أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - الشعر النسائي العربي بين التسفيط الكلامي وجمالية الاحتراف الفصل الثالث















المزيد.....



الشعر النسائي العربي بين التسفيط الكلامي وجمالية الاحتراف الفصل الثالث


جعفر كمال
شاعر وقاص وناقد

(تôôèô‏ ؤôéôم)


الحوار المتمدن-العدد: 3555 - 2011 / 11 / 23 - 19:48
المحور: الادب والفن
    


نتناول الشاعرة:
آمال عواد رضوان*

قبل عصر النهضة الأوروبية كان الشعر العربي يعبر عن تجارب خاصة، عبر سياق واقعه البسيط والهادىء، ومن خضم ذلك الواقع غير المعقد جاء الشعر واضحاً، يميل إلى سهولة فهمه وادراكه من حيث مصباته الفكرية والمشاعرية، وقد أختص الشعر أنذاك بجماليته وبلاغته وميله لعفوية المبادىء، وما تورده الشواهد وترسمه الأخيلة، من حيث المحسنات البلاغية، والصور الحسية التي تعني بالذوق والرفعة، الخاضعة لسيطرة الشاعر على محسناته اللغوية التي تعقد اتفاقاً للموهبة بين:
أنا الشاعر الموهوب.
وبين: خضوب الإبداع.
حيث كانت النصوص تعوم ذكية في بحور العشق والغرام والثأر والتحدي والمديح والوصف للخيل والصحراء والكرم والرجولة. حتى تحقق التعبيرات الحسية غايتها القصوى، من حيث طبيعتها، ومؤثراتها، وحاجتها. لكن بعد ظهور التكنولجيا وصراع الدول على المكان، ومنابع المال والبؤر الاستراتيجية، ظهرت تحولات اجتماعية وصناعية هائلة، زحفت نحو مجمل العلوم والآداب، فكان رأس المال المالي يتحكم بمصير الأنسان الغربي، بينما الانتماء للأحزاب والطوائف والمذاهب انحصر في العالم الشرقي. وهذا التحول أيقظ الأديب العربي بأتجاه أن يشارك هذا التغيير إلى تغيير أفضل من واعز ميوله الأدبية، خاصة بعد الثلاثينيات من العصر المنصرم، فصاب ما صاب الشعر من تحول نوعي على يد شعراء سمقت قاماتهم نحو العلا، أمثال الشعراء: أبي القاسم الشابي، وجبران خليل جبران، والرصافي، والفيتوري. وإن كانت تلك الحداثة تعني التغيير الخجول إلا أنها فتحت الأبواب أمام هزة تغيرية واضحة وكبيرة أحدثها صاحب الشاعرية الخالدة بدر شاكر السياب في قصائد مثل "المطرً" و"هل كان حباً" و"حفار القبور" وغيرها، وبهذا التبدل من العمودي إلى قصيدة التفعيلة التي اعتمدت نظام السطر، ولدت نظم شعرية أخرى سميت بالقصيدة الحرة، وهي هجين من نظامين شعريين العمودي والتفعيلة لكن بنيتها الداخلية يرتكز فيها التحويل الذاتي على مضمون النص الزاحف نحو البنية النثرية، حتى جاء الجيل الستيني فتميز بقصيدة النثر، ومن أهم شعراء ذلك الجيل برز: البريكان، فوزي كريم، حسن عبدالله، عباس بيضون، محمد الماغوط، شوقي أبي شقرا، يوسف الخال، توفيق الصايغ، فاضل العزاوي، سامي مهدي، حسب الشيخ جعفر، سركون بولص. حيث باشر ذلك الجيل بتأسيس مرحلة جديدة من مراحل تطورات شعرية الحداثة "قصيدة النثر"، وقد دعوا ضمنا عبر البيان الشعري إلى كسر نظام قصيدة التفعيلة، التي انتشرت على يد الرواد خلال أربعينيات القرن المنصرم. فتشكلت قصيدة النثر وأنتشرت بقوة "النار في الهشيم"، حتى أسست هذه القصيدة ثلاثة أصناف من الشعراء ومنهم:

1- الشاعر الموهوب: وهو الشاعر الذي يكتب حسب قدرته كل الأصناف الشعرية سواء كان في الفصيح، أو في الشعر المحكي، أو كلاهما، مثل كاتب هذه السطور .
2- والمؤلف.
3- والمقلد.
ومن هذا المنطلق تَكَوَن كمٌ هائلٌ ممن اسموا أنفسهم بالشعراء، وخاصة في الجانب النسوي بعد تحرر المرأة الاقتصادي والاجتماعي، حيث كانت المرأة تخضع لهيمنة الرجل عليها في دولتها الأم "المنطقة العربية" استثني هنا في هذه النقطة بالذات العائلات "الشيوعية والمسيحية"، لكن بعد الهجرة المدوية في الستينات وتكللت في السبعينات من لبنان إلى الغرب، وفي الثمانينات من العراق إلى أوربا، وهناك أصبحت المرأة مسؤولة عن حريتها الخاصة في دول اللجوء التي اختارتها، حتى أصبحت حرة طليقة العمل واللسان سواء أكان الأمر في وضعها الاجتماعي والاقتصادي أم في اختيارها العاطفي .
ولكن مع كل ذلك الضغط العائلي العربي على حرية المرأة، برزت مبدعات فاض احساسهن بانفعالات شعورية تضيء بواعث القيم الفنية انتشاراً، عبر ولادات وشائج ذلك الاختلاف الذي يمزج بين الشاعرة الموهوبة والشاعرة المؤلفة، من لدن ثقافات الموروث التضادي، فكان تناظر التصنيف الأدبي عند الشاعرة العربية ينصب مداه في اتجاهين:
الاتجاه الأول: الجانب العائلي المادي الذي يسمح للأديبة بالتعليم والنشر واللقاءات والسفر خارج البلاد.
أما الاتجاه الثاني: فهو الجانب العائلي المثالي المتشدد، وهنا تكون الأديبة واكبت المسيرة الأدبية بجهودها السرية الخاصة، مستجيبة لمسيرة إبداعها المعلن في ذاتها، بطريقة غير مباشرة، أو تكتب وتنشر بأسم غير اسمها، كما هو الحال في مجتمعات الخليج العربي، باستثناء دولة الكويت قبل وصول الفصائل الدينية المتطرفة للقرار الكويتي. وكما أشرت إلى ميزة الظرف المجتمعي التحولي من البسيط إلى المعقد، الذي أثر تأثيراً عميقاً على نوعية الشعر وجودته. حيث أن التطور المجتمعي الحديث أوجد ظروفاً معلنة لحرية التصرف، وخاصة بأثر حافز من ثقافة الغرب عليها. يأخذا الاستاذ شيلر في شرح طبيعة النمط العام في التحول المجتمعي: " إن الحقيقة في ضوء هذا المنطق واحدة، والآراء إذن يجب أن تكون في فيها متفقة، فأنت إما أن تكون مع تلك الحقيقة أو ضدها"*.
في هذا الفصل الثالث من كتابنا نتناول الشاعرة المغربية مليكة عسال، لما لها من وعي تنويري ثقافي في مسيرتها الأدبية. فقد أصدرت الشاعرة عدة مجاميع شعرية كلها تصب في جدول المغايرة والتحول، وقد تكللت مسيرتها الشعرية بالقبول والرضا من القراء والنقاد والمثقفين، لما فيها من أهمية وتأثير على المسار الأدبي العام، فنحن أمام شاعرة تسيطر على محركات الصور الشعرية المنتجة للذائقة العاطفية والإنسانية، مقرونة بالأفكار المثالية الاستدلالية، فإن من المناسب أن نتوقف قليلاً ونرى هل وصلت الشاعرة من حيث الإبداع إلى ما صلت إليه الشاعرات العربيات اللاتي عاصرن تجربتها الشعرية، أمثال: "عاتكة الخزرجي، نازك الملائكة، لميعة عباس عمارة، فدوى طوقان، فادية فهد، هدى أبلان." هذا ما سوف ننظر به في سياق بحثنا. يقول جان كوكتو: "إذا ما صادفت جملة أثارت حفيظتك، فأنني وضعتها ههنا لا لتكون حجراً تتعثر به، بل علامة خطر كيما تلاحظ مسيري." والغاية أن لا تراني بعين من أنا بل ماهو مطبوع بعين قيمة إبداعي وأثره على الحركة الأدبية العالمية، أي ما توافق أو تقدم على جملة من الإبداعات التي تلتقي مع شروط التحول الإبداعي في الساحة العالمية، وفيه ما يلح على المتلقي أن يبحر عميقاً في المعنى، موقظاً كل قدراته الثقافية والمعرفية والعاطفية لحل رموز الغاية من جدلية تسلط الضوء على المضامين. قال عبد الرحمن الكواكبي وهو أول من نادى بفكرة العلمانية حسب مفهومها الأوروبي: "أن مسيرة الأدب العربي واكبت الحركة التطورية بتنوع فكري جديد" وهذا واضح في البيان الشعري الذي صدر في الستينات من مجموعة شعراء. وكان البيان يعلن توظيفاً بنيوياً لأسلوب قصيدة النثر، وهو يعني الأسلوبية المجددة للقصيدة العربية. وحسبي أن مليكة العاصمي ومن خلال قرآتي لها أنها شاعرة لها أسلوب فني يروم إلى حث السير نحو:

