أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - طلعت رضوان - الطبقة العاملة واليسار المصرى















المزيد.....


الطبقة العاملة واليسار المصرى


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3714 - 2012 / 5 / 1 - 10:43
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    



لاينكرالمؤرخ المنصف صاحب العقل الحرأنّ الشيوعيين المصريين قدّموا الكثيرمن التضحيات لصالح الطبقة العاملة. تضحيات تمثلت فى المطاردة والاعتقال ، سواء فى العهد الملكى وتحت حكم الاحتلال البريطانى ، منذ عشرينيات القرن العشرين ، أوبعد أنْ استولى ضباط يوليو52على الحكم ، ومع مراعاة أنّ الاعتقال والتعذيب فى معتقلات عبدالناصركان أشد قسوة من عهد الاحتلال البريطانى ، وأنّ معتقلات عبدالناصرتجاوزتْ (ما وصلتْ إليه المعتقلات النازية) وأنّ ضباط التعذيب فى عهد عبدالناصر((تدرّبوا فى الولايات المتحدة الأمريكية)) وأنّ القيود الحديدية التى كانت توضع فى معاصم المعتقلين الشيوعيين وكذا آلات التعذيب كانت من الولايات المتحدة الأمريكية. وأنّ (التعذيب كان شرسًا وهمجيًا وبصورة لم يسبق لها أنْ حدثتْ أيام أحلك عصورها زمن الاستعمار) وفى عهد عبدالناصر((ارتفع عدد المقبوض عليهم من الشيوعيات المصريات للمحاكمة أوالاعتقال ، كما لم يحدث فى تاريخ مصر، حتى فى ظل أشد عهودها إظلامًا)) وأنّ نظام عبدالناصر((استباح تمزيق الأسرة وتشتيتها ، واستباح إلقاء الأبناء على قارعة الطريق ، واستباح ما لم يجرؤالاستعمارعلى استباحته لنفسه ، زمن أنْ كان الحكم للعدوالأجنبى)) رغم كل ذلك امتلك عبدالناصرجرأة الكذب السافرعندما قال فى تصريحه المشهورللصحفى الهندى (كارينجيا) أنه ((ليس فى مصرمعتقلين ومعتقلات)) وعندما قرأتْ الشيوعيات المعتقلات هذا التصريح الذى نشرته الصحف المصرية فى صفحاتها الأولى ، توهمن أنّ الخبريعنى التمهيد للافراج عن عنهن وعن باقى المعتقلين ، فتوجّهن إلى إدارة المعتقل ومعهن الصحيفة التى نشرت الخبر، فكان رد الفعل مذبحة دبّرها مديرالمعتقل ، إذْ سلط عليهن السجانات والسجينات فى قضايا جنائية ، وأوسعوهن ضربًا بشعًا سالت فيه الدماء . وذكرتْ ثريا شاكر (زوجة المناضل الشيوعى فوزى حبشى) أنه عندما كان معتقلا عام 48 أعلن مصطفى باشا النحاس (رئيس الوزراء) أنه لاتوجد معتقلات ، وبالفعل خرج الجميع إلى الشارع فى نفس اليوم. وبعد هزيمة مصرعام 56بسبب العدوان الثلاثى ثم الانسحاب بفضل الانذارالأمريكى لإسرائيل (ليس حبًا فى سواد عيون شعبنا المصرى وإنما لأنها رفضت الشراكة الاستعمارية) بعد الهزيمة وبعد الانسحاب زارمصرنائب وزيرالخارجية الأمريكى (راونترى) وقال لعبدالناصر : نـُهنئكم على نجاحكم فى المعركة الوطنية ضد الاستعمار. لقد انتهت المعركة مع الاستعمار، وبدأتْ المعركة الداخلية بين الطبقات ، وعليكم أنْ تنتبهوا لهذا ، لأنّ هذه المعركة الطبقية هى التى يمكن للشيوعيين أنْ يضربوكم فيها . كلام هذا المسئول الأمركى ، ترجمه عبدالناصرترجمة عملية بعد أيام إذْ ذهب إلى بورسعيد يوم 23/12/ 1958، وردّد كلام المسئول الأمريكى ولكن بصياغته الخاصة فقال ((لقد انتهتْ المعركة مع الاستعمار.. لتبدأ المعركة مع اليسار)) هكذا كان موقف نبى العروبة (عبدالناصر) الذى إدعى (التقدمية) وأنه ضد (الأنظمة الرجعية) أما الصحابى الأول لنبى العروبة (هيكل) فكان أكثر(صراحة) إلى حد الديكتاتورية عندما كتب فى (أهرامه) أنه ((يتوجب على الشيوعيين أنْ يضعوا على أفواههم أقفالا من حديد وإلاّ... )) لمزيد من التفاصيل أنظر: الشيوعيون وعبدالناصر- د. فخرى لبيب – شركة الأمل للطباعة والنشر- عام 90- جزءان – أكثرمن صفحة فى الجزءين)
000
تعمّدتُ أنْ يكون هذا التمهيد مدخلا للحديث عن الحالة البائسة للطبقة العاملة المصرية التى سلمتْ عقلها للأصوليين الإسلاميين ، الذين لايؤمنون بصراع الطبقات ، ومع استغلال الطبقة العاملة من خلال فائض القيمة ، خاصة لوعلمنا أنّ القيادات البارزة من هؤلاء الأصوليين يمتلكون الشركات عابرة القارات ، وأنهم يُديرون أنشطتهم الاقتصادية بمنهج الرأسمالية العالمية ، خاصة فى طبعتها الأمريكية. والسؤال هو: كيف حدث الغزوالأصولى الإسلامى لعقول الكادحين من أبناء الطبقة العاملة ؟ أعتقد أنّ السبب يرجع إلى خطأيْن وقع فيهما معظم فصائل اليسارالمصرى . الخطأ الأول مكوّن من شقيْن :
أ – الشق الأول ويتمثل فى (المثالية الثورية) وكانت تطبيقاته العملية وثوق بعض التنظيمات الشيوعية فى نظام ضباط يوليو52، وعلى سبيل المثال فإنّ الفصيل اليسارى (حدتو) أدان اضراب عمال كفرالدوارفى أغسطس 1952بل ((وقعت حدتوفى حيرة من أمرها ممزقة بين تأيد حركة الجيش وبين رفضها لإعدام عاملن. وأدركتْ ولكن متأخرة تلك الحقيقة التى أوردها مؤرخ أجنبى : لقد أصبح اسمىْ خميس والبقرى فى الفولكلورالشيوعى مشابهًا لأسماء شهداء دنشواى) (خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة- طه عثمان سعد – مطابع شركة الأمل – عام 93- ص31، 32) وعندما تم اعتقال الشيوعيين وتقديمهم للمحاكمة العسكرية ، فإنّ بعض فصائل اليسارتوصلتْ – كما يقول المناضل حلمى ياسين – إلى ((تحليل سياسى يقول بأنّ المحكمة العسكرية التى ستقوم بمحاكمتنا ، إنما هى محكمة تمثل الجيش ، وأنّ الجيش من خلال هذه المحكمة سوف يكون حكمًا بين البورجوازية والشيوعيين)) (فخرى لبيب – المصدرالسابق- ج1ص303) فإذا كان العسكرضد الشيوعيين ، فكيف تكون المحاكمة بمعرفتهم ؟ وكان المناضل سعد زهران على وعى بخطأ هذا التصورالمثالى إذْ قال لهيئة المحكمة (( إننا لانعترض على شخص حضراتكم . لكن الحكم فى هذه القضية صدرقبل النظرفيها . فالآمربتشكيل المحكمة هوالذى سيُصدّق على أحكامها . أنتم ضباط بالقوات المسلحة. وقد حلفتم يمين الولاء للقائد الأعلى للقوات المسلحة الذى هوعبدالناصر، وهىالآمربالقبض علينا. فكيف يمكن أنْ توفق بين قسمك وبين أنْ تكون قاضيًا ؟)) (المصدرالسابق ص 308)
والمثالية السياسية تمثلتْ بأجلى صورة فى أعضاء حزب حدتواليسارى الذى تعمّد أنْ يكون مختلفـًا ومُتميّزًا عن الشيوعيين ، ووقف على منصات الاتحاد القومى (التابع لعسكريوليو) جزءًا لايتجزأ من حليفه البورجوازى . وكان تعليق د. فخرى لبيب ((كانت البورجوازية الحاكمة وحزبها العسكرى يرصدان كل ما يجرى داخل الحزب الشيوعى المصرى باعتبارأنّ الانقسامية ، أى ضرب الحزب لنفسه بنفسه من الداخل ، سوف يُصيب الحزب بالعجزثم التمزق وعودة الانقسام إلى ما كان عليه. وبذا يكون الشيوعيون قد وفروا بأيديهم ما على الحزب العسكرى أنْ يُنجزه بيديه ، أى ضرب الحزب من الخارج)) (المصدرالسابق – ص 105، 106) والتصور المثالى أقنع أعضاء حدتوالمعتقلين بأمرعبدالناصرأنّ ما حدث ((غلطة)) وأنهم سيذهبون إلى بيوتهم بعد أيام (123) ومع ذلك بقى معظمهم عدة سنوات فى معتقلات عبدالناصر. وعندما كان الشيوعيون يُقرّرون الاضراب عن الطعام ، فإنّ أعضاء حدتوكانوا يعترضون على قرارزملائهم وكانت حجتهم أنه ((لاداعى للقيام بأعمال غيرمُجدية. وتستفزالدولة- وهى بالنسبة لهم – حليف سياسى)) (275) وذكرالمناضل عبدالمحسن شاشه ((كانت حدتوتعقد ندوة أسبوعية اسمها (سوفيتات) كان الاسم بالطبع مُشوقًا ، لكن مضمون ما كان يجرى فيها ، كان تحليلا لإجراءات عبدالناصر، بدءًا بالاصلاح الزراعى حتى السد العالى إلخ . كان كلامنا نحن أكثرجذرية وأكثرفهمًا للقضايا . وكان المُشاهد لهم ولنا يستطيع أنْ يُحدّد من هم الشيوعيون فى هذا المكان)) (387) وفى شهرسبتمبر 62 قرّرالشيوعيون الاضراب وتصادف معه مؤترشتورة بلبنان فأعلنتْ جماعة حدتو رفض الاضرب بل وإدانته بحجة أنّ ذلك يُحرج نظام عبدالناصرالوطنى ، ووصل الأمرلدرجة أنْ توجّه عدد منهم إلى إدارة المعتقل وأبلغوها إدانتهم للاضراب. وأنّ البعض فى مؤتمرشتورة سوف يستند إلى هذا الاضراب ليُدينوا حكومة مصرالوطنية بالدكتاتورية. وأنّ الاضراب خطأ جسيم (392) وفى إحدى المحاكمات كان دفاع عبدالله الزغبى مُتسقــًا مع خط حدتو فى الدفاع عن الحكومة والتحالف معها (402)
(ب) ارتبط بهذا التصورالمثالى اعتقاد أغلب الشيوعيين المصريين أنّ نظام يوليو52 أنه ((حلقة من حلقات الثورة الوطنية)) وذلك بنص كلام د. فخرى لبيب الشيوعى المحترم الذى عقب فى نفس الفقرة قائلا ((إلاّ أنّ الخطأ الفادح الذى وقع فيه الحزب العسكرى عندما جاء إلى السلطة ، هوالنظرإلى تاريخ مصروكأنه لم يبدأ إلاّ من هذا التاريخ . وإلى نضال شعب مصروكأنه لم يبدأ إلاّبه)) (32) نظام يوليوالذى وصفه الشيوعيون المصريون بأنه ((ثورة وطنية)) هوفى نفس الوقت كما كتب د. فخرى لبيب الذى انفرد بالسلطة ((وبكل حقوق التعبيروالتنظيم السياسى والنقابى ، وألغى الدستوروالأحزاب ، ورفض الحياة الحزبية وجرّمها ، وأخضع كل وسائل الإعلام لسيطرته. وجعل القوانين الاستثنائة هى القاعدة.. إلخ )) ثم يعود ليصف ضباط يوليوبأنهم ((بورجوازية وطنية تسعى لتخليص السوق المحلى من سيطرة المُستعمر)) ولم ينتبه إلى التناقض عندما أضاف (( والقوى التى يمكن أنْ تساندها من داخل المعسكرالاستعمارى ، هى القوى الاستعمارية الأقوى ، إنها الولايات المتحدة الأمريكية ، والتى تـُرحّب بإزاحة النفوذ الاستعمارى البريطانى ، ليس لحساب البورجوازية الوطنية المحلية ، ولكن لحسابها هى)) (من 33- 37) كما أنّ هذه (البورجوازية الوطنية) اتجهت نحوالعالم الرأسمالى منذ أمسكت بالحكم عام 52فرفعت نسبة مشاركة رأس المال الأجنبى إلى 51% بعد أنْ كانت (قبل يوليو52) 49% كما اتجه الضباط إلى الغرب من أجل تسليح الجيش المصرى)) (38) واعترف د. فخرى لبيب بأنّ الشيوعيين كانوا منقسمين مما أضعف دورهم كطليعة. وتمكنت البورجوازية الوطنية (أى العسكر) بحزبها العسكرى من الاستفادة من هذه الظروف (أى الانقسام داخل الحركة الشيوعية) فجاء العسكرإلى الحكم فى غيرزمانهم وانفردوا بمكان الصدارة وهوليس مكانهم (42) ومع ذلك كتب ((والحقيقة هى أنّ أحدًا من الذين اتحدوا داخل حزب شيوعى عام 1958لم يختلف حول كونها بورجوازية وطنية)) (65) ووصل التناقض لدرجة أن يقول د. فؤاد مرسى فى شهادته عن سلطة يوليو((إنها بورجوازية وطنية. لكنها فى نفس الوقت معادية للشعب)) (68) فكيف تكون وطنية ومعادية للشعب فى جديلة واحدة؟ وظلّ اليسار المصرى يُردّد أنشودة الناصرية ((كان دورعبدالناصرأساسيًا وكبيرًا وهامًا للغاية ضد الامبريالية والرجعية المتعاونة معها)) وكلام كثيرعن الاشتراكية وحركات التحررالوطنى وحركات الطبقة العاملة فى العالم (78) والسؤال البديهى الذى يتجاهله الشيوعيون المصريون (ومعهم الناصريون بالطبع) هو: كيف لنظام يتبنى مطالب الطبقة العاملة فى مصر(والعالم) وهو يعتقل المُدافعين عن الطبقة العاملة ، بل ويتم اغتيال أكثرمن عشرين شيوعيًا فى معتقلات عبد الناصر، بما فيهم أشد المُدافعين عن نظامه مثل المناضل المثالى شهدى عطية الشافعى ؟ وما علاقة (التحررالوطنى) بقتل مصريين ويمنيين فى (بالوعة اليمن) باعتراف عبدالناصرنفسه؟ رغم كل ذلك كتب د. فخرى لبيب (كان تقديرنا أنّ فكرعبدالناصريتطورإلى الأمام ، مُقتربًا من الماركسية وليس مُبتعدًا عنها) (79) وهل الماركسية تعنى عداء الضباط للطبقة العاملة وممثليهم من الشيوعيين؟ ورغم هذا فإنّ الخط العام للحزب الشيوعى المصرى كان مؤيدًا للنظام ويرى ضرورة الجبهة معه (235) وذكرد. فخرى لبيب أنّ مجموعة (حدتو) كان موقفها مُساندًا للنظام دون أى تحفظ (ج2 ص 43)
مع بداية عام 1960أمرقائد المعتقل بأنْ يكون الهتاف فى طابورالتمام (عاش الرئيس جمال عبدالناصر) رفض أكثرمن نصف المعتقلين أنْ يُردّدوا الهتاف. فكيف يكون الهتاف لمن اعتقلهم؟ ورغم ذلك لم يعترض أعضاء حدتو((بإعتبارأنّ عبدالنصرقائد وطنى تقدمى. وأنّ الوحدة الوطنية تقتضى ألاينكروا هتافهم بحياته)) ولكنهم أغفلوا تمامًا أنّ اعتقالهم تم بأوامرعبدالناصر. وأنّ أوضاع المعتقل كلها بأوامره ، سواء كانت ضربًا أوتعذيبًا أومهانة)) (ج2 ص 96) وذكرنبيل صبحى فى شهادته أنه (فى يوم 4فبراير1960أصدرت القيادة الحزبية المركزية أسوأ وأخطر قراربالنسبة لموضوع الهتاف بحياة عبدالناصر، فالأمرمتروك للرفاق ، كل ومزاجه، وكان ذلك منها إهدارًا لكل شىء واعترضنا على ذلك الموقف إلخ )) (ج2 ص 125) وذكر محمد الجندى (من حدتو) أنه بعد قرارات يوليو61((اعتبرنا ذلك تأكيدًا لفكرة المجموعة الاشتراكية. وكان هناك من قال بأنها مرحلة الثورة الاشتراكية أمثال عادل حسين)) (ج2ص 349) وكتب د. فخرى أصبح ((الحديث عن اقتراب عبدالناصرومجموعته من الماركسية اللينينية مطلب هزلى . إذْ أنّ حدتونفسها كانت بكل نظرياتها المُستحدثة قد هجرتْ الماركسية، فكيف بها هى أنْ تدفع عبدالناصرإلى الماركسية ؟ كيف يمكن لفاقد الشىء أنْ يُعطيه؟)) (ج2 ص 353، 354) وتمادتْ حدتولدرجة وصف الناصرية بالماركسية اللينينية التى تخلت هى عنها ، وقبلوا بحل الحزب الشيوعى على أنْ يقبلهم عبدالناصرعاملين تحت قيادته ، مُنظرين لإنجازاته. كان ذلك هوالممكن الوحيد فى إطارالتوازنات القائمة والأمل فى إفراج سياسى مُشرّف (ج2 ص 372) ووصل الأمرلدرجة أنّ قيادة الحزب الشيوعى المصرى اليمينية كانت ترى – منذ بداية أزمة 1959 أنّ الفكراليسارى والقيادة اليسارية هى المسئولة عن الأزمة وليس نظام عبدالناصر (ج2 ص 495) وكانت قمة المأساة بالموافقة على حل الحزب الشيوعى المصرى بالأغلبية ، وفى هذا الصدد قال د. فؤاد مرسى ((لم يكن أمامنا إلاّ أنْ نقبل فكرة الحل . إنّ هذا الحل يتم لإعتبارات عملية. لاشأن لها بالنظرية)) (ج2 ص 507 وما بعدها)
000
أعتقد أنّ أهم خطأ وقع فيه اليسارالمصرى هوعدم الوعى بمفردات الشخصية المصرية. وكان سرنجاح الحزب الشيوعى الصينى والحزب الشيوعى الفيتنامى هوهذا الوعى بمفردات الشخصية القومية ، بينما ركزاليسارالمصرى على الصراع الطبقى فقط ، وأهمل باب الميثولوجيا المُتغلغلة فى أعماق الثقافة القومية لنا نحن المصريين . وقد ترتب على هذا الإهمال أنْ وقف أغلب اليسار ضد المعتقدات الشعبية ومنها على سبيل المثال ظاهرة الموالد ، ولم يع أنها جزء من مكونات الشخصية المصرية ، إذْ أنها امتداد للاحتفال بالآلهة المصرية وانتقلتْ إلى الأنبياء ثم القديسين والأولياء. ولم ينتبه اليسارإلى أنّ الموالد واحدة من مظاهرتوحد شعبنا ، حيث الولع الشديد بها والذى جمع بين المسلمين والمسيحيين . واليسارهنا التقى مع الأصولية الإسلامية (من موقعيْن مختلفيْن) فالأصوليون يرون أنها ضد الدين واليساريرى أنها خرافة. وأعتقد أنّ مقاومة الخرافة تكون بالتأسيس الفلسفى الذى يُكرّس للعقل الناقد ، وليس بمجرد الهجوم على ظاهرة عمرها آلاف السنين. ونفس الشىء حدث مع عادات شعبنا مثل الاحتفال بسبوع الطفل وأربعين المتوفى إلخ وهى عادات تحاربها وتـُحرّمها الأصولية الإسلامية ، ولم يُدافع اليسارعنها. كما ارتكب اليسارخطأ ترديد مقولة جمال حمدان عن (الاستبداد الفرعونى) المنافية للغة العلم . ولا أعرف إنْ كان من ردّدوا تلك المقولة قرأوا بعض الكتب فى علم المصريات أم لا. فإذا كانوا قد قرأوا فإنهم عرفوا أنّ الحضارة المصرية شيّدتْ قيمة العدالة الاجتماعية. وأنّ الملك كان يلتزم بقانون (ماعت) إلهة العدالة. وأنا أعترف باستحالة (المجتمع المثالى) بنسبة 100% ولكن يجب مراعاة السمة الغالبة فى أى مجتمع ، والقانون فى مصرالقديمة كان يُطبق على الجميع بغض النظرعن الموقع الطبقى أوالوظيفى ، ومعنى ذلك أنّ مقولة (الاستبداد الفرعونى) مقولة باطلة وظالمة وفق علم المصريات. أما إذا كان اليسارالمصرى لم يقرأ فى علم المصريات ، فهذه كارثة لأنهم اعتمدوا على (الثقافة السمعية) فى ترديد ما يقوله أعداء الحضارة المصرية من إسلاميين وعروبيين . وعندما شغل فتحى سرورمنصب وزيرالتعليم ، جاء بالخبراء الأمريكان من خلال (معهد تطويرالمناهج التعليمية) ووضعوا لتلاميذ المدارس حديثا منسوبًا للرسول يقول فيه ((إنّ تحية الإسلام السلام عليكم)) وعندما كنتُ أنا وصديقى الراحل بيومى قنديل ندافع عن تحايا شعبنا (صباح الخير. مساء الفل . العواف إلخ) كان أصدقاؤنا من اليساريسخرون ويعتبرونها (قضية تافهة) ورفضوا الاستماع إلى أنّ بين السلام عليكم و(شالوم عليخم) فركة كعب كما يقول شعبنا ، بمراعاة أنّ العرب والعبريين أبناء عمومة لغويًا وثقافيًا. إنّ عدم إهتمام اليسارالمصرى بعلم الأنثروبولوجيا هوالسبب الأهم الذى جعل الطبقة العاملة (وأنا أتكلم عن القاعدة) ترتمى تحت أقدام الأصوليين الإسلاميين ، الذين استغلوا الخطاب الدينى لدغدغة عواطف هذه الطبقة المطحونة ، وأقنعوهم أنّ الآخرة خيروأبقى ، وأنّ الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام كما قال أبوفرج الجوزى الحنبلى (نقلا عن عبدالمتعال الصعيدى – المجددون فى الإسلام- هيئة فصورالثقافة – عام 2007- ص 239) وأنّ الشيوعيين والعلمانيين كفرة إلخ هذا بالإضافة إلى القدرة التنظيمية والامكانيات المادية للأصوليين ، وهى التى ساعدتهم على التواجد وسط جماهيرشعبنا فى كل المواقع من المدن إلى الكفورفى أقصى الريف المصرى ، وسيطروا على أولياء الأمورفى المدارس (دروس خصوصية مجانية أوبأسعارزهيدة) وعلى المواطن الفقيرفى العيادات الشعبية. وفى المواسم الدينية يُوزعون اللحم والنقود ، وفى الانتخابات يُوزعون الزيت والأرزإلخ ، وهى امكانيات يعجزعنها اليسارالمصرى الذى لايتلقى الدعم المالى من دول الخليج العربى التى تمول الأصوليين الإسلاميين للقضاء على العصرنة والعودة إلى كهوف الماضى .
000
فى تحليل ما حدث بين عبدالناصروالشيوعيين المصريين ، تبرزتراجيديا العلاقة بين الجلاد والضحية ، فالبكباشى عبدالناصرلم يكتف بإعتقالهم وتعذيبهم (وبعضهم مات أثناء التعذيب) وإنما حكم عليهم بتهمة تـُجرّدهم من الوطنية ، وهى تهمة الخيانة. وكان يحلوله فى خطبه أنّ يصفهم بالعملاء وكرّرذلك أكثرمن مرة لدرجة أنه فى خطاب 23/12/59إتهم الشيوعيين فى العراق وسوريا ومصربالتعاون مع الاستعماروالصهيونية من أجل القضاء على القومية العربية. وفى هذا الخطاب استخدم صيغته المفضلة (الشيوعيين العملاء) 26مرة ، هذا بخلاف إطلاق الصفات التى تمس الكرامة مثل الوضاعة والسفالة إلخ (أنظر: مجلد خطب وتصريحات عبدالناصر- طبعة مصلحة الاستعلامات – القسم الثانى من فبراير58- يناير60- من ص 693- 705) رغم ذلك فإنّ مُريدى عبدالناصرمن الشيوعيين لايزالون يُردّدون تلك المقولة الزائفة ((أنه كان قائد حركة التحررالعربى)) رغم أنهم يعلمون أنه هوالذى قال (الحمد لله) بعد أنْ تم ذبح الشيوعيين العراقيين ثم أهدى الحرس القومى الذى كان يرأسه على صالح السعدى 20ألف رشاش مصرى . ويعلمون أنّ عبدالحميد السراج قتل المناضل فرج الله الحلوسكرتيرالحزب الشيوعى اللبنانى فى سجن المزة بسوريا بتعليمات من عبدالناصر، وأنّ القتل تم بوضعه فى حوض مليىء بالأحماض الكيماوية لتذوب الجثة تمامًا. فكيف يكون قائد التحررالوطنى من عتاة المجرمين ، ومن مدرسة سالازاروهتلر؟ فى حملة الاعتقالات الوحشية التى تمت عام 59تم القبض على محمد عزمى انتقامًا من والده محمود عزمى النائب الليبرالى الذى عاش فترة ما قبل يوليو52. محمود عزمى تصدى لضابط المباحث عندما اقتحم منزله وسبّه وسبّ عبدالناصر، وقال للضباط قولته الحكيمة ((هل فقدتْ مصرمثقفيها ، حتى يحكمها مجموعة من العسكر؟)) (نقلا عن فخرى لبيب – مصدر سابق ج 1 ص 431)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مجابهة الأصولية الإسلامية
- التقويم المصرى
- الحضارة المصرية : صراع الأسطورة والتاريخ
- السوداء والمشمية - قصة للأطفال
- الشخصية اليهودية والروح العدوانية
- ثروت عكاشة : دراما العلاقة بين الثقافة والسياسة
- الجذور التاريخية لمأساة الشعب الفلسطينى
- درس من خبرة الحركة الوطنية
- صياغة التعصب الدينى بالإبداع
- دستور وطنى دائم أم شخص الرئيس
- شواطىء العدل والحرية عند رمسيس لبيب
- السفر الأخير - قصة قصيرة
- مجابهة التخلف الحضارى
- الإبداع بين الدراما والسياسة
- أوديسا التعددية الثقافية
- مباراة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والدكتاتورية
- دستور سنة 23 وموقف الليبراليين المصريين
- قصة (بعد صلاة الجمعة) والفكر الأصولى
- إبراهيم أصلان والكتابة بلغة فن الهمس
- محجوب عمر والترانسفير الصهيونى


المزيد.....




- “minha.anem.dz“ رابط تجديد منحة البطالة 2024 في الجزائر كل 6 ...
- “جدد المنحة فورا“ رابط منحة البطالة minha anem dz بالجزائر 2 ...
- تجديد المكتب النقابي لمهنيي سيارات الأجرة الكبيرة بمحطة أولا ...
- ما هي شروط منحة البطالة للمتزوجات بالجزائر 2024 +طريقة التقد ...
- الجامعة الوطنية للصحة تعلن استئناف برنامجها النضالي بمواصلة ...
- فريق الاتحاد المغربي للشغل يدعو لجعل القطاع الثقافي قاطرة اس ...
- موعد نزول مرتبات الموظفين المستحقة لشهر أبريل 2024 وكم يبلغ ...
- “قبل الإيقاف”.. كيفية تجديد منحة البطالة كل 6 أشهر عبر الوكا ...
- Completion of the 3rd Congress of the TUI Pensioners and Ret ...
- متقاعدو الفوسفات يُصعّدون إجراءاتهم ويعتزمون الاعتصام أمام ا ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - طلعت رضوان - الطبقة العاملة واليسار المصرى