|
قصة قصيرة : الشعب يريد....
ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 3560 - 2011 / 11 / 28 - 08:27
المحور:
الادب والفن
رست الحملة أمام مقهى ممتلئ ، والناس مشدوهين إلى التلفاز يتابعون شطحات نجمهم المفضل "ميسي" . كل الأماكن شاغرة ، والآذان منتصبة في خشوع لمذيع بح صوته ، وهو ينقل مباراة الموسم على الضفة الأخرى. وقف الجميع في الشارع ينصتون إليه ، يجهر بنبوءاته بين الناس.... - سأشغلكم ... ، سأحسن صورتكم وصورة مدينتكم وبلدكم ..... سأعمل على اجتثاث جذور الرشوة من أروقة المكاتب في إداراتكم.... سأرقى بكم إلى السماء السابعة .... ، حيث النقاء والصفاء. الغاوون والمأجورون والأتباع يطوحون بالمنشورات والشعارات في الهواء على رؤوس المارة ، تنتهي بين أيدي صبية كشقائق النعمان ... كنعناع أخضر، أو تتكدس في مفترق الطرقات تحت إشارات المرور ، يلقون بالصور الملونة للمرشحين يمينا وشمالا. لم تكن الحملة لتخلو أيضا من المغفلين كما في كل المواسم ، فئة تؤمن بنصيبها فترجع إلى ثكناتها في المقاهي ، أو فوق الأسوار القصيرة قرب الشوارع الهامشية . تدور المسيرات تلو الأخرى وتلف حول الأحياء ، فتعلو الشعرات " الشعب يريد...". تضيع أحلامنا ، طموحاتنا ، خيبتنا في ضجيج الشعارات ، نودع كل حملة إلى آخر سطر في مهب الريح ، لنستقبل أخرى. تضيء النجوم في واضحة النهار، ويطلع البدر مكتملا في ظل حماس ربيعي وشعارات حماسية " الشعب يريد..." ، قبل أن نستفيق فيما بعد على أيامنا الرتيبة. هو لا يريد في الحقيقة شيئا....، فقط زيت وماء وقليل من الخبز. تحاصرك الشعارات والمسيرات أينما حللت في أرجاء المدينة ، تمطرك سماؤها بكثير من الشعارات " الشعب يريد...". تهرب الحبيبة من كل مواعيدها الموسمية ، ويظل " الشعب يريد..." معلقا إلى موسم آخر. أظل واقفا أحترق و " النار تلدغ صدري ، ولا نبع ماء قريب " ، أرقب متى يزهر ورد الربيع في حديقتي . تهمس الأفواه من وراء النوافذ " الشعب يريد..." ، تتبعها تلويحات بأيد بريئة وزغاريد خجولة مترددة . أرقب وردتي وأسميها جهرا كي تتفتح في دمي ، فيضحك مني الورد في وجع ، وتمارس اللحظات علي سطوتها وأنا واقف أرقب الفجر في عز الظهر. تحتبس الرعشة بين أنفاسي وأترقب لمن تفتح أبواب الجنة. لكن لا يهم... ، سأشكل الأرض ثانية على هواي قبل أن ألتزم الحياد. أتحسس جبهتي فأجدت بها ندوبا من سنوات خلت. في الليلة التي تسبق الحملة ، تغتسل الأزقة والشوارع من دنس الماضي وتتزين للعريس في حلتها الجديدة ... : " هيت لك...". أفكر في مكان آمن لوردتي هذا العام ، كي تتفتح على هواها ويذوب عطرها في جسدي كاملا مثل أغنية غجرية. لكن سدى ...، تأتي الحملات كل موسم لتذكرنا بالأماني ، كل المنسي منها لحظة ثم ننسى سريعا. واقفا كنت وحدي داخل أعماقي ، يبتسم الناس وقد تناسوا أحلاما وأوهاما أو يكشرون في غيض ، يغيب بعضهم لسنوات ثم يظهرون. يبغضني بعض الناس و يحبونني آخرون وأنا متأبط وردتي ، وأحيانا يلعنوني ..، أسمع راضيا ، فأصمت ولا أجيب أحدا. تتنوع إيقاعات الخطو ، يطل الناس من النوافذ والشرفات. أفهم كل شيء وأحيانا أتعب دون أن أفهم أي شيء. يأخذ الناس أوراقهم ، يمزقونها ، يقطعونها وينصرفون غير عابئين : " كلكم بحال - بحال.." - " من وكيل لائحتكم...؟ " - " شفار.../ مزيان...". مشهد مسرحي كوميدي ضاحك / باك ، مع ذلك يصعب الجزم بأنه عابث. تتمنى الشوارع لو ترتاح من هذا ضجيجها المفتعل قليلا وأصحو من غفوتي ، أتظاهر بالصمت أمام عضلات مفتولة ، مستعدة لكل شيء إلا أن تسمعك. قد تحدث مجازر أحيانا ، فيذهب ضحيتها أناس طيبون وأحيانا نتخلص من بعض الأشرار، ملح الحملات والمسيرات ككل موسم ، تنشغل الأفواه قليلا ويتجانس المداد مع الدم. يجهد الحاج / الأستاذ علي جسده المتهالك على المسير في الشارع الطويل ، تتبدل الوجوه في كل موسم ويصر هو على أن يكون حاضرا . يمرون مسرعين أو متباطئين ، يصرعلى مجاراة المسيرة ، يقف قليلا ليسعل ثم يعتذر للمحيطين به. تقفل الأبواب المفتوحة وتفتح الموصدة ، يطلون من الشبابيك أو الشرفات ، تتوارى مسيرات وتحل أخرى. تترك وراءها أوراقا من مختلف الألوان ورموزا ، مع صور لوجوه ناعمة بربطات عنق مستوردة . والعابر لا يحط رجليه في ضفة واحدة ، رجل هنا وأخرى هناك ...أو لا انتماء...، بعضهم لا يحطهما ويطير، فلا ينزل إلى الأرض كي لا تقع قدماه في المصيدة . وصلت المسيرة الأخيرة إلى الشارع الطويل ، تتقدمها عربة يعلوها مكبر صوت ضخم ، تردد هي الأخرى شعارات مستنسخة من سابقاتها. رست الحملة ، وقف زعيمهم يخطب في الناس : - س..... - س.... - س.... رموا بأوراقهم ...، تركوا صورا لمرشحيهم وانسحبوا... التفت ...، وجدت أمامي ماسح أحذية وقد عري في ابتسامة عريضة عن طاقم أسنان متآكل ، يتأمل حملة من الأحذية الغليظة تدك بلا رحمة وجوها منبطحة أرضا ، وقد علاها الغبار...!!
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شعر : خطيب الزعيم
-
مدينة تيفلت تحتفي بشيخ الزجالين بالمغرب ... إدريس أمغار المس
...
-
السيد أحمد رضا الشامي في لقاء تواصلي مع مثقفي ومبدعي مدينة ف
...
-
الدكتور إبراهيم أقديم ، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية س
...
-
قصة قصيرة جدا : جنات
-
ليبيا التي غيبها عنا القذافي 42 سنة
-
قصة قصيرة جدا : إصرار الديك وعناد الدجاجة
-
النقابة الوطنية للتعليم (فدش) تهدف إلى خلق مغرب خال من تشغيل
...
-
- ظلال حارقة -.... جديد الصحفي والأديب المغربي إدريس الواغيش
-
- انتباه ... أطفال في أشغال خطيرة -... شعار النقابة الوطنية
...
-
شعر : على امتداد البياض
-
عبد العزيز إيوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ف.د. ش
...
-
مليكة مستظرف حاضرة بروحها ...، ومحمود الريماوي ضيف شرف من ال
...
-
قصة قصيرة جدا : تواضع
-
النقابة الوطنية للتعليم (فدش) تنظم : دورة تكوينية لفائدة أس
...
-
قصة قصيرة : دوامة
-
قصص ق جدا :
-
الملتقى الوطني الأول للقصة القصيرة جدا بخنيفرة / المغرب
-
شعر : يسكنني همسك
-
سمية البوغافرية في إصدار روائي جديد
المزيد.....
-
هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف
...
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|