أولاً: ما يبسطه الخيال من خصوبة يسقيها العقل بوحيهه.
ثانياً: التلقي الانفعالي الذاتي المنتج لمراحل النمو الجمالي عبر القراءات والكتابة المستمرة.
ثالثاً: الهزة اللاشعورية التي توقد من المفاجأة وحياً معيناً يعكس تصادما بين الشعور الداخلي ومستوى الوعي التفاعلي المشاعري الملهم بإبداعه.
يتحدث عالم النفس البريطاني توم شيبي " T. Shippey" حول أثر الخيال الأدبي فيقول: " كان الطراز الأدبي السائد خلال القرن العشرين هو الطراز الخيالي، واستمر ازدهاره خلال القرن الحادي والعشرين.*" وهنا يقصد شيبي في موضوعة "الطراز الخيالي" الرومانسية، ولكن فيما بعد يأخذ الخيال بالتطور النوعي من خلال الاستمرارية الفاحصة للأشياء، فتكون الفنتازيا أولى التحولات التي تنصب من لدن السياق الرومانسي، خاصة عند جون كيتس في غالب اعماله ففي قصيدته: Hyperion - هايبيريون" مع إنه تحدث عن الميثولوجيا اليونانية بين "أبولو" وهايبيريون، وكلاهما: إله الشمس، إلا إن تلك القصيدة تمتاز بطلاوة الفنتازيا الملقحة تدفقاتها بالعمق الاسطوري المكاني.
لي أن أقول: الذي أخذ بعين الشعر إلى التعقيد في المفهوم التقني التأليفي عند البعض هو ضعف الخيال الفنتازي المنصب سريانه من ولادة صبا المتخيل النوعي، لأن الخيال لا يكون جَمْعّياً إذا لم يتصرف في صناعة المحاسنة اللفظية، التي تمس جوهر التلقي وتؤثر في ادراكه. عبر مؤثرات حسية تُحَلق في المدار المحيط، تفحص المكونات الحياتية التي تتحرك حوله، وإذا لم يتحقق ذلك يكون المنظور الكتابي خالياً من معاشرة التحول الجمالي، بين اللغة والمدركات الحسية النوعية، هذا لأن الخلل يكون ناتجاً عن ضيق التأملات الإبداعية، ووحيها المرهف في تفاعلاته الغريزية المنصبة بواعثها المنبهة للمشاعر، وبهذا لا تدر جمالية اللغة المعنية بالمشترك المدهش المفترض أن يتفاعل ضمنا في خلق حوار يؤسس لنص شعري، وهذا ما أختص به جماعة التسفيط الكلامي، أي الحاصل الضعيف في طرائق اساليبهم التي شغلتها بنية الألفاظ الضعيفة فاضاعت معانيها فيها، ونحن نعرف أن اللفظة البليغة تفيض بمعنى خصب له دلالاته الجمالية، لكن إذا جاء اللفظ صعباً صعب على المعنى استيعابه، فكل الألفاظ التي تعددت وحداتها الخلاقة بالتذوق والدربة، تؤدي عفويتها إلى وعي ناضج في الجملة الخالقة التي لا جمود ولا خلل فيها.
ومن أجل هذا نبحث عن ألفاظ تثمر حياة يتحرك فيها المعنى كالصبا الشفيف، حيث يرتقي بحالاته النغمية أقصاها نحو: إثارة المشاعر، وتخصيب الحس العاطفي، كما هو الحال عند الشاعر د. قصي الشيخ عسكر في قصيدته الملهمة في بلاغتها، الصافية رؤاها، حسنة الاستعارة : "ستون" المنشورة في صحيفة المثقف الأولى:
ستونَ مرت والمصائبُ جمة - لا تنتهي وتقول عشت سعيدا
أليست هي شكوى ورضا، فتلاقي معنى اللفظتين بين "المصائب" - و "سعيدا" ادى إلى محاسنة المضمون بصواب بعدها من حيث رؤية الشاعر التخيلية التي قاربت من نظرته التي طافت متفحصة في زمكان الانتقالات من حال إلى حال، المولدة لنقيض النقيض على حد تعبير بندتو كروتشيه. حيث أن هذا الطيف لم يرو الصبا، هو يتطلع إلى طيف أكثر خصوبة، لكي يكون فاعلاً موضوعياً يحرك ذبذبات الحس قبل فوات الأوان، لأن العمر تجاوز الستين، سواء كان هذا الحس عاطفياً أو اجتماعياً من لدن الطيف والاستجابة له، أو من الآخر والتفاعل معه. لكن إذا كان هذا النظم موفقاً، إذن أين المختلط والخالص فيه؟ نقول ذكاء البراعة يساوي ناتج صاحب الخبرة، ومنشط المفاخرة يعادل القيمة الإنسانية، وذلك بتوجيه تلك المصبات إلى موضعها الحقيقي، وهنا يتم توصيل البديع الشعري للآخر، فنحن نرى في هذا البيت السحري موائمة بنجاح بالغ التعبير، من حيث سبر أغوار الدلالة، لكي تعبر عن جوانيتها بحرص لغوي شديد الفاعلية. فليس من شرط الصور التعبيرية أن تتخلى عن الأصوات، بل العكس تأخذ بحساب الصوت ما يليق بانفعالاته من تنزيل للحركة الحسية حججها وثورتها إلى مرتبة أعلى.
تعد الشاعرة آمال عواد رضوان واحدة من الشواعر اللآتي حققن منجزاً شعرياً مهماً، على مستوى تطوير شطر الإيقاع التكويني الخفيف، مما جعلها ذات طبيعة نفسية متغيرة المناخ، وهي تروم الاختلاف في معنى الهوية في مرجعيتها الشعرية، وكأنها تبحث في الموجود الراهن عن موجود آخر، وهو ما نسميه بالبديل الرؤيوي للمحسن الحسي، ونظريتي في هذا المعنى تكمن في التكوين الاختلافي في المسارات اللغوية النوعية عند هذه الشاعرة المحدثة، وهذا يحسب لها كسيابية مختلفة على مستوى ملاقحات اللفظ الإيقاعي الفصيح، ولهذا وجدتني أدخل من بوابة إبداعها لما تعتمده من تفكيك للمعاني من جوانية بليغة الأشكال في تحولات نصوصها القيمية، وفي الوقت ذاته نقرأ نصوصها محكمة بالرمزية الصارمة لما تتضمنه من أفكار مشتتة، وذلك ناتج عن اطلاق مناخ وبصرية الدلالة المقيدة، حيث جعلت من جملتها الشعرية جاريةً على الاقيسة، تتجه نحو الغرابة، ولكن وفي مواضع معينة أجدها ترتقي بسلمها إلى ما تقتضيه فضاءاتها من معنى يحرك قابلية النص إلى سهولة التلقي، حيث لا طرق مغلقة ولا زوايا مظلمة تعيق رغبة القارىء، وهذا طبعاً إذا اعتبرنا هذا النص أو ذاك يبقى ماثلاً في ذاكرة المتلقي، لما يحمل النص من جودة المعاني وتكثيف براعتها الفنية، وهذا باعث نوعي على دلالة نجاحها على نحو مقبول، لأن النص الشعري الناجح يستقيم في المعنى كونه مبصراً من حيث تفاعلاته المادية، وقيمة طروحه، وبديع صوَرهِ المبصرة في بلاغة المحاسنة اللغوية ولمحها واختلافها، يدلنا الآمدي وهو يعالج نصاً شعريا في كتابه: "الموازنة" إلى أن: " وإنما ينبغي أن ينتهي في اللغة إلى حيث انتهوا ولا يتعدى إلى غيره، فإن اللغة لا يقاس عليها." وقصد الآمدي في هذا المعنى الحريص على اللغة وثوابتها هو أن يكون الشاعر ملتزماً بفصاحة اللفظة وبلاغة مقارباتها وتناسبها وبواعثها الرصينة، من ينبوعٍ صاف، حتى تستقيم في مسارها الأحسن والأليق، فتكون اللفظة حينئذ لائقة بالشيء الذي استعيرت له.
الشاعرة الرضوانية وجدتُ فيها عضواً خلاقاً كي أضمها إلى كتابي هذا، بعد قراءات عديدة فاحصة في ديوان شاعريتها، وذلك بعد معاينة تحليلية في تشريح النصوص وجدت: خروجها إلى المديح بمخاطبة الآخر بعلو القدر، والقيم، والبهاء، والهيبة، وهذا كَوَنَ وجهاً آخراً من خروجها إلى المدح، وهو التشبيه بالمثالي الأنوي، فالتركيز على أنا المختلفة، والعزوف عن البقاء تحت ظل هذا أو ذاك من القائمين على الصروح الأدبية، أدت بالتالي إلى استقلالية في تحولاتها إلى نضوج أكمل على مراحل تطورية لاحقة، فحلقت في فضاء يحيط بها هي، وفي هذا البعد نقرأها مستقلة، مغلقة على بعضها، استطيع أن اسمي توجهها بمفهوم المانع، الذي أشار إليه أرسطو في شروحاته عن تحديد معالم الشعر، والبحث عن صحة الأدوات النافعة المؤدية إلى كمال توليد الأثر المستقل.
حيث نجد الشاعرة قد اشتغلت على طراز هذا المفهوم بجدارة، فنوعت نصوصها إلى ملامح تسمح بتحريك المصبات الحداثوية من وفي داخلها، وليس على الأطراف منها، كما هو الحال عند بعض الشواعر العربيات، فجعلت نصها يتحلى بالمسؤولية الراشدة، وكون نص الشاعرة اخضعته وألبسته الثوب الممنوع من اللمس، بدلالة التحكم والقسر غير القابل للأنحراف والتشويه، أو تسليط ضوء الآخر عليه، بعد أن أجادت ببلوغه إلى المستوى الحسن، خاصة بقاءها المحكم بدائرتها الخاصة.
ضمنت أعمالها الشعرية دواوين: "بسمة لوزية تتوهج" الطبعة 2005" قدم له الشاعر الفلسطيني المعروف محمد حلمي الريشة. كتاب مشترك بين الشاعر محمد حلمي الريشة والشاعرة آمال عواد رضوان: "الإشراقة المجنحة" تقديم د. شربل داغر. والديوان الذي نحن بصدد تناوله بالتحليل والمشارحة: "رحلة إلى عنوان مفقود" صدر 2010. تنوعت هذه الأعمال بين قلق التأثر، ومبتكر الوحدة العضوي في أعمال قد تنوعت بين السرد المقنن، ومقدار انتاج الوعي الفني، خاصة بعد انفلاتها من فوهة القمقم الاجتماعي التقليدي، لما هو معمول الوضوح به في حقل قصائد هذه المجموعة الشعرية: فما نتناوله نود به أن يروم رضى فضول القارىء الكريم لشاعرة بقيت في الظل المُحَوّلْ، فنقوم بقراءة مقتطفات من كل قصيدة ونربطها من لدن خيوط فستانها الشعري الذي خِيطَ ملمتراً ملمترا على تفاصيل ومقاطعات التأمل الإلهامي المعمول بخيوط جزالة نظمها، فقد علا شعرها وتوسط، لكن لا فاسد فيه، ففي كل قصيدة أجدها تجدني فيها قارئا مولعاً ومعذباً مما تبوحه شهوة قلمها، وللدخول إلى فيض اسلوبها النثري ذات الشاعرية المنقوعة ببراعة التخيل، من جوانية إحساس عالي الوتر وجدته في قصيدتها: "كم موجع أن لا تكوني أنا" حيث نتلمسها وهي تبسط تعبيرات هتاف المشاعر من الخزين العاطفي المكرس بأسلوبية الأنوية غير المباشرة، وبعد فحصنا المضني في محتوى هذه الموهبة المعبرة عن سمو عاشقة الذات، كما لو أن الشعر أصبح المرآة العاكسة تأثرها بشبيهتها، تجسد صور هي كل تفاعلات لغتها المخيالية المجردة، لكنها وفي الوقت ذاته تحرص على أن لا يكون هناك تناقض بين المتعة في الكتابة عن المشابهة للذات، وبين ما يحيط بالشاعرة من أجواء تختلف عن أسلوبية حياتها في البنى المجتمعية الثابتة، سواء كانت تلك البنى ثقافية أو سياسية.
تمتعت الرضوانية بأسلوب نمطي شخصي، يحاكي ولع شفافية مثيرة للحنوة، لا تستخدم الأنوية التقليدية، إنما تنحو إلى الطرف الثاني منها، تجدها تخاطب شخصها بعناوين هي : أنتِ - جنتكِ - اعتكافكِ - أصدائكِ - ساحرة -بكِ". وثيم أخرى منشطة للاحساس المعبر غير المباشر عن هتاف الأنوية، فتمسك برأس الخيط الفاصل بين المباشرة في خطاب الذات، والإشارة إليها، فتارة تعبر عن حوارمن منظورها الكياني الحسي، لاطلاق ملامسات حريصة وذكية تثار كحوار مع هتاف الأنا المرمزة. وتارة أخرى نجد ندائها العاطفي ظاهر كالمعاينة الصحية في مختلفات الأجناس بتوليفات مغايرة. كاستخدام الشخصية المتفردة بتقاطعاتها المختلفة، والتداخل في مزايا الصيّغ المتقاربة منها والمتباعدة، فتجدها تعاين مشارق إيمائية، تبسط من خلالها شخصيتها على الدائرة المحيطة بها، وتارة أخرى تمدح فيض بلاغتها التي تسكن عالمها المتفرد بتراتيبية بالغة الدقة والتحصين، وهذا نسمية فلسفة تحاشي الاقتراب، وهكذا فهي دائمة التلميح في صيغة خطاب "هي" المختلفة في أحايينها الكثيرة، والمقدسة في شيعٍ أخرى. دعونا نتلمس ما يطلقه نثر الموازنة بين الذات "هي" وبين ما تنسج دائرتها من رموز تكوينية المقاصد والدلالة في قصيدتها:

كم موجع أن لا تكوني أنا
=
"أُنوثةً طاغيةً
راقصتك على هفيف قبلة
وفي رحاب جنتك المترفة باعتكافك الأثيري
غزلت ملامح أصدائك بحرائر الغواية
أيا ساحرة أشجاني
كيف تلاشيت
قبل أن تندهني ملائكة الروح"

نقرأ الشاعرة من دواخل إحساساتها، نتذوق خميرتها المنقوعة بحرارة تجليات خيالها الوارف، في ابتداءات عمدت شاعريتها إلى إيمان مختلف عن الهوى العام، تصوغ خطوطاً لملامح غير بينة بصرياً، لكن إذا ما أمعنا التحديق فيها بخبث شديد نتبين ذلك الهتاف الخفي واضحاً، تقدمه الصيّغ العاطفية الحريصة على غاياتها من السقوط في المباشرة، وكأن قدرة الشاعرة الثقافية والإنسانية تحسب مقدار سلبية أثر المباشرة عليها وعلى المتلقي، ففي قصيدتها الأكثر اقتراباً إلى براعة الهتاف الأنوي غير المباشر، وزجه في هتاف تعلو به المباني في ألفاظها، لكي تطلب المراد من الآخر غير المعلوم، كون العقلانية تعمل عند الشاعرة على هدف التبصر والتمعن والإحساس، الذي يدل على تصرف الوعي المنتج للمفاخرة المنقحة ذاتياً، حتى يتخمر دليل المعنى نشطاً على ضفتي الخيال والواقع بنفس الوقت. ففي هذه القصيدة نقرأ حيث تنتقل الشاعرة من هي إلى الأنا المباشرة، الموضحة للقارىء والسامع وهي تكشف عن المطابقة أن هواها هو من يؤذن إلى مشارق تتفاعل بها الدلالة إلى محصنات لا تبسط المعنى اكمله، لكنها تُفَعِلْ أتصال الأعضاء الفنية واللغوية ببعضها البعض، مقارنة منقولة من فعل مضمار صبوة الشاعرة وحنينها، بمعنى "الأنوثة الطاغية" إلى المنادى له، والطاغية هنا لا تعني ممتنعة ظالمة، إنما حصيل عاطفي، عذب المتعة، مثار تدفقه ومتشبب. أو نسيب خلق عفيف الأباحة، خذ وتلقف هواي الذي تؤذن بالعواطف والمشاعر من فيه، أي أن لا تغمض عينيك عن طلب المراد. وهي مناشدة بليغة الطلب دون الرجاء، وأما تكرار هي" عبرت عن جناس يؤدي إلى حوار لمعات أختلفت سياقاتها، وتعددت مراميها، كونها المحور الذي يدور حولة المَبْغَى "الأنوثة" من مصبات تلك المشاعر، فالروح المثالية في الحنين والصبوة تدعو للقبلة المتشوقة التي راقصت انوثتها.
إذن من يخصب من؟ الأنوثة تخصب القبلة، أم العكس؟ في حين إذا أمعنا النظرَ في القراءة بخبث شديد نجد السر في ثيمة: "راقصتك" المحرك الدلالي في نواة قيام المعنى على مدار دورته الأميبية الباحثة عن تلاقحاتها، لماذا؟ لأنها عملت على تفعيل الرغبة التي أوحى لها المشتهى لذلك الهوى، وهذا نسميه فلسفة الائتلاف العاطفي الأناني، الذي يروم تفاعل معنى الأنوثة التي راقصت القبلة فتعال، كون مؤديات السطر الأول والثاني عبرت عن ترابط فاعلية الهيام الرومانسي، باعتبار الأنوثة هي رجيع الامتثال لطاعة الذكر لشهوة ممولة لغاياتها، وهنا يتم استحضار الإثارة التي كانت قبل الاحساس بالشيء غائبة نسبياً، ثم بعد ذلك أخذت تتصل أتصالاً حسياً، بمفهوم واضح التجلي، سواء جاء هذا الأتصال من تعال لأنوثتي، أو من العذاب الكامن في الروح المستغيثة بنداء راقصتك، أو حتى من تصويب سريان تعال يوم تؤذن ساعة الفجر قدسيتها على مفارق الأنوثة، إذن كل هذه الاحاسيس مقرونة فعلها في ثوران القبلة لعله يستجيب، حيث أصبحت هي النبضة الفاعلة التي ينبثق منها التوليد العاطفي ليدور الفعل فيها.
و في رحابِ جنتكِ المترفةِ باعتكافكِ الأثيري" واو المعيَّة. دخلت على رحاب أي المكان الرحب الواسع، فجانست الأشارة الدالة على معنى "مع" لهذا فالواو حطت في موضع غير موضعها فسميت بالفضلة، لأن ما بعد "رحاب" تأتي "غزلتُ" المتجانسة فنياً ولغوياً، المقتربة جداً من الإحاطة بالمعنى، فيكون البناء الأصح في هذه الصورة ممولاً بكثافته الفنية على الشكل التالي: "في رحاب جنتكِ المترفة - غزلت ملامح اصدائك" وما تبقى فهو زائد في موضع البنية في الجملتين، لأننا نريد من اللفظة أن تلاقح اللفظة التي تليها إيقاعاً، ومعنى بدون كسر أوخلل في انسياب المحاكاة الروحية للنص، ولأن الصورة الشعرية حسية، وجب على المعنى أن يكون معنوياً، وما رأته الشاعرة أن يكون على النحو التالي:
وفي رحابِ جنتكِ المترفة باعتكافك الأثيري
غزلتُ ملامح اصدائكِ بحرائر الغواية
بمعنى أن الواو : التي أرادت لها الشاعرة أن تكون واو ملتقى النسق بين: وفي رحاب... الخ - وبين: غزلتُ ملامحَ اصدائك... الخ. نجدها مفسدة لأنها فَضْلَة قد "سفطت" وعقدت مسار البنية الإيقاعية مع الجملة التي تلتها. والسبب أن الشاعرة أتخذت سير أنا الظليلة كما أشرت إليه سابقاً، بينما نجدها تخاطب الأنا المباشرة في الجملة التي تبدأ ب "غزلتُ، وهنا لم تستقم الكاريزما الفنية، فلو قالت: غزلتِ لأستقام التعبير بجمالية أدق، باعتبار أن يستمر النسق على ذات التوليف خوفا من الاحتراز، فتقوم الجملتين متخذة من النَفَسْ الإيقاعي رشاقة النَّبْض بدون الواو، بتكثيف أغنى وأرقى على هذه الشاكلة:
في رحابِ جنتكِ
غزلتِ ملامح اصدائكِ
وما تبقى من الجملتين لم أجده ضرورياً، هذا إذا أعتمدنا التكثيف لغة وفناً، لأن العكس يصب في صفحة المباشرة، وعلنية الشرح، صحيح أن قصيدة النثر لا يؤخذ عليها الإسهاب أو مد الجملة، لكن الأفضل في الشعر عامة حتى النثر منه أن تكون الجملة مكثفة اللغة والمعنى، إذن ما تبقى من الجملة الثالثة نجده يفقدها السلطنة التخيلية. وهي: "جنتك - المترفة - الأثيري" كلام رومانسي بعيد عن البنية التوليفية وتلاقحها الضمني للألفاظ المولدة لبلاغة المعنى الذي ابتدأته أو أرادته الشاعرة أن يتجلى بخصوصية حكمة سر المعنى المحصن بقوة الإيماء إليه، وهو الحفاظ على الأشارة أن تبقي على جلالة المعنى مرفقاً بعفويته. إذن كما قلت اختيار الشاعرة للألفاظ المولدة يكمن في قوة تمكنها من اللغة، فهي تفضل كما أرى تطريز ألفاظها النحوية على طريقتها كي تغرف ما سهل توليده في صحة السبك، وما حلت إثارته وصف رونقه. ومن منطلق هذا الوعي نقرأ في ثيمة "رحاب" ما تكشفه لنا عن معان عديدة، و "رحاب" القائمة في هذه الجملة الشعرية: "في رحابِ جنتكِ" تعني السهل أو الروض الممتد بجمال معين، ورحاب تعني التمرحب بالقادم اي القادم سواء كان شخصاً معيناً أو الحب أو الجنس أو العبث. لكن عندما خصصت الجنة لهذا الرحاب أصبح معلوما لنا التمني في المكان الذي هو الفردوس، ولذك بينتُ فيما سبق ضعف ما تبقى بعد رحاب، لأن الجنة غواية سمجة لدخولها المتفق عليه من كل الأديان، التي سيست الإنسان بالتطرف السلبي. فلو بقينا بدون أديان لعشنا بسلام رحب. إذن فثيمة "رحاب" هنا أدت بمصبها إلى جدول آخر هو "أصدائكِ" وللتأكيد رغم هذا البناء ذات الرجع في المعاني، إلا أنها عزلت الملامح في أصداء، وليس في كل التمني، أو ما تنشده للتمام في عيشها الفردوسي، الذي تبدأه مسيرة القبلة ثم ينتهي الخطاب العاطفي بالاستطراد القريب من الاعتراض. المتمثل في القسم الثاني من هذه الجملة: "بحرائرِ الغوايةِ" فهي ابتدأت الجملة الشعرية بالمطلق "غزلتُ" التي أدت بالنهاية إلى النسبي في "الغواية"، وهنا تولد الخلل الفلسفي في بناء الجملة الشعرية، بين المطلق والنسبي في تركيب شعري تناقضي، فواحدة خارج نطاق التضاد، وأخرى متفقة معه، وهذا يفسد بنية الملاقحة بشكلها العام، لأن الشعر ليس تراكيب من مفردات جميلة أو معقدة، إنما الشعر لغة تجعل كل العلوم تدور حول نواته، كالفلسفة، والتأريخ، والحكمة، والبنيوية واحكامها، وأن لا يبقى محصوراً فقط في اللغة ومشتقاتها.
أما المقارنة بين أنا المباشرة ورديفتها أنا غير المباشرة وقولها: "أيا ساحرة أشجاني" تخاطب شخصها ببعدها عن التناهي، وتحيط بها أو تصفها ب "هي" من الذات "أنا". وهنا اعتمدت الشاعرة خطاب التفويف "علم البديع" أي ما تنشده النفس من نداء اختص بكمال العزّة، لأنها أضافتها إلى نفسها، فأقامت لنفسها وزنا اكتسى المضاف الشرفي، باعتباره إيقاظ معنوي، وهذا الاستخدام تكثر منه الشاعرة الرضوانية في شعرها، وهو نوع من أنواع الطراز المتضمن أسرار البلاغة. إذن "أيا" الخطابية. الملقحة من مصبات الجملة الشعرية التي تليها فنقول: "أيا ساحرة أشجاني" - "كيف تلاشيت قبل أن تندهني ملائكة الروح" في الجملة الثانية كلام عادي لا يتفق مع شاعرية الرضوانية، لا بأس فهذا خطأ شائع عند أغلب الشعراء، حيث يتمكن الخطاب الرومانسي من الشعرية، لكنها: أي الشاعرة، وعبر تهذيب معين تدخل الرومانسية من بوابة الفنتازيا المولدة، ومع هذا فالرومانسية حاضرة عند كبريات الشاعرات وأكثرن جودة وقدرة على قرظ الشعر في صحة السبك ونظمه.

كم دارت بيَ السماءُ
أيا ليلَ حلمي المنسي
وفي عربةٍ من نار
علت بكِ طاقاتُ عمري نجومَ دوار
كيف
تحطين
بي على شفة أكذوبة؟
آه كم موجعٌ أن لا تكوني أنا

سبب تناولي لهذه الشاعرة بهذه السرعة أي بعد لميعة عباس عمارة، ونازك الملائكة، هو حصولي على بينات مصادر الاحاطة بشعرها، فقد وجدتها مخلصة لفنها المطعم بثقافتها الهادئة الرزينة، تعتني به كما لو أن عناية الأم بأبنها، فشعرها له اتصال بالحياة من كون طبائعه الثابتة، يعبر عن رسالتها المشرقة بالقبس الالهامي الإبداعي، فهي تؤمن به وتعتز بمقدار مقبوليته لدى الآخر، ولا تفرض نفسها كما هو الحال عند البعض اللآتي أعطن لأنفسهن صفة الشاعرة حتى إنها لا تعرف ماذا تعني كلمة الشعر، فسقطن في صياغة التسفيط القبيح والممل. لكننا أمام شاعرة وقفت موقفاً أدبياً يدل على نجاعة شخصيتها الأدبية الواضحة، تعتني بعزة النفس وشيمتها. نتلمس هذا الاتزان ومشاربه من خلال نجاعة نصوصها المؤثرة في نفس القارىء، فقولها الذي اعتلى ناصية الجودة في هذا البيت الممهور بالفصاحة: " كم دارت بيَ السماءُ" أنظر إلى حلاوة هذا الخيال كم أثرى رقة، وكم أغنى ببعده التخيلي المعرفي قدرة الملاقحة على التواصل، فالسماء تدور مختصة بالشاعرة في ليل حلمها المنسي، إذن تجتهد السماء وهي تعتلي عربة النار تبحث عن حلم يزور الشاعرة في مهدها أو زمنها "السرمدي"، كما سماه زياد بن ابيه* عبر مهاراته اللغوية. والسؤال : "كيف؟" نبيه للملمات، الذي يمثل في جوانيته قدرة تدميرية إذا ما صاحب القوة المنظمة للحياة العاطفية، التي تعالج القصد بنية صافية، لذلك جاءت "كيف" تعاتب النفس للنفس ملحة بألمها من أثر وقوعه على العاطفة وتهشمها، فهو رأي في سؤال يشحذ الهمة أن تستيقظ من شرودها: "كيف تحطين بي على شفة أكذوبة،" والمرارة هنا أن السائلة لذاتها تعرضت للعبة الذكاء من الآخر، والمضمون النوعي هنا مطروح وعيه في حيرة التساؤل، لماذا؟ لأن هناك قوة فوضى تثور في أعماق الوجدان، وبأثر هذا تشكلت قوتان متضادتان في مضمون السؤال، أحداهما بيناه، والآخرى هنا في هذا: "آه كم موجع أن لا تكوني أنا" تصعد قيمة الأنا فتبلغ السمو في الندم على ما بلغه الماضي مما صعب على النفس، لأنها تعاتب محاسن نفسها، فتقول: "كم موجع" ترى هل علاقة الماضي بلغت مصاف السيئات لهذا الحد؟ هل كان ذلك العاشق شكلاً غيبياً يستحوذ على عواطفها دونما أي انذار، فهو الذي يعقد العشق وهو الذي يفك رباطه، دعونا نماثل هكذا قول من قاله بعض الشعراء:

