أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج














المزيد.....

قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3674 - 2012 / 3 / 21 - 20:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المدينةُ دخلتْ أعلى حالاتِ الإنذار، والايحاءُ بتهديدٍ حالٍ وشيكٍ ينتشرُ كنارٍ في هشيمٍ او كهبّةِ حريقٍ وسطَ دغلٍ جاف، أفواهُ المدينةِ تجترُّ مخاوفَ تنتشرُ كوباءٍ غامض، مئةُ ألفِ مُجنّدٍ ساذجٍ مُتثائبٍ يهرعون بتثاقلٍ وكسلٍ لصبغ التقاطعاتِ والحواري والازقّة بألوانِ بزّات التمويه ويُعكّرونَ هدوئها بقرقَعةِ السِلاح الشاكي.
الشوارعُ مقطّعةُ الأوصال، الجُسورُ منحورةُ الاعناق، الساحاتُ مُقفرة، الحدائقُ خالية، العاصمةُ بأسرِها تمرُّ بتجربةِ الاحتضارِ وسكرةِ النَزعِ قبل الأوان، الآفُ كاميراتِ المُراقبة المبثوثةِ كبُثورِ الحصبةِ تُحصي على البغداديينَ أنفاسَهم وترقُبُ بعيونها الجاحظة الدوّارة كُلَّ الشواردِ والحركاتِ والسواكِن، تمسحُ العرباتِ والأرصفةِ وواجهاتِ المحلات ولوحاتِ التسجيلِ وصناديقِ القُمامةِ وجُثث الغدْر اليوميّ وحقائبِ النُسوةِ وأكياسِ التبضُّعِ ووجوهِ المارّةِ ومُشاكساتِ الصِغار، تفتّشُ عن عدوٍ خجولٍ منُطوٍ سبقَ كُلَّ هذا اللغَطِ ففظَّ مُبكراً ورقَ التغليفِ عن هداياهُ المُميتة.
بغدادُ – كما هي منذُ تسعِ سنين – في حالةِ تأهُبٍ قُصوى، تحتسبُ لطارئٍ قدْ ينقضُّ عليها منَ الجُدرانِ او تنشقَّ عنهُ الارضُ او يهبِطَ منَ السماء، تُحاولُ بُجهدٍ جهيدٍ أنْ تَطبعَ على وجهِها ابتسامةٍ مُصطنعةً تستقبلُ بها ضيوفها المُرتقبين، تقيمُ لهم معبراً اسفلتياً آمناً مُعبّداً بالخُوذِ والدروعُ ومخازنِ الذخيرة، تُؤويهم في خيمةٍ منَ التَرسانةِ والاسمنتِ والفولاذ.
بغدادُ تجتازُ البُعد الآخر، تخرُقُ الجِدارَ الفاصِل بين المُمكنِ والمستحيل، بينَ الظاهرِ والمُتواري، بينَ المكشوفِ والمُختبئ، بغدادُ تزيحُ لزائريها الغَلالة التي يتوارى خلفَها عالمُها الخاص، توزّعُ على أصحابِ السيادةِ والجلالةِ والنيافةِ دليلَ معالِمها المجّاني، معالمُ ما بعدَ التسويرِ والتدويرِ والتكّعيبِ والإحاطة، ودزّينة من البذلاتِ المضادةِ للرَصاصِ والنظاراتِ المانِعةِ لتسرُّبِ الوجعِ والشفقة.
بغدادُ تُلقي على اسماعهِم مُحاضرةً تعريفيّةً عن الأسرار التي بها ستبُوحُ وعنها ستكشُف، بغدادُ تخشى أنْ ينسلَّ طفلٌ أطاحت الحربُ بإحدى ساقيهِ، وفقئتْ إحدى عينيه، والتهمتْ كلتا أبويهِ، ليبصُقَ في وجوهِ الوُفودِ المدهوشة، تخشى أنْ تتسرّبَ من شُقوق الكونكريت الصلدِ عُصارةُ البؤس والصديد لتُلّطخَ أربِطَةَ العُنقِ الدُبلوماسيّةِ الأنيقة.
حاضرةُ الرشيدِ أسيرة، والشعبُ مصفّدٌ بالحديدِ خلفَ القُضبان، حظرُ تَجوالٍ وعُطلة إجبارية، والحياةُ انسحبتْ مُرتجفةً الى ملاذات البيوتِ تتصنّعُ الانشغالَ وتعلِكُ النُكاتَ اللاذِعة، ترتَشِفُ الشايَ وتَمُجُّ السجائرَ وتغلي بهمومٍ يومية، والقِمّةُ تقبعُ في ذيلِ الاهتمامِ وراسِبِ الاكتراث، سُرعانً ما ستُطوى كما نُشرتْ، وتأفُلُ كما انبلَجَتْ، فحُكّامُ العربِ قدْ سئموا رَتابةَ الأوامرِ بأطلاقِ الرَصاصِ على المُتظاهرين وتحريكِ الأسرابِ على المُنشقّينَ وتوجيهِ المُجنزاتِ نحوَ القُرى لسحقِ المُحتجين، العربُ أتوا للتنزُّهِ والترويحِ والاستجمامِ في باحةِ سِجننا الخلفيّة، وتنشُّقِ نسيمِ الديمُقراطية، فَهلّا اظهرنا بعضَ الخِصال اليعرُبية؟
حللتُم اهلاً ونزلتم سهلاً وطبْتم وطابَ ممشاكُم، سنقِفُ كالدُمى خلفَ الأسوار العالية من حيثُ لا ترونا ولا نراكم، نصدحُ بنشيد الوَحدةِ ونرفعُ لافتةَ التضامن ونلعَنُ القُطريّةَ والشُعوبيّةَ والتغريبيّةَ والإنعزاليّة، أولسنا أُمّةً عربيّة؟ فاشربوا سادتي إذن نَخب قِمّتنا العربيّة، نَخب نُكران الهَوية، وَتناسي الضَحيّة، مادام أنها.. لا تُفسِدُ للوِدّ قَضيّة.

ليث العبدويس [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان


المزيد.....




- إنه أسلوب تنقل شائع في أوروبا وآسيا.. لكن هل يحظى السفر بالق ...
- فوق الإعصار -إيرين-.. صائدو أعاصير يصورون مشاهد مهيبة
- جدل متصاعد حول التمييز.. دعوات في فرنسا لمقاطعة المنتجعات ال ...
- الجيش الإسرائيلي يؤكد مهاجمة -بنى تحتية للطاقة- في اليمن
- -نايت أولوايز كامز-: كيف تحصل على 25 ألف دولار قبل بزوغ الشم ...
- قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا ينظمون مؤتمرا لمناقشة خطة ترام ...
- ترامب يسلم بوتين رسالة من زوجته ميلانيا خلال قمة ألاسكا
- 3 ولايات يقودها جمهوريون تستعد لنشر قوات حرس وطني بالعاصمة و ...
- تقدم للجيش الأوكراني على جبهة سومي
- هل يعود الجيش الأميركي لاحتلال بنما؟ إجابات من داخل قواعده ا ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج