أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان البغدادي - حيّ على الحياة














المزيد.....

حيّ على الحياة


إيمان البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 3691 - 2012 / 4 / 7 - 01:16
المحور: الادب والفن
    


في غرفتي الصغيرة الكائنة في أحد أحياء دمشق القديمة كانت لي حياة خاصة لا يعرف عنها أحد سوى دفتري المخبّأ في درج الطاولة الخشبية، هناك بالتحديد كنت أمتلك "مفتاح الثورة"، كيف لا وأنا التي لديها قلماً ودفتراً؟ كنت أكتب ما أريد، أسمي الأشياء بمسمياتها وأكشف العورات، وفي بعض الأحيان أتجاوز أصول النقد فأسبّ وأشتم دون حساب، كل شيء كان يسير ولم تواجهني أيّ عقدة إلا وحللتُها، فمع بداية سطرٍ كنت أبني أحلامي، و بسطرٍ آخر أهدُم كلّ العقبات التي من الممكن أن تواجهني.
كانت ثورةً موفّقة، فبين أوراقك الدفينة تعترض و تحتج قدر ما تشاء، تتسائل لماذا ستستخرج موافقة أمنية إن كنت ستتزوج أو ستفتح كشكاً لبيع العصائر؟ ولماذا يجب أن يتدخلوا بحياتك كلما قررت أن تعطس أو تحكّ قفاك؟ ولماذا ستعيش في وطنك كعابرسبيل يحيا على الهامش ريثما تسنح له فرصة عمل حتى ولو كانت في أفغانستان؟ في غرفتكَ المقفلة كل المستحيلات ممكنة، حيث يستطيع الإنسان المقموع مثلي أن ينصّب نفسه قاضياً عادلاً، ينصُر المظلومين ويُعيد الحقوق لأصحابها، يحكُم بالعدل دون التمييز إن كان المجرم شاباً يقف أمام القصر العدلي يبيع ذمته ويعرض شهادته بالزور مقابل خمسون ليرة، أم كان مجرماً من عيار بشار الأسد، هناك أنت قاضٍ لا يُرتشى ولا يخشى أن يتم زجّه في أحد السجون الأسدية إن كان على حق، طبعاً كل هذا بشرط واحد و هو أن يكون لديك ورقة وقلم ودرج ومفتاح ودماغ يصرف أكثر من نصف تركيزه وطاقاته لإقفال هذا الدرج الذي يُخبّئ بطولاتك الورقية.
أتذكر جيداً كيف كنت أمسك قلمي وأعلن ثورتي واحتجاجي بين فترة وفترة، وماهي سوى ساعات حتى أخرج من بيتي لأشعر من جديد أنني كسجادة الجامع متاحة لأن يدوسها كل من شاء، فالمعلم يعنّفنا و يغتال شخصياتنا و إنسانيتنا، و الأهل يقمعوننا و يخرسون تساؤلاتنا إمّا خوفاً علينا أو منّا، والمجتمع لا يرضى بالتغيير أوالاختلاف فلطالما ألزمنا بتقاليده المهترئة وكأنها لعنة أبدية، والشيخ يسمّم أرواحنا وعقولنا، وعندما نشكي له حالنا كان يقول:الصبر مفتاح الفرج رغم أنه لم يكن يصبر أمام لذاتهِ ولم يقل كلمة حقٍ واحدة بل كان يمجّد القائد القاتل الفاسد في كل خطبة جمعة ويدعو الله بأن يحفظه لنا، وبقدرة قادر يستمر كرشه بالانتفاخ وسيارته هي الأجمل والأحدث ومزرعته كمزرعة السلاطين رغم أنه لا يعمل سوى كشيخ للجامع؟ كنا ندرك الكثير لكننا نغضّ الطرف ونختلق الأعذار فليس في يد العبد من حيلة، الكلّ يستغلك و ترضى. أنت وحدك أيها المواطن من عليه أن يبلع الموس على الحدين و يبتسم في وجه الخطأ وينحني لمرتكبيه ويسكت.

