أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - بحــثاً عن فردوس الـقِـيَـمِ المفقود














المزيد.....

بحــثاً عن فردوس الـقِـيَـمِ المفقود


سعدي يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 920 - 2004 / 8 / 9 - 09:34
المحور: الادب والفن
    


مساءَ الرابع من أيلول هذا ، كنتُ على موعدٍ طالَ انتظارُه :
اللقاء مع دانييل بارينباوم ، عازف البيانو القدير ، وقائد الأوركسترا ، وصديق إدوارد سعيد ، وشــريكه في أكثر من مشروع وعمل ، من بينها " متوازيات ومتفارقات " ، والفرقة الموسيقية المختلطة –" الديوان الشرقي / الغربي " ، الإسم المأخوذ كما هو واضحٌ من الشاعر الألماني غوته .
كنتُ استمعتُ إلى بارينباوم يقود اوركسترا برلين الفلهارمونية في تأدية أعمالٍ لفاغنر وليست وموتسارت وغلينكا ودفورجاك ، كما تابعتُ محاولتَــه الذهاب إلى رام الله لتقديم برنامج موسيقي ، وإخفاق المحاولة بسبب إقدام السلطات الإسرائيلية على منعه من التوجه إلى هناك ، بدعوى الخطر الذي قد يتهدده هناك .
هذا المساء ، سيكون الرجل في " الباربيكان " مع فرقته المختلطة من إسرائيليين وعرب ، ليقودها في أداء عملين موسيقيين ليسا هيِّـنَـينِ : الكونشرتو الثالث لبيتهوفن ، والسمفونية السادسة لتشايكوفسكي .
هذا الحفل الموسيقي في العاصمة البريطانية كان ضمن الأنشطة المقامة إحياءً لذكرى إدوارد سعيد الراحل منذ عامٍ .
ذهبتُ إلى هناك ولا يزال مقالٌ أخيرٌ للرجل يدور في خاطري .

***
كان إدوارد سعيد يتحدث عـمّـا سـمّـاه أدورنو ، الأسلوب الأخير، Late style ، وهو تعبيرٌ عن الطرائق الأخيرة التي يلجأُ إليها المبدعون حينَ يلحق بأحدهم الهرمُ أو المرض ، أو كلاهما ؛ وإذ يتتبّـع سعيد خصائص هذا الأسلوب الأخير لدى موسيقيين وكتّـاب وشعراء ، يركِّـزُ على بيتهوفن ، ولامبيدوزا ( مؤلف الفهد ) ، وكافافي الإسكندريّ .
المرحلة الثالثة من مسيرة بيتهوفن الإبداعية تضمُّ أعمالاً من بينها سوناتات البيانو الخمس الأخيرة ، السمفونية التاسعة ، الأربعيات الوترية الستّ الأخيرة ، ويرى أدورنو أن هذه المرحلة تشكل حدثاً بارزاً في تاريخ الثقافة الحديث . إنها اللحظة التي يفارق فيها الفنانُ المتمكن من أداته ، التواصلَ مع النظام الإجتماعي القائم الذي هو جزءٌ منه ، ويحقِّقُ علاقةً متناقضةً واغترابيةً معه . أعمال بيتهوفن الأخيرة هي شكلٌ من المنفى ، بعيداً عن محيطه .

***
" الفهد " ، العمل الفريد ، الذي طُبِع بعد عامٍ من رحيل مؤلفه ، تدور أحداثُه خلال حملة غاريبالدي لتوحيد إيطاليا التي تشكل الإنهيار النهائي لنظام الأرستقراطية القديم ، حتى أمسى البطل ، أميرُ سالينا العجوز ، " وحيداً ، رجلاً تحطمت سفينته ، يتشبث بطوفٍ تتقاذفه الأمواجُ المتلاطمة من كل صوب" . الإنحلال الإجتماعي ، إخفاق الثورة ، الجنوب العقيم غير المتبدل ، كل هذا متبدٍّ في كل صفحة من " الفهد" ، لكن الغائب هو أي حلٍ ممكن للجنوب ، كذلك الذي ارتآه غرامشي في مقالة له ، العامَ 1926 ، ويتضمن تضافر جهود بروليتاريا الشمال وفلاّحي الجنوب ، المضطهَدين جميعاً ، من أجل التغيير المنشود .
الرواية غير معْـنِـيّـةٍ بشيء من هذا ، والأمير في مرضه الأخير ، طريح الفراش في فندقٍ بائسٍ بـ" باليرمو " حاضرة صقلية . لن يتغير شيءٌ . إن أهالي صقلية لا يريدون أي تحسُّـنٍ في أوضاعهم ، لسبب بسيط هو أنهم يرون أنفسهم في غاية الكمال ! أتظن أنك ، يا سيد شيفالي ، أول من حاول دفع الصقليين إلى مجرى التاريخ الشامل ؟ صقلية تريد أن تظل نائمةً بالرغم من هتافاتهم …

***
الـمُـعادِل الشعري لمؤلف " الفهد " لامبيدوزا ، هو ، في رأي إدوارد سعيد ، الشاعر اليوناني الإسكندري كونستانتين كافافي .
معروفٌ أن شعر كافافي لم يصدر في هيأة كتاب إلا بعد رحيله ، في العام 1933 ، وقد كان أوصى بالحفاظ على مائة وأربعٍ وخمسين من قصائده .
من قصائد كافافي المبكرة ، قصيدة " المدينة " الشهيرة ، والتي يحفظها محبّـو كافافي ، وهي حوار بين صديقَين ، أحدهما ( ربما كان حاكماً ) يندب حظه العاثر ، كسجين مدينةٍ مصرية على البحر :
كيف يمكن لي أن أدع ذهني يتعفن في هذا المكان؟
حيثما ولّيتُ وجهي
رأيتُ الأطلالَ السود لحياتي ، هنا ،
حيث أمضيتُ سنينَ عدّةً
أضعتُها ، وحطّـمتُـها تماماً .
المتكلم الثاني يجيبه بعبارات باردة التحديد ، ضيقة المجال ، غير منحازة ، شأنها شأن منهج كافافي الرواقي :
لن تجد بلاداً أخرى
لن تجد شاطئاً آخر .
هذه المدينةُ ستتبعك .
ستُـطوِّفُ في الشوارع ذاتها ،
وتهرمُ في الجِـوار نفسه ،
وتشيب في هذه المنازل نفسها .
سوف تنتهي دائماً إلى هذه المدينة .
فلا تأملَـنَّ في فرارٍ :
لا سفنَ لك
ولا سبيل .
ومثل ما خرّبتَ حياتك هنا
في هذه الزاوية الصغيرة ،
فهي خرابٌ أنّــى حللتَ .

قصائد أمثال " إيثاكا " و " الإله يخذل أنطونيو " تؤشــر لأهمية اللحظة العابرة ، اللحظة الملتبسة ، اللحظة التي لا تكاد تبين ، لكنها اللحظة التي تكتنز الجوهر الإنساني والشِّــعرَ في آن .
يلحظ المرءُ في قصائد كافافي المتأخرة ( شواهد أسلوبيته المتأخرة ) ، تلك القدرة المذهلة على إثارة الخيبة والبهجة معاً ، بدون حل التناقض البيِّــن بينهما .
إن ما يحفظهما متوترتينِ ، كقوّتين متساويتين ، مشدودتينِ إلى اتجاهين متضادّينِ ، هو ، بلا شكٍ ، الموضوعية الناضجة للفنان ، المتخلية عن الإدعاء وكل ما هو فضلةٌ .
ثمّتَ ثقةٌ متواضعةٌ ، تتوافرُ هنا ، مَصدراها : العُــمرُ والمنفى .

***

فردوسُ القِــيَــم المفقود … سيظل مفقوداً
لكننا سنظل نلمحه ، مثل خطفة البرق ، عبر الفن وحده .


لندن 8/8/2004



#سعدي_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حُـكْـمُ الـنَّـوكى والحمقـى
- تــنويعٌ ثالـثٌ
- مســاءَ انتهت اللعبــةُ
- يومياتٌ عراقيةٌ - 2
- تجربـةٌ ناقـصـةٌ
- - أبو غْـرَيب - تحتَ ضوءٍ فرُويديّ
- زيارةُ سِـيـجمـونـد فْـرُويد