أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ














المزيد.....

خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3472 - 2011 / 8 / 30 - 22:25
المحور: الادب والفن
    


جاءَ العيدُ إذاً أخيراً بِحُلَتِهِ القَشيبةِ وأثوابِهِ الزاهيةِ وَطلْعَتِهِ البَهيّة، شاطِباً بِطَلَّةِ هِلالِهِ النَحيلِ أشرَسَ رَمَضانٍ كابَدَتْهُ الناسُ مُنذُ سِنين، أحالَهُمْ إلى كُتَلٍ من أشواكِ العَطَشِ التائِقِ لِنَدى الَمَغيبِ الرَطِب، مُزيحَاً بِنَشوةِ الفِطْرِ ظَمَأ هَواجِرِ آبَ القائِظْ المُسْتَعِرْ، العيدُ كائِنٌ حَيْ، يَنبِضُ بالحُبورِ والفَرحَةِ وَيختالُ بألَقٍ حُلوٍ بَديع، يَعتاشُ مِنْ ضحكاتِ الصِغارِ ومُشاكَساتِهُمُ العَفويّة، ولإنّهُ كالغَمامَةِ المُترَعةِ بالغيثِ الوَشيكِ، تُلقي بِخِصْبِها دونَ حِساب، فلا يوقِفُهُ عُبوسُ القَنوط، ولا يُثنيهِ يأسُ المُتشائِمُ، وَهوَ على قِصَرِهِ وطولِ انتِظارِهِ يَبقى مُحتَفِظاً بِعِطرِهِ الأخّاذ، مُلقياً بِغُلالَتِهِ السِحريّة الرَقيقةِ على الوُجوهِ والأمكِنة، مُستَحِثاً كُلَّ الذِكرَياتِ السَجينَةِ على الانبعاثِ والتَحليقِ، يُداعِبُ قُدومُ العيِدِ فينا بَقايا طُفولَتِنا المُبكّرة وَسِنينَ نشأَتِنا الأولى وَمَرحَلَةَ تَرَعْرُعِنا البعيدة، يوقِظُ فينا ذَلِكَ الصَغيرَ الحالِمَ المُتفائِلَ العَذِبْ، ذَلِكَ الأنْسانَ النَقيَّ البَسيط، يَغْسِلُ مِنْ على وُجوهِنا – لِبُرهَةٍ – كُلَّ غُبارَ جَريِنا اللاهِثِ خلْفَ سَراباتِ الحياةِ، يَمْسَحُ – لِسويعاتٍ - قَتَرَةَ الكَدّ والكِفاحِ وَعَرَقَ تَكالُبِنا وَأنانيَتِنا وَحِرْصِنا، ينتَزِعُنا مِنْ خُطوطِ النارِ وَجَبَهاتِ الصِراعِ مَعَ ذَواتِنا وَغيرِنا ليُحيلِنا إلى حُقولِهِ الخضراءِ ومُروجِهِ النَضِرة، حيثُ نَتَجَرّدُ في ارجائِها من كُلّ مُكابَراتِ الراشِدينَ واهتماماتِ البالغينَ لِنتحوّلَ إلى كائِناتٍ ساذِجةٍ غَرّة، تَتَراقَصُ في عالَمٍ من الألوانِ والحَلوى والألعابِ والقُبَلْ، وفي العيدِ يُرغَمُ المرءُ على التَسامُح وَيُلهَمُ خِصْلَةَ الغُفران ونسيانِ الإساءة، فَهوَ موسِمً مُناسِبٌ حقاً لِجَعلِ إنسانيتِنا أكثرَ إنسانية، فَلَهُ منظورٌ مِثاليٌ بِلونِ الوُرودِ يَجعَل أكثرنا صَفاقَةً وَصلافَةً ووقاحَةً سَهلَ العريكة ليّنَ الجانِب نَظيفَ السَريرة، فَلا ترى جبيناً مُقْطَباً أو حاجِباً مُنعَقِداً او شِفاهاً مَزمومة، فَهلّا أكثَرَ حُضُورَهُ ليُذكِرَنا ببراءَتِنا المفْقودة؟ سَنشيخُ سَريعاً ويغزو الشيبُ فرواتِ رؤوسِنا فُجأةً وتملئُ مُحيّانا تَجاعيدٌ حادةٌ دونَ إنذارٍ إنْ نَحنُ فَقدْنا بَهجَةَ العيدِ او إنطَفأت في دواخِلِنا قَناديلُهُ المُتأرجِحة، سيغدو كُلّ شيءٍ مِلحيَّ الطَعمِ قِصديريَّ المَلمَسِ رَماديَّ الشَكلِ غَريبَ الرائِحة، سَتتَكَلّسُ في أرواحِنا أشياءٌ غايَةً في الروعةِ وَتتمَدّدُ أُشياءٌ أُخرى شَديدةَ البَشاعةِ والقُبْح، سَنُنكِرُ تِلكَ الملامِحَ التي تُطالِعُنا في مرايانا، وظِلالَ اجسادِنا التي تُطارِدُنا، سَنَكتَشِفُ في خريف العُمرِ وهَزيعِ ليلهِ الأخيرِ أننا مَشدودونَ بِجُنونٍ إلى بَقايا صَدى ضَحكاتِنا الطُفوليّة المُتلاشية وَوُجوهِ ذَوينا الأليفَةِ الآخِذَةِ في الإختِفاءِ وَصَريرِ مَهدِنا الخَشَبيّ المُتداعي، وسَنسْتَذْكِرُ بِدُموعٍ غَزيرةٍ أموراً كانتْ قَبلَ اليومِ تبدو تافِهة في نَظَرِنا، طائِرةً وَرَقيّةً سَرَقتها هَبّةُ ريحٍ وتَخَلَصَتْ أخيراً مِنْ أنامِلِنا العابِثة، المواءُ الأخير لِقِطَتِنا قبل أنْ تخرُجً مِنْ غيرِ رَجعة، رَعدةَ اجسادِنا المَذعورةِ من بَرقِ مُزُنِ الشِتاء، وَسَنُدرِكُ بَعدَ أُفولِ كُلّ سنينِا، أنَّ في أعماقِنا حَمائِمَ بيضاءَ تَصفَقُ بأجنِحَتِها كُلَما أوشَكَ هِلالٌ على الوِلادةِ.
ليث العبدويس – بغداد – [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام
- -جمهورية- انكلترا المُتَحِدة
- فينيقُ لُبنان..ورمادُ الطائِفيّة
- هوامش على دفتر الثورة
- الصومال.. محنةُ الضمير.. محنةُ الإنسان
- الإرهاب الإسلامي ..تهافت النظرية
- هل شارف عصر الطغاة على الانتهاء؟


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث العبدويس - خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