أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أحمد الخميسي - في وداع كاتب شريف














المزيد.....

في وداع كاتب شريف


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1083 - 2005 / 1 / 19 - 11:42
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


في السادسة مساء يوم السبت 8 يناير بمستشفى القوات المسلحة بالمعادي غادر عالمنا عن خمسة وأربعين عاما الكاتب ، الشاعر ، الصديق فتحي عامر المشرف لسنوات على الصفحة الثقافية في جريدة العربي . فاض آخر ما في روحه الكريمة، بعد أن ظلت هذه الروح تتدفق نفحة وراء الأخرى على مدى عام كامل في حجرات وردهات مختلف المستشفيات . على مدى عام كامل كان مثقف من أبناء الفلاحين يموت على مرأى ومسمع من كافة المؤسسات الثقافية ، وعلى مدى عام كامل لم تتقدم جهة لإنقاذه . ولم يكن لديه ما يكفي لنفقات عملية استبدال الكبد في مجتمع المليارات المهربة ، والملايين التي تراكمها الراقصات ، وقصور الشواطئ التي تعلو من صفقات الأسمدة الفاسدة ، ولم يكن لديه وكبده يتلف يوما بعد يوم سند لا في وزارة ولا في دولة ولا في حكومة . لم يكن عنده سوى قلم صغير مسنون يحفر به أسماء الحقيقة التي لا تنتهي . ثلاثون عاما أخرى على الأقل كان يمكن أن يعيشها فتحي عامر ، وحذفتها قلة الأوراق النقدية ، ثلاثون عاما كان يمكن أن يحياها بربع تكلفة قطع الحلوى والاحتفاء بالضيوف المهرولين وبطاقات السفر ومصابيح إضاءة المنصة في مؤتمر عن تأثير الرواية أو أهمية التنوير في مجتمعنا المعاصر . وعندما اجتمع أصدقاء فتحي عامر قبل شهرين من وفاته ، وقرروا أن يكتبوا صفحة كاملة نداء للتبرع من أجله، رفض فتحي بشدة قائلا بغضب : " ما هذا ؟ أتشحذون باسمي ؟ ". وعادت المقالات إلي أصحابها واستمر عجز الجميع أمام حياة تتسرب يوما بعد يوم . زرته في مستشفى العجوز ، وكان راقدا وظاهر كفه مشبوكا بإبرة تهبط من كيس دم على حامل حديدي . تطلعت إليه بصمت ثم سألت : ماذا ستفعل ؟ . أشاح بيده وأجابني بنبرة ممطوطة مثل أي فلاح : ربك يسهلها . ح يجرى إيه يعني ؟ . نسأل أنفسنا : كم يلزم لإجراء عملية الكبد ؟ وكم معنا ؟ ويتضح أن كل ما نملكه هو لا شئ مقارنة بتكاليف العملية . وتكتب جريدة العربي على صدر صفحتها الأولى " أنقذوا فتحي عامر "، فلا يرتد إلينا سوى الصدى " أنقذوا فتحي عامر " . وتمضي الكاتبة وفاء حلمي رفيقة دربه وتلتقي بالجميع ، وتحاول أن تتماسك ، ونشعر كلنا أن آخر ما في روحه الكريمة يوشك أن يفيض ، وأن الأبواب كلها موصدة أمام شاعر ومثقف غادرنا كما أتى إلينا ، ويالها من معجزة أن تودع الإنسان كما عرفته : فقيرا ، ونظيفا ، وشجاعا ، وأن تلقي عليه النظرة الأخيرة بنفس احترام ومحبة النظرة الأولى . كان فتحي عامر يحتاج إلي عملية زراعة كبد ، وهي عملية ممكنة يجريها الجراحون بسهولة لكن زراعة الضمير أمر مستحيل . وقد عاش فتحي عامر وغادرنا بضمير حي ، عرى الفساد الثقافي ، والسياسي ، وظل وفيا لقضايا بلده ، وكان موته المبكر ثمنا لمواقفه التي جعلت المؤسسات الثقافية تشيح بوجهها عن موته غير المعلن عاما كاملا ، كأنها لم تكن تلحظ تلك الروح وهي تفيض نفحة وراء أخرى ، شهرا بعد شهر ، كأنها لم تكن تسمع تلك الأنفاس وهي تصعد من حجرة بمستشفى لحجرة أخرى ، كأنها لم تقرأ النداء تلو النداء ، كأنما لم يكن هناك مثقف مصري اسمه فتحي عامر ، يقطع المسافات كل يوم ، ويتجه إلي مقر عمله ، ويكتب مقالاته ، ويمزح مع أصدقائه ، ويتقاسم معهم جنيهات قليلة ، ويرفض أن ينقذ عمره بدعوة للتبرع قد تمس كرامته . نودعك كما عرفناك . فاغفر لنا أننا مرة بعد أخرى نقول سوف نؤسس صندوقا للكتاب والمثقفين يسعفهم ساعة المرض ، ولا نفعل ، واغفر لنا أننا نعد يوما بعد الآخر بأن يكون لنا كيان ثقافي وأدبي يحفظ كرامتنا ، ولا نفعل، فقد خمدت فينا حتى الروح التي يدافع بها أبناء كل مهنة عن بعضهم البعض، الروح التي تجعل حتى الأشقياء يتعصبون لبعضهم البعض ، ويدافعون عن أنفسهم وعن قانون الحياة المقدس : لا تترك زميلا لك يعاني . فما بالك حين يتعلق الأمر بشاعر ؟ ومثقف ؟ وصديق ؟ وإنسان ؟ ظل دخان روحه يحوم عاما كاملا فوقنا دون أن نفعل شيئا ؟ . كان النداء مسموعا ، وكان مقروءا ، وكان مرئيا ، ولم نفعـل شيئا . لقد رحل فتحي عامر ، لكن هذا النداء الذي لم ينقطع سيظل يتردد في آذاننا مثل الطنين ، مثل إشارة تومض متكررة : " أنقذوا حياة فتحي عامر " .. " أنقذوا حياة فتحي عامر " .. أنقذوا حياة " .. " أنقذوا " .



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمة سحرية تتحدى الزمن
- -- قصة قصيرة - بط أبيض صغير
- من تثقيف العسكر .. إلي عسكرة المثقف
- كعك أمريكي لسكان الفالوجة
- ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة
- ليلة القبض على العريش
- عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
- محطة الضبعة ومستقبل مصر
- العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
- صفحة الحوادث والأدب الروائي
- القمة والقمامة في مصر
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد


المزيد.....




- وزير خارجية إسرائيل: مصر هي من عليها إعادة فتح معبر رفح
- إحباط هجوم أوكراني جديد على بيلغورود
- ترامب ينتقد الرسوم الجمركية على واردات صينية ويصفها -بغير ال ...
- السعودية.. كمين أمني للقبض على مقيمين مصريين والكشف عن السبب ...
- فتاة أوبر: واقعة اعتداء جديدة في مصر ومطالبات لشركة أوبر بضم ...
- الجزائر: غرق 5 أطفال في متنزه الصابلات أثناء رحلة مدرسية وال ...
- تشات جي بي تي- 4 أو: برنامج الدردشة الآلي الجديد -ثرثار- ويح ...
- جدل حول أسباب وفاة -جوجو- العابرة جنسيا في سجن للرجال في الع ...
- قناة مغربية تدعي استخدام التلفزيون الجزائري الذكاء الاصطناعي ...
- الفاشر تحت الحصار -يمكنك أن تأكل الليلة، ولكن ليس غداً-


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أحمد الخميسي - في وداع كاتب شريف