أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعدي يوسف - الحصـــانُ والـجَـنِــيْـبَـةُ















المزيد.....

الحصـــانُ والـجَـنِــيْـبَـةُ


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1049 - 2004 / 12 / 16 - 11:59
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يتعيّـنُ عليَّ إيضاحُ أنّ الجنيبةَ ( الدُّوبة بالدارجة العراقية ) هي واسطة نقلٍ نهرية مسطّحة من الحديد ، وقد اتخذت اسمها لكونها تنتقل جنبَ الضفة ، وفي العراق كان الرجال الكادحون ، وهم على الضفة ، يسحبونها موثقينَ إلى الجنيبةِ بحبالٍ ، قبل أن تأتي المحرِّكاتُ مع الحرب العالمية الثانية . في إنجلترا العتيقة قامت الخيل مقامَ البشر في جَـرِّ الجنائب على امتداد شـبكة القنوات العظمى The union canal.
أعتقدُ أن عبد الكريم قاسم كان أرادَ أن تكون ( قناة الجيش ) بدايةً لما يشبه القنواتِ العظمى . ( كان في دورةٍ بريطانيّـةٍ ، بلندن ، للضبّـاط الأقدَمين العراقيين ، والتقى محمد مهدي الجواهري )
النصّ يهتمّ بحانةٍ كبرى على القناة اللندنية ، تحمل اسـمَ " الحصان والجنيبـة " ، Horse and barge ، اعتدتُ ارتيادها ، وهي ليست ذات خصوصيةٍ معيّنة ، بل أنها أقربُ إلى الرثاثة ، إنْ أردتَ الحقَّ ، لكنها ذاتُ حديقةٍ كريمةِ الإتّـساعِ تُذَكِّــرني بالبارات الصيفية في بغداد ، قبل حملة صدّام حسين الإيمانية ، وهذا التاريخِ الأميركــيّ العجيبِ الذي جعلَـنا أقربَ إلى مكةَ من واشنطن .
وثـمّتَ جنائبُ ضـيِّــقةٌ تُـتَّـخَــذُ مساكنَ دائمــةً .
سـكَـنةُ الجنائب الضيّــقة Narrow boats يؤمّـون المكانَ لأنه ملتصقٌ بمرســىً لهم يُدعى بالإنجليزية الفصيحة غيرِ المعتبرةِ كثيراً لدى السكَـنةِ : Marina ، وهؤلاء يشكلون شريحةً اجتماعيةً حقاً. هذه الشريحة تُعتبَــرُ خارجَ السائد عموماً في الطبع والـمَـلبس واللهجـةِ ..
وللمناسـبةِ ، بمقدورنا ، بعد هذا الشــرحِ كله ، أن نقرأ قراءةً واقعيّـةً قولةَ سان جون بيرس : ضيِّـقةٌ هي المراكبُ ، ضيِّـقٌ ســريرُنا .
وعلى أيّ حالٍ ، ســوفَ أبتاعُ جنيبةً ضيِّـقةً ، ولسوف تكون ذاتَ ســريرٍ ضيِّـقٍ حُـكماً !
لكنْ ، في هذا المطر الدائم ، المطر غير المرئيّ ، المطر الذي يشــبهُ زجاج المـطارات …
أقولُ : في مثل هذا المطر ، يكون الكلام عن الماء والقنوات والمراكب الضيِّــقة ، سخيفاً تماماً ؛ لِــمَ لا أتكلّــمُ عن مزارع تربية الخنازير مثلاً ؟
كنتُ أتابعُــها من نافذة القطار المنطلق من لندن إلى أدنبرة في الشمال . وفي العودة لم أرَ المزارعَ . سألتُ رفيقَ
الرِّحلةِ : أين ذهبت الخنازيرُ ؟ قال : لا أدري ، لكن من الممكن جداً أنهم أكلوها ! حســناً … تقصدُ أن البشــر أكلوا كل تلك الخنازير ؟ خذ الكوسج ( سمك القرش ) … كم إنساناً تأكلُ الكواسجُ كلَّ عامٍ ؟ ثلاثةً ؟ أربعةً ؟ قُلْ خمسةً . وهناك سينما وفَـكٌّ مفترسٌ … إلخ . حسناً … اذهبْ إلى الـمَـسْـمكة ، لا تذهبْ بعيداً جداً ؛ اذهبْ إلى سوق الأسماك في " مَـسْـقَـط " فقط . ألا ترى الكواسجَ الصغيرةَ ؟
Baby sharks ? … لكن أسماك القرش ليس لديها ســينما ، أي أن الكواسج لم تنجب مخرجين مـثل مخرج الفكّ المفترس … لكي نرى فكَّ الإنسان والتهامَ الفريســة .



