لدورة الزمان أن تقلل من جدواها الإبداعية.ناهيك عن أنها-وبسبب شفافيتها وسلاستها وبساطتها وقبل ذلك عنصرالموسيقا- الأكثراستظهاراً،وهي الأقرب للمتلقي، وللشاعر، بل أنها الأكثرتجسيراً بينهما، من جهة، وبينهما والحياة من جهة أخرى، وهذا ما جعل نصوص الإنسان المغناة، منذسالف العصور، وإلى الآن، تفرض ظلال ميدعها، وأصداء همسه، وأنينه، وغبطته، في كل مكان، ناهيك عن محافظتها على رذاذ صوته، وكأنه ابن اللحظة المعيشة ..!
ترجمات حرفية:
سأترك في جيب قميصي
رسالة
كتبتها البارحة
لم تكن هناك وسيلة
كي أوصلها إليك
سريعاً
غيرها
رسالة
فيها أشياء أقولها للمرة الأولى
أشياء عن أمي وشقيقتي
عن مكتبتي في منفرداتها الكرتونية
أشجارالحديقة
وعنوان المكان الذي تركت لك فيه
هدية أخرى
متواضعة أيضاً
أعرف أنّها الهدية
ما قبل الأخيرة
لأنني غداً
على موعد أكيد
مع رصاصة
ستخترق صدري
لأبقى عندك
اسماً
تتباهين به
يدل على رجل مخلص
طالما أحبَّك بصدق
ولم يجد شيئاً
ثميناً
يهديه إليك
يؤكد خلاله
أنك غالية، وعزيزة، وطاهرة
وليس عنده غير روحه
لتظل تكررذلك لك
دائماً....!
"نص لشاعر مجهول في إحدى ساحات التحرير"
لأوَّل مرَّة
أكتب قصيدتي
جامعاً كلماتها
من أفواه أصدقائي
لأكتشف
أنها
تبني وطناً
كاملاً...!
وحقيقة، إنَّ ساحات التحرير، في ما عرف ب"الربيع العربي" في المنطقة، أعادت للشعرالغنائي أهميته، من جديد، فها هي القصيدة التي كتبها أبوالقاسم الشابي 1911-1934 والتي يقول في مطلعها:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

حيث أن هذه القصيدة، نفض عنها الغبار، مرة أخرى، ليعاد إليها الاعتبارالحقيقي، بعد حوالي ثمانين عاماً، إذ صار يرددهاأبناء الشعب التونسي، في ساحات التحرير، بل أن صداها تجاوزمرة أخرى، الرقعة الجغرافية التي كتبت فيها، لتردد في ساحات أخرى،مماثلة، من بلدان أخرى، وكأنها تكتب للتو، بل وكأن الشاعرالشابي، مواطن اللحظة، يتفاعل مع الحدث الكبير، الحدث الذي يعد إحدى العلامات الفاصلة،في مطلع الألفية الثالثة، لاسيما وأن كوابيس ثقيلة، كانت بلدان كثيرة ترزح تحت كلكلها، قد انزاحت، وأن هناك كوابيس أخرى، في طريقهاإلى الزوال الأكيد، وأن بوارق الأمل قيد ترجماتها الكبرى.
ولم يبق التواصل مع الشعرالغنائي، في حدود الذاكرة الإبداعية، بل إن نصاً غنائياً جديداً، بدأ ينشد، شفاهاً، قبل أن يكتب، حيث تطلقه الحناجر، ليكون لها صداه،وألقه، وفعله، وسطوته،يمارس دوره على أسطع صورة، حيث تشدُّ هيولاه، من أزرالجماهيرالعظيمة التي تردِّده، ناهيك عن أن من شأنه، أن يبثَّ الذُّعر، والخوف، في قلوب الظالمين، والقتلة، أنى كانوا:
كلّ الأشياء تبدو على حقيقتها
المدن
والناس
الهتاف
الزغاريد والتصفيق
والأسماء التي نحب
الحزن
وحديث الناس
والابتسامة
مجرَّدة من كل ما كان يشوبها
الطيور
التي
تبدووكأننا نتعرَّف عليها للتو
إنَّه غطاءٌ شاحب
وكئيب
زال عن كلِّ ما حولنا
كي تبدو الأشياء كما هي
كي تبدو الأشياء
على حقيقتها
تماماً......!.

ولعلَّ القصيدة التي لم تعد وقفاً، على شاعرذي خصائص، ونعوت محددة، باتت تبعث في الناس كهرباءها الخاصة، تؤجِّج نفوسهم، تسرد لهم أشكال عذاباتهم الطويلة، وآمالهم، وهي تتطلع إلى صناعة الحلم، عبر طريق واضحة المعالم، بل أن هناك قصائد مغنَّاة، يكتبها الطفل، والشاب، والكهل، والشيخ، والرجل، أوالمرأة، بل ربما أن هناك قصيدة مغناة، يكتبها كل هؤلاء، في آن واحد، ولعل هذا-تحديداً-ما يدفع بالشاعرإلى أن يرجىء كتابة نصه، عما يدورحوله، أوألا يرتقي هذا النص، في ما لوكتب إلى مقام النص الذي يفعل فعله، ويردِّده الكباروالصغار،معاً:
للمرَّة الأولى
أكتشف كيمياء الكلمة
وهي تمارس اللعب
في مختبر
يتناوب عليه
جميعهم
صانعين قصيدة
هي قصيدة الحياة
الحياة كما تحلو لهم...!

















القصيدة المغناة وساحات التحرير
إبراهيم اليوسف
إيه طفلي الصغير
أيان تكن
وأنت تردِّد أرجوزتك الجميلة
بلثغتك
يتردد صداها في ست جهات العالم
يصطاد لقطتك بعدساته
وأنت في مرمى
منظار
القنّاصة
في كل مكان..!
"مقطع من نص لم يكتمل لشاعرجوال"
يؤكد الشعر، يوماً بعد آخر، أن لا مناص من الاستغناء عنه البتَّة، مهما أوغل الزمان، في إبداع فنونه، واختراعاته، واكتشافاته، وفتوحاته العظمى، مادام أنه أبو الفنون، بل وسيِّدها، وهوأول فنِّ ترنم به الإنسان الأول، كاتباً قصيدته الأولى، القصيدة التي لما تزل تواصل كتابتها، على أيدي الشعراء، على اختلاف العصور والأمكنة، واللغات..!.
وإذا كان في عالم الإبداع، المدوّن، والمنطوق، نوعان من الكتابة،والفن، فإن أحد هذين الإبداعين، ليتجسد، في النثر، والآخرفي الشعر، فهما وجها إبداع الكلمة، وبينهما الكثير من نقاط الاختلاف، والاتفاق، وإن كانا-معاً-مفتوحين، على الجمال، كل وفق خصائصه، وصفاته، وأدواته، فإن كل نوع من هذين النوعين لابدَّ له من أن تكون له وظيفته الجمالية،والدِّلالية، وهوما يحققه كل منهما، من جهته على حدِّ سواء.
بيد أنه، وللحقيقة، لابدَّ من تأكيد مسألة مهمة، وهي أننا لوعدنا إلى الأمثلة الشاخصة، في التاريخ، لوجدنا أن الإنسان، كان، ولايزال، يلجأ في أفراحه وأتراحه، وفي الحروب، والملمَّات، والأحداث العظمى، إلى الشعر، لأنه خيرمن يعبر عن خلجات النفس، ويفتح نوافذ الجمال، على مصاريعها، في الجهات، كافة، ناهيك، عن أنه يمتلك خصاله الكريمة، ليكون بذلك الأكثرحضوراً، بل والأكثر تأثيراً، وسطوةً، وسحراً، من سواه، ولهذا فإن أيَّ سرد، يعول عليه سارده، أن يكون له مثل تلك الصفات، المشارإليها، فإنه كان ليقدم نفسه، في إهاب الشعر، آخذاً عنه بعض خصائصه، ليؤدي مثل ذلك الدور. ونحن لو عدنا إلى سرديات مثل هذه المناسبات جميعها، فإننا لنقع فيها على القاسم المشترك الأعظمي مع الشعر، وفي مقدمة هذا المشترك، الخيال، الإيقاع، اللغة..إلخ، ولعلَّ في بعض خطب القادة العظام التي استظهرناها، مايبين مثل هذا الأمر، لذلك، فإنها، وبالرغم، من طول الشريط الزماني الذي يربطنا بها،لا تزال ممسكة، بسحرها، وتأثيرها، وكأنها قد كتبت اللحظة.
والشعرنفسه، قديمُه، وجديدُه، أمام امتحان الغنائية، نوعان، فمنه، من يسلس على الغناء، وتستسيغه الأذواق، والنفوس، وتهفو إليه القلوب، وتطرب له الآذان، وتتقبله الأرواح، لتحلِّق معه، عالياً، بيد أن هناك قصائد أقلَّ غنائية، بل هي معدومة الغنائية، حتى وإن كانت تمتلك شرطها الإبداعي، ولعلَّ هذا النوع من القصائد، هو الأبقى، و الأكثر التصاقاً بأرواح مبدعيه، كما هو الأقرب التصاقاً بأرواح جمهرات متلقيه، على اختلاف عاملي المكان، والزمان. لذلك، فإن نصوصاً كثيرة، لانزال نستظهرها، جميعاً، منذ طفولاتنا الأولى، إلى الآن، وينشدها كل منا، لتظل محافظة على ألقها الإبداعي، وكأنها ابنة اللحظة، ِدلالة، وجمالية، وعذوبة.

أرومة أولى:
لابدَّ من معرفة، أمرعلى درجة كبرى من الأهمية، وهوأن الإنسان الأول الذي استمع إلى وقع حديثه، أوصداه، مرنَّماً، في حالات ما، وبات ُيعنى به، ويكرره، راسماُ أحلامه، معرباً عنها، أومتناولاً الموضوعات الكبرى التي تمسّه، تبعاً لحاجاته اليومية، على اختلاف جوانبها، وهي غالباً ذاتية، أوتتعلق بالجماعة الصغيرة التي ينتمي إليها. وإن هذا الاكتشاف الأول من قبله، للبعد الإيقاعي، في مجرد الأصوات، والترنيمات، الأولى، قاده إلى مسألة وضع اللَّبِنات الإيقاعية، في ذاته، بالتساوق مع العامل النفسي، ضمن مدى اكتشاف أكبر، من قبله، للجمال.
و الغنائية، مصطلحاً، صنو الشعر، أو هي الشعرنفسه، بحسب أمَّات النظريات النقدية الأولى، وإن كان هذا المفهوم، سينظرإليه، في مابعد، وعلى ضوء بعض النظريات الشعرية الجديدة، اللاحقة، على أنه بات من مستلزمات النص التقليدي، وإن النص الجديد قد تجاوزه، كي يعاد إليه الاعتبارلاحقاً، في دورة منصفة، حقاً...

الغنائية في خطِّ سيرها البياني:
وإذا كانت الغنائية، بين الواقع والتنظير، قد ظلت حالة، ذات حضورخاص، فإنه لمن الضروري الإشارة، إلى أن أول منظِّرللغنائية، هوالشاعرذاته، لاسيَّما عندما يجد أن هذا الشكل الشعري، إنما الأكثرقدرة على التعبير، عن تأجج عاطفته، وهي تصل مرحلة ذروتها، سواء أكانت في حالة الفرح، أوفي حالة الحزن،والألم، إذ تستطيع-هنا-أن تترجم أحاسيس الشاعر، ومشاعره، في مرايا، شديدة الحساسية، والنَّصاعة، إنها صدى غليان روحه، في مرجل النفس، وفق تفاعلها مع اللحظة الزمانية. لذلك، فإن هذه القصيدة، تأتي ذاتية، قصيرة، يهيمن عنصرالموسيقا فيها، على سواه، وهي الموسيقا الصافية التي رآها ليبنتز"1646-1716" أفضل من موسيقا الآلات..!.
وبدهيٌٌََ، أن الرومانسية، قد أعادت الاعتبارإلى الغنائية، حيث كانت أحد الشروط التي ينبغي على القصيدة أن تعتمدها، وإن كان بعض النظريات الحديثة، التي ستلي هذه المرحلة، يحاول تقويضها، لئلا يهيمن الجرس الموسيقي على المكونات الأكثرحساسية، وتكويناً للنص الشعري، ولئلا يتم التفاعل مع النص، عبرهيمنة مجرد عنصرواحد، على حساب العناصرالأخرى، إذ رأى بعضهم، أن دورالإيقاع، يجب أن يكون ضمن حدوده العادية.

النص الخالد:
في ما لودققنا، في القصيدة الغنائية، عبرالتاريخ الإبداعي، وإلى هذه اللحظة، مقارنة بغيرها، من النصوص الشعرية، على اختلاف تصانيفها، وأشكالها، وأنواعها، لوجدنا، أنها من بين النصوص الأكثرحظوة، في تفاعل الناس معها، جيلاً بعد جيل، حيث أنها شفافة، سلسة، متداولة، تتناقلها الألسن، هاهو حسان بن ثابت، الذي استحثَّه الرسول، ذات يوم، ليذود عن الإسلام: ب"لسانه" كما يذود عنه ب" سنانه"، فراح يترجم مهمَّته، مدفوعاً ب"الروح القدس"، يقول:
تغنَّ بالشعر إمَّا كنت قائله إن الغناء لهذا الشعرمضمار
وإذا كان النصُّ الغنائيُّ، يختصرطريقه، إلى ألسنة الناس، كي تلهج به، أفئدتهم، وتهفوإليه الأرواح، فإن هذا النص، لايبقى في حدود النشيد، فحسب، بل إنه ليتحوَّل إلى أغنية، يصدح بها الناس،ولعلَّ هذا النمط من النصوص، إنماهو ليس مشروع أغنية، فحسب، يأتي الملحن كي يعيد خلقها، وفق رؤيته الجمالية، بل إنها-غالباً-ما تقترح ألحانها، في انتظارتلك الحنجرة التي تبث فيها الحياة، مرة أخرى، كي يكون النص الشعري، مشروعاً مشتركاً بين الشاعروالمغنِّي، وما أكثرهذه الأغاني التي جمعت بين الشعراء، ونجوم الغناء، كي يتركوا لنا ملاحم غنائية، خالدة، ستظلُّ محافظة، على تأثيرها، وجمالها، وقدرتها، على أسرالنفس، وتطهيرالروح، وهوما يحدث مع الأغنية الخالدة، الأغنية التي لايمكن لدورة الزمان أن تقلل من جدواها الإبداعية.ناهيك عن أنها-وبسبب شفافيتها وسلاستها وبساطتها وقبل ذلك عنصرالموسيقا- الأكثراستظهاراً،وهي الأقرب للمتلقي، وللشاعر، بل أنها الأكثرتجسيراً بينهما، من جهة، وبينهما والحياة من جهة أخرى، وهذا ما جعل نصوص الإنسان المغناة، منذسالف العصور، وإلى الآن، تفرض ظلال ميدعها، وأصداء همسه، وأنينه، وغبطته، في كل مكان، ناهيك عن محافظتها على رذاذ صوته، وكأنه ابن اللحظة المعيشة ..!
ترجمات حرفية:
سأترك في جيب قميصي
رسالة
كتبتها البارحة
لم تكن هناك وسيلة
كي أوصلها إليك
سريعاً
غيرها
رسالة
فيها أشياء أقولها للمرة الأولى
أشياء عن أمي وشقيقتي
عن مكتبتي في منفرداتها الكرتونية
أشجارالحديقة
وعنوان المكان الذي تركت لك فيه
هدية أخرى
متواضعة أيضاً
أعرف أنّها الهدية
ما قبل الأخيرة
لأنني غداً
على موعد أكيد
مع رصاصة
ستخترق صدري
لأبقى عندك
اسماً
تتباهين به
يدل على رجل مخلص
طالما أحبَّك بصدق
ولم يجد شيئاً
ثميناً
يهديه إليك
يؤكد خلاله
أنك غالية، وعزيزة، وطاهرة
وليس عنده غير روحه
لتظل تكررذلك لك
دائماً....!
"نص لشاعر مجهول في إحدى ساحات التحرير"
لأوَّل مرَّة
أكتب قصيدتي
جامعاً كلماتها
من أفواه أصدقائي
لأكتشف
أنها
تبني وطناً
كاملاً...!
وحقيقة، إنَّ ساحات التحرير، في ما عرف ب"الربيع العربي" في المنطقة، أعادت للشعرالغنائي أهميته، من جديد، فها هي القصيدة التي كتبها أبوالقاسم الشابي 1911-1934 والتي يقول في مطلعها:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر

حيث أن هذه القصيدة، نفض عنها الغبار، مرة أخرى، ليعاد إليها الاعتبارالحقيقي، بعد حوالي ثمانين عاماً، إذ صار يرددهاأبناء الشعب التونسي، في ساحات التحرير، بل أن صداها تجاوزمرة أخرى، الرقعة الجغرافية التي كتبت فيها، لتردد في ساحات أخرى،مماثلة، من بلدان أخرى، وكأنها تكتب للتو، بل وكأن الشاعرالشابي، مواطن اللحظة، يتفاعل مع الحدث الكبير، الحدث الذي يعد إحدى العلامات الفاصلة،في مطلع الألفية الثالثة، لاسيما وأن كوابيس ثقيلة، كانت بلدان كثيرة ترزح تحت كلكلها، قد انزاحت، وأن هناك كوابيس أخرى، في طريقهاإلى الزوال الأكيد، وأن بوارق الأمل قيد ترجماتها الكبرى.
ولم يبق التواصل مع الشعرالغنائي، في حدود الذاكرة الإبداعية، بل إن نصاً غنائياً جديداً، بدأ ينشد، شفاهاً، قبل أن يكتب، حيث تطلقه الحناجر، ليكون لها صداه،وألقه، وفعله، وسطوته،يمارس دوره على أسطع صورة، حيث تشدُّ هيولاه، من أزرالجماهيرالعظيمة التي تردِّده، ناهيك عن أن من شأنه، أن يبثَّ الذُّعر، والخوف، في قلوب الظالمين، والقتلة، أنى كانوا:
كلّ الأشياء تبدو على حقيقتها
المدن
والناس
الهتاف
الزغاريد والتصفيق
والأسماء التي نحب
الحزن
وحديث الناس
والابتسامة
مجرَّدة من كل ما كان يشوبها
الطيور
التي
تبدووكأننا نتعرَّف عليها للتو
إنَّه غطاءٌ شاحب
وكئيب
زال عن كلِّ ما حولنا
كي تبدو الأشياء كما هي
كي تبدو الأشياء
على حقيقتها
تماماً......!.

ولعلَّ القصيدة التي لم تعد وقفاً، على شاعرذي خصائص، ونعوت محددة، باتت تبعث في الناس كهرباءها الخاصة، تؤجِّج نفوسهم، تسرد لهم أشكال عذاباتهم الطويلة، وآمالهم، وهي تتطلع إلى صناعة الحلم، عبر طريق واضحة المعالم، بل أن هناك قصائد مغنَّاة، يكتبها الطفل، والشاب، والكهل، والشيخ، والرجل، أوالمرأة، بل ربما أن هناك قصيدة مغناة، يكتبها كل هؤلاء، في آن واحد، ولعل هذا-تحديداً-ما يدفع بالشاعرإلى أن يرجىء كتابة نصه، عما يدورحوله، أوألا يرتقي هذا النص، في ما لوكتب إلى مقام النص الذي يفعل فعله، ويردِّده الكباروالصغار،معاً:
للمرَّة الأولى
أكتشف كيمياء الكلمة
وهي تمارس اللعب
في مختبر
يتناوب عليه
جميعهم
صانعين قصيدة
هي قصيدة الحياة
الحياة كما تحلو لهم...!





#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشيجُ الحولة نشيد التحول
- دعوة من القلب لوحدة رسل الكلمة الكردية..!
- عبدالرحمن آلوجي: لاترحل الآن ..!
- السِّيرة الذَّاتيَّة: مفتاح لابدَّ منه لولوج عالم المبدع
- أسس الحوارالثقافي
- المقدِّمة الخاطئة:
- تلفزيون2
- رابطة الكتاب والصحفيين الكرد ومنظمة صحفيون بلا صحف الفرنسية ...
- نصف الحقيقة2
- طهرانية الكلمة
- حوارية الكتابة والصورة
- قواسم الكردي العظمى:قراءة عاجلة في مدوَّنة باب -جامع قاسمو-
- أدباؤنا الراحلون: كيف نخلد ذكراهم؟؟
- سقوط المثقف
- النص الكامل لمحاكمة الشاعرة والشاعر:دفوعات الصوروإدانات الخي ...
- بعد أربعة عشرعاماً على رحيله:نزارقباني الشاعرالأكثرحضوراً..!
- الطفل والسياسة
- ثقافة الطفل وتحديات التكنولوجيا
- أكرم كنعو في عليائه هناك..!
- سورياإلى أين؟ -2


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - القصيدة المغناة وساحات التحرير