اعتدنا أن نعيش انفصاماً رهيباً في شخصياتنا، ففي بلاد الأسد لا علاقة لنا بوطننا ولا بغيرنا ولا حتى بأنفسنا، المهم أن نعيش الحيط بالحيط. انقلبت المسميات والمفاهيم أمام أعيننا وغضضنا البصر بل وتمادينا بذلك وأصبحنا نُسوّقُ لأنفسنا وللعالم بأننا بلد الأمان الأول... ولطالما قلنا: نحن الأفضل فنحن نعيش بأمان، حتى حين نخرج في منتصف الليل لا نتعرض للقتل أو الاغتصاب؟ كيف يكّذب المرء على نفسه ويدّعي أنه يحيا بأمان رغم أنه مسلوبٌ من كرامته وحقوقه؟ ثمّ هل هناك أمان بدون حرية؟؟ للأسف ضاقتْ مفاهيمنا وتشوّهتْ وأصبحنا كالكلب العالق في حفرة يرضى بأي عضمة ترمى له.

أغلبنا لم يُعاصر سوى هذا النموذج الأوحد من حياة الذلّ والخوف والخنوع، تقلصّت أحلامنا حتى أصبح همنا الأوحد تأمين لقمة العيش، رغم أنّه حتى القطط تأكل و تشرب فبماذا اختلفت حياتنا عنهم؟ عشنا في هذا البؤس حتى انتقلت بعض الأسطر من دفاترنا المخبّئة وزيّنت أحد الجدران في درعا لتُرينا بأي أمان كنّا نعيش!! و لتكشف عوراتهم وعوراتنا، ولتؤكد لنا أننا نعيش في قبرٍ كبير اسمه الوطن و نعبد إله مريض اسمهُ الصمت وبأننا مجرد نُسخاً عن بعضنا البعض، نغتال اختلافاتنا وندفنها حيّة فقط كي يقبل بنا هذا المجتمع الذي تمّ مسخه وتشويهه.


و في زمن الثورة و بعد أن استعدنا ذواتنا الضائعة أؤمن بأنه من المستحيل أن نسمح لأحد بأن يستغلنا لا بإسم السيادة والوطن ولا بإسم الدين ولا بإسم العروبة..الخ، فالإنسان سيكون وسيبقى القيمة العليا في الحياة وله كامل الحرية بالتعبير عن آرائه والمشاركة ببناء مستقبله ووطنه وعيش حياته كما يريد. منذ بداية الثورة لم أعد أستطيع العيش وأنا حبيسة سطور دفاتري القديمة، فلماذا قد يختار المرء أن يبقى عبداً وقطار الحرية حرّك عجلاته وسار على السكّة؟
أتمنى أن نطوي صفحة الثورات الورقية ولنكن شركاء في صناعة التغيير، ولنصرخ بوجه الظلم ولنهتف للحق والحرية ولننهض من قبورنا ولنعلن رغبتنا بالحياة في وطن يساوي بيننا ويتسع لنا جميعاً بكل اختلافاتنا وألواننا.

إيمان البغدادي



#إيمان_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أمي
- السوريون بين فجور النظام و خجل العالم
- أمي و شجرة النارنج و رشة كمون
- ثورة إنسان لا ثورة د.برهان
- لا مجال للمراهقة السياسية
- إلى متى ستستمرون بقتلنا ؟؟
- نحن البحر
- فلتخرجوا من هذه القوقعة
- انتهى زمن صناعة الآلهة
- أسماء لامعة إعلامياً و معتمة إنسانياً وأخلاقياً
- ميثاق شرف بين المعارِضين السوريين (قوى سياسيّة و مستقلين)
- فلنجهض هذا الجنين
- ماذا سنفعل بعد الثورة؟؟
- إذا الشعب السوري أراد الحياة
- أجنحة الذاكرة
- كفى عاراً أيها المثقفون
- هل أسماء الأسد هي السيدة الأولى؟؟
- ربيع الأصابع المقطوعة
- كيف.. و إلى متى؟
- الأقلام الرمادية و قطار الحرية


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إيمان البغدادي - حيّ على الحياة