أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أحمد الخميسي - ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة














المزيد.....

ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1018 - 2004 / 11 / 15 - 03:13
المحور: القضية الفلسطينية
    


عاش أبو عمار يتنقل من بلد لبلد ، من مصر إلي الكويت ، ومن الكويت إلي الضفة ومن الضفة إلي لبنان ، ومن لبنان إلي تونس ، ومن تونس إلي رام الله ، ومن رام الله إلي باريس ، وجاب العالم كله ، ليعود في النهاية مرة أخرى وأخيرة عبر محطات عدة إلي أرض وطنه الذي كافح من أجله طيلة عمره وكل لحظة في حياته.
كان عرفات أول من فكر في الكفاح المسلح ، ومن بعده ظهرت منظمات عديدة ، لكن فضل الريادة كان له ، وكان لعرفات أيضا فضل الزعامة أي القدرة على تجميع البشر والأفكار وتوحيدها في اتجاه محدد ، وهي مقدرة قلما تتوافر للكثيرين حتى حين تكون أفكارهم أو خطوطهم السياسية صحيحة . وهذه المقدرة تعني في الواقع الفعلي خطا سياسيا أقدر على التفاعل مع الواقع . رحل رجل أسطورة ، أيا كانت ملاحظات الآخرين ، وانتقاداتهم ، رجل بكاه الشعب المصري في كل بيت ، وفي كل شارع ، وفي كل مقهى صغير . لم يحس المصريون حزنا كهذا منذ وفاة عبد الناصر ، حزنا شعبيا جامعا كأنه نهر يجري من جنوب مصر إلي شمالها وترتوي من دموعه كل قرية . لم يستطع المصريون – وبعبارة أدق لم تتح لهم فرصة – أن يعبروا عن هذا الحزن ، وحاول بعضهم أن يحيط بأرض المطار حيث الجنازة الرسمية ، وحاول بعضهم عبر رسائل المحمول أن يحتشدوا في جامع الأزهر ، وحاول بعضهم أن يلتقي ببساطة على المقاهي في الشوارع . وكانت سحابة الحزن التي عبرت القاهرة ومدن مصر كبيرة ، بحجم أبناء الشعب من كل الفئات . البسطاء كانوا يشعرون أن الرجل الذي يساوي اسمه معنى قضيته قد ظلم كثيرا ، وأنه أعطى كل ما في وسعه ، ولم ينل سوى أقل القليل : الحصار في رام الله ، وقصف البيوت والتجريف . هذا الشعور بالظلم ساق الملايين للتعاطف الحار معه ، ومع معناه : أي فلسطين . كان الناس يندبون في رحيله حظ فلسطين ، وقدرها التاريخي الذي جعلها تصارع وحدها القوى الكبرى ، ودناءة القوى العربية المحلية، وأحلام التحرر التي تنبعث من فلسطين وتسري كالعطر إلي أجواء الشعوب العربية كلها . قال البعض إن قصر الوقت لم يمنح النظام المصري فرصة لترتيب جنازة شعبية ، ولكن ذلك غير صحيح ، فلم يكن مطلوبا لتنظيم أو ترتيب جنازة شعبية سوى عبارة واحدة تنشر في جريدة الأهرام : " تسير اليوم الجماهير لتودع ياسر عرفات انطلاقا من جامع عمر مكرم في ميدان التحرير ، أو جامع الأزهر " . لكن النظام المصري حرم عرفات – وقضية شعبه – من تأييد هادر يعلن للعالم أجمع أن لفلسطين الحق في دولة ، وفي تقرير المصير ، وفي عودة لاجئيها.
هذا التأييد الهادر الذي يضع تحت الضوء حقيقة العداء الشعبي المصري لإسرائيل وأمريكا لم يكن مرغوبا . الشعور الشعبي كان أن عرفات عاش غريبا ، يثب من أرض إلي أرض ، ومات غريبا يثب من أرض إلي أرض ، وكان ذلك بحد ذاته كافيا للتعاطف العميق مع رجل أسطوري .
مات عرفات .. عاشت فلسطين . وبفضل الثورة التي قادها عرفات وبفضل تدفق تضحيات الشعب الفلسطيني ، انتقلت أخيرا شرارة الكفاح وحطمت الحصار منتقلة فقط الآن إلي بلد آخر : العراق . وكل بطولة الشعب العراقي في الفالوجة وغيرها هي من وحي فلسطين ، ومن دون كفاح الشعب الفلسطيني لم يكن للعراقيين أن يسجلوا تلك الملاحم ، لكن فلسطين لقنت الجميع درسا يوميا متصلا ، أن المقاومة ممكنة ، وواجبة ، وهكذا وجدت الأسطورة أرضا أخرى لها ، وهي أرض ستتسع وتتسع ، إلي أن تصبح كل أرض أسطورة .
مات عرفات .. عاشت فلسطين . مات المغني وعاشت الترنيمة التي وهب لها ذلك البطل كل حياته . أحس المصريون أنه ظلم ، أن قضيته ظلمت ، أن شعبه ظلم ، وحتى حين وقع عرفات اتفاقيات أوسلو الكئيبة ، كان الجميع يشعرون أنه محاصر وأن موازين القوى المتفوقة من كل ناحية تطبق عليه وتجره إلي هذه الرحلة . وصدم المصريون حين كان عرفات بطريقة أو بأخرى يستنكر عمليات المقاومة الفلسطينية ، وأحسوا ببوادر النكسة والغروب ، لكن جناحي الطائر الضخم ياسر عرفات كانت تظل مفرودة بحكم تاريخه ، وصدقه ، ونضاله .
الآن .. هناك سؤال واحد معلق في الأفق : أي خط سياسي سيواصل به الشعب الفلسطيني ملاحم نضاله ؟ خط : المؤتمرات الدولية لتطبيق خطة الطريق أو خطة شارون ؟ خط اللهاث وراء أوهام تأييد الرأي العام والشرعية الدولية ؟ أم ذلك الخط الذي يدرك أنه لا تأييد دولي ، ولا شرعية ، ولا رأي عام ، من دون مقاومة مسلحة تجبر الجميع على النظر إلي حقوقنا باهتمام ؟ رحل أبو عمار ، ولم يعد أحد بقادر الآن على تعميم حلول وسط بفضل مكانته وهيبته وصلاته ، رحل أبو عمار والسؤال الحقيقي الآن : ما ثمرة نحو عشرة أعوام مضت بعد توقيع أوسلو ؟ لا شئ . الفراغ الذي تركه أبو عمار لن يملأه سوى المقاومة وحدها ، لأنها كل ما تبقى ، ولأنها الخيار الوحيد المتروك أمامنا .
حين كان أبو عمار في غيبوبة ، وكانوا يقولون إن عينه ترف ، كانت عين الوطن بأكملها تتسع وترف معه ، وحين أغلق عينه مرة أخيرة ، أغلقت عينها معه مرحلة كاملة . فقد الشعب زعيما أسطوريا ، ولم يعد للشعب الآن إلا نفسه ، وهو شعب من زعماء وأساطير لا تنتهي .

***



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليلة القبض على العريش
- عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
- محطة الضبعة ومستقبل مصر
- العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
- صفحة الحوادث والأدب الروائي
- القمة والقمامة في مصر
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
- الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
- القاهرة تهتف للعراق
- راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
- الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات


المزيد.....




- كاميرا ترصد لحظة سقوط حطام صاروخ مشتعل في قطر
- هل كانت ضربة أمريكا على فوردو بإيران ضرورة أمنية أم مقامرة س ...
- الحرس الثوري يعلن استهداف قاعدة العديد الأمريكية في قطر والد ...
- رئيسة البرلمان الأوروبي عالقة في الشرق الأوسط بعد إغلاق الإم ...
- ترامب عن الرد الإيراني: -هجوم ضعيف-.. وحان الآن وقت السلام! ...
- من الإمارات إلى الأردن .. القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط ...
- دراسة: الصيام المتناوب يتفوق على الحميات التقليدية
- الرئيس الفلسطيني يعين وزير خارجية جديدا
- أوروبا عالقة بين الرفض الضمني والقلق المعلن من التصعيد في إي ...
- دول خليجية تعيد فتح أجوائها بعد إغلاقها لساعات


المزيد.....

- 1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت ... / كمال احمد هماش
- في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / محمود خلف
- الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها / فتحي الكليب
- سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية ... / سمير أبو مدللة
- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أحمد الخميسي - ياسر عرفات .. تغريبة أخيرة