أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - صاحب الكرسي، والمشاكس















المزيد.....

صاحب الكرسي، والمشاكس


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 18:55
المحور: الادب والفن
    


قصة في معنى: "شر البلية ما يضحك"
صاحب الكرسي، والمشاكس
= = =
الرجل الذي يجلس على الكرسي أمام منزل يقطنه المئات من البشر من كل لون وجهة، كان يهز كرسيه إلى اليمين وإلى اليسار، برزت من تحت دشداشته قدمان متورمتان، وسبابة يده اليمنى مقطوعة، فكان إذا تحدث يحكم إشاراته التعبيرية بأصبعه الوسطى، كان يدندن بأغنية لا يعرف غير مطلعها، حتى إنه لا يعرف غيرها، كلماتها تقول، "أنا الشاعر، أنا الناقد، صفقوا لي أنا صاحب الكرسي الحاذق" عم الخبر وانتشر بين الناس حتى صاروا لا يعرفون غير هذه الكلمات عند الرجل، شذ عن هذه القاعدة رجل واحد، امتهن الملاطفات والمشاكسات، فأحب أن يقف على أسرار البلاغة عند صاحب الكرسي، عبر منازلة ذكية، ويسأل:
- ألست قصاصاً يا هذا؟
- أتسخر مني!
أجابه صاحب الكرسي سؤالاً بسؤال. لكن المشاكس استمر يزف الخواطر والآراء، يطلق من خلالها نياته المثيرة للاستنكار قائلاً:
- لا لست ساخراً، لكنْ بي فضول يدفعني لهذا السؤال، لأنني سمعت في الآونة الأخيرة أن القصاصين لا يرتدون الأحذية.
انتبه الرجل ذو القدمين المتورمتين إلى أن قدميه عاريتان، هز رأسه محاولاً التغلب على المشاكس فأجابه بتردد تتلبسه الاوهام:
- أنا، أنا، أنا.
تلعثمت الأنوية في حلقه، فصار يهز رأسه المدور السمين مستاءً، معدلاً من بدنه الكسير، الملتصق بالكرسي، وتابع بعد اللعثمة مبيناً:
- نعم، نعم أنا حكواتي، وحكاياتي تهتم بالبنيوية، أو البناء، أو التبني الحاذق.
التقط المشاكس نقطة تدل على تباهج الرجل بفلسفة فاءت أكلُها في اللا معنى، برزت كضوء شمعة بآخر أنفاسها، فأراد ممادحته:
- طيب ماذا عن الشعر، والمحاكمات النقدية عند جلالتكم؟
- أوو للشعر حكاية أخرى، فأنا في الشعر اجلى وامهر، وبه اولى واجدر، لأنني أجلس على كرسي المسئولية كما ترى، إذن أنا كوكب الشعر، أكتب خمسة أو ستة أسطر تفتق النثر لوجهين، واحد تأليف استقيه من الريع الإنشائي يلفظ خبيئَه التحويري، وآخر لي فيه لمسة من قريحة خفيفة اسميها "الموهبة"!، أنقح منازل الكلام ومراتبه، وأنشر البيان للآخر كي يقرأ ما أسطر، فما على الآخر إلا أن يمدحني بأبهى واعز الملاطفات، ويحيي الألقاب في نفسي، وإن لم يفعل حجبت تعليقاته ونصوصه، وإذا اقتضى الأمر اتلاعب بتلك النصوص حتى يقال: أنظر لهذا الشاعر كيف يخطأ في المفعول به، أو الفعل الرباعي أو الخماسي، أووو.
- ما أكثر الواو عندك سيدي الشويعر.
"والشويعر" قالها مطرزة بابتسامة خفيفة، وتمتمة وهوهوة يحفظها اللسان داخل الحلق.
- طبعاً ليس عندي بل عند هذا.
وأشار إلى الكرسي الهزاز ذا اليمين وذا اليسار، مردداً القول ذاته، امتعض المشاكس فقام متعجباً لوحده:
- إذن أنت تعترف التلاعب بالنصوص.
- نعم، مادمت أجلس على هذا الكرسي، فمن حقي التلاعب، أو محاكمة النص بما أراه مناسباً.
- طيب، ماذا تقصد بالمحاكمة النقدية؟ فتقول: نحاكم النص ونبرىء الكاتب، هل هي أدوات نقدية جديدة؟ أم سفسطة الكرسي؟ أليس الشعر مشاعر واحاسيس ولفظاً رشيقاً، خلوبا، حسنً انيقا، يقع من المرء في نصه، فكيف تبرىء الكاتب؟
- نعم للكرسي نوايا، وحجج، ورأي بهذا، أنا بالحقيقة أمسك الخيط التوفيقي من الوسط، وغايتي أرضي الطرف المعني بالشخصية أي الشاعر، فأحيل النص إلى المحاكمة، أي التصنيف الذي لاترضاه أنت لفظاً نقدياً، ولا لغةً مؤدبةً كما أراها أنا، أما الطرف الثاني من الخيط فيرضعه المشتهون حتى أرضى.
تمتم المشاكس قولاً شبه مسموع، "على أي حال هكذا كرسي يليق بهكذا كومة لحم".
