أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - شيءٌ من الجدل!















المزيد.....

شيءٌ من الجدل!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3644 - 2012 / 2 / 20 - 14:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



إنَّكَ لا تَحْصَل على شيء إلاَّ من طريق الصراع، ولا يُوْلَد شيء إلاَّ من طريق الصراع، ولا يَحْدُث حادِث، أو يتغيَّر شيء، إلاَّ من طريق الصراع؛ فالصراع، والصراع وحده، هو "الطريق"؛ و"طرفا" الصراع هما دائماً "ضِدَّان متِّحِدان اتِّحاداً لا انفصام فيه".

تأمَّل جيِّداً عملية "الاندماج النووي" التي تَحْدُث، في استمرار، في بواطن النجوم؛ ولتتأمَّلها في مثال تَكوُّن نواة ذرَّة الهليوم، والتي تشتمل على بروتونين.

إنَّ البروتونات جسيمات متنافِرة؛ فكلَّما تقاربت اشتدَّ تنافرها وعَظُم؛ ومن أجل أنْ تَحْصَل على نواة هليوم، لا بدَّ لكَ من إرغام وإكراه بروتونين على الاندماج والاتِّحاد.

"الغاية" هي، في هذا المثال، تكوين نواة هليوم من خلال دَمْج وتوحيد بروتونين (في نواة واحدة).

تأمَّل هذا المثال فَتَقِف على حقيقة جدلية أولى، وفي منتهى الأهمية؛ فـ "العملية" تبدأ (ويجب أنْ تبدأ) من "واقِع مضاد"، هو "الانفصال (والتنافر) بين بروتونين".

ولو سألْتَ هيجل عن هذا الأمْر لأجابكَ (بلغةٍ جدليةٍ) قائلاً إنَّ "شَرْط" دَمْج وتوحيد البروتونين هو "الوجود والنفي في آن"؛ فنواة ذرَّة الهليوم لن تَظْهَر إلى الوجود إلاَّ إذا "وُجِدَ أوَّلاً بروتونان منفصلان متنافران"، ونُفِيَ، أو أُلْغِيَ، من ثمَّ، وجودهما في هذه الحالة.

هذا هو "الشَّرْط المزدوج" لتكوين نواة الهليوم؛ فـ "وجود البروتونين المنفصلين المتنافرين من دون نفي هذا الوجود" لا يُنْتِج أبداً نواة الهليوم؛ و"النفي"، بمعنى "انعدام هذا الوجود"، لا يُنْتِج (وهذا أمْرٌ بديهي) نواة الهليوم؛ فإنَّ "الوجود" مع "النفي (أيْ نفي هذا الوجود)"، هو، فحسب، ما يُنْتِج نواة الهليوم.

إنَّكَ ما أنْ تَشْرَع تحاول (في طريقة ما) تكوين نواة الهليوم من بروتونين حتى "ترى" القوى المضادة لمحاولتكَ وقد انتفضت، وثارت ثائرتها، وبدأت الفعل والعمل، وكأنَّها كانت حتى تلك "اللحظة"، أيْ لحظة بدئكِ المحاولة، هاجعةً، ساكنةً، آمِنَةً مطمئنَّة؛ وخروجها (الفوري) عن هذا الطَّوْر قد تَدْعوه "المقاوَمة"؛ فمحاولتكَ ما أنْ تبدأ حتى تصطدم بـ "مقاوَمة (حتمية)"؛ ولا بدَّ لكَ، من ثمَّ، من أنْ تتغلَّب على هذه المقاوَمة، قبل، ومن أجل، الحصول على نواة الهليوم.

و"المقاوَمة"، والتي هي لبوس تلبسه "القوى المضادة"، يمكن ويجب فهمها على أنَّها "قانون وجوديٍّ مُطْلَق"؛ فلا شيء في الوجود "يَرْفَع الراية البيضاء"، أيْ يستسلم لضغوط قوى التغيير التي يتعرَّض لها، قبل أنْ يبدي "مقاوَمة"، وقبل أنْ تتلاشى مقاومته، وتُسْتَنْفَد؛ ومقاوَمة الشيء (كل شيء) للتغيير (لأيِّ تغيير) لا تَظْهَر، وليس ممكناً أنْ تَظْهَر، قبل أنْ يتعرَّض (فِعلاً) لضغوط التغيير؛ وكأنَّ الأشياء جميعاً في مَيْلٍ فطري (يشبه غريزة "حب البقاء") إلى أنْ تبقى على ما هي عليه.

افْتَرِضْ الآنْ أنَّ البروتونين (المنفصلين المتنافرين) قد اندمجا واتَّحَدا، وأنَّ نواة ذرَّة الهليوم قد ظهرت إلى الوجود من ثمَّ؛ فهلْ لكَ أنْ تُعرِّف تعريفاً جدلياً هذا "الوليد (أيْ نواة الهليوم، أو "اتِّحاد" البروتونين في نواة)"؟

إنَّه، أو إنَّ هذا "الاتِّحاد"، هو، في تعريفكَ الجدلي له، شيءٌ متأتٍّ من صراعٍ خيض ضدَّ "قوى مضادة"، هي "قوى الانفصال والتنافر (بين البروتونين)"، ومن "التغلُّب عليها"، من ثمَّ؛ فإنَّ "الصراع ضدَّ قوى الانفصال والتنافر"، مع "التغلُّب عليها (وقَهْرها)"، هو ما أنْتَج، أخيراً، هذا "الاتِّحاد (بين البروتونين)".

وعبارة "التغلُّب عليها (وقَهْرها)" يجب ألاَّ يُساء فهمها؛ فإنَّ "قوى الانفصال والتنافر" التي "غُلِبَت (أو قُهِرت، أو هُزِمَت)" لا تَفْنى، ولا تزول، ولا تَخْرُج نهائياً من الوجود؛ فنواة الهليوم الوليدة يجب فهمها (جدلياً) على أنَّها "قوى الانفصال والتنافر التي غُلِبَت، والتي احْتُفِظَ بها في الوقت نفسه"، وإلاَّ كيف نَفْهَم ونعلِّل ونفسِّر "انشطار (وانقسام، وانفصال)" نوى الذرَّات؟!

لو كان هَزْم "قوى الانفصال والتنافر (بين البروتونات)" يعني "فناءها (بالمعنى الميتافيزيقي للفناء)" لَمَا أمكَن انشطار نوى الذرَّات.

وهذا "القول الفيزيائي (أيْ عبارة "لَمَا أمكَن انشطار نوى الذرَّات")" هو جزء من "قول فلسفي (جدلي)" أعمَّ وأشملَ، هو "لا وجود أبداً لأحد الضدَّيْن من دون الآخر"؛ فـ "قوى الاندماج والاتِّحاد"، التي بفضل هيمنتها وسيطرتها وسيادتها، ظهرت نواة الهليوم إلى الوجود، لا يُمْكنها أبداً أنْ تظلَّ على قَيْد الحياة إنْ "مات"، في هذه النواة، ضديدها ونقيضها، ألا وهو "قوى الانفصال والتنافر (بين البروتونين)"؛ فكلا الضدَّيْن يتَّحِد مع الآخر اتِّحاداً لا انفصام فيه أبداً.

ابْدَأ الآن محاولة مضادة هي محاولة "تمزيق (وشَطْر)" نواة الهليوم؛ فترى أنَّكَ ما أنْ تبدأ هذه المحاولة حتى تنتفض وتثور "قوى مضادة (لمحاولتكَ)"، هي، هذه المرَّة، "قوى الاندماج والاتِّحاد (بين البروتونين اللذين تتألَّف منهما نواة الهليوم)"، والتي تُعرَّف فيزيائياً على أنَّها "القوَّة النووية الشديدة (قصيرة المدى في عملها وتأثيرها)".

إنَّ كل شيء في هذا الوجود يُمْكِنَكَ، وينبغي لكَ، فهمه، وتعريفه، على أنَّه "ما يتأتَّى من صراعٍ يُخاض ضدَّ نقيضه، ومن التغلُّب على هذا النقيض، والاحتفاظ به، في الوقت نفسه".

إذا أردت رَفْع جسمٍ عن الأرض فإنَّكَ لن ترفعه إلاَّ إذا خُضتَّ صراعاً ضدَّ قوى مضادة (لمحاولتكَ هذه) وتغلَّبْتَ عليها، محتفظاً بها، في الوقت نفسه؛ فهل يبقى من معنى لفعل "الرَّفع" إذا لم يكن من وجودٍ لقوى مضادة (لهذا الفعل)؟!

إذا أردت العَوْم والسباحة فإنَّك لن تتوصَّل إلى هذا الذي أردت إلاَّ إذا خُضتَّ صراعاً ضدَّ "قوى الغَرَق"؛ فـ "العَوْم (أو السباحة)" ما هو إلاَّ جُهْدٌ (مخصوص) تبذله للتغلُّب على قوى تَعْمَل دائماً لإغراقكَ في مياه البحر أو النهر..؛ فهل من وجود (أو من منطق) للعَوْم إذا ما تَخَيَّلْنا أنَّ مياه البحر، مثلاً، تخلو تماماً من "قوى الغرق (أو الإغراق)"؟!

صارِعْ ضدَّ "الجهل"، وتغلَّب عليه، وعلى قواه وأسبابه وظروفه..، فهل تَحْصَل على شيءٍ غير "العِلْم (والمعرفة)"؟!

صارِعْ ضدَّ "العبودية"، وتغلَّب عليها، وعلى أسبابها وظروفها، وعلى كل ما يُنْتِجها ويبقي عليها، فهل تَحْصَل على غير "الحرِّية"؟!

صارِعْ ضدَّ "الموت"، وتغلَّب عليه، وعلى قواه، فهل تَحْصَل على غير "الحياة"؟!

صارِعْ ضد "السكون"، وتغلَّب عليه، وعلى قواه، كـ "القصور الذاتي"، فهل تَحْصَل على غير "الحركة"؟!

في مثال "تكوين نواة ذرَّة الهليوم"، قُلْنا إنَّ وجود قوى التنافر (بين بروتونين) مع التغلُّب عليها هو الشَّرْط (الأوَّلي) لتجاذب البروتونين، أيْ لاتِّحادهما، ولتكوين نواة هليوم، من ثمَّ.

إنَّ "التنافُر" هو "صلة جوهرية" بين البروتونين؛ وهذه "الصِّلة (أو الخاصية)" تَظْهَر وتتأكَّد مع تعرُّض البروتونين إلى ما يُرْغمهما على التقارب، وعلى مزيدٍ من التقارب؛ فكلَّما تقاربا اشتدَّ تنافرهما وعَنُف.

لكنَّ هذه "الصِّلة الجوهرية (أيْ التنافر)" لا تُوْجَد، ولا يُمْكنها أنْ تُوْجَد، من دون "نقيضها"، وهو "صلة (أو خاصِّية) التجاذب" بين البروتونين نفسيهما؛ وإنَّ كل العوامل والأسباب والقوى الخارجية ما كان لها أنْ تُرْغمهما على الاندماج والاتِّحاد لو لم يكن لهذا الاندماج والاتِّحاد سبب داخلي؛ فكل ما يؤثِّر فيهما من عوامل وأسباب وقوى خارجية يمكنه فحسب أنْ "يُسَرِّع" أو "يُبَطِّئ"، أنْ "يُيَسِّر" أو "يُعَسِّر"، اندماجهما واتِّحادهما (لتكوين نواة هليوم).

أُنْظُرْ إلى نواة ذرَّة ما، واسْألْ نفسك السؤال الآتي: هل هي متماسكة مُتَّحِدة؟

إنَّكَ تجيب قائلاً: أجَلْ، هي متماسكة مُتَّحِدة.

لكن، هل هذا التماسُك، أو الاتّحاد، "خالِص (صَرْف، نقي، مَحْض)"، أيْ لا يشوبه شيء آخر، أو لا يشوبه "نقيضه"؟

كلاَّ، ليس خالِصاً، وليس ممكناً أبداً أن يكون خالِصاً؛ فهذا "المتماسِك"، "المُتَّحِد"، إنَّما هو "بروتونات" متنافِرة؛ كانت متنافِرة، وظلَّت متنافِرة، وستظل متنافِرة؛ وهي، وعلى الرُّغم من "سجنها" في سجن "القوَّة النووية الشديدة"، تُصارِع، في استمرار، ضدَّ هذا التماسُك والاتِّحاد، ومن أجل الانفصال، وتمزيق النواة؛ فـ "التماسُك (أو الاتِّحاد)" إنَّما هو، بمعنى ما، "نقيضه المقهور، المكبوح، المُسَيْطَر عليه"؛ إنَّه نقيضه الذي غُلِب وقُهِر، والذي احتُفِظ به، في الوقت نفسه؛ ولو لم يُحْتَفَظ به لَمَا وُجِد "التماسُك" أصلاً، ولَمَا أمْكَن تمزُّق هذه النواة.

لقد تماسَكَت نواة الذرَّة، وتتماسَك؛ لأنَّ فيها، وفي بيئتها، ما تغلَّب على "قوى ضدَّ التماسُك"، محتَفِظاً بها، في الوقت نفسه.

و"النمو" ينبغي لنا فهمه على أنَّه مزيدٌ من السيطرة والهيمنة يُحْرِزه أحد طرفي التناقض في شيء ما؛ فما معنى أنَّ هذا الجسم يزداد سخونةً (مثلاً)؟

إنَّه يعني أنَّ "البرودة" فيه تتعرَّض إلى مزيدٍ من النفي (أيْ من الإلغاء والاحتفاظ بها في الوقت نفسه).

و"السخونة" تشبه سُلَّماً، كل درجة منه هي "برودة" من وجهة نظر "الدرجة الأعلى"؛ ولقد نُفيَت هذه "البرودة (النسبية)"، واحتُفِظَ بها، في الوقت نفسه، فسخَنَ الجسم أكثر.

هذا "التناقض"، أو هذا الصراع بين البرودة والحرارة، إنَّما يشبه، لجهة صلة نموِّه بالجسم، جنين صوصٍ ينمو في داخل البيضة؛ فالعاقبة النهائية لنموِّ هذا الجنين هي كَسْر البيضة، وخروج الصوص منها.

ونحن نرى أنَّ العاقبة النهائية لازدياد سخونة جسم صلب (مثلاً) والتي هي ازدياد في حركة (ونشاط) جزيئاته، هي انصهاره؛ فالنموِّ الحراري يتفاعل مع تناقض آخر، هو التناقض (أو الصراع) بين "اتِّحاد" الجزيئات و"انفصالها"، فما أنْ يبلغ النموِّ الحراري درجته العليا في هذا الجسم حتى ترجح كفَّة "الانفصال" على كفَّة "الاتِّحاد" في العلاقة بين الجزيئات، فينصهر الجسم الصلب.

وهذا "المُنْصَهِر" الوليد إنَّما هو مادة وُلِدَت ببرودتها القصوى (والتي إنْ ضَرَبْنا صفحاً عن "النسبية" في فَهْم الأشياء نظنها مادة حارة جداً).

أمْعِن النَّظر في هذا "الوليد"، أو في هذه "المادة المنصهرة"، فتراها كـ "إناء يتَّسِع لمزيدٍ من النموِّ الحراري"؛ فلمَّا ضاق "الإناء القديم (في المادة الصلبة)" بالنموِّ الحراري، حلَّ محله "إناء جديد أوسع"، أيْ يتَّسِع لمزيدٍ من النموِّ الحراري.

لقد نَمَت الحرارة (أو حركة الجزيئات) في الجسم الصلب، فانكسر، أخيراً، "التوازن" بين "الاتِّحاد" و"الانفصال" في العلاقة بين جزيئاته.

و"النمو" يجب أنْ يُفْهَم فهماً جدلياً؛ فما هو أهم شيء يمكنكَ، وينبغي لكَ، استنتاجه من "النموِّ"؟

تخيَّل أنَّك تَدْفَع بيدكَ، وفي استمرار، إلكتروناً (أي جسيماً له كتلة) ليسير بسرعة متزايدة؛ فما الذي تراه مع استمرار هذه العملية؟

إنَّكَ ترى تعاظُماً في صعوبة زيادة سرعة هذا الإلكترون؛ فالشيء كلَّما سرَّعته (أيْ زدتَّ سرعته) اشتدت وعَظُمَت صعوبة تسريعه؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ القوى المقاوِمة والمضادة للحركة، أو السرعة، في داخل الإلكترون تنمو، وتَعْظُم شأناً، ويشتد بأسها، مع كل "هزيمة" تُمْنى بها؛ فالإلكترون الأسرع هو الأعظم مقاومةً للسرعة (أيْ لزيادة سرعته أكثر).

هذا النمو في سرعة الإلكترون لا بدَّ من فهمه على أنَّه نموٌّ في الوقت نفسه للقوى المقاومة والمضادة للسرعة؛ فهذه القوى، المُحْتَفَظ بها بعد قهرها والتغلُّب عليها في جولة من جولات الصراع، تغدو الآن أشدَّ بأساً من ذي قبل، ولا بدَّ من بذل جهد أكبر لقهرها والتغلُّب عليها في الجولة المقبلة أو اللاحقة.

أُنْظُرْ إلى الأمر نفسه؛ لكن في مثال آخر، هو "الغلاء"، أي غلاء سعر سلعةٍ ما.

إنَّكَ ترى نموَّاً في غلاء سعر هذه السلعة؛ لكن ثمَّة مشهد آخر موازٍ يمكننا وينبغي لنا أنْ نراه أيضاً.

أوَّلاً، لن يرتفع سعر هذه السلعة، ولو أقل ارتفاع، إلاَّ بعد، وبفضل، التغلُّب على جملة من القوى المقاوِمة والمضادة للغلاء؛ فهذه القوى تُقْهَر، من طريق الصراع، ويُحْتَفَظ بها، في الوقت نفسه، فيَظْهَر هذا الغلاء، أو أوَّل الغلاء.

وإذا أريد لهذا الغلاء أنْ ينمو ويَعْظُم فلا بدَّ من خوض صراعٍ أشد هذه المرَّة؛ لأنَّ القوى المقاوِمة والمضادة للغلاء قد خرجت من هزيمتها في الجولة الأولى أشد بأساً؛ فكلَّما نما غلاء سلعة ما اشتدت صعوبة جعلها أكثر غلاءً.

لكنْ (وهنا نرى "المشهد الآخر") هل يمكن أنْ ينمو هذا الغلاء من غير أنْ يُنْتِج وينمِّي، في الوقت نفسه، أسباب زواله؟

كلاَّ، ليس ممكناً؛ فمع كل غلاء جديد تتهيأ أكثر أسباب وظروف عَكْس هذا المسار، أيْ تحويل الغلاء إلى رخص (في سعر السلعة نفسها).

إنَّ غلاء سعر هذه السلعة يُؤدِّي حتماً إلى تقوية المَيْل إلى زيادة إنتاج (وعَرْض) هذه السلعة، وإلى إضعاف المَيْل لدى الشُّراة إلى شرائها؛ ويكفي أنْ يجتمع هذين العاملين (وعوامل أخرى) حتى يَشْعُر البائع بتنامي صعوبة زيادة سعرها، وبضرورة خفضه.

صارِع ضدَّ الرُّخْص، أيْ ضدَّ القوى المقاوِمة والمضادة للغلاء، وتغلَّب عليها، مع الاحتفاظ بها، في الوقت نفسه، فتَحْصَل على الغلاء، أيْ على زيادة جديدة في سعر السلعة؛ لكنَّكَ لن تَحْصَل أبداً على الغلاء من غير أنْ تُنْتِج وتُنمِّي، في الوقت نفسه، الأسباب المؤدِّية لا محالة إلى الرُّخْص.

لا تَطْلُبَ غلاءً بلا رُخْص، أيْ لا تَطْلُبَ غلاءً خالصاً من نقيضه؛ فهذا هو المستحيل بعينه.

إنَّه المستحيل بعينه؛ لأنَّ هذا الغلاء هو ما يَنْتُج من صراعٍ تخوضه ضدَّ الرُّخْص، بكل قواه وأسبابه وظروفه؛ ولأنَّه ما يَنْتُج من التغلُّب على الرُّخْص، بكل قواه وأسبابه وظروفه؛ ولأنَّه لا يَظْهَر، ولا يبقى، ولا يستمر، إلاَّ وهو محتفِظٌ، في الوقت نفسه، بهذا الذي تغلَّب عليه، وقهره؛ ولأنَّه لا ينمو إلاَّ إذا أنْتَج ونمَّا، في الوقت نفسه، أسباب زواله، أيْ أسباب تحوُّله إلى نقيضه، وهو الرُّخْص.

وأنتَ يكفي أنْ تفهم "مثال الغلاء" على هذا النحو حتى تَقِف على العناصر الأساسية في الفهم الجدلي لكل الأشياء والظواهر.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا غابت -فلسطين- عن إعلام -الربيع العربي-؟
- -الفاسِد- فولف!
- -النسبي- و-المُطْلَق- في -النسبية-
- -التمويل الأجنبي- مَصْدَر إفساد ل -الربيع العربي-!
- خصوصية الصراع في سورية!
- منعطف مصر التاريخي!
- -المادية- في التفكير!
- -الأكوان الأخرى- و-إشعاع هوكينج-!
- في إشكالية -الأبعد- و-الأقدم- في الكون!
- -الصراع الدولي- الكامن في -الربيع العربي-!
- الإيجابية الكامنة في -الفيتو المزدوج-!
- في -التَّزامُن- Simultaneity
- في -الاقتصاد السياسي- ل -الربيع العربي-
- أهي -ديمقراطية- أم -دينقراطية-؟!
- ما معنى -انحناء الزمن-؟
- ما يَسْتَحقُّ الاهتمام في -المبادرة العربية-!
- دُوَلٌ لنفي الحقوق!
- -25 يناير-.. ثورة بدأت ولم تنتهِ!
- -المستقيم- في فضاءٍ مُنْحَنٍ
- -سَدُّ الذرائع- إذ أصبح سياسة فلسطينية!


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - شيءٌ من الجدل!