قصة قصيرة : دوامة

ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 3352 - 2011 / 5 / 1 - 22:41
المحور: الادب والفن
    

قصة قصيرة : دوامة


على وجهه بقايا حزن سميك ، وتجاعيد تفترش جبهته العريضة . يسكن سجنا انفراديا يتقاسمه أربعتهم ، لكن قليلا ما يجتمعون. يدمنون الفضفضة في حانات فاس الرخيصة نهاية كل شهر، قبل أن يعودوا إليه بعد منتصف الليل وقد تكسرت رجل أحدهم ، بعد سقوط في حفرة برأس الدرب ، أو كسرت عظمة عين أحدهم ، على إثر معاكسة غير مجدية لرجال آخر الليل. جحظت عيناه وتقطعت أنفاسه ، قبل أن يدخل في سلسلة من السعال الحاد ، أعطيته شربة ماء فاستراح قليلا . نظر إلى السماء ثم إلي وضحك...
- واللات والعزى لتشربن هذا الكأس...‼
تمنيت لو تعلق الأمر بكأس من النبيذ أو الويسكي لأشربه ، ففي من القنوط ما يدفعني لأكثر من ذلك ، لكنها الكحول ، وتجربتي معها غير مشجعة وقاسية.
كان صديقي العربي الكوايري رحمه الله يقول لي :
- اشرب الحريق ... لتحرق مشاكلك...
عب منها كثيرا ، فاحترق مبكرا دون أن تحترق مشاكله. مات في سن مبكرة ، وترك أبا وأما لا يمسيان إلا ليصبحا على مشاكل جديدة. ثم مات أبوه من بعده . تضاربت الأنباء حول أسباب موته ، قيل أن الكحول هي السبب ، وذهبت بعض الأفواه إلى أبعد من ذلك ، وقالت أخرى أن عشيقته سئمت من معاشرته لها من مكان غير لائق ، فأعطته (التوكال) . وقالت ألسن أخرى شريرة ، أنه كان يمارس زنا المحارم مع بناتها الصغيرات ، فوضعت له السم في الأكل.
أجمع الكل على أن موته كان مشكوكا فيه ، بدليل تساقط شعره بشكل يدعو للدهشة ، لذلك أصبح أصلعا في ظرف وجيز. التفت يمينا ، وجدت قنينة ( كولا) جاثمة قربه على هيئة راقصة عارية ، كانت لي رغبة في ترطيب حنجرتي ، شممت فيها رائحة قاتلة للكحول هي الأخرى ، فأحجمت. رفعت بصري ، كانت في الاتجاه المقابل صورة شبه عارية لجميلة من الجميلات . اختلفنا على تحديد ملامحها ، قال لي بوجمعة أنها مطربة فنزويلية من أصول شامية ، فيما أصر مصطفى على أنها مطربة جامايكية من أصل سوري ، وأنها مثلت مع بوب مارلي في آخر أفلامه...‼.
- صدقت......سورية تقع في جنوب إفريقيا... (يقول بوجمعة ضاحكا)
- أبوها سوري وأمها جامايكية (هكذا قالت الصحف)....لذلك جاء لون بشرتها مفتوح نسبيا ، نتخاطرو...؟.
أصر أحد الحضور على أنها مكسيكية ، وقد مثلت في أحد المسلسلات التي بثتها القناة الثانية على شاشتها قبل سنتين. أما مراد فحدق فيها طويلا ولفافة تبغ محشو بالحشيش في يده ، أخذ نفسا عميقا منها وأعاد التمعن فيها مليا ، انتظرنا منه أن يقول شيئا ، هو الخبير بالرياضيين والرياضيات والممثلين والممثلات . بعد تخمين طويل مع تقطيب الجبين ، وجدية واضحة....
- أنا كنقول هاد الزين إنجليزي.....
وقف بوجمعة من مكانه متمايلا ، اتكأ على كتف مصطفى ، وقد أخذ منه الكحول مأخذه...
- شفتو هاد الزين....ملي كريت هاد البيت وهو هنا ضاحك ، والله ما يعرف شي واحد شكون هوا ، من غير ابا المعطي الحرايفي....‼

#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل