أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أوسم وصفي - ما الذي يُضعِفنا؟















المزيد.....

ما الذي يُضعِفنا؟


أوسم وصفي

الحوار المتمدن-العدد: 3713 - 2012 / 4 / 30 - 14:31
المحور: المجتمع المدني
    


إن كنا بلداً عريقة في الحضارة وشعباً ضارب بجذوره في التاريخ، فما الذي حدث لنا؟ ما الذي يجعلنا نتخبط هكذا؟ ماهي الأمراض الثقافية العضال التي قد أصابتنا؟ ظل هذا السؤال ولا يزال يقض عليّ مضجعي، حتى قررت أن ألفظه هنا على الورق لعلي أستريح. لن أتكلم كثيراً بل سوف أحاول في نقاط مختصرة أن أُشَخِّص مظاهر ما قد أصابنا من أمراض ثقافية وسوف أوجزها في سبعة نقاط:
1) الدين كهوية جاهزة بدلاً من جهاد الهوية
2) الخوف من الحرية بدلاً من الحرية من الخوف
3) حرفية التفسير والخوف من الاجتهاد
4) رفض المختلف بدلاً من قبول الاختلاف
5) راحة اليأس بدلاً مجهود الأمل
6) تمجيد العشوائية
7) غياب المنطق

1) الدين كهوية جاهزة بدلاً من جهاد الهوية
من الطبيعي أن يكدح الإنسان بدءاً من مرحلة المراهقة لكي يبحث لنفسه عن هوية مميزة في العالم. شيء يميزه، شيء يتقنه. شيء ينتمي إليه فيجد فيه نفسه ويكتشف دعوته في الحياة وسبب وجوده على هذه الأرض. ولأن التربية التي تحصل عليها الأغلبية الساحقة مِنّا تربية تخنق الفردية وتمنع الاستقلالية فهي تُقزَّم إلى حد بعيد قدرة الإنسان أن يصل إلى هويته المميزة ويكوِّن شخصيته وكيانه الفريد. في ظل هذا الجوّ يمكن لمن يُطلق لحيته أن يحصل بلا أدنى مجهود على لقب "شيخ". لقبٌ يُمَيِّزَهُ ويضفي عليه هالة واحتراماً، وهو الذي غالباً قد تربى بالصياح وأحياناً "بالشبشب". فقط لا يحلق ذقنه وربما ينتمي لشيخ شهير أو جماعة عريقة أو أي تجمع يمنحه هوية جاهزة محترمة. وما أسهلها من هُويّة! إلا أنه لكونه لم يتعب فيها ولا تميزه هو شخصياً في شيء، فإنه لا يشعر فيها بالراحة فُيروح يُفرِط ويغالي حتى يحصل على تميز حقيقيّ وسط أقرانه ويظل يطارد السراب، فلا يصل ويشرب من ماءٍ مالح فلا يرتوي.

2) الخوف من الحرية بدلاً من الحرية من الخوف
الحرية مسئولية جسيمة نحتاج لأن نتعلم كيف نحملها منذ السنوات الأولى لعمرنا. عندما يقوم آباؤنا بإعطائنا الحرية في اتخاذ قرارات "صغيرة" وتحمل مسئوليتها. بدءاً من اختيار ملابسنا وتحمل سخرية الأقران منها عندما لا تكون متناسقة الألوان، إلى اختيار الكلية ثم إلى اختيار العمل والزوجة. ونظراً لأننا كمجتمعات شرقية "نُمَجِّد" التبعية ونسخر من الحرية ونقول لمن يُبدِع مستنكرين: "هل ستفكر من دماعك إذن؟!!" نفس صورة الأب هذه نُسقِطها على الله فنخاف منه خوفاً شديداً. نخاف من عقابه أكثر من إيمننا بحبه. فندفن ما أعطاه لنا من وزنات التفكير و مواهب الإبداع.

3) حرفية التفسير الخوف من الاجتهاد
الخوف من الحرية والخوف من الله هو الذي يلقي بنا أكثر فأكثر في أحضان كل ما هو "سلفي" أي يعود القهقري للماضي بدلاً من أن يستشرف المستقبل. ونحن نمارس هذه العودة للماضي لأننا نشعر أنها "أسلم" وذلك لأن التمثل بما قد جُرِّب في الماضي يحمينا من مسئولية استلهام النصوص في حاضرنا بشكل جديد. لأن الاستلهام الجديد مسئولية والاجتهاد يحتمل الخطأ. ولأننا نخاف خوفاً شديداً من الخطأ نتجنب الاجتهاد. نحن بهذا نلتمس الأمان في أن نجعل المسئولين هم "أهل السلف" وما نحن إلا مُقلدين وصانعي "نسخاً" طبق الأصل مما قالوه أو فعلوه فنهرب من المسئولية. مع أن هذه أكبر إهانة لله (يقوم بها المسلمون والمسيحيون على حد سواء) وهي أنهم يتصورون أن الله ليس إله الحاضر و المستقبل بل هو إله الماضي فقط. يصورونه إلهاً يخشى تقدم الإنسان وليست لديه رسالة قديمة جديدة لإنسان كل عصر بل هو إله قديم يخشى من تقدم الإنسان وعلى الإنسان أن يوقف نموّه لكي يرضى عنه هذا الإله غير الشاعر بالأمان! هو نفس الأب الغضوب الخائف من التجديد الذي رأوه في أسرهم.

4) رفض المختلف بدلاً من قبول الاختلاف
لعل السبب الكامن وراء كل هذا الخوف هو أن الثقافة القبلية لم تحل بعد المعادلة الصعبة بين القبول والموافقة. في هذه الثقافة القبول مرادف للموافقة فإذا قبلت إنساناً أو جماعة إنسانية فهذا يجعلك معرضاً للموافقة على كل آرائهم التي يمكن بها أن "يفتنوك" أو "يسمموا" بها فكرك. ولاحظ هنا أن تعبير "تسميم الفكر" أو "الفتنة" يعتبر عقل الإنسان وعاء سلبي يمكن تلويثه وتجب حمايته بعزله عن كل تأثير يُرى أنه سلبي. وبالتالي خوفاً من الموافقة والفتنة، تشيع ثقافة عدم قبول الآخر بل والخوف منه وكراهيته. حتى المحاولات التي يقوم بها الإعلام لتحقيق الوحدة الوطنية من خلال شعارات مثل: "عنصري الأمة" فهي على العكس ترسخ من الفكر القبلي، أما الفكر المدني فيعتبر أن الأمة بها عنصر واحد فقط وهو مواطنوا هذه الأمة فعنصر الأمة المصرية هو المصريون والأمة السورية بها عنصر واحد هو السوريون، والأمة اللبنانية بها عنصر واحد هو اللبنانيون، وهكذا الأمة الأردنية والجزائرية والمغربية وسائر الأمم. وعلى الجانب الآخر وكرد فعل لعصور طويلة من الفكر القبلي القطبي أدت إلى الكثير من الحروب بين الأجناس الأوربية والطوائف المسيحية، اتجهت الثقافات الغربية الحداثية ثم البعد حداثية للتطرف في الجانب الآخر، فخوفاً من الرفض وعدم القبول أصبح الاتجاه السائد هو الموافقة على كل فكر وإنكار وجود الصواب والخطأ كقيمة موضوعية مجردةـ فلا يوجد صواب أو خطأ مطلق! لهذا السبب فإن من العناصر الهامة في التربية، تدريب الأطفال على اتزان القبول والموافقة فينبغي التشجيع على الحب والقبول والاحترام لجميع البشر وجميع الأفكار وفي نفس الوقت عدم الحرج من مناقشة كل الأفكار والمعتقدات والحكم عليها ورفض بعضها وقبول البعض الآخر بحرية.
5) راحة اليأس بدلاً من مجهود الأمل
المراقب للشخصية المصرية يدرك بسهولة أننا نتحمس بسهولة شديدة جدأً ونفقد حماسنا بنفس السرعة. لقد احتمينا باليأس لنتحمل الكثير من الإحباط الذي واجهناه في تاريخنا السياسي والاجتماعي. نحن نحتاج بشدة لأن نقوي إيماننا بأنفسنا كأفراد وكجماعات وكشعب. أعتقد أن جزءاً كبيراً من تديننا وإيماننا بالله ليس إيماناً بالله بقدر ما هو عدم إيمان بأنفسنا. لاحظ كم مرة نذكر الله في كل كلمة نقولها. وهذا بالطبع ليس من فرط إيماننا وثقتنا بالله وإلا لانعكس ذلك في أخلاقياتنا. إننا كشعب إن كان يؤمن بالله ويطيعه بقدر ما يذكر اسمه لكنا تحولنا كلنا إلى شعب من الملائكة. أتصور أن السبب هو عدم إيماننا بأنفسنا. إننا نقول "ربنا" ليس حباً فيه ولكن لئلا نقول "أنا". بنفس المنطق نحن نتعصب للأفراد والعقائد والأندية وكل شيء ليس هو أنفسنا لكي نهرب من حقيقة أن كل واحد فينا يخشى أن يؤمن بنفسه. لاحظ كيف نتكلم دائماً عن الآخر وليس عن أنفسنا. عندما أفتقد شخصاً. أقول: "إنت وحشتني" بينما في اللغة الإنجليزية مثلاً يتكلم الإنسان عن نفسه فيقول: "لقد افتقدتك". أذكر أن أطفالي وهم يتعلمون لهجتنا المصرية عانوا كثيراً مع هذه الجملة لأنها تنافي المنطق فكانت ابنتي الطفلة تقول لي: "بابا أنا وحشتك" وهي تريد أن تقول لي كيف افتقدني. لاحظ عندما نبدأ في الكلام عما لا نريد أن نحمل مسئوليته، نتكلم بصيغة المخاطب بدلاً من المتكلم ولا نلاحظ. يكون الأمر فكاهياً عندما تكلمني مثلاً زوجة عن صعوبة ثقتها في زوجها فتقول: " وتشعر بالألم أنك لا تستطيع أن تثق في زوجك!" وعندما أقول لها: "زوجي؟!" تدرك فتقول: " أقصد زوجي"!

6) تمجيد العشوائية
ربما لأننا لم نشعر في وقت من الأوقات أننا نصنع القوانين، فنحن لا نحترمها. بل نسخر ممن يحترم القانون وكأنه ضعيفاً بل وغريب الأطوار. من الممكن بالنسبة للمصري أن يفعل أي شيء ويبذل أقصى مجهود ولكن بشرط أن يكون "بمزاجه" أما إذا كان قانوناً مفروضاً فهو، على العكس، يبذل الجهد الكبير لكي يكسره. ربما تُكسبنا العشوائية بعض السحر، كما قال لي أحد الأصدقاء الأمريكيين أن غياب القانون هو "سحر مصر" فهو، أي صديقي الأمريكي، قد مَلّ من أن كل شيء في المجتمع الغربي يمكن توقعه وحسابه بالثانية والدقيقة والسنت. أما في مصر فالسحر يكمن في أنه لا يوجد أي قانون وأي شيء يمكن أن يحدث! هو يعتبر أن قيادة السيارة في مصر "متعة" حيث الإثارة في كل ركن!
7) غياب المنطق
لعل هذه السمة الأخيرة هي الأخطر. فالمنطق هو الحاكم الحقيقي للكون. آمن الفلاسفة الإغريق أن المنطق (لوجوس) Logosوالذي منه تأتي كلمة Logic هو "عقل الله" الذي يدير الكون. وشاركهم المسيحيون في هذا الإيمان بالمنطق باعتباره "كلمة الله" الذي هو "عقل الله" الذي هو الله، فالله وعقله لا يتناقضا. المنطق هو الكلمة الفصل في عالم المعاني، مثلما الرياضيات والفيزياء في عالم المادة وهو المقياس الذي يقيس حقائق الأشياء ولا يعتريه الخطأ. فكما أن 1 + 1 = 2 لا أكثر ولا أقل، أيضاً لا يمكن أن يكون الإنسان يعرف شيء ولا يعرفه في نفس الوقت. صدقوني سمعت بأذنيّ رأسي مرشح رئاسي يقول: "لست أعلم، و ربما أعلم ... و راح يكمل حديثه" اندهشت وأسقط في يدي. واندهشت أكثر إلى حد الاقتراب من الموت. عندما لم يندهش أحد من حولي. تأمل معيّ: هو يقول أن الإنسان من المكن أن يعلم ولا يعلم في نفس الوقت. المنطق يقول أن العلم ينفي الجهل ولا يمكن أن يجتمع العلم والجهل معاً. في عقود البيع يقولون عبارة "العلم النافي للجهالة" أما في منطق أخينا، يمكن أن يعرف الإنسان شيء ولا يعرفه في نفس الوقت. بالطبع هو يكذب وليست المشكلة في أنه يكذب، ولكن المشكلة أنه يدافع عن كذبه بطريقة تنافي المنطق. ولعل غياب المنطق عنه أفدح من غياب الصدق. أتصور أن أبلغ دليل على بُعدنا الحقيقي عن الله، الذي نتشدق باسمه في كل عبارة أكثر من مرة، هو بُعدنا عن المنطق. لقد أصبحت لكل جماعة منطقها، بل ولكل شخص منطقه الخاص. نحن نسمع ونشاهد غياب المنطق ونضحك فغرائب ومفارقات غياب المنطق بالطبع تثير الضحك. لكن إذا تأملنا شمولية غياب المنطق بين رجال الدين و رجال الإعلام، بل ورجال السياسة والحُكم، يجدر بنا أن نبكي بدلاً من أن نضحك.



#أوسم_وصفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشكرك .. لكن (كنت) اتمنى
- مصر المُباعة -من فوق الهدوم- وهل هناك ثمّة أمل؟!
- يسقط التمييز. يحيا التمايز
- الثقافة القبلية والثقافة المدنية
- ثقافة الشباب
- الألتراس و -المتفرجون الشرفاء-
- السؤال الكبير
- ثقافة لوم الضحية
- أنا لا أهاجم المتدينين. حاشا لله. أنا أهاجم الدين!
- مش قادر أمنع نفسي من القرف
- صعود الإسلاميين حتمية -إلهية-
- همسات في آذان الأقباط
- أشعار في مراحل الثورة المصرية
- سؤال الإيمان في عصر ما بعد الحداثة
- الثورة يجب أن تبدأ
- النمو الأخلاقي
- همسات في آذان الإخوان
- سيظل التحرير روح مصر مهما حدث لجسدها
- ثلاث معضلات في الثورات العربية


المزيد.....




- الإمارات تدين اعتداءات مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات ...
- السفير ماجد عبد الفتاح: ننتظر انعقاد الجامعة العربية قبل الت ...
- ترحيب عربي وإسلامي بقرار للجمعية العامة يدعم عضوية فلسطين با ...
- سفير فلسطين بالقاهرة: تمزيق مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة ميث ...
- هل تعاقب واشنطن الأمم المتحدة لاعتمادها قرار -عضوية فلسطين-؟ ...
- صورة السنوار وتمزيق الميثاق.. ماذا فعل مندوب إسرائيل خلال جل ...
- فيديو.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة بعد الاعتراف ...
- فيديو.. السفير الإسرائيلي يمزق ميثاق الأمم المتحدة
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: قرار الجمعية العام ...
- خبير مصري يعلق على تصويت الأمم المتحدة لصالح فلسطين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أوسم وصفي - ما الذي يُضعِفنا؟