أوسم وصفي
الحوار المتمدن-العدد: 3621 - 2012 / 1 / 28 - 11:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السؤال الكبير
ظن فرانسيس فوكوياما في كتابه المثير للجدل "نهاية التاريخ" أن الصراع الأيديولوجي في العالم قد انتهى ودانت الغلبة الكاملة للديمقراطية الليبرالية (أي الديمقراطية الغربية). لكن جاءت ثورات الربيع العربي وما كشفته من أن هذه المنطقة من العالم (المنطقة العربية)، لا تزال تدين بالولاء للدين بمفهومه الكهنوتي السلطوي الضيق الذي يناهض الحرية بشكل لا يمكن إنكاره وإن حاول المنكرون. ولعل ما حدث بالأمس في ميدان التحرير لم يكن سوى تجلياً آخر من تجليات المواجهة بين الشباب الحُرّ الذي يريد أن يفهم الدين والروحانية بشكل آخر غير متعارض مع الحرية، وبين شباب آخر مُدجَّن مُربى على السمع والطاعة وسماع أوامر "الكبار" الذين عقدوا الصفقات وبرموا الاتفاقات. بالطبع هذه الأوامر لا تقدم لهذا الشباب على أنها أوامر واتفاقات وتحالفات ولكن تقدم لهم ممهورة بوعود طوباوية بالجنة في الحياة الأخرى وحلم "المدينة الفاضلة" في الحياة الدُنيا، وبالطبع مع وعود تُترجم شخصياً بغفران الخطايا والذنوب (وبالذات الجنسية على الانترنت) لهذا الشباب المحروم من أبسط حقوق الإنسان في العمل والسكن والزواج.
جاءات ثورات الربيع العربي لكي تقول أن هذه المنطقة لا تزال تعيش العصور الوُسطى (أو أحدث بقليل لكي نكون منصفين) وأن العلمانية والديمقراطية الليبرالية الغربية التي دان الغرب بها، لم تأت هكذا من فراغ ولكنها مرت بعصور الإصلاح الديني وما بعده من حروب دينية طاحنة بين المُصلحين الداعين إلى حرية الفكر والعقيدة وأن يقرأ الإنسان بنفسه النصوص الدينية ويستلهمها لا أن ينتظر صاغراً لتفسيرات الكهنة. الإصلاح الذي دعا إلى إعادة قراءة النصوص المقدسة وتحديد منها ما هو روحي مطلق وأبدي، وما هو مربوط بالزمان والمكان وتطور البشر (ولعل علامات هذا "الصراع" رأيناه في الفرق بين "التحرير" و "العباسية" فيما يتعلق بالكنيسة المصرية).
أما بالنسبة للإسلام الذي يعيش منتصف قرنه الخامس عشر (نفس القرن الميلادي الذي حدث فيه الإصلاح الديني) فيقف ونقف معه أمام هذا السؤال الكبير: " هل يحدث إصلاح ديني في الإسلام؟" هل يخرج لنا مارتن لوثر، أو جون كالفن مسلم. هل نرى نسخة أحدث من "رفاعة الطهطاوي" و " محمد عبده" و "قاسم أمين". في الواقع أن ما يبعث على بعض الأمل أننا بدأنا نرى شخصيات مماثلة مثل "مظهر شاهين" أو "عماد عفت" لكن هؤلاء ليسوا مصلحين دينيين بقدر ما هم مصلحين اجتماعيين وثوريين سياسيين. هم على شاكلة القس الأمريكي مارتن لوثر كنج (الصغير)، والأسقف الجنوب أفريقي ديزموند توتو، والقس جيسي جاكسون وغيرهم. إن ما نحتاجه هو مُنظرون دينيون أي فقهاء وعلماء كلام وتفتسير لهم أيضاً شخصية "روحية" كارزماتية. ربما، في رأيي، من ينتمي لهذه النوعية المُنتظَرة هو شخص يجمع بين "فقهية" جمال البنا و"علميّة نصر حامد أبو زيد، وروحانية وكاريزما عمر خالد و مصطفى حسني مثلاً. لكن الراصد لما يحدث يجد أن مثل هؤلاء قد جرفهم تيار السلفية بشقيه الإخواني والسلفي الصريح.
أعتقد أن هذا الحُلم مراوغ جداً فهناك شروط اقتصادية وثقافية واجبة التحقق لظهور مثل هؤلاء، لكن ثورة يناير بقدر ما أظهرت السلفيين الماضوين ومكَّنتهم من المشهد الإسلامي، بل والمشهد السياسي أيضاً على حساب التنويريين التحديثيين، فإنها أيضاً أظهرت نوعية جديدة من التسامحيين الوسطيين الثوريين مثل عفت وشاهين. الذين لديهم كاريزما أخرى غير كاريزما الوُعاظ الجُدد.
السؤال الكبير الآن هو: إلى أين نتجه؟ هل إلى إصلاح ديني إسلامي يكون دعامة لظهور اشتراكية ديمقراطية ليبرالية ذات مرجعية إسلامية (ربما تمثلها أحزاب مثل الوسط أو الحضارة أو التيار)، وهي بالمناسبة لخارجة من رحم الإخوان وبالتحديد الرحم الليبرالي للإخوان (إن جاز التعبير الذي هم أول من يخافون منه) وعلى فكرة هناك رحم "ليبرالي" تنويري إصلاحي آخر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يتكون من كهنة "مختلفون" لكنهم لا يزالوا مقموعون مُهدّدون وبعضهم شب عن الطوق مثلما شَبّ أبو العلا ماضي وعصام سلطان وعبد المنعم أبو الفتوح، لكن بشكل أكثر سرية فالكنيسة المصرية أكثر "عسكرة" من الإخوان المسلمين، للأسف! (وبعسكرة هنا لا أقصد العنف ولكن قوانين السمع والطاعة الصارمة).
وأظن أن رحم الإخوان، ورحم الكنيسة سوف يخرج لنا المزيد الذين يتحركوا في هذا الاتجاه وذلك بشرط الحفاظ على زخم الثورة الروحية والسياسية والاجتماعية والثقافية مستمراً.
إذا حدث هذا فستكون نظرية فوكوياما سليمة وهي أن العالم يتجه نحو عولمة حقيقية. وهذا هو حلم الثوار. عالم واحد متحاب فيها الأديان كألوان الطيف وفيه البشر يمارسون دياناتهم ويجمعون بين الوقوف معاً في المساحات المشتركة، مع الاحتفاظ بتمايزات الاعتقاد والله تعالى يفصل بينهم يوم القيامة. مثل هذا العالم هو ما يتحقق فيه بالفعل (لا من خلال شعارات) أن الدين لله والوطن للجميع.
هل هذا ما نحن نتحرك نحوه أم أننا نتحرك نحو مزيد من السلفية والأصولية التي تؤدي إلى "صدام الحضارات" كما تنبأ صامويل هنتجتون الذي اعتبر أن "عالم واحد جميل" هذا ليس سوى حلماً طوباوياً غير قابل للتحقيق، وإن ما سوف يتحقق هو صدام حقيقي بين القوتين الأيديولوجيتين الآن وهما الديمقراطية الليبرالية والإسلام الأصولي. (الصدام الحادث الآن في مصر وتونس) وعلى خلفياته صدامات أخرى بين العرب وإسرائيل والسنة والشيعة وأمريكا والصين وروسيا التي تقف بينهما.
هذا هو السؤال الكبير التي سوف تجيب عنه السنوات القادمة؟ هو سؤال ينتظره المسلمون والمسيحيون وينتظره كل عالم ما بعد الحداثة وما بعد الحرب الباردة.
الخطورة الحقيقية هي أن تستغل الأصولية والسلفية نجاحها السياسي "المؤقت" لعمل عملية "تدجين" دائمة للشعوب وإطفاء زخم كل ألوان الثورات واتجاهات التحديث في الأزهر ووزارة التربية والتعليم بل وفي القضاء والجيش والشرطة أيضاً. يقولون أنك إذا ألقيت ضفدعة في ماء ساخن سوف تقفز فوراً. لكنك إذا وضعتها في ماء فاتر ثم زدت درجة الحرارة نصف درجة نصف درجة فسوف يتم سلقها في هدوء. هذا هو أسلوب جماعة الإخوان المسلمين.
#أوسم_وصفي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