أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي














المزيد.....

الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 711 - 2004 / 1 / 12 - 05:00
المحور: الادب والفن
    


" كل المخلوقات تأتي إلي العالم حاملة معها ذكرى العدالة " . نعم . هكذا يعتقد  القاضي في رواية " في انتظار البرابرة " للكاتب جي كوتزي – من جنوب
أفريقيا -  الفائز بنوبل العام الماضي . قاضي المقاطعة الحدودية في بلد احتلته جيوش  الإمبراطورية المتحضرة التي ينتمي إليها القاضي . هنا عاش ثلاثين عاما  في  جناح  في مخفر الحراسة الأمامي وضاع شبابه بين إصدار الأحكام وجمع الآثار القديمة التي خطت عليها لغة الشعب الأصلي والتسلي بلعب الشطرنج في بيوت الأصدقاء أو الورق في غرف الفندق وأخيرا مضاجعة نسوة البلد المحتل آخر الليل . السنوات الطويلة علمته أن السلطة الحقيقية في أيدي ضباط الجيش وقائد المخفر ، وأن وجوده مجرد استكمال لشكل الإمبراطورية التي دفعت بجنودها من آخر الدنيا إلي هذه البلد لتطرد سكانها الأصليين من مواطنهم وحقولهم وتقيم المستوطنات بقوة السلاح ، ثم تطلق على أصحاب البلد صفة " البرابرة " . لا شك أن وجه الشبه بين حالة
الاستيطان في جنوب أفريقيا وفلسطين يثب لعقل القارئ . حين يتوجه أحد الضباط الصغار في المخفر بسؤال للقاضي : " ماذا يريد البرابرة منا ؟ " يقول له :
" يريدون وضع نهاية لانتشار المستوطنات وعودة أراضيهم " . ويشهد القاضي يوميا كيف يقوم الضباط بتعذيب المواطنين على نحو وحشي لمجرد الشك في أنهم برابرة يخططون لعمل انتقامي . يحدث القاضي نفسه : " عندما يعاني بعض الرجال من الظلم ، فإن قدر الذين يشهدون معاناتهم أن يعانوا من الخزي " . يعيش المخفر الأمامي في خوف دائم من البرابرة . رغم أن أحدا لم يشاهدهم ، وليس ثمة معلومات عن أية خطط لديهم لأي عدوان . وينفي القاضي للعميد المسئول عن المخفر أن البرابرة يشكلون خطرا ، قائلا له : "  لكن إذا أردنا الصراحة ، فإن ذلك هو معنى الحرب . إكراه الآخرين على خيار محدد " . أي إكراه المواطنين الأصليين على أن يصبحوا أعداء . هل هناك مخرج آخر ؟ أو عدالة أخرى ؟ يفكر القاضي في أنه : " لا مكان للعدالة
هنا ، لأنها لن تعني سوى فتح بوابات البلدة لأناس قمنا باغتصاب أراضيهم " . هذه هي العدالة الوحيدة عند الروائي العظيم جي كوتزي : انسحاب المستوطنين وليس التعلق بمختلف الذرائع من أجل مواصلة البقاء . يشهد القاضي حالات التعذيب البشعة ، ويخاطب نفسه بأنه " لا تربطه صلة بأولئك الذين يمارسون التعذيب ، القابعين في الأقبية المظلمة مثل الحشرات " . القاضي شاهد محايد معذب الضمير فحسب . لكن هل تسمح الجرائم للبعض بترف الحياد ؟ أم أن الجميع أطراف فيما يجري ؟ . ذات يوم تصادف القاضي حالة تعذيب لفتاة من البرابرة ، لا علاقة لها بأي شئ ، يحطمون قدمها ، ويغتصبونها أمام أبيها ، ويحمون شوكة حديدية أمام عينيها فتصاب بنصف عمي . ثم يتركونها تتسول في أرجاء المخفر لأنها لم تعد تستطيع