لَئنْ كانَ باقي عيشنا مثل ما مضى - فَللْحُب إن لم يُدْخل النارَ أروحُ

والمطابقة حذرة جداً خاصة وأن الواعز في المعاني هنا يشير إشارة واضحة إلى الثنائية الضدية الموحاة في النصين بين الأنوية "تكوني" وعدمها، أي بين ما لم يتساوى بين المفرد "أنا" عند الشاعرة، وبين الجمع عند الشاعر "عيشنا" للتكريم، في رحاب النصين، مع أني ساويتهما على مبدأ تطبيق مفوهم سلامة العاقبة عما يشوبها، ومعالجة أثر إيلامها على النفس، أي أن لا تكون العاقبة وخيمة، فالإنسان في كثير من حالاته خؤون عنيد، وهذا ما أرادت الشاعرة عبر كمال شاعريتها به أن تعتمر.

أَيتُها الميلادُ المضيءُ بجنوني
أفعِمِيني بمجامرِ جمالكِ
كي لا أؤولَ إلى رَمَاد

فجأة تنتقل الشاعرة وفي ملاقحة منقسمة بالاضافة على المقطع السابق، المنسوق بمجريات مستقى معانيه، الحاصل في متابعة سلمها البنائي، وما جر ذلك المقطع من التزود بالحزن المنتج للعتاب، وكأن الملمات التي أصابتها من أثر الفعل العاطفي، جعلها تندب حظها العاثر من أثر تلك العلاقة، لكنها عادت تغرف المديح لنفسها من وحي إشاراته العاطفية، وكأنها غير معنية بتضاد الواقع، وحقيقة الفعل الذي جعله بحال المنتصر الشامت، وبتقديري فهذا ترويض للنفس للحيلولة دون انهيارها التام، لذا نجدها عمدت إلى ترويض مشاعرها نحوها في قولها: " أيتها الميلادُ المضيءُ بجنوني".
أيتها = هي.
التي تبسط تلك الاضاءة الحاصلة في الروح، "الميلاد المضىء بجنوني" جملة محصلة لتوليف الخيال الميتافيزيقي الذي هو وليد التخيل العاطفي، إلا أن العيب الحاصل في البنية الفنية أرهق معالجة التكثيف بسبب زحاف لفظة "الميلاد" ولذلك اضطرب المعنى وعام، فلو قالت: أيّتُهَا المضاءة في جنوني، لأستقر النحو أجمل بالكثافة والتجانس في بلاغته. لأن ثيمة "الميلاد" جعلت من جنونها مضاءً بتلك الولادة، الموسومة ب "أيتها"، أي الخطاب المباشر، فهي تخاطب ذاتها، أما البليغ في هذا المعنى فحكمة المعنى تكمن في الجنون، ووجود ثيمة "الميلاد" في هذا الموضع، يعني أن تلك الحكمة ولدت من تلك الحاصلة وليس العكس. وهذا مصدر القلق في البناء الشعري. فالصورة منذ أن حطت الخطابة في مبتدأها "أيتها" جانست التوشيح المقرون بثيمة "الميلاد" فاعترضت الترشيق الذي كان يلابس المعنى في سهولة سريان خلجات الصورة الشعرية، ومع هذا فالشاعرة لم تسفسف لغتها، إنما أحدثت خللاً بوضع كلمة "الميلاد" في غير موضعها، حيث نجدها لم تتتفق تماماً مع المبصر في التوليف بقولها:
كيفَ تحطينَ بي
على شفةِ أُكذوبة؟
أما المختلف في التفضيل بين الاسهاب في النثر، وبين التكثيف، مرده أن تكون الجملة الشعرية أو الصورة الشعرية أشبه بنتاج عصير الفاكهة فيكون اللفظ حسن الديباجة نقياً مقبولاً، والمعاني مهذبة مستقرة وموصولة بطعمها، حتى يتم مصاهرة المعنى بالمعنى، لذا يفترض على الشاعر أو الشاعرة أن يلتزما بمسار التفاعل الكيفي بين الشعور وشفافية السمع ليكون الشعر: أوسع أثراً، وأقرب مأخذاً، لا أن يعوم في الإسهاب والحشو الكلامي فيصير عناً وطنيناً لا لزوم له، ، بمعنى يجب أن نحرص ببلاغة العارف، على أن لا يكون خلاف في حوار التساقي بين المضمون والشكل، لذلك أتخذنا من بساط "أيتها" الخطابية، أن تؤدي تأويلها الدلالي ليكون المحرك الذي تساوت فيه قيمة المضاء في الجنون بدلاً من الميلاد الشرحية، مع الاستجادة لما يطلبه المعنى من تحولات في الاختلاف، ومن ثم العودة إلى النواة التي تحرك المعاني وتحتذي بحركتها الإيقاعية، لأن ثيمة "المضيء" أسهمت بتذليل التشنج الحاصل بما تعاطى به الحوار الداخلي، الذي كان يضيق به الهذر الزائد، لأن الشعر أفضله أبلغه، وفي ذلك ما قاله البحتري:

والشعر لمحٌ تكفي إشَارَتُهُ - وَلَيْسَ بالهَذْر طُوّلَتْ خُطَبُهْ

نقرأ في هذ البيت الشعري التعليمي، الجناس، كيف أصاب براعة المعنى، وطلاوة مجرى التلميح أن لا يخرج عن المقام والكمال، في بلوغ الغاية مصبها الجمالي، فقد أوجد لنا مخرجاً طيعاً وذلك بانسجام اللغة مع إدراك الغرض.
فالإحالة الفنية التي لا تبلغ الهذر الزائد، تستحسن القول لنفسها فيكون النظم وافراً مبشراً للثقة بالنفس، نقرأ في هذا الصعود الرومانسي الخالي من التكلف قولها:

هَا تَصَوُّفي في أَشُدّهِ

وهذا ما تصنعه البلاغة، وكأنه حالة الزهو القائمة تطوف كالوحي حولها، حين كانت هي ثورته العاطفية، وجنونه المستحيل، وبعد الغدر والخيانة صار هو جنونها السرمدي، فالفقرة السابقة كانت مبنيةٌ على الشكوى، أما في الثانية مبنية على تداعي العاطفة، أن لا يُرَدُّ مجراها من سريان تتميم تتيم المشاعر، لأن التصوف أصبح في أَشده، فهي مختلفة، لا تريد أن تكون كالآخريات محطة وتنتهي، فالمُخاطِب والمُخاطَبْ إليه هو الذات نفسها في قولها: "أفعميني بمجامر جمالك" والمجامر = المواقد، في دول شمال أفريقيا كالمغرب وتونس والجزائر وليبيا يسمون الموقد "مجمرة" ومجامر جمع مجمرة، وتسمى في الشرق الاوسط بالمنقلة الحيز المعدني، أو حفرة في الأرض يوضع فيها الحطب ليكون جمراً. إذن جاءت ثيمة مجامر استعارة ذكية ذات دلالة منشطة، لأن يكون الجسد مجمرة لاهبة، والغاية هي بلوغ سريان الشهوة الحارقة في التصاعد العاطفي، لكي لا يؤول الجسد إلى رماد، بمعنى أن تبقى المشاعر متقدة، وأن لا تكون المشاعر كالضوء الآفل، وينتهي بها الأمر رماداً ينام في موقد بارد.
نقول أن الشاعرة أحسنت ابتداءات الشعر، حيث يتواصل المعيار المتساوي للمعنى السابق في اتجاهات النص من فيه، إلى حيث تكون الصورة السابقة غير زائدة عن ماسبقتها من شاعرية تتدفق من جوانية المعنى بحرية، إذن الجملة الشعرية: "كي لا أؤول إلى رماد" في هذا المكان أشارت الشاعرة إلى "الأنا" المباشرة في أنوية المخاطب، "أؤُولَ" وهذا يدفعها أكثر للتأثر بمستقيات أنوثتها كنقيع "الشلب" في الماء يزداد خصوبة وبلاغة فيسمع لعود المعنى زفيرا من أعماقه، فالمعنى هنا كما تراه ظاهره تقاربه في صيحاته العاطفية، إلى بلوغ الغاية في الاختصار، حيث تجدنا نتلمس هذا في توظيف المعنى من سياق اختصار الجملة الشعرية، وفي بعده تؤتي الشاعرة بقياسات الجناس، والجناس باب من أبواب البديع كما أشار إليه الآمدي، إذ نجدها أحاطت في البعد والقرب، في الأعلى والأسفل ذاتيتها، تارة تروم بمشاعرها إلى كيان موسيقي تتصاعد الحانه باحساساتها حتى تشدوها، خاصة وأن الشاعرة تتصاهر فنيا بين الشعر والعزف على الأدوات الموسيقية ومنها "الكمان - والاركوديون". بينما نجدها في ألق آخر تهبط موجعة لكنها لا تبلغ الهزيمة، وفي مكان آخر تمتد مثل القصب بعودها شاعريتها الرشيقة من حنايا ثقتها بنفسها، وتارة ثالثة نجدها ملتمة حول نفسها كشرنقة تخاف اللمس. ومن أحسن ما أتى في قولها وكأنها تناجى قول الشاعر علي بن عباس بن جُريج الرومي:

