نزار جاف
الحوار المتمدن-العدد: 1077 - 2005 / 1 / 13 - 10:52
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
نزار جاف
الخيل و الليل و البيداء تعرفني والسيف و الرمح و القرطاس و القلم
لاأدري لماذا کلما کتبت عن مسألة الموقف يتبادر الى ذهني مباشرة هذا البيت الشهير للمتنبي والذي بحسب المصادر التأريخية کانت السبب الرئيسي لمقتله في دير العاقول بواسط على يد زمرة يتزعمها فاتک الاسدي . المتنبي دفع حياته ثمنا لموقف حماسي أبداه في البيت الشعري الآنف الذکر ، وبرغم فداحة الثمن الذي دفعه "حياته" إلا أنه وبمرور الزمن صار رمزا للشجاعة في التمسک بالموقف و تجسيده في الواقع و صار هذا البيت الشعري " القاتل" من أشهر أبيات المتنبي . إشارتي لموقف المتنبي جاء في سياق قراءتي لمواقف بعض من المثقفين و الساسة الذين کلما تذکروا موقفا معينا لهم من قضية أو شأن ما حتى وبادروا للمزيد من الکلام " المطنب بصددها" ومن ثنايا هکذا کلام بديهي جدا أن يتم تأويله سلبا ، أي أن أصحاب المواقف تلک يمنون بمواقفهم و يسوقونها کبضاعة يستفادون منها لنوائب الدهر و مستجدات الامور . والغريب أنني حين أتذکر مواقف الکثير من المفکرين و الکتاب و النجوم الغربيين ، لم أجد من بينهم من يمن بموقفه على أصحاب القضية ! الفيلسوف الراحل جان بول سارتر و النجمة الامريکية جين فوندا و الملاکم محمد علي کلاي الذين إشتهروا بموقفهم من الحرب الامريکية في فيتنام ، لم أسمع إنهم طلبوا من الشعب الفيتنامي جزاءا و شکورا ! ونفس الامر بالنسبة للنجم الراحل مارلون براندو حين رفض إستلام جائزة الاوسکار وبعث بهندية حمراء من السکان الاصليين لأمريکا کي تستلم الجائزة تعبيرا عن موقفه التضامني مع الهنود الحمر . وکذلک الامر بالنسبة لآية الله العظمى السيد محسن الحکيم في موقفه المشرف من الکورد في عهد عبدالسلام عارف حيث لم يطالب الکورد بعرفان جميله عليهم . أنا أرى إن الذي يدعو الانسان الى إتخاذ موقف ما من قضية ما هو مدى عدالة تلک القضية ومدى أيمان صاحب الموقف بها . وفوق هذا فأن مسألة إتخاذ موقف معين من قبل الانسان هو بحد ذاته تجسيد لإنسانيته قبل و بعد کل شئ ، أي أن الانسان حين يتخذ موقفا معينا فأنه يجسد من خلال ذاک الموقف مصداقيته کإنسان ، فسارتر و فوندا و کلاي و براندو و السيد الحکيم کلهم کانوا في الاساس بحاجة الى مثل هذه المواقف حتى يثبتوا للعالم عامل التجلي الانساني فيهم . أنا اليوم حين أبدي موقفا من کارثة تسونامي المروعة التي ألمت بالعديد من الشعوب فأنا في الواقع أمارس عملية تجسيد ذاتي کإنسان کي أثبت لنفسي قبل الواقع الموضوعي ماهيتي الانسانية أي خروجي من شرنقة الذات الى آفاق الموضوع ، أو بتعبير أدق و أصدق أمارس عملية نکران الذات و الحد من النفوذ " النرجسي " في أعماقي السحيقة کإنسان .
کاتب وصحفي کوردي
مقيم في المانيا
#نزار_جاف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