أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - آثارُ أقدامٍ على الـموج والعشب














المزيد.....

آثارُ أقدامٍ على الـموج والعشب


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 965 - 2004 / 9 / 23 - 10:20
المحور: الادب والفن
    


في أوائل أيلول 2004 هذا ، ذهبتُ رفقةَ صديقةٍ لي ، إلى الطرف القصيّ من كورنوال Cornwall جنوبيّ غربيّ انجلترا ، مع وهمِ النزول إلى الــماء ، وقد حدثَ ذلك ، فعلاً ، لكن لخمس دقائقَ فقط . كان الماء بارداً حتى لتحسّ أنك في مَـغْـطَسِ ثلجٍ …
واقعُ الحالِ أن مقصدي الأساسَ كان الإقتراب من المكان الذي وُلِــدَ فيه أوستِـنْ ويليامز Austin Williams ( لورد جِـمْ )
في رواية جوزيف كونراد الشــهيرة .
ذهبتُ إلى سانت آيفِـز Saint Ives غيرِ البعيدةِ عن بورثليفن Porthleven ، مرفأ الصيد الصغير ، مسقط رأس لورد جِـمْ ، ذي الشاطيء المنفتح شأن شاطيء سانت آيفيز ، مثل حدوة حصانٍ .
وهنا أيضاً ، في فلموث Falmouth ، هبط جوزيف كونراد ، العامَ 1882 ، ليمضي تسعة شهورٍ ، تُـرَمَّـمُ فيها الســـفينة " فلسطين " كي تتمكن من البقاء وبلوغ مضيق بانغكا في الشرق البعيد ، حيث ســتنفجرُ .
أوســتن ويليامز ( لورد جِـمْ ) لم يعُــد إلى بورثليفن ، بعد فضيحته البحرية ، حين هجرَ ، وهو القبطان ، السفينةَ جَــدّةَ التي كانت تقلُّ حجّــاجاً من مســلمي الأرخبيلات .
كان لا يريد العودةَ إلى مسقط رأســه مجللاً بالعار .
فلقد كان أبوه ، القسيسُ الصارمُ ، بانتظاره ، متجهماً أكثر من عادته …
*
وفي أواسط أيلول ، وتحديداً في الثامن عشــر منه ، اتّـجهتُ ، مع الصديقة إيّـاها ، إلى الجهة المعاكسة ، من جنوبيّ انجلترا ، إلى كَـنْـتْ Kent ، نحو كانتربري ذات الكاثدرائية الشهيرة ، الـمَـحَـجّ .
لم نُطِـل مكثاً في كانتربري ، إذ كانت غايتنا قرية بيشوبسبورن Bishopsbourne ، حيث أمضى جوزيف كونراد ســنواته الأخيرة ، مقيماً بمنزل أوزوالد Oswald s اللصيق بكنيسة القرية .
من الطريق الرئيس ، تظهر علامة بيشوبسبورن ، فتنطلق السيارة بطيئةً ، في دربٍ ضيّــقٍ ، لتكون بعد دقائقَ ، حسبُ ، عند الكنيسة .
نهبط من السيارة ، ونتجه إلى الكنيسة ، إلى مقبرتها .
فجأةً يبرزُ رجلٌ باسمُ الأسارير ، يبدو أنه هبطَ القريةَ معنا …
- أتبحثانِ عن جوزيف كونراد ؟
- نعم .
- وصلتُـما . هاهي ذي الكنيسة ، وأمامكما منزل أوزوالد …
- والقبر؟
- جوزيف كونراد لم يُدفَن في هذه المقبرة . إنه كاثوليكيّ .
- أين دُفِــنَ ، إذاً ؟
- في مقبرة القديس توما الكاثوليكية بكانتربري …
أعلينا ، إذاً ، العودةُ إلى كانتربري ؟
قال الرجل ( وهو مؤرخُ المنطقة ) : بإمكانكما التجول في القرية . بعض منازلها من القرن الخامس عشــر .
ربع ساعةٍ كان كافياً للتجوال . ليس من أثرٍ يدلُّ على كونراد . المركز الإجتماعي للقرية يحمل لوحة : قاعة كونراد
Conrad Hall ولا شــيء سوى ذلك .
ذهبنا إلى الحانة ، وكانت توشك على الإغلاق .
قلنا لصاحب الحانة إننا جئنا نسأل عن كونراد ، وجدْنا أنه لم يدفَـن هنا ، فهو كاثوليكيّ .
حين انصرفنا كان روّاد الحانة يقهقهون : كاثوليكيّ في بيشوبسبورن !
منزل أوزوالد ، حيث أقامَ كونراد كان منزلاً واسعاً ، ذا حديقةٍ واســعةٍ جداً ، ومداخنَ معتبَــرةٍ .
ليس من جرسٍ على الباب .
وهناك لوحةٌ ذات حروفٍ صغيرةٍ تقول : الدخول على مسؤولـية من يدخل .
ولوحةٌ ثانية تكاد تَـخْـفَـى : احذَر الكلاب .
دُرنا حول المنزل ، علّـنا نحظى برؤية أحد ســاكنيه …
لا أحد !
*
في مقبرة القديس توما الكاثوليكية بكانتربري ، كان قبر كونراد بلا صليب .
شاهدة قبر ضخمة من الحجر الأبيض ، منقوش عليها بالأســود العريض :

جوزيف تيدور كونراد
كورزينيوفسكي
وُلِـدَ في الثالث من كانون أول 1857
توفِّـيَ في الثالث من آب 1924


ثم تلي ذلك كتابةٌ تقول :
رقادٌ بعد عناء ، مرفأٌ بعد بحارٍ هائجة
طمأنينةٌ بعد حرب ، موتٌ مُسَــرٌّ بعد حياة .


لندن 22/9/2004



#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حَـضارِمـةٌ في الأرخَـبيـل
- الطبيعةُ تلعبُ بي …
- الجاحظُ … صديقــي
- ابنُ عائلةٍ ليبــيٌّ مقيمٌ في روما
- نظــرةٌ جانبيّــةٌ
- قارةُ الآلِــهة
- أجنحةٌ أميركيةٌ متحركةٌ وبعثيٌّ سافلٌ
- بحــثاً عن فردوس الـقِـيَـمِ المفقود
- حُـكْـمُ الـنَّـوكى والحمقـى
- تــنويعٌ ثالـثٌ
- مســاءَ انتهت اللعبــةُ
- يومياتٌ عراقيةٌ - 2
- تجربـةٌ ناقـصـةٌ
- - أبو غْـرَيب - تحتَ ضوءٍ فرُويديّ
- زيارةُ سِـيـجمـونـد فْـرُويد Sigmond Freud
- لا جُـنـاحَ عليكَ
- زاويةٌ لـلـنـظــر
- الأســماء
- طريقُ الشِّـهابِ ، وصالح بِـشْـتـاوه
- دمٌ فاســـدٌ


المزيد.....




- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - آثارُ أقدامٍ على الـموج والعشب