كهواءٍ بلا هَبَاء مشُوب - بضياء أرق بذاك وأوصف

وفي قصيدة أخرى معنونة: "ملك الثلج أنا" نجدها تتحول في كتلة خالية من الزمن إلى فعل أللا زمن، وكأنها تعالج الشرط المؤول فعله، بالشرط الكائن في الزمن اللاواقعي، وحالها تخاطب المعنى بالأضافة الإشكالية، أي بتأثير مصدر الفعل المشروط وقوعه على المعنى المتوقع صيرورته في مساحة التوقع الغيبي، كونه خالياً من المنظور الجدلي في بيانه المصطلي بخاصية الواقع، ومن أجل أن تكون الشاعرة تنصب نياتها في جدول المشاعرية القصوى، نجدها قد تخلت عن الإعجاب بشخصها، حين كانت تحرص عليها بوقار شديد التحصين، فغابت معاني الابتسامة عن صورتها، تلك التي كانت تعبر عن صيرورات تعبيرية محيرة في لوحاتها الشعرية.
فالشاعرة أرادت أن لا تكون المعالجة تخضع لمشيئة الطباق في تجنيس عائم لا يؤدي إلى بلاغة مفهومة في مواضع المعاني، بل أن تصطحب شموليتها التهذيبية معالجة الإيقاع بنظام غير مضطربٍ، وهنا يأخذنا إدغار آلان بو إلى أن، "الذين يملكون نوايا تتلمس العاطفية المشذبة، أو اعتقادات عالية جداً خاصة بأنفسهم، أو يصنعون خططاً تتسم بالمبالغة تتناسب مع كفاءاتهم تلك تحمل موازنة رديئة." وشاعرتنا نجدها تحلم ولكن ليس على طريق الشاعرة المراهقة، بل هي توظف إحساساتها بخصوبة تناجيها هي، وقولها في هذه القصيدة يأخذنا شيئاً فشيئاً إلى هذا التصور:

بسقف سمائك المتحجرة
وحين توضأت بطهرك
هجع كوني المعلق بين غيمتين
يشاكس شخير ظل مُحال
كم تأبطت مظلة "حياتي"
وعلى شفا ولائك وليتني

نأخذ هذا المقطع الذي يبتدأ قصيدتها: "مَلِكُ الثلجِ أنا" نحاول في هذا السياق من دراستنا أن نفكك ألغاز هذه الحكاية المسورة بالرموز والاستعارات، التي يصعب على القارىء فهمها ممن لا يملك الإلمام الثقافي الواسع في هذا المضمون، ربما هو السياق العام الذي تعتمده الشاعرة، أن تحرص على أن تجعل من القدرة الاستقبالية محصنة بمعان قد تكون قُفِلتْ بمفاتيح خاصة، تنسجم خلوتها الاحادية مع خصوصية التفسير والعبور به إلى محاسن تبدو بعيدة التلقي. يقول أفلاطون: "لا قيمة للشعر إلا إذا كان صادراً عن عاطفة مشبوبة، وإلهام يعتري الشاعر فيما يشبه النشوة الصوفية.*" لكن مع كل هذا التدثير للمعاني لا وجود تقني يهدد سلم القصيدة وقدرتها التنقيحية من لحظة المذاق الأول الذي نتصفح به شاعريتها، صعوداً إلى المؤثرات الوجدانية القصوى في البواعث والغايات، فالشاعرة تشتغل على تطريز دقيق في معملها الشعري حيث لا وجود للفوضوية البنائية، أو العشوائية في الألفاظ إلا قليلاً، فهي حريصة على الالتزام بالنسق وفنية البناء، الذي أشتغلت على بنيته التكنيكه سوزان برنار المأخوذ بدلاً عن "تقنيات الوحدة الفنية"، كما هو الحال مع نازك الملائكة التي اشتغلت على مصطلح "التبديل" من البيت الشعري "الصدر والعجز" إلى السطر الشعري "الشعر الحر"، لكن الرضوانية بعلم منها أو بدون علم تسبب ضررا لرؤية واستقبال المتلقي لقصيدتها بسبب احتباس المعنى وتلوَّم الألفاظ لذاتها، وفي الوقت ذاته تؤمن الشاعرة بأن الجودة الإبداعية هي نقيع مهارات بنيت من اشعاعات فطرية ميتافيزيقية حدسية، منتجة للصورة التلقائية، فيكون الشعر تعلو موسيقاه بالخيال والعاطفة الحسية المترفة. يقول د. شاكر عبدالحميد في معرض لقاءاته الأدبية: "الإبداع لابد له من إعداد جيد، وجهد عنيف في التدريب، واكتساب المهارات اللازمة كي يصير المرؤ قادراً على بلورة أفكاره وتشكيلها وتحقيقها في مجال معين". وكلام الدكتور عبدالحميد إبانة للتوضيح والتسهيل، فلو أخذنا أمثلة تدعم تصورنا في ما نذهب إليه، على أن الخصوبة الشعرية وليدة إبداع عفوي فطري ينتج في لحظته الأولى شعراً، ولي أن أبسط اسماء بعض الشاعرات، واعترف بشاعريتهن اللاتي سيدخلن كتابي هذا من بوابة جمالية الاحتراف ومنهن: بلقيس حميد، فاطمة ناعوت، إيمان محمد، هالة مراد، جوزية حلو، لمياء الآلوسي، سوزان عليوان، إذن فالتسهيل الذي نقصدة إنما هو تطريز الجملة الشعرية بمعان بليغة الوضوح كقول الشاعر أبي نواس:

فَثوبي مثلُ شعري مثل نحري - بياضٌ في بياضٍ في بياضِ

ربما تعلم الشاعرة آمال عواد رضوان أو لا تعلم أن التقطيع الأسلوبي في قصيدة النثر هو المنتج الإبداعي للصور المادية، يعني تتابع سهولة التوصيل عند القراءة، سواء كان في التفاعل أو البرود أو التصاعد، المفترض أن يتفق مع استثمار النص، لأن الشعر يجب أن يطلق توازن الوعي في نقاء البنية الفنية لا من الخيال "الفنتازيا" وحسب، وإنما صناعة الصورة الحسية بالاشياء التي نتلقفها ونتفاعل معها من حيث جودتها ونواياها وتعبيرها، بما يحس به المتلقي من تصادم عاطفي بالمعاني، بمعنى أن لا نجرد التقطيع التصويري من وعيّه الحسي المادي، فتكون القراءة أشبه بطنين يثقل السمع، وما أرى ذلك بنافع في النثر، خاصة وأن قصيدة النثر حمالة ثقلها إذا لم يسعفها الشاعر بحسن وتريات العود الخفيف، أي مباهجة المعنى بنفيس التأمل. يقول ابن بشر الآمدي "لن ينتفع بالنظر إلا من يُحسن أن يتأمل، ومن إذا تأمل علم، ومن إذا علم أنْصَف.*" والمقصود بكلمة "النظر" تعني التأمل العميق، فالفيلسوف عميق الحكمة كما يرى أرسطو، والشاعر بليغ النظم كما يرى شكسبير، والفارس شديد العزم كما يراه عنتر.
قرأت لشاعر في بيروت في منتصف الثمانينات، وهو عراقي ينشر قصيدة في مجلة "إلى الأمام" - فلسطينية، يقول فيها: "القطة تطير من الشباك" - أضاجع قطتي - تشاركني قطتي كأسي" يمكن أن نسمي هذا "الشعر" بشعر القطة! وبعد هذا كله فالشعر هنا خال من الذكاء، مضطرب النبض، سقيم الطبع ومتعب، ولكي نتوسط الحلول بين ما كان قد قاله ذلك الشاعر، وما بان في شرحنا عن الوعي نتلمس الفارق في ما نريد أن نضعه في النظرية النقدية حول ذكاء الصورة الشعرية عند الرضوانية، وعدمه عند ذلك الشاعر الموهوب بالقطة، نقول أن قصيدة: "مَلِكُ الثلجِ أنا" متوسطة في النداء المحاكي الصادر من الروح وهي تسجل الواقعة من حيث تجليات الشكوى عن طبيعتها، هكذا:

مَلِك الثلجِ أنا
= =
بسقفِ سمائكِ المتحجرَةِ
وحينَ توضأتُ بطهركِ
هَجَعَ كوني المعلقُ بين غيمتين

إذن هو الحذر من علاقة سابقة مصدومة بها الشاعرة، ربما كانت هذه السماء ماطرة بالألق والعشق والجمال والخير الخ، من هيام في العشق الذي كانت الشاعرة تستكين في ظله، لكن اليوم أصبحت السماء ملبدة بغيوم لا تدر ولا تنفع، والدليل هي متحجرة، متى حدث هذا الانقلاب في العلاقة أو في المشاعر؟ فهي لم تَرَ نفسها صالحة لعلاقة كهذه التي أصبحت كونيتها معلقة بين غيمتين عاصيتين على أمل مطر المعنى الخالد من قدسية الغيوم. ولكن الحال تنقل بها من أرتفاع في مقدار الحب حيث بلغ العلا، إلى أن أصبح الحب ينام في الثلج، بمعنى الحب الذي جمد وأنتهى، والغريب أن حتى والعلاقة صبت في خزان الثلج لكن الأمل بقي وارداً في هذا: "غَيْهَمُ ليلي تكحلَ بإبائك الوضاء".
نقرأ الجملة الشعرية هنا مركبة في مطابقتها وجناسها بين "الغَيْهَمُ" أي ظلمة الليل، وبين: "إيبائكِ الوضاءِ" إذن فالشاعرة حصنت العبارة بهذه الجملة من بلوغ الفشل، فأصبح "الغيهم" أو الظلام مضاءاً بإيبائها، والإيباء هنا يعني عزة النفس، وقوة الشكيمة، وبعد النظر. وهذا ما كنا نقصدة بالذكاء الممول لنشاط محاكاة المعنى، المنسحب في قدرته على التنبيه التقني، فالتضاد في المحكاة في الصورة الأولى والثانية واضح في الإيضاح الأسلوبي، لأنه لا يمكن استبدال صورة قوية بصورة أقل حضوراً، ولهذا نؤكد على متابعة المعنى لصعود أكثر قابلية لتوليد معنى أكثر حضوراً، من وعي ترابط المستعار الدلالي الموظف القيمي للغرض من النظم الفني الشعري، حتى يندرج النص تحت تقنية تنطوي على سيوله مشاعرية التوصيل، فالعتاب حاضر في حال جاء طرح هذا السوؤال: بماذا اخطأت؟ فالشاعرة عبر ثقافتها البينة واعية في جاهزيتها بالرد على إشارة بالمحاججة لأن تضع المعنى على المحك في قولها:

كم تأبطت مظلة حياتي
وعلى شفا ولائك وليتني

مع أن صيغة "تأبطت مظلة" نكرة، لأن المظلة لا تتأبط، أولاً كونها استعارت غير المقصود بها بلاغيا، فلو أختارت الشاعرة لفظة غير المضلة، لكان الأمر أسهل وأدق معنى،، وأمّا ثانياً كون رباط المظلة مع الإنسان يأخذ وقت الحاجة فقط، يقول الشاعر سعدي يوسف: "المدخل الاستعاري التقليدي في النص مدخل خاطىء"* فالاستعارة هنا مفتقرة إلى ذاتها وصفاتها، لأنها في غاية البعد المعنوي عن المعنى، فالعتاب في "تأبطت" جاء منافياً للمعنى في الجملة التي تليها: "وعلى شفا ولائك وليتني" بمعنى أنه ولاها على ولاءه، فهل بعد هذا أكثر. إذن الخطأ الحاصل؟ في الجملة "تأبطت هو من ولدت ثقافاته أو إبداعه منها "التأثر" بينما في الجملة "ولائك" تعترف إنه ولاها، حين كان نداؤها مختصاً ب "تأبطت" وهي صيغة عتاب، والاشارة لم تقم له وزناً، في حين أقام هو لها وزناً فولاها على منبر ولاءه. صورتان متناقضتان في المعنى والتوليف، لأن الجملة الثانية مضافة إلى الأولى، والمضاف يكتسي من المضاف إليه إنسجاماً وتخصيصاً وتوصيلاً. حتى لا يكون الشعر مبهماً ومعقداً، وغير معروف، وهذا لا نريد منه أن يوقعنا في فخ أداة " لو " أو " كما " صحيح أننا ابتعدنا بمركب الحداثة وحمولتة المجددة للأدب عن المدرسة الواقعية، أو عن الأدب الواقعي، لكننا يفترض بنا أيضا أن لا نروم الإبهام والصوّر المعقدة فنوقع الفاظنا بالمعاظلة، ونشاز الاستطراد فتكون الألفاظ تبني وصفاً عارضاً في الندرة للمعنى، ومثله بقول الشاعر أوس بن حجر:
" وذاتِ هدمٍ عَارٍ نواشِرُها تُصمِتُ بالماءِ تَوْلباً جدعاً "

إذن على الشاعرة أن تختار التلاقح العضوي لإيقاظ المعاني، كي تأتي صافية بتعاطيها مع المتلقي، واضحة المخرج، تأخذ الشاعرية إلى فصيح ساحل مبتغاها.
في حين نجدها في مقطع آخر تستدعي المقدس "العذراء"، أن لا تكون مرشدة لأخطاء قد حدثت، أو تصلح من شأن كان قد أتخذ موقفاً صارماً اتجاهه، ينتهي إلى التخليص ويبقى عالقاً بالذكرى، مستفيدة من تجربة تعبر عنها باستنطاق الذات، لأنها تستدرك قرارها المتمثل بالذم والعتاب القاسي، ومن هذا الاستدعاء قولها:

أيا عذراءَ فتنتي
بِخُطى رضاك تمسحين خطيئتي
تردمينَ هوةَ غطرسةِ زمنٍ تقمط بتلافيف ملكوتِ نايك
لطااااااااالما هدهدَ انطفائي المرتقب

حاصلهُ أن تأخذَ الاستعارة "العذراء" وتلاقحها بفتنة الشاعرة فتكون هيبتها مقدسة، لأن الجملة الأولى "أيا عذراء فتنتي" اقترنت بالدائرة التي تنتج الحياة في الجملة الشعرية الثانية، الموسومة ب "رضاك" المحرك الدلالي لبلوغ التمني، وهو توظيف دقيق ومفيد للاستعارة المولدة، فتكون الأنا الفاتنة هي الرديف المساوي لمعانيها، أي الناطق الموصول من قدسية العذراء، حيث لا تلكأ ولا معاظلة، بل تفويف كونه يدل على معنى آخر بقرينه، أو هو مشتقاً منه، حيث تتساوى قيمة الألفاظ بمعانيها. أما في السطر الثاني فتكون المعالجة ذاتية، والندم حاصل لأنه عليك أن ترضي بما حصل حتى تعودين، لأن الانفصال أصبح خطيئة، ففي العودة تردمين هوةَ الغطرسة، والمعنى حاصل في السطر الأول، فهي من جهة تبين قدسية فتنتها، وإثارة العاطفة إثارة قد تكون غير مألوفة في طبيعتها، لماذا؟ لأنها تلقّطت صفات دالة على محاسن تدعيها هي، وهي من جهة أخرى تتراجع وتهاجم خطيئتها بوازع التناغم مع انطفائها المرتقب، بقولها:

لطالما هدهد انطفائي المرتقب

أما "طاااااااااالما" فخضعت لتقطيع ندائي يخضع للحداثة الميكانيكية "الماسنجرية"، فأكثرت من " ا " الإشارة النابضة في كلمة "طالما"، وهو تشويه للبنية الشعرية حين يمد الحرف، وخاصة حروف النداء! لأنه على الشاعر أن يقود القارىء إلى وضوح نصوصه من حيث قوة الصياغة وبلاغة المعنى لكي يكسب تفاعله، هذا ما يؤدي إلى تحريك مصبات الإنفعال العاطفي بما عاينتهُ الشاعرة وزاولتهُ، لكي تنسج استدارة بريقُ الفاظٍ حسنٌ إشراقها، تحرك عاطفة المتلقي من حيث فنيتها الشعرية. حتى لا يكون النثر الشعري نثراً علمياً صناعياً، فنفقد الانفعال العاطفي بكل تجلياته سواء كان في الخيال، أو مائية الصورة، أو التأثر المعنوي.
في قصيدة أخرى نجد الشاعرة قد اخذت بثقافتها المتناغمة مع الثقافة الأوروبية بالابتعاد عن العادات والتقاليد والخضوع لحياة تكون قد أجبرت عليها، من هذا أو من ذاك، فأسلمت روحها للحب بالتحدي، ففي قصيدتها المعنونة: "مَرّغُوا نَهْدَيَّ بعطرهِ الأزرق" قليلاً من الأيروسية المحصنة، تساوي الكثير من الأدب الغجري المكشوف، المقترن بفعل الأمر الجمعي في "مَرّغُوا" أي هم من "مرغوا" وبها تكشف عن لغة تجاوز اللا مبالاة، لأنها تخاطب الجمع وليس الشخص، وبهذا أصبحت الحالة عامة، وحال لسان العنوان يقول: حتى وأن أخذتموني أسيرة له وبأيديكم مرغتموا نهديَّ بعطره الأزرق فهو المنى.
من الممتع أن نتذكر كيف وظف أينشتين مفاهيم "صورة ذاكرة" باعتبارها عنصراً مسيراً للإدراكات النوعية، وكأنه جراح يبضع النظرية في عملية فسيولوجية تعالج الخيالات الحسية، فتكسبها صحة وعافية، حيث تبدأ تعاقب الصور في تنظيم بعضها البعض كخلايا الجسد، وهي قادرة على القيام بفعل معين أو رغبة معينة، تقوم بفعلها وأداءها المباشر، كذلك تحدث كانط عن ملامسة تفكير أينشين حول مقاربة العقل بالخيال الإبداعي، المرتبطة بالاداء بين الإدراك الداخلي للعقل وبين البصيرة التي تكشف عن رؤية الخلق الخارجي كصور مستخلصة من الموضوعات التي نراها أو نتساوى معها، وخاصة تلك التي تختص بالمثيرات العاطفية، ففي هذه القصيدة نقرأ التمني والرغبة والاستسلام والبوح الصادق لأن الحديث مع النفس.
القصيدة:

على عنان بشرى جائعة
تماوجتَ
وبليل لائل اقتفيت فيض ظلي المبلل
بضوضاء أصفادي
أرخيتَ مناديلَ عتبٍ مطرزٍ بتعبٍ
تستدرج بِشْرِيَ المستحيل
وفي تمام امتثالي المتمرد توردت

نجد في شعر آمال عواد رضوان المفردة القاموسية تبرز بامتياز، تثير الغموض فنياً، وتُصَعبَ على القارىء تجاوب شفافية التشكيل اللغوي، وتؤثر سلباً على المنبع الشعوري المفترض أن يغذي النفس بحلاوة نظمه. والقصد أن لا تكون الألفاظ قاموسية فتكون مستكرهة مثل: لائل - غَيْهَمُ - إيبائك، والكثير منها على هذه الشاكلة. أما لفظة "عَنَان" وجمعها أعِنَّة وتعني الانقياد، نجد موقعها صحيحاً لا يمنع سريان المعنى على سفح بلوغ الشعر، فهي تحاول جاهدة أن تروم تصاعد شاعريتها نحو توليف المختصر النوعي على متن الضوء الملبي للبشرى الجائعة، فعنان تطلق لفنية التأول مساحة يتحرك بها تماوج اللفظة في تعليل الشيء ومبتغاه، حيث نجدها قد تَقَلَبَ بها الحال فأصبحت تحت سلطان الجوع العاطفي، تلقن نفسها الصبر تارة، وتارة تتمرد وتعصي على الألم، أما ما تأخذنا إليه الشاعرة في الصورة الثانية من هذه القصيدة، نجدها تتابع شحنها للمشاعر الموقدة من فيض صبابة ثورتها التي لا تغيب الشمس عن عواطفها، الموقدة دوماً على صفحات قاموسها العاطفي فماذا نقرأ في هذه الصورة:

بليلٍ لائل اقتفيت فيض ظلي المبلل

نقول في هذه الجملة الشعرية ميل الدلالة على الإطناب، فوصفها للظل المبلل وهي تقتفي أثره في ليلها اللائل، والقصد المعمول به في كالح الليل، أي بليل مظلم للغاية اقتفت، ومظلم لفظة لها معان متعددة أكثر من لائل، وأسهل فليس فيها الشاذ والثقيل والمبهم إلى غير ذلك، "فقولنا الخمر أفضل من قولنا "زرجون" وقولنا الأسد أفضل من قولنا غضنفر، وغضنفر أفضل من قولنا فدوكس"، وقولنا السكين أفضل من قولنا مدية، لأن السهولة في الألفاظ لا تعني الشاعر الجاهل، والمفردة القاموسية لا تعني الشاعر المطلع أو المثقف، أو الشاعر العظيم، بل العكس من ذلك فالشاعر يعاب عليه إذا جعل من الشعر صنعة كما يفعل الكثير من شعراء المواقع الالكترونية، وهذا نسميه الإفراط في التأليف حتى يثبت هذا الشاعر أو تلك الشاعرة وجودهما اليومي على النت، كان الشاعر بلند الحيدري يدلنا في كل محاضراته: وهو يعالج الأحوال المتباينة في محاسن قيمة المبدع لنفسه، أن لا يكون مبذولا على كل الصفحات اليومية، حينها لا يجد له لفظاً حسناً، ولا قارئاً متشوقاً، وأن لا يجد معنا بليغاً بل معنىً وحشياً، فيسقط في سوء الاختيار. ويبتعد عن الجديد المثير في ما يكتب، أما ولأن لفظة "لائل" كونها غير متداولة تكون غير مفهومة وغير مستساغة فتقل قيمتها وتهمل غايتها، ومع هذا اللفظ غير المتعارف عليه في "لائل" إلا إنها تجانست بحميمية مع السياق العام، الذي قادها إلى أن تقتفي فيض ظلها المبلل، صورة تحتمل تفكيكاً مختلفاً، خاصة بعد أن عرفنا المسار العام في طبيعة الإفهام الدلالي الذي يبوح للعاطفة قوة سريان مشاعرها نحو الآخر "الحبيب"، وكما قلت سابقاً أن الشاعرة حذرة جداً في استخدام الإثارة الجنسية فتميل إلى خفيفها غير المكشوف، وقد أسميت هذا الأتجاه بالأثارة المحصنة، أما الحاصل في استخدام ثيمة "فَيْضَ" فالفيض هو الاخصاب والنمو، فيض الولادة، وفيض العلاقة الجنسية، وفيض الينبوع من أرض مولدة، نقول فاض النهر، فاض المطر أي أتسعت البركة، أو فاض المال بيد فلان، فاضت الأرض بالخير فكثر المحصول، فاض حسنها دلالاً، فاض الشعر من خيال المبدع فأحسن القول، ففيض لفظة بليغة حسنة تفيض معانيها ودلالاتها الفصيحة بنشوة ذات مسارات متعددة القيمة، حيث يتسع مرامها، وتتعدد رموزها، فتخلق متسعا من الجمال ينمو في دواخلها. ففي هذه الصورة الشعرية تتصاعد خلجات الذات بسموها إلى أعلى غايات العاطفة، لماذا هذا كله؟ لأنها اقتفت فيض ظلها المبلل، إذن حتى وهي تقتفي هذا الفيض تقتفيه في الظل، وليس في العلن أو تحت الضوء، هي السرية إذن، أو الستر من فاجعة الأقاويل، فهي تريد أن تنتشر روحها في الغرام ولكن في ظلها الخاص، وهذا حق إذا لزم الأمر لهذا، لأن العادات والتقاليد الظالمة في المنطقة العربية تجبر المرأة أن تزاول هذا الفعل. فكونها مقتنعة بفعل التمرد، إذن هي مبتهجة ومتوردة، وهذا التوردُ واضحٌ في لغتها.
= = =

ملحوظة:

"التقديم والتأخير في تناول الشاعرات العربيات، لا يعني هذه الشاعرة أفضل من تلك، إنما هو حصولي على مصادر الإحاطة بثقافة الشاعرة وإبداعاتها."

*- الشاعرة آمال عواد رضوان: فلسطينية تقيم في الأرض المحتلة في منطقة عبلين - الناصرة. تمارس مهنة التدرس، اللغة العربية، وتعزف مع فرقة الكروان على آلة الكمان، وآلة والاركديون. حازت على الجوائز التالية:
1- جائزة نعمان.
2- جائزة ديوان العرب.
3- جائزة شعراء بلا حدود.

*- في الفصل الرابع نتناول الشاعرات: بلقيس حميد، فاطمة ناعوت، إيمان محمد، لمياء الآلوسي، سوزان عليوان، خدوج الساكت.

هامش:
1- أنظر شيلر Shillerr, London 1930, Formal Logic.
1- جان كوتو: اقرأ كتاب توماس المخادع.
2- عبدالرحمن الكواكبي، مجلة شعر اللبنانية العدد 2
3 - شيبي عالم النفس البريطاني – راجع كتابه أثر الخيال العلمي.
4 – الشاعر د. قصي الشيخ عسكر قصيدة "ستون" موقع المثقف.
5- أبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي، كتاب الموازنة، بين شعر أبي تمام والبحتري.
6- عالم المعرفة العدد 360، الخيال الأدبي.
7- إدغار آلان بو: 1809 – 1849 شاعر قاص وناقد اقرأ كتاب "الشعر والقصة" 1832
8- د. شاكر عبدالحميد: الأسلوب والإبداع، مجلة كلية الآداب – القاهرة 1995
9- الآمدي كتاب الموازنة تحقيق السيد أحمد صقر الطبعة الرابعة ص 411
10 – مقابلة مع الشاعر سعدي يوسف في طنجة. - موقع كيكا.
11- راجع كتاب: النقد الأدبي الحديث. د. محمد غنيمي هلال.
12– اقرأ زياد بن ابيه – خطبته في أهالي البصرة، عند ولايته المدينة.



#جعفر_كمال (هاشتاغ)       تôôèô‏_ؤôéôم#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى
- الشعر النسائي العربي بين التسفيط الكلامي وجمالية الاحتراف نت ...
- الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف ...
- الشعر النسائي العربي بين -التسفيط- الكلامي وجمالية الاحتراف
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة. الجزء الخام ...
- قصائد ليس لها عنوان
- أشتهي
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة4
- طيف الرضوان
- حوارية.. النرجسة والشاعر
- إبنة موسى
- الفن الكلامي ونوازع الانفعال والميول
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة الجزء الثالث
- ليلة الميلاد
- رائحة الشرطي
- تداعيات التنوع الإبداعي العراقي في مواطن الغربة
- مناي
- الرواية الشابة بين مدركات الحس والتأويل
- سحر الحيرة والحب في تجليات العيون
- ورود


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جعفر كمال - الشعر النسائي العربي بين التسفيط الكلامي وجمالية الاحتراف الفصل الثالث