أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة















المزيد.....

راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 778 - 2004 / 3 / 19 - 09:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عزيزتي راشيل كوري . في 16 مارس الحالي يكون قد انقضى عام على رحيلك البطولي في رفح . وأنا أعلم أن رسالتي هذه لن تصل إليك . ومع ذلك أكتبها بأمل ، لأنني أثق أننا لا نعرف سوى القليل عن عالمنا هذا ، وأن الكون عامر بمعجزات لا نشعر بها ، ولذا يملؤني الأمل أن يكون ثمة قانون فوق القوانين التي نحيط بها فتقرئين رسالتي هذه ، وأنت طي عالم آخر ، مجهول بالنسبة لي ، ومظلم . لكن ما الذي يحدوني الآن لكي أكتب لك ؟ ربما لأنني لا أريد لصورتك أن تضيع في زحام الأحداث الصغيرة والكبيرة ، الدامية ، والمألوفة ، الشخصية والعامة . أقول لك إن لقد زاد عدد البيوت المدمرة في فلسطين ، وتضاعفت أعداد القتلى ، وصارت نعوش الفلسطينيين مثل الهواء والماء والنور تحيطنا من كل ناحية ، صباحا مساء كأن الحياة استثناء والموت قاعدة . هل هذا هو ما دفعك لأن تقفي وقفتك الأخيرة العام الماضي وأنت في سروالك الجينز والجاكت الخفيف ، وترفعين ذراعك النحيفة في وجه البولدوزر الإسرائيلي معترضة محتجة مشتعلة بالغضب في حي السلام بمخيم رفح ؟ كان ذلك مساء يوم الأحد 16 مارس ؟ نعم .. ولم تكن الدنيا قد أعتمت تماما بعد .. حين تقدمت البولدوزرات لتقوض منزلي المواطنين الفلسطينيين على ومدحت الشاعر ؟ نعم .. أذكر .. وكيف لا ؟ وقفت أنت وحدك بسنواتك الثلاث والعشرين في وجه عملية تجريف الأرض وهدم البيوت . انفض زملاؤك من حولك من جماعة حركة التضامن العالمية حينما أصبح المقدمة الحديدية للبولدوزر قريبة جدا.. انفضوا حينما أصبح كل ما يفصلهم عن الموت شبر ، تنحوا جانبا يصيحون ويلوحون بقبضاتهم غضبا واحتجاجا ، نعم .. أذكر . لكنك أنت النحيفة ، القصيرة القامة ، الطالبة بجامعة كولومبيا ، وأنت شابة هكذا ، ظللت ثابتة ، لا تتحركين . كأنك أدركت في لحظة أن الضمير لا ينبغي أن يكون يقظا فقط ، بل وينبغي أن يكون مقاتلا أيضا لكي ينتهي ليل الضمير البشري . ظللت واقفة ، وقررت أن تحمي بيتا فلسطينيا واحدا إلي النهاية وأيا كان الثمن . هكذا تقدم الحديد الإسرائيلي المصنوع بدعم أمريكي ، واقترب ، وصاح زملاؤك من حولك بالجنود " توقفوا . توقفوا " مرة واثنتين ، وصاحوا مرة أخيرة . ثم التفتوا إليك يتوسلون أن تبتعدي ، وأن تكتفي بضميرك اليقظ . نعم .. أذكر أنك فكرت أن إسرائيل هدمت فقط في العامين الأخيرين خمسة عشر ألف بيت فلسطينيي ، وأنه لابد من نهاية لكل تلك المظالم ، ولابد لوقفها من ضمير حي ورقيق كأوراق الزهرة ، ومقاتل ترتوي أوراق الزهور من دمه . فهززت رأسك الصغير الجميل بعناد وتصميم . نعم .. أذكر .. واصل الجنود الإسرائيليون زحفهم بالجرافة نحوك .. حينما صرت أنت والبيت الفلسطيني شيئا واحدا ، وحينما صارت نوافذه عينيك ، وغدا درجه ذراعيك ، والذكريات التي بداخله روحك أنت . ضربتك الجرافة ، فسقطت أمام البيت ، وقلبتك الجرافة كأنها تحرث التربة وتغرس الوردة فيها إلي الأبد ، وسحقت منك الجمجمة والصدر ، ثم غطتك بتراب الشعب الفلسطيني ، وأنت المواطنة الأمريكية التي جاءت من بعيد ، لتقول لنا شيئا عن الضمير الإنساني يجعلنا نثق ليس فقط في الآخرين ، ولكن في عدالة كفاحنا .

عزيزتي راشيل .. أعلم أنه كان لك منزل آمن في واشنطن ، تعيشين فيه مع والديك ، ولك فيه غرفة فسيحة تضعين فيها كتبك ، وصور الأصدقاء الأعزاء . وأنك كنت كنت ستحصلين هذا العام على شهادتك من الجامعة وتواصلين حياتك ، زوجة سعيدة ، وأما ، وشابة . لماذا تركت كل ذلك خلفك وجئت إلينا من بعيد ؟ إلي الأرض التي يموت فيها الأطفال كل يوم فلا يعيرهم أحد اهتماما ؟ . ولم ودعت أهلك ، وأكدت لهم أنك ستعودين قريبا ، ثم اشتريت بطاقة سفر على حسابك ، واجتزت حدودا بعد حدود ، لتصلي إلي هنا ؟ هل كنت تعلمين أنك ستصبحين زهرة أمام بيتنا .. تنمو كل يوم في ضمائرنا فنحتفل بذكراها عاما بعد عام ؟ هل كنت تعلمين أنك ستضيئين مثل شمعة على كف شعب مقاتل ؟ وأنك ستنضمين إلي شهداء الانتفاضة الذين تجاوز عددهم السبعين ألف شهيد ؟ .

