أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان














المزيد.....

الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3441 - 2011 / 7 / 29 - 02:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تسونامي الجائعين يضرب مقاديشو، قوافِلُ تتهادى مُتقاطرةً كسيلٍ جارفٍ تغزو الأزقة الحزينة والشوارع المُترِبة، تفترشُ الأرض وتلتحف السماء، أفواجٌ من الهياكل العظمية البشرية يعلوها القَتَر وظِلالُ الموت تزحفُ على العاصمة المنكوبة أصلاً بالاقتتال والصراع والفوضى، جَفَّ الضِرعُ ويَبُس الزرعُ وقَرُبَ النَزعُ وامتدَّ الفَزَعُ فطاشتْ الألاف هائمةً على وجوهها على غيرِ هُدىً وبلا هدف، يدفعها القُنوطُ واليأسُ والأمعاءُ الخاوية المحترقة، فكانوا كمن استجارَ من الرمضاءِ بالنارِ، فبدل ان يواجهوا شبح الجوع وحده في قُراهُمُ المعزولة، بات عليهم في العاصمة ان يُعانوا من القصف والخطف والاغتصاب والذُلِ والإهانة، انقطع الغيثُ وأجدبتْ الأرضُ وحلَّ الجفافُ ونعق الغُراب وأقام البومُ ورحلَ الإنسانُ وماتَ ضميرُ البشرية، الصومالُ السوداء العجفاء تموتُ وتُحتَظر، يتناهبُ مصيرها الحالك قَحطٌ لا يُبقي ولا يَذَر، وحربٌ حمقاءُ رعناءُ لا تعرفُ النهاية او الهوادة تحولتْ الى قناةٍ مشبوهةٍ لتصريف قيح الخراب والحقد والذخائر والتطرف، العالم بَطينٌ مُترهل مُتخم غارقٌ في حفلات الشواء والبوفيه والكونتيننتال ونكهة الشمبانيا والكافيار ورماد السيجار والأفيون، والصومال تَجدْ موتاً وفيراً حيثُما يممتْ شَطرَ وجهها الكالح العبوس، مُخيفة هي تلك الأرقام والحقائق الصادمة عن اللؤم الإنساني والأنانية البشرية في مُقابل المذبحة الصومالية الصامتة، الولايات المتحدة الامريكية، راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومُحيطها الطيّع، العالم الصناعي الليبرالي الحُرْ، يُهدرانِ ثُلُث إنتاجِهما الغذائي السنوي، وهو يُعادل ما قيمتهُ 48 مليار دولار، تكفي لإشباع كُلِ جياع الأرضِ ومُعدميها وفُقرائِها ويزيد، وفيما يموتُ طفلٌ كُلَّ خمس ثوانٍ من الجوعِ او نقص الغذاء، فمن المُرجّح ان تتصاعد نِسبةُ الهدر العالمي لموارد الطعام لتصل إلى النصف من مُجمل الإنتاج، مليار وثلاثُمائة مليون طُن من الأغذية الأساسية كالحبوب الاستراتيجية والمحاصيل الحقلية يجري إتلافها او رميها في سِلال القُمامة ومكبّات النفايات او في عَرَض المُحيط او دفناً في رمال الصحراء، او تُتلف عن طريق تحويلها الى وقود حيوي كالإيثانول لإشباع نَهم المجتمع الاستهلاكي للطاقة الرخيصة، عشرةٌ بالمائة فقط من ثروات أصحاب المليارات تُشبع مِليار إنسانٍ يتضورُ جوعاً حول العالم، تُنفِقُ ستةٌ من دول العالم المتقدم على طعام القِطط والكلاب خلال اسبوعٍ واحدٍ فقط مجموع ما خصصته الأممُ المُتحدة لإغاثة الجائعين لمُدّة عامٍ كامل، نحن نعيشُ فُصول مهزلة حقيقيةٍ مُستمرة، نحنُ نُعاني من مُتلازمة شُحٍ إنسانيٍ مُزمِنٍ وتشققاتٍ عميقةٍ في جِدار بشريتنا، أزمة الصومال تبكيتٌ وتأنيبٌ وتقريعٌ عنيف لصدقنا وتضامُننا تجاه أصلنا المُشترك بوجه تحدياتٍ أساسية لا تتعلق في جوهرها بمشكلاتٍ قد تُصنف على أنها " كمالية " الى حدٍ ما، كالاحتباس الحراري وظاهرة ثُقب الأوزون وأعباء العولمة وتباين التنمية بين الشمال والجنوب ونضوب موارد البترول وغيرها، قدر تعلقها بمحنة وجودٍ وبقاءٍ ومصيرٍ، ان نكونَ او لا نكون، ان ننتشل البقية الأخيرة من حُطام حضارتنا العقلانية الرشيدة المنطقية او ننحدر سريعاً في مهاوي الوحشية والغابة والهمجية، ان ننتصر للإنسان من حيث كونه إنسان ومن هذا المنطلق فحسب، او نُصنِف بني البشر إلى ضواري وطرائد، مُفترسات وضحايا، شمال وجنوب، غني وفقير. الصومال، على تمزُقها وتشرذُمِها، نجحت في احراجنا جميعاً، وضعتْ كل تبجحاتنا الإنسانية وهُراءنا الذي نَهذُرُ بِهِ ليل نهار على المَحَك، وخزتْ ضمائرنا المُتيبسة بِدُبّوس مؤلِم، مقاديشو تُغلقُ ابوابها الساعة، تحتضن أولادها المُشرّدين وايتامها البؤساء، تدفُنُ موتاها بِصمتٍ وسكينة، تهشِمُ آخر رغيف خُبزٍ جافٍ على آخِرِ أطفالها الأحياء، مقاديشو لا تستجدي أحداً، او تستغيثُ بأحد، مقاديشو قررتْ الموت بلا لغطٍ او جَلَبة، ولينعم العالمُ بالسلام، ولعل لِسان حالها يقول، لم أشأ احراجكم، ارجوكم، اشيحوا بوجوهكم عني بعيداً، فلعلَّ منظري وانا احتظر يؤذي مشاعركم الرقيقة، واحاسيسكم المُرهفة، وعليه أنصحُكُم البقاء في مقاعدكم الوثيرة، وانتظار اعلان وفاتي من وسائل الاعلام، حينها فقط، ستشعرون بالتحسن.



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث العبدويس - الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان