أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان البغدادي - أمي و شجرة النارنج و رشة كمون














المزيد.....

أمي و شجرة النارنج و رشة كمون


إيمان البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 3540 - 2011 / 11 / 8 - 21:30
المحور: المجتمع المدني
    


شجرة النارنج المحمّلة بقناديلها البرتقالية مهملة و منسية هذا العام...تنظر إلى البحرة الدمشقية الممتلأة بأوراقها المتساقطة و تشكو لها، فتشكو لها البحرة إهمالاً أشد فلم يعد هناك من يملأها بالماء و لا بالزهور ... تتعب من شكوى الغير فتستمر بالنظر أمي التي تمر تحتها عشرات المرات في اليوم الواحد في محاولةٍ منها للفت انتبهاها علّها تلتقط هذه القناديل ليتاح لها ولادة قناديلها الجديدة تلك التي تخشى أن لا يكون لها مكان على هذه الأغصان المنسية، لكن حلم هذه الشجرة ما زال معلّقاً معها في الأعالي كما لو أنها لم تعد مدلّلة البيت الأولى!!

رائحة الكمون المطحون لم تملاً مطبخ بيتنا ولم تحاول الهيمنة على رائحة الفول الذي تسلقه أمي كل عيد ......كما لم تنضم للقوالب الخشبية القديمة قوالب جديدة بنقشات متعددة تشتريها أمي لتحضير المعمول وحلويات أخرى شهية.
هذا العيد لم تطبخ أمي "كشك الأمراء" لتزينه بالفستق واللوز...و لم تشتري الشوكولا و النوكا ولا الراحة بالفستق..
كما أنها لم تشتري الهدايا لأحفادها، ولم تذهب للمصرف لتسحب نقوداً جديدة الطباعة لتعطيها لأطفال الحي.


أمي الفاتنة لم تقص شعرها قصيراً كما تحبه دوماً..و لم تضع أحمر الشفاه الفاتح و لم تلبس فستاناً جميلاً من فساتينها الأنيقة التي تحتفظ بها للمناسبات و الأعياد...أمي لم تُزيّن شعرها بوردة حمراء تتسلل رائحتها لأنوفنا و هي توقظنا لنشرب معها القهوة التي تأبى إلا أن تطحنها بيديها الغاليتين في صباحات العيد.

أمي لم تتصل ببناتها االمتزوجات لتسألهن ماذا يشتهين من طعام لتضيفه لمائدتها التي كانت عامرة على الدوام بأطايب الأكولات... كما أنها لم تتصل بإخوتها لتدعوهم على الغداء الفاخر... هي تتصل فقط لتطمأن على سلامتهم وأنهم ما زالوا أحياء!!

دعاءات أمي الجميلة لم تعد مخصصة فقط لأبنائها الأربعة وأحفادها التسعة ففي هذا العام أصبح لأمي عشرات الأحفاد و الأبناء و البنات الذين باتت تتحدث عنهم وتعرف قصصهم و تقلق عليهم و تنشغل بهمومهم... حتى أنّها باتت تخلط بين أسمائهم وأسماءنا!

حلم أمي لهذا العام تبدّل كلياً فلم يعد يغريها الانضمام لقوافل الحجاج المهيبة ولم تجلس أمام التلفاز لتشاهد النقل المباشر لمناسك الحج و فضّلت على ذلك الانضمام لقوافل الأحرار في ساحات سوريا ليحجوا معاً حجهم الحقيقي و ليتوجهوا نحو قِبلة الحرية المهيبة.
اهتمامات أمي تبدّلت كلياً هذا العام فهي لم تعد تطرّز أغطية الأسرّة بخيوطها الملونة الجميلة ولم تصنع كنزات صوفية لأولاد إخوتي الصغار.. فهي على الدوام مشغولة بتضميض جراح المصابين وإعطائهم الدواء و إطعامهم و التأكد أنهم بأمان في منأى عن الرصاص المجنون الذي لا يفرّق بين بشر و حجر!

أخبرني جميع من رأى أمي أنها استبدلت الكحل الأسود الذي اعتادت أن تضعه في عينيها الجميلتين بدموعٍ لا تجف وعزيمة عملاقة قادرة على احتواء الملايين و معانقتهم بلحظة واحدة فقط.
أمي تجلس بين الجرحى هذا العيد تفكّر بهم و بنا ..نحن الذين بعضنا في بلاد الغربة و بعضنا ملاحق من قبل أجهزة الأمن وبقيتنا معرّضون للموت بين لحظة وأخرى كما هو حال بقية السوريين.

أمي التي فتحت قلبها و بيتها لإخوتنا الجدد لم تذهب هذا العيد لتزور موتاها و تضع الورود على قبورهم فلقد أقسمت أنها لن تغادر البيت و هناك من يتألم أو ينزف..

أمي لا تعترف بهذا العيد الذي لا تشعر به سوى أنه يوم جديد من أيام القتل و الدم و الخوف الممزوج بأمل بالنصر المؤكد.

أمي الجميلة هذه ليس لها حسابٌ على الفيسبوك و لن تجد عنها أي معلومة إذا بحثت عنها في محركات البحث العملاقة... أمي الرائعة لم تكتب يوماً رواية و لا قصة قصيرة ولا أبيات شعر... لكنها نحتت بشجاعتها و طيبتها ملحمة عملاقة من النبل و البطولة و أنقذت حياة الكثيرين وما زالت تعمل بصمتٍ مهيب و محبةٍ وأمل لا يموت.

أمي بروحها المخضرّة على الدوام تنتظر عودتنا إلى أحضانها لا إلى زنزانات المعتقلات العفنة وتنتظر معانقاتنا أحياء لا ملامسة توابيت خشبية تبتلعنا و تبتلع ضحكاتها.
أمي ما زالت هناك واقفة كسنديانة عتيقة وسط هذا الدمار ووسط الدماء النازفة... تقف بثبات و عنفوان مملوؤة بالأمل بأن هذا الكابوس سيتنهي وبأننا سنعود إلى حيّنا وإلى أحضانها..

قالت لي في أحد مكالماتنا الهاتفية : بأن هذه الثورة قلبت الموازين و غيرت الكثيريين وستغيير المزيد ..حتى أنها تعتقد بأنني سأغيّر رأي و أبدأ بأكل اللحم المسلوق الذي تعرف أنني لا أحبه على الإطلاق
ما أجملها أمي و ما أطيب روحها التي تضاهي نقاء ثلج هذا البلد المتطرف ببرده و جماله .
عهداً أقطعه على نفسي لأجلك يا أمي بأن نكنس هذا الزمن الكئيب ليشرق العيد و تشرق ابتسامتك العذبة على دنيانا المشتاقة لرؤية وجهك القمري.
عهداً بأن أمسح دموعك الغالية و أزور معك كل المدن والأزقة السورية و أعدك بأننا سنصبح قريباً على وطن حقيقي تسكنه المحبة و الأفراح وتصنع من كل يوم فيه عيداً ينبع من قلوبنا لا عيداً نقرأ عن مواعيده في الروزنامة المعلقة على جدران بيتنا العتيق.
قادمون نحن لأجلك يا أمي.
قادمون لنبني.. وعهداً علينا بأننا سنحاكمهم على كل قطرة دم و كل دمعة أم
قادمون لنقطف شجرة النارنج و نتراشق بالقبلات و الضحكات بينما نملأ بحرتنا الدمشقية لتسعد هي من جديد و نسعد نحن بقهقهاتها الأنيقة.

إيمان البغدادي



#إيمان_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة إنسان لا ثورة د.برهان
- لا مجال للمراهقة السياسية
- إلى متى ستستمرون بقتلنا ؟؟
- نحن البحر
- فلتخرجوا من هذه القوقعة
- انتهى زمن صناعة الآلهة
- أسماء لامعة إعلامياً و معتمة إنسانياً وأخلاقياً
- ميثاق شرف بين المعارِضين السوريين (قوى سياسيّة و مستقلين)
- فلنجهض هذا الجنين
- ماذا سنفعل بعد الثورة؟؟
- إذا الشعب السوري أراد الحياة
- أجنحة الذاكرة
- كفى عاراً أيها المثقفون
- هل أسماء الأسد هي السيدة الأولى؟؟
- ربيع الأصابع المقطوعة
- كيف.. و إلى متى؟
- الأقلام الرمادية و قطار الحرية
- سوريا ليست أكوام الحجارة


المزيد.....




- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...
- ممثلية إيران: القمع لن يُسكت المدافعين عن حقوق الإنسان
- الأمم المتحدة: رفع ملايين الأطنان من أنقاض المباني في غزة قد ...
- الأمم المتحدة تغلق ملف الاتهامات الإسرائيلية لأونروا بسبب غي ...
- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - إيمان البغدادي - أمي و شجرة النارنج و رشة كمون