- طيب ماذا عن تلك السيدة التي تمنحها لقب "الشاعرة"، تمدحها في الطالع والنازل بمقاماتك البهية، وتقدمها على إنها أشعر شاعرات العرب، مع علمي إنك تعرف حق المعرفة كل نصوصها مطعمة بفصاحة الآخرين، وما اكثرهم، فهناك الصحفي البعثي السمين، وهناك الشاعر الأنيق، والشاعر الاعلامي الشاب الطويل بعمر ولدها، و"الممثل" الكومبارس، ووو.
- نعم هذا صحيح سمعت عن روايتها المطبوعة مؤخراً، أن أحدهم صحح النسبة الأعلى منها، لكن ياعزيزي: نجدها حين تسافر إلى مصر مثلا، يستضيفها مستشار وزير الثقافة ليلاً، وفي الصباح يمنحها وسام شرف "أكبر شاعرة". ومسؤول موقع الظلام في الظلام برحت فحولته النائمة، وسالت وساماً رفيعَ التمتع.
- ماذا. .؟ لكنها متزوجة !!
- وما الضرر، "الغاية تبرر الوسيلة*".
- يا إلهي . . .
مع كلمة يا إلهي يضع المشاكس يديه على فمه، متأملاً بعينيه زوايا المكان التي راحت تنأى به، مردداً:
- سمعت قائلا يقول إنها تعشق أحد الشعراء.
ضحك صاحب الكرسي هازئاً، يهز يده اليمنى بشكل دائري ويدفعها خلف مؤخرته، يدور برأسه وكأنه يتبين كيف ينبغي أن يحكم في تفاصيل الأقوال، ثم يردد قولاً:
- بابا هذه الشاعرة تشتري النقودات بالرذيلة، هي لا تعرف الحب والهيام، ولا النية الحسنة، ومن ذاك تجدها على صلة عاطفية مع أصحاب المواقع الألكترونية، ورؤساء التحرير، وأصحاب الطراز في بلاغات النظم والكلام، فهي مع كل هؤلاء في آن واحد، ومثل هذا منه الكثير.
تعجب المشاكس، طلَّ بريقٌ محيرٌ من عينيه، فأخذ يدور حول نفسه شارداً بذاته، يردد قولا يخرج من فمه متوعكاً:
- كنت احترمها.
ضحك صاحب الكرسي ساخراً:
- ضع احترامك في جيبك يا هذا، وأرحل عني سأكون من الآن فصاعداً ناقدا بنيوياً، خاصة وأنني أغار من ذلك الناقد الملعون يسرق مني هالة الأضواء، حتى إنه يقول شعراً بنيوياً حقيراً.
قاطعه المشاكس:
- ولكن ما قصة البنيوية معك؟
- "هههههه"، البنيوية تعني كيف نبني غرفة، أو كوخاً.
- هل أنت تهذي؟
- لالالا لست هكذا، هذا هو البناء الحاذق.
- وماذا تعنى بالحاذق؟
صفق صاحب الكرسي وردد متفاخراً:
- الحاذق يعني الماهر، لكني أسخر من ذلك الذي يقولون عنه"هو أديب متعدد المواهب" وارمي ملابسة المعنى بمعنى مغاير، فأسميه هكذا جزافاً بالحاذق.
انبرى المشاكس يوالف التباعد والتقارب بالحكمة، وقال في نفسه: "يقصد المجاز" وتساءل:
- إذن أنت حاذق يا هذا.
توهج صاحب الكرسي مبتهجاً، ونشر صدره على الريح مصفقاً بلسانه يرددُ بصوتٍ عالٍ قولاً:
- نعم وبكل جلالة قدر، أنا صاحب الكرسي الحاذق.
راح القول ينتشر في فضاء أرجاء المعمورة، فصدق كل من سمع الخبر من حوله، من المعلقين المداحين له، حتى إنهم أطلقوا عليه مشايخ الألقاب الكبيرة، فبهرته واتسع عقاله وساب منخرطاً يلتم حول عنقه.
أما المشاكس فأخذ يتحسس رأسه، وردد متسائلاً في ذاته:
- هل أنا حاذق؟
صمت، ثم تابع، بعد تشاور في ذاته:
- نعم أنا حاذق، ولكن خارج حدود هذا الكرسي.



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر النسائي العربي بين التسفيط الكلامي وجمالية الاحتراف ال ...
- متى
- الشعر النسائي العربي بين التسفيط الكلامي وجمالية الاحتراف نت ...
- الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف ...
- الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة. الجزء الخام ...
- قصائد ليس لها عنوان
- أشتهي
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة4
- طيف الرضوان
- حوارية.. النرجسة والشاعر
- إبنة موسى
- الفن الكلامي ونوازع الانفعال والميول
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة الجزء الثالث
- ليلة الميلاد
- رائحة الشرطي
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة
- مناي
- الرواية الشابة بين مدركات الحس والتأويل
- سحر الحيرة والحب في تجليات العيون


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - صاحب الكرسي، والمشاكس