فيكتور هيجو في " كادحو البحر " وصفَ أخطبوطاً هائلاً ، وصراعَ الإنسانِ للتخلّــصِ منه . اذهبْ إلى
بيروس ، مرفأ أثينا … اذهبْ إلى المطاعم في تلك البلاد ، وعلى انتشار اليونان الكبرى في إيجة والمتوسط … هل بمقدورك أن تحصي عـديدَ الأخطبوطات التي يلتهمها اليونانيون كلَّ يومٍ ؟ لِــنَــعُـدْ إلى المراكب الضيِّــقة! أمسِ في " الحصان والجنيبة " … لا ، لا ، لا ، الآنَ في الساعة الثالثة عشرة والدقيقة العشرين تماماً ، يومَ الخامس عشر من كانون أوّل 2004 ، نظرتُ من نافذة المطبخ ( المضبّــبة قليلاً ) ، إلى الحديقة المشتركةِ ، و البَــرِّيةِ الوحشيةِ بعدَها ، والبحيرةِ المتلألئةِ في البُعدِ القريبِ … على الأرضية الخضراء ، كان ما خلّـفه الخريفُ المنقضي من ورقٍ بُــنِّــيٍّ ، يتحركُ كالزرازيرِ . الـبطُّ المهاجِــرُ عبَـرَ منذ الصباح غيرِ الباكرِ . تذكّــرتُ قصيدةً لبدرٍ ( السياب ) لا يتذكّــرها أحدٌ : صيحاتُ البطِّ الوحشــيّ . كانت أيضاً طيورٌ ســودٌ متوسطة الحجم . هي ليست الطيورَ السودَ الصغيرةَ . ليست الغربانَ . قالت لي صديقتي إنها تُدعى Starling ... لم تقُلْ ذلكَ اليومَ . قالت ذلك منذ أيّــامٍ . كنا في مطعمٍ _ حانةٍ ، على ضفة النهر العظيم تماماً ( أقصدُ نهرَ التيمس ) . كنتُ أرى الجسورَ ، الواحدَ يتلو الآخرَ ... قيلَ إن بغداد ستسقطُ بعد
الجســرِ السابعِ ! لماذا ؟ ليس في بغداد سحرٌ ولا ساحرٌ … بغداد مدينةٌ ( ؟ ) متربِّــعةٌ على مَزبلتها مثل دجاجةٍ غـبيّـةٍ . الأتراكُ فقط حاولوا أن يصنعوا منها عاصمةً ، مثل ما حاولوا مع دمشــقَ … الأميركيون
ليسوا بُــناةَ حواضرَ . الأميركيون هادمو حواضرَ . وعلى امتداد قارّتهِــم لن تجدَ حتى مدينةً واحدةً ذاتَ معنى متّــصلٍ . لِــنَـعُدْ إلى الـمِـراكب الضيِّــقة ! أمسِ ، مساءً ، في " الحصان والجَــنيبة " ،
وتماماً عند البار ، رأيتُ شخصاً لـم أكن أتوقّــعُ أن أراه ، شخصاً طالَـما مررتُ به ، وهو في جنيبته ،
على القناة ؛ أحيِّــيه فلا يجيب . أبتســمُ لِـمَـرآهُ فلا يردُّ . هل أتذكّــرُ الفرزدق؟
فما رَدَّ السلامَ شــيوخُ قومٍ مررتُ بهم على سككِ البــريدِ
ولا سِـيْـما الذي كانت عليهِ قطيفةُ أُرجوانٍ في القُــعــودِ
في هذا الشاهد من شرح ابن عقيلٍ ، يحكي الفرزدقُ عن كلابٍ مرَّ بهم . حيّـاهم فلم يردّوا … إنهم شيوخُ القوم ! على أيّ حالٍ ؛ هذا الذي لم يكن ليردَّ ، رأيته جليسي . أنا أيضاً أحبُّ الجلوسَ إلى البار ِ ، لا على كرسيّ
عند طاولةٍ … قلتُ له : أنا أراكَ دائماً . أجابَ : أنا أراكَ دائماً أيضاً . قلتُ له : وأراكَ ساهماً دوماً ! أجابَ : وأراكَ ساهماً دوماً … قلتُ : عجيبٌ ! قالَ : عجيبٌ !
سيكون المســاءُ ثقيلاً ، مثقَلاً . أُفـكِّــرُ في شــراء جَــنيبةٍ . سيكون لي ســريرٌ ضيِّــقٌ فيها ،
كذلك الذي ذكَــرَه سان جون بيرس . وسـأُوصي الـمرأةَ التي أُحبُّ بأن تقتصد في تناول الطعام …

لندن 15/12/2004



#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذاً … خُــذْها عندَ البحرِ
- - الحوار الـمتـمدِّن - : رئةُ الحريةِ ورايــتُــها
- لا قهوةَ في الصباح
- اســـتِــجــابةٌ
- بِــيانُــو كوندولــيزا رايس
- الــنَّــقيــضُ
- تَـعْـشِـــيـقٌ
- الــماندولــيــن
- نــبْــتـةُ الوردِ الإيرلنديّ
- كيف تأتي القصيدة ؟
- محمد علي اسماعيل : الزمنُ مضطرَباً …
- تَـــداخُـــلٌ
- ســانْتْ آيفيس St. Ives*
- مُــلْـحَــقونَ بالقوّات EMBEDDED
- ســـامرّاء
- أ تُـحِــبِّـيـنَ بْــرامـــز ؟
- آثارُ أقدامٍ على الـموج والعشب
- حَـضارِمـةٌ في الأرخَـبيـل
- الطبيعةُ تلعبُ بي …
- الجاحظُ … صديقــي


المزيد.....




- بعد وقف إطلاق النار.. ترامب: تغيير النظام في إيران سيخلق فوض ...
- لماذا يعد تغيير النظام في إيران أمرًا صعبًا؟ أستاذ في جامعة ...
- لماذا اختارت إيران القاعدة الأمريكية في قطر لتوجيه رسالتها ل ...
- المستشار الألماني: -الوقت حان- لوقف إطلاق النار في غزة
- مقتل 4 أشخاص بصواريخ إيرانية أصابت مبنى سكنيا في بئر السبع ج ...
- إيران: هل من بديل سياسي؟
- دوي انفجارات في إيران رغم أمر ترامب بوقف الهجمات الإسرائيلية ...
- غزة: مقتل أكثر من 50 فلسطينيا بنيران الجيش الإسرائيلي معظمهم ...
- إسرائيل: لن نهاجم إيران مجددا بعد مكالمة ترامب ونتنياهو
- ماذا تفعل حين يقرر طفلك التوقف عن رياضته المفضلة؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - سعدي يوسف - الحصـــانُ والـجَـنِــيْـبَـةُ