أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد الخميسي - القمة والقمامة في مصر














المزيد.....

القمة والقمامة في مصر


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 930 - 2004 / 8 / 19 - 10:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تسخر القمامة المكدسة في كل أركان شوارع القاهرة من أي جهد ثقافي للارتقاء بتذوق الناس للفن وتوسيع مداركهم وتطوير معارفهم . لأن القمامة تقف في كل نواحي القاهرة ويداها في خاصرتها تقول للناس : اقرءوا ما شئتم ، واسمعوا أفضل ألوان الموسيقى ، وانهلوا من الشعر، هذا كله لمخيلتكم ، أما في الواقع فإنني سيدة الموقف والميادين و" تلك الرائحة " وحدها هي ما سوف تستنشقونه أما الحديث عن " فردوس " ما فإنه وهم ، وسأبقى وأعلو لأنشر الأمراض والقبح في " عمارة يعقوبيان" ، ومساكن " اللصوص المتقاعدون ". أكوام القمامة التي تملأ الأمكنة هي عملية اقتلاع منظم وسريع لأية " وردة "، وإغراق كل " نقطة نور " بالظلمة . ومن المخجل أن يمشي المرء في شوارع " حضارة سبعة آلاف سنة " ليجدها حجارة وقمامة ما يزيد عن سبعة آلاف سنة ، مكدسة ، متراكمة ، تمسك بخناقنا جميعا . ومن المؤسف أن تكون حتى القمامة كاشفة للفارق الحضاري بيننا وبين الآخرين . فبينما يمثل فالورق عشرة بالمائة من مكونات القمامة المصرية ، فإن الورق يمثل اثنين وأربعين بالمائة من القمامة الأمريكية ! إنهم يقرءون ، ويكتبون ، ويستخدمون الورق أكثر بكثير مما نفعل . والتصدي للقمامة أصبح شأنا ثقافيا ، ينبغي أن يجتمع لأجله كبار كتابنا ، لأن القمامة عدوة كل جهودهم لتربية المشاعر والمواقف الأفضل في النفس . وكل الليالي التي يسهرها كتابنا لإشاعة الجمال في الحياة ، تواجه بنهار قاس ، متجهم ، وقذر ، يمزق كل شئ بوحشية . وما يغرسه كتابنا في نفوسنا كل يوم تقتلعه القمامة كل لحظة . العجيب أن القمامة أصبحت في الأرجنتين – بعد تدويرها - مصدرا للثروة ، لكنها في مصر تكاد أن تصبح مصدرا للثورة . فالناس يشتكون في كل منطقة في القاهرة والجيزة من رسوم النظافة التي فرضها بالغصب المحافظون على فواتير الكهرباء الشهرية . وتتراوح رسوم النظافة على البيوت ما بين جنيهين وعشرين جنيها ، وتصل إلي ثمانين جنيها على المكاتب والمحلات ، ثم ترتفع إلي مائة وخمسين جنيها على المحلات الكبيرة والمستشفيات والمدارس . الأغرب من هذا أن القمامة باقية خالدة ، لا تتزحزح ، تتضخم ، وتتكاثر ، وتجمع حولها القطط والحشرات والكلاب الضالة تحت النوافذ والأسوار وفي كل زاوية معتمة . أما عن الرسوم التي فرضتها محافظة القاهرة والإسكندرية ، فإنها تذهب للشركات الأجنبية وليس لشركات مصرية يمكن محاسبتها ! وكأن كل وظيفة المحافظة هي تكبيل المواطن للاستغلال الأجنبي . وإذا كان انتشار القمامة أمرا مهينا ، فإن التعامل معها بحيث تصبح مصدرا لثراء الخبراء الأجانب يسبب شعورا أعمق وأشد بالإهانة . وقد بحت أصوات كثيرة تسأل : هل نحن عاجزون عن جمع القمامة ؟ هل انحطت كفاءة وعلوم المصريين إلي هذا الحد ؟ . ثم لماذا لا تتم الاستعانة بالخبراء في مجال العلوم الوراثية ، والذرة ، والكيمياء بدلا من منازعتنا في تكنولوجيا آبائنا وأجدادنا الوحيدة التي قد نتقنها ؟ أم أننا مصدر للربح سواء أكانت قمامة أم نفط ؟ لقد وضع الدكتور أحمد عبد الوهاب أستاذ علم البيئة دراسة تفيد أن تدوير النفايات يمكن أن تدر على مصر ربحا سنويا بنحو مليار جنيه سنويا ؟ فلماذا نترك هذه الأرباح ، ثم نفرض على المصريين رسما لنحشو به جيوب مجموعة من اللصوص الأجانب ؟
إن كل دعاوى الإصلاح والتطور والحكمة والازدهار تسقط أمام أزمة القمامة في بلد الحضارة العريقة ، وفي القاهرة التي كانت شوارعها إلي وقت غير بعيد ترش بماء العطر . وتؤكد لنا القمامة أننا أبعد ما نكون عن التطور ، وأبعد ما نكون عن القمة .
أقترح على كتابنا الكبار أن يضربوا عن كتابة القصص والقصائد والروايات الجميلة إلي أن يتم تنظيف القاهرة بأيد مصرية ، وأن يخصصوا يوما يهبطون فيه جميعا إلي أحد الأحياء لتنظيفه ، ولهم أن يتخيلوا ردود الأفعال حين تلتقط صور لأولئك الكتاب وهم يكنسون الشوارع . على الأقل قد يشعر الناس أننا نشاركهم مشاعرهم ، وأننا نختنق معهم من القمة حتى القمامة !
:هامش
-- "تلك الرائحة " رواية لصنع الله إبراهيم – فردوس رواية لمحمد البساطي – عمارة يعقوبيان رواية لعلاء الأسواني – اللصوص المتقاعدون -رواية لوجدي أبو جليل – وردة رواية لصنع الله إبراهيم – نقطة نور رواية لبهاء طاهر .
***
أحمد الخميسي . كاتب مصري .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
- الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
- القاهرة تهتف للعراق
- راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
- الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
- الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
- الرد على العملية الأخيرة في العراق
- محمد صدقي .. وداعا
- البيان الختامي للملتقى الأول للجان الشعبية المصرية لدعم الان ...
- ليس من جدار واحد ينشع دم الفلسطيني
- مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط


المزيد.....




- الأمير هاري: أود المصالحة مع عائلتي ولا جدوى من الاستمرار في ...
- -مستر بيست- سيشارك بحفل افتتاح -موسم الرياض- السادس
- الإفراج عن راسل براند بكفالة في أولى جلسات محاكمته بتهم الاع ...
- أوكرانيا: زيلينسكي يشيد باتفاق -منصف- مع الولايات المتحدة وإ ...
- إعلام مصري: الرياض عرضت إقامة قواعد أمريكية بتيران وصنافير، ...
- ترامب يفاجئ نتنياهو بالمباحثات مع إيران: هل تصل المفاوضات ال ...
- -إصابة عدة أشخاص- إثر اصطدام سيارة بحشد في شتوتغارت الألماني ...
- بيان من جامعة الدول العربية تعليقا على قصف محيط القصر الرئاس ...
- روبيو يعتبر تصنيف حزب -البديل من أجل ألمانيا- كيانا متطرفا - ...
- مصر تحذر مواطنيها من رحلات -حج غير رسمية- بعد أزمة العام الم ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - أحمد الخميسي - القمة والقمامة في مصر