الرجوع إلي أهلها في الجبال . يتخذها القاضي عشيقة ويقول لنفسه وهو يتحسس ندوب التعذيب على بدنها الشاب : " أنا معها ليس من أجل النشوة .. لكن لأسباب ستبقى غامضة بالنسبة لي " ثم يتساءل : " هل هي ما أريد ؟ أم آثار التأريخ التي يحملها جسدها ؟ " . إن الفتاة تصبح الوطن الذي ساهم القاضي بحياده في عملية اغتصابه . وحينما تفتر علاقته بها يفكر في أنه " من الخطأ أن تعتقد أنك قادر على أن تحرق أو تمزق أو تفرض سبيلك إلي داخل الجسد الآخر المتكتم " . هذا ينطبق أيضا على الاستعمار : إنه لا يستطيع أن يفرض سبيله إلي داخل الأوطان الأخرى ، ولا يستطيع أن يلقى قبولا . يقوم القاضي برحلة شاقة لكي يعيد الفتاة إلي الجبال ، ثم يعود إلي المخفر ، فيجد نفسه طريح الزنزانة وعرضة لكل أنواع التعذيب الوحشي الذي اكتفى ذات يوم بموقفه المحايد وهو يشاهد ضحاياه . يجد القاضي نفسه في الثكنات داخل ذات الغرفة التي استخدموها في التحقيق والتعذيب بتهمة التخابر مع
البرابرة الأعداء . وهناك يعلم أن الجيش يقوم " بهدم البيوت لبناء مزيد من الزنزانات " فيقول لنفسه : " إنه أوان ازدهار الوردة السوداء للحضارة " . وعندما يصل التعذيب حدا غير محتمل يصرخ القاضي صرخات ألم مرعب ، فيقول الضابط : " إنه ينادي أصدقاءه البرابرة، تلك لغة البرابرة " . يقول كوتزي إن الألم هو اللغة الوحيدة التي قد يتطهر من خلالها المستعمرون والمستوطنون ليصبحوا أصدقاء للآخرين . ويصيح القاضي في وجه الضابط : " ليس ثمة أعداء سواكم أنتم،إنك العدو أيها العميد " . يعري كوتزي حقيقة أن البرابرة الوحيدين هم أولئك الغزاة في رواية عظيمة صدرت ترجمتها عن المجلس الأعلى للثقافة ، وتستحق رغم مستوى الترجمة القراءة . هناك رواية أخرى لصدرت لنفس الكاتب العظيم في روايات الهلال اسمها " حياة وزمن مايكل " ، تؤكد أن جائزة نوبل كسبت الكثير بضم ذلك الكاتب العبقري إلي قائمة من فازوا بها . الكاتب الذي يؤمن بأن " كل المخلوقات تأتي إلي العالم حاملة معها ذكرى العدالة " ، وأن الأطراف كلها طرف  فيما يجري ، وأن أحدا لا يستطيع أن يدعي الحياد ، ذلك أن أقل درجة من تعاطف القاضي
مع السكان دفعته إلي نفس الجحيم .

***
كاتب مصري



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بطاقة لطفل فلسطيني عام جديد .. يا حبيبي
- زهور قليلة في حقل الهزيمة
- عام ثالث .. على - حوار متمدن
- جائزة الثقافة الأمريكية في مصر
- نجوم كثيرة .. وقمر واحد في وداع حمزاتوف
- صــنــع الله إبــراهــيــم رسالة من على المنصة
- الكتاب والمثقفون المصريون : لا .. للعدوان على سوريا ..
- المثقفون والأستاذ
- لثورة اليمن ، والتطور ، وليلى
- المثقفون المصريون : تحية للشعب الفلسطيني ولرئيسه المنتخب
- اتحاد الكتاب العرب نوما عميقا وشخيرا عاليا
- السياسة أقوى من الحداثة أو الحكايات المختلقة
- نظرية الاحتلال الثوري عند أنصار واشنطـــــن
- إسرائيل من الحرب إلي الثقافة
- ذكرى ناجي العلي
- حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري
- وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية
- الخوف من الكتابة
- هــمـوم قــبـطــيـة في أحـزان بـلـدنـا
- بغداد التي في خاطري


المزيد.....




- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الزهرة السوداء لحضارة الروائي العالمي - كوتزي