عزيزتي راشيل .. أريد أن أتخيلك بدقة ، لكي لا يضيع وجهك ، لا الآن ، ولا غدا . لأنني أريد لك أن تبقي ، وأن تظلي ، وأن تثقي أنك لن تتبددي . ستقولين إن الكثيرين يموتون كل يوم ، وأنك واحدة من آلاف . ستقولين إنك كنت تفكرين هكذا عندما نقلت إلي مستشفى أبو يوسف النجار في رفح حيث لفظت أنفاسك الأخيرة الشابة . لكني أقول لك إن موتك مختلف .. هل أقول استشهادك ؟ . فقد قتلك العدوان الأمريكي الإسرائيلي وأنت مواطنة أمريكية ، وكشفت بذلك أن أمريكا التي تسببت في قتل الآلاف من أبنائها في فيتنام وغيرها مازالت مستعدة لقتل المزيد من أبنائها من أجل مصالح وأرباح شركات السلاح والنفط ، وكشفت بموتك الذي أورق عند عتبة بيوتنا أن الضمير الإنساني آخذ في النمو داخل المعسكر الآخر . أنت تعلمين أن كلمة أمريكا مرتبطة عندي بمجازر إسرائيلية لم تكن لتقع لولا الدعم الأمريكي ، مجازر مدرسة بحر البقر ، وصبرا وشاتيلا ، وغيرها . تعلمين أنه من الصعب على نفسي أن أكون موضوعيا وأقول : ثمة ضمير في أمريكا . لكني الآن أقولها بفضلك أنت : نعم ثمة ضمير في الجانب الآخر ، صغير ، وشاب ، ليس يقظا فحسب ، بل ضمير مقاتل ، يموت من أجل الشعوب الأخرى في سروال بسيط وجاكت فاتح اللون . ضمير اسمه : راشيل كوري . خيط صغير من الدماء سيظل يجري في الأمطار و يـتـقـطر على السفوح ويصعد إلي الجبال ، ويدور بلا نهاية ملتفا على ذلك الظلم الأمريكي الكبير حتى يقتلعه . من قبل سبقتك مظاهرات في كل عاصمة وركن ، شباب وشيوخ وأطفال بكل اللغات يحتج على الحرب الأمريكية الإجرامية ، لكن موتك لسبب ما عزيز على النفس . ربما لأنك رفضت أن تتراجعي حين صاح بك زملاؤك لكي تبتعدين. ربما لأنك ظللت واقفة إلي النهاية ، حتى تشبع قماش الجاكت الخفيف من دمك .

عزيزتي راشيل .. أعلم أن رسالتي لن تصل إليك . ومع ذلك فإنني أشعر – صدقيني – أنك تنصتين إلي الآن ، وأشعر صدقيني أنك تعدين الآن حقيبتك الصغيرة ، وتلقين بها على ظهرك ، وتشدين الرحال من جديد ، مرة أخرى ، وبلا نهاية ، إلي فلسطين ، وإلي بغداد ، ,إلي كل البلاد التي ترزح تحت الظلم ، لتحمي بيوتا وبشرا آخرين ، لأنك تثقين أن يوما ما سيحل تغطي فيه زهور مثلك وجه الأرض ويعلو عطرها إلي السماء .


أحمد الخميسي . كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
- الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
- الرد على العملية الأخيرة في العراق
- محمد صدقي .. وداعا
- البيان الختامي للملتقى الأول للجان الشعبية المصرية لدعم الان ...
- ليس من جدار واحد ينشع دم الفلسطيني
- مضارب الأهواء عمل جديد لإدوار الخراط
- صورة الإسرائيلي في مصر
- ديوان - وطنيتي - قصة الروح الثائرة
- زراعة الكارثة في مصر
- الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي
- بطاقة لطفل فلسطيني عام جديد .. يا حبيبي
- زهور قليلة في حقل الهزيمة
- عام ثالث .. على - حوار متمدن
- جائزة الثقافة الأمريكية في مصر
- نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف
- صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة
- الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
- المثقفون والأستاذ
- لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى


المزيد.....




- -كابوس لوجستي-..أمريكي يزور جميع بلدان العالم للتأقلم مع الو ...
- 7 نجمات ارتدين الفستان الأسود الضيّق بقصّات مختلفة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية 4 مسؤولي استخبارات بإيران بينهم ...
- ولا تزال السماء تمطر غارات وصواريخ في معركة كسر العظم بين إي ...
- دمار واسع وارتفاع في حصيلة القتلى.. استمرار التصعيد العسكري ...
- ألمانيا تستضيف محادثات دولية حول المناخ قبل قمة البرازيل
- الوحدة الشعبية: الرفيق الدكتور عصام الخواجا حر كما عهدناه
- إيران: على أمريكا أن تعلن موقفا واضحا من العدوان الإسرائيلي ...
- وأطلق الكوريون الشماليون النار على الطائرات الأمريكية!
- انفجار بمصنع ألعاب نارية في هونان جنوب وسط الصين (فيديو + صو ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد الخميسي - راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة