طول لسان رياض النوايسة

أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1093 - 2005 / 1 / 29 - 08:20
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

في 17 يناير الحالي اعتقل الدكتور رياض النوايسة المفكر الأردني المعروف والنائب السابق في البرلمان بعد كلمة ألقاها في مؤتمر أقامته لجنة مناصرة العراق في نقابة المهندسين الأردنيين بعمان دعا فيها الأمة العربية إلي تبنى المقاومة خيارا استراتيجيا وحيدا في مواجهة الاحتلال في العراق وفلسطين وطالب بوضع خطة لتحويل الأردن إلي عنصر فعال في سياق المقاومة واحترام الدستور والحريات . ووجهت محكمة أمن الدولة إلي د . رياض تهمة " إطالة اللسان " ! ويذكر أن المادة 159 من قانون العقوبات تنص على معاقبة كل من : " ثبتت جرأته بإطالة اللسان على جلالة الملك " بالحبس من سنة إلي ثلاث سنوات . وقد أفرج عن د . رياض بكفالة لحين النظر في طول لسانه على أيدي خبراء مختصين في قياس الألسن . ولا شك أن " طول اللسان " تعبير بدائي لأن اللسان متصل بالعقل والميول السياسية والتعبير أكثر مما هو متصل بالطول والقصر . وقد كان هناك تعبير قديم مماثل في مصر قبل ثورة يوليو هو" العيب في الذات الملكية " . وثمة كتاب ممتع في سلسلة " تاريخ المصريين" للدكتور سيد عشماوي يتناول فيه هذا الموضوع من كافة جوانبه منذ عام 1882 حتى قيام ثورة يوليو . ويشير د . عشماوي إلي أن لمفهوم العيب أو " إطالة اللسان " تاريخا عريقا عندنا ، ففي عام 1865 كان قانون المطبوعات العثماني المعمول به في مصر ينص على أن : " الذي يستعمل ألفاظا أو عبارات غير لائقة بحق السلطنة السنية يحبس من ستة شهور إلي ثلاث سنوات أو يؤخذ منه خمسة وعشرون ذهبا " ، لكن مصطلح العيب تبلور قانونيا في خضم الثورة العرابية ولمواجهتها ، وبعدها ظهر في عام 1883 قانون العقوبات وجاء فيه أن : " كل من عاب في حق ذات ولي الأمر يعاقب بالحبس من شهر إلي 18 شهرا ويدفع غرامة من مائة قرش ديواني إلي ألفي قرش " . وعام 1897 صدر أول حكم قضائي في مصر بتهمة العيب في الذات الخديوية في قضية عرفت باسم " قضية السفهاء " حبس فيها أحمد فؤاد وعلى المنفلوطي ستة شهور . وعام 1915 حوكم أحد المارة بتهمة العيب في حق أولي الأمر ، لأنه توقف في الشارع خلال مرور موكب السلطان حسين كامل وأخذ يصيح " يا مسهل يا رب " ! وفي1924 برأت المحكمة عصام الدين حفني من تهمة العيب في الذات الملكية لأنها رأت أنه " كان من الأليق بالنيابة أن تتريث في استنتاج هذه التهمة الشنيعة التي تكاد ألا تصدر إلا ممن به مس ، إذ ليس من السهل التصديق بأن مصريا يعيب في ذات مليكه المقدسة " ! وعام 1930 تعرض عباس العقاد لذات التهمة بسبب مقالاته في جريدة المؤيد الجديد ، واعتبرت المحكمة أن " العيب وإن لم يكن مسندا لحضرة صاحب الجلالة الملك صريحا ، فإن ذلك لا يمنعها من مؤاخذة المتهمين " ! ومع اختمار ثورة يوليو زاد عدد قضايا " العيب " أمام المحاكم بشكل غير مسبوق ، وكان الشاعر العظيم بيرم التونسي أحد أشهر من عابوا في الذات الملكية بهجوم صريح على الملك فؤاد في قصيدة معروفة ، وبقيام الثورة توارى مصطلح " العيب " وحل محله مصطلح آخر هو : " إهانة الرئيس " الذي حوكم بموجبه الشاعر أحمد فؤاد نجم عام 1978 ، ثم أعاد أنور السادات إلي الحياة قانون العيب عام 1980 ، وسرعان ما اختفى العيب باختفاء السادات . وخلال رحلة العيب وإطالة اللسان المتبادلة بين الحكام والشعب لم يكن ما يقوله الحكام عيبا أبدا ، وحين وصف الخديوي توفيق ثورة عرابي والشعب المصري بأنها " ثورة أولاد الكلب " لم يعتبر أحد أن ذلك عيب ! وعندما أخذت سحب الثورة تتجمع ضد الملك فاروق كان القضاة يبرئون المفكرين المتهمين بالعيب في الذات الملكية ، لأن القضاة كانوا يلمسون الهوة الشاسعة بين القانون والواقع ويشعرون بأن " هذه الذات " لم تعد تستحق أن تبقى مصونة لا تمس . وإذا كان لتهمة " طول اللسان " تاريخ أطول ، فلاشك أن هامش التعبير قد اتسع ، وشتان بين دعوة الدكتور رياض الصريحة لتبني المقاومة خيارا استراتيجيا وبين الوقوف في الشارع والصياح " يا مسهل يا رب " !

***
أحمد الخميسي – كاتب مصري

#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل