مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 788 - 2004 / 3 / 29 - 08:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
منذ اندلاع مقاومة الشعب الكوردي في سوريا , للدفاع عن ذاته ووجوده المنتهك والمهمل والمنسي , حاول الإعلام الرسمي بداية تجاهل الأمر كعادته دائما , وعندما خرج الأمر عن السيطرة بدا الحديث عن مجموعات منسلة وأكراد مهجرون ضيوف وخارج يتربص بنا و... و ... إلى أخر ما هناك من مفردات كلاسيكية تتضمنها قواميس نظرية المؤامرة ومشجب الخلاص الفردي .
فالمستشار الحاج علي يتلعثم ولسانه يأبى أن ينطق كلمة كوردي دون أن يوصلها بالعروبة ووجدناه يقول ( الأكراد العرب السوريين ) وهو مصطلح يتوجب أن ينال عليه سعادة المستشار براءة اختراع ويدخل موسوعة غينيس لتخلف المنطق وسوداوية الفكر , والشعيبي يستعين بالفلسفة توليفا وهتكا لحكمتها , والعرسان المسكين يدور في متاهته الاسلا-عروبية , غير قادر على الفكاك من منظومة وعيه البائسة .
أن النفخ في قربة المؤامرة والتآمر وان كانت عملية خبرناها وحفظناها عن ظهر قلب في الإعلام الرسمي وعلى مدى عهود عديدة , رغم أننا جميعا عربا وأكرادا وسائر القوميات المتعايشة في سوريا , نعلم ونقر بان حجم الضغوط على سوريا كبيرة جدا , ولكن هذا لا ينفي وجود داخل سوري مهترىء تخلخلت بنيته وأقصيت شرائحه عن الفعل العام , وهمشت حتى عن مجرد ممارسة وجودها الإنساني , ناهيك عن التشويه والتعتيم والتعريب ونفي وإقصاء وتصميت الشعب الكوردي في سوريا , وحتى الإحداث الأخيرة كان الوعي الاقصائي للآخر المختلف هو ركيزة حكم وميدان ممارسة عنفية تجاه الكوردي المطالب بحقوقه الديمقراطية المتضمنة أصلا لحقوقه القومية والوطنية والإنسانية .
أن مقولة الخارج ونظرية المؤامرة باتت ذريعة هروب إلى الإمام , ووسيلة غير ناجعة للتعميم على الداخل ومستحقات إصلاحه , فما حدث في القامشلي وغيرها من المدن الكوردية السورية وحتى في بعض المدن السورية , نتاج احتقان وتراكم سلبي داخلي بالدرجة الأولى , وأسباب هذا الاحتقان كثيرة وعديدة واعتقد بان كل القوى الوطنية والديمقراطية تسعى ومنذ أكثر من ثلاث سنوات لفعل إصلاحي يساعد السلطة على الخروج من المأزق الذي وضعت فيه المجتمع السوري , فمنذ بيان الـ 99 وما تلاه من دعوات وحتى رجاءات بحتمية وراهنية الإصلاح , وكان الرد إغلاق للمنتديات واعتقال لنشطاء المجتمع المدني ودعاة حقوق الإنسان ولكتاب ومثقفين ونشطاء سياسيين , لا زال اغلبهم رهين المعتقلات حتى تاريخه .
في كل المنعطفات كانت تهمة الخارج والتآمر الخارجي جاهزة لمواجهة دعوات الإصلاح السياسي الداخلي , فقد اتهمت وسائل الإعلام وحتى بعض كبار مسئولي الدولة السورية نشطاء المجتمع المدني بالارتباط بالسفارات الأجنبية ولا حاجة لإيراد أي شاهد نظرا لكثرة الشواهد سواء المكتوبة أو المسموعة , وتتاليا إحالة الاظناء الأربعة عشر في حلب إلى المحاكمة الذين كانوا مدعوين لحضور محاضرة عن قانون الطوارىء , اعتمد على نظرية المؤامرة والتآمر , على أرضية إنهم خرجوا في تظاهرة لدعم المطلب الكوردي ؟ حتى انه أثناء اعتصام طلبة جامعة حلب احتجاجا على قرار إلغاء توظيف المهندسين , كان رجال الأمن السوريين ينهالون ضربا على الطلاب وهم يرددون _ قم ولك عميل اميركي – فهل فعلا هؤلاء الطلبة عملاء لأميركا وهم عرب بالمناسبة وليسوا أكراد ؟ أم أن مجرد المطالبة بأي حق إنساني أو ديمقراطي أو حتى وظيفي يواجه بسيف الخارج أو على الأصح بسيف التخوين والاصمات وقطع اللسان ؟ بمعنى أن عمليات الإزاحة والاستبدال في السبب , في كل الحالات تحال إلى خارج متربص – حق يراد به باطل – وليس إلى داخل محتقن تراكمت فيه سلبيات وعقد وأزمات لم يعد من المفيد إخفاءها أو التستر عليها .
أن الحديث عن شغب وتخريب خارجي , دوران في حلقة مفرغة , فالنتيجة التي اجزم بأننا جميعا نرفضها إذا كانت تطال مؤسسات النفع العام , ولكن التركيز عليها يخفي السبب الفعلي وهو سياسي بامتياز , بمعنى يكون خطأ أخر ترك السبب بدون علاج أو تحقيق أو تصحيح , وعلى ما يبدوا حتى تاريخه انه هناك إصرار على معالجة أمنية تزيد من الاحتقان وليس العكس ( والمعالجة موضوع مقالة أخرى ) .
من جهة أخرى هناك إصرار على نفي وجود مشكلة كوردية في سوريا( وهي أيضا موضوع مقالة أخرى ) , واعتماد منطق التصدير الخارجي , المستند وبجدارة إلى وعي مفعم بفكرة الأمة /العقيدة , التي تنفي غيرها من القوميات وهي أما أن تحيلها إلى فعل خارجي أو إلى أصول ترتبط بتلك الأمة / العقيدة , وهذا حال الإعلام الرسمي ومن هو في حاضنته من الكتاب والمثقفين , وهناك فئة أخرى كالربيعو وسواه من مثقفي البداوة ( موضوع مقالة أخرى ) يعتقدون بان ما حصل من أحداث وفر لهم بيئة دسائسية خصبة علها تشبع نهمهم الاغترابي وفقه ذاتهم المنقوصة ؟
أن تصدير الأزمة الداخلية والإصرار على عدم وجودها , لم يعد قادرا على أخفاء ما هو موجود أصلا , وهو سلوك مناف لما تتطلبه مصلحة سوريا وما تقتضيه وحدتها الوطنية , التي بات الإصلاح السياسي احد أهم عناوينها , بما يتضمنه بالاعتراف بالكورد والمشكلة الكوردية , لان الاعتراف هو الخطوة الأولى في الحل , بمعنى نحتاج كشعب سوري متعدد إلى مصالحة وطنية شاملة وتكاتف وتعاضد على أرضية رد المظالم وأنصاف المظلوم وجعل سوريا لكل السوريين .
اعتقد بان الاسطوانة المشروخة ( نظرية المؤامرة والتآمر ) هذه لم تعد تقنع أحدا , فالشعب السوري بكافة فئاته وأطيافه يدرك تداعيات الراهن , ويعلم ما يخطط للمنطقة وما يراد لها أن تكون , واجزم بان الكل حريص على وطنه وعلى تقوية داخله الوطني لأنه هو الضمانة الوحيدة لمواجهة الخطر القادم .
القامشلي
28/3/2004
كاتب كوردي – ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