مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 1062 - 2004 / 12 / 29 - 06:47
المحور:
القضية الكردية
هشاشة الواقعية وصحة النهج
في مسارات الانهيار " 1"
مشعل التمو
في كل معطى مجتمعي جديد نمني النفس بأن تكون الحركة الحزبية قد استوعبت هذا المعطى , واستفادت منه , أن على صعيد بحثها عن أجوبة له , أو على صعيد تبنيها لأساليب عملية تستجيب لراهنها ومتغيراته .
وفي كل مرة , وفي غمرة الحدث , يتبدل الخطاب ليساير المعطى , ثم سرعان ما يعود القهقرى إلى سباته أو ما كان عليه من نواظم وقواعد , تشكل مجمل ما زرعته الحركة الساكنة في المجتمع الكوردي خلال مسيرتها الطويلة بالعمر الزمني , والقصيرة بالعمر السياسي , ولا يخفى على احد بان ما تم زرعه في كل إطار على حدة , يتطابق إلى درجة كبيرة , حتى وان اختلفت التسميات أو الأطلاقات بحكم أن المحددات واحدة , وخاصة على صعيد المفاهيم النظرية التي تشكل جزء من الخطاب الحزبي , والخطاب بشكل عام يتضمن منحيين :
الأول : تبجيلي للذات , على أرضية امتلاك الواقعية في الطرح والممارسة , وإثباتات صحة النهج التاريخية .
والثاني : تخويني واتهامي للآخر , سواء كان هذا الاتهام بشكل مباشر , أو يأتي مواربة في سياق بث الخطاب الحزبي , المشبع بمفردات العنف والكراهية تجاه الآخر , وحتى تجاه الحياة المدنية للإنسان الكوردي .
إذا بمجرد انتهاء الحدث " زمنيا " الذي جمع الأطر الكوردية إلى بعضها , أو بعد انتهاء فترة الاستثمار المتبادلة , يعود كل منهم إلى التغني بلبلاه , وتبدأ النشرات بالبواطن التي تصر على واقعيتها وعلى إثباتات صحة النهج , والدلالة هنا , أن كل طرف يمتلك الواقعية والصحة التي أثبتها التاريخ , وبالتالي , القول هنا , هو فعل أداني للآخر , محمل بهوس إفناء ما عداه , والهوس هنا يشكل قاعدة مادية لتبرير العجز والفشل في تحقيق أهدافه وعدم قدرته على التفرد في الساحة الكوردية , ناهيك عن تضخم الازموية الداخلية , التي تعيد إنتاج ذاتها بمعزل عن مستجدات المعرفة ومعطيات الواقع المتحرك , بمعنى عدم امتلاك القدرة على تحقيق الهدف الحزبي , يورث فقدان التوازن السياسي والفهم الثقافي النظيف , وهو ما يمكن تلمسه في مرتكزات الخطاب الحزبي ومنتجاته , التي تعود إلى العقل الحزبي ونواظمه المأساوية , الثقافية والسياسية , العقل الذي يعاني الكثير من الاضطرابات الداخلية والخارجية , ونلمس منعكسات هذه الاضطرابات على شكل مجموعة أسئلة تتطلب إجابات سياسية ومجتمعية , لا تجد البيئة الحزبية القدرة على الإجابة عنها , والعجز عن تقديم تلك الإجابات , يدفع باتجاه تعاطي المهدئات , والمهدئات في الحالة الحزبية الكوردية , هي القذف والشتم والمماحكة غير المبررة تجاه المختلف في الرأي أو الموقف .
أن الإصرار الحزبي على مقولات مفهومية , وإعطاءها صفة الجزم والتوكيد , يتطابق بالمطلق مع الرؤية المغمضة العينين والحواس , والتي لا ترى في المشهد الكوردي سوى ذاتها , رغم عزفها على مفردة الوطن والوطنية والإجماع والحركة والى ما هنالك من مفردات مؤسسة للموقف الفعلي , الذي قد يتلخص في جملة واحدة , تنفي كل ما عداها , وكمثال , القول بان التاريخ اثبت صحة نهجنا , أو أننا فقط أصحاب الواقعية والعقلانية , فالجملة الأخيرة هي المُعرفة للغاية أو القصد المراد الوصول إليه من كل المقدمة الطويلة , وهي التي تعطي تمييزا عن الآخر , وهي التي تصور الخير كله في ضفة واحدة , وتصور الإخفاق والشر في الضفة المقابلة , حتى انتكاساتها تربطها بضفة الشر المعيقة , التي لم تترك ضفة الخير تبني وتنشر الفضيلة .
ثقافة كهذه , لا اعتقد بأنها سياسية , وإنما لها جذر استبدادي , هو نتاج ما زرعته الأنظمة المستبدة , التي تعيد فشلها إلى مؤامرات الإمبريالية والصهيونية , حتى فشلها في التنمية هو نتاج للتدخل الخارجي , وحتى طلب الإصلاح يرفض بسبب وجود هذا التآمر ؟ والفرق بين مقولات بعض الأطر الحزبية الكوردية , وبين مقولات الأنظمة المستبدة , ينحصر في الشكل وليس في المضمون , بحكم انه هناك دائما ضفة شر مانعة للتقدم , تختلف تسميتها من فصيل لآخر , رغم أن الكل في الكل يدعي الديمقراطية , بل ويسعى "نظريا " إلى الوحدة والائتلاف , لكن في قرارة كل منها , هناك مفهوم محدد للديمقراطية وقبول الآخر , تتطابق بالكامل مع ديمقراطية هنري فورد , مؤسس شركة السيارات , حين قال "" أن جميع السيارات جيدة , بشرط أن تكون من نوع فورد , وان تكون سوداء اللون "" ؟
اعتقد بان أغلبية الأطر الحزبية , تتشابه في بحثها عن قيم ونواظم , تشكل جزء من قدرية استمرارها , بحكم أن القيم المزروعة ليست قيم المعرفة , وإنما قيم الطاعة من جهة , وقيم الرعب والخوف من جهة ثانية , ومعلوم أن مثل هكذا قيم , تنفي العضو وتلغي حريته في الرأي والتعبير , إضافة إلى هالة الرعب والخوف التي تسيج بها الحزب , عبر العزف على الواقعية وصحة النهج , المعزوفة التي تشكل أساس نظام الحماية الحزبية من جهة , وتضخيم الرعب من الخارجي عبر أدانته على خلفية المعزوفة إياها من جهة أخرى , وبالتالي يبقى العضو الحزبي مشدودا إلى الماضي الحزبي , لان فيه الأمن والأمان , والعيش في شرنقة مثل هكذا اطر , يحيل العضو إلى سكونية وأصولية , مناقضة لكل مستويات الفكر والعمل , أن كان ذلك على صعيد الحياة الشخصية أو الاجتماعية أو السياسية .
الادعاء بالواقعية ومحاولة احتكارها , والواقعية في المشهد الكوردي في سورية , غامضة ومبهمة , وتمتلك العديد من التعاريف التي تصل حد التناقض , بحكم العام السوري وما يسود فيه من قمع واستبداد شوه الواقع بما فيه , وبالتالي إذا كانت الواقعية المنشودة , هي ما زرعه وأوجده حزب البعث من تحريف وتهريف , وكثير من الأطر الملحقة , فيمكن هنا أن نعيد مثل هكذا واقعية وصحة نهج , إلى مؤسسها , وهو وعيها القلق , القلق على المصير , الخائف من استحقاقات قادمة تطال صاحبه , ومصدر القلق هنا ينشأ من التعارض الموجود بين الاعتقاد بالواقع , وبين الوجود القومي أو الوطني , مما ينتج غيبية المعاني وسطحيتها , أما إذا كانت الواقعية المنشودة , هي تصحيح الواقع المختل , عبر تصحيح منطلقاته واليات العمل فيه , بمعنى تغيير الذات , فهي مسالة فيها تصادم واحتكاك بين القوى الصانعة للخلل , وبين الواقع السائد بكل مفرداته .
أن الجزم بأمتلاك الواقعية , سواء كان للانسجام مع الموجود , أو لتغيير الموجود , غير منطقي وغير عقلاني , بحكم أن هناك مجتمع له تعبيرات متعددة , ولكل منها رؤيته التي وان كانت مختلفة , لكن يجب احترامها وليس نفيها , فما نلمسه من تراشق كلامي بين هذا وذاك من الأطر الحزبية , هو العود على بدء , الحروب الكوردية , هو نفي للآخر , هو إقصاء لأي فكر أو رأي لا ينسجم مع رأي الإطار السوبرمان .
اعتقد بان التركيز على مقولة الواقعية وصحة النهج , منافية لما هو موجود من تشرذم وبؤس حزبي وفشل سياسي , ومنافية ايضا للدور التغييري المراد لعبه في ساحة تتبعثر فيها الأطر والأشياء , والتركيز يحيل الفشل والإخفاق إلى دور الطرف الآخر ويحمله المسؤولية , بمعنى التكرار هنا يسعى إلى تبرئة الذات , والتبرئة قد يكون لها جوانب متعددة ومدلولات كثيرة ؟ , ولا أخفيكم "دعاة الواقعية وصحة النهج من كل الإطراف " بان اجتراركم لمفاهيم غامضة وتقديس حزبكم بها , لا يخلق فقط تشاؤم في الفكر السياسي , وإنما يقزم من إرادة التفاؤل لدى الشعب الكوردي .
... يتبع
القامشلي 28/12/2004
كاتب كوردي – ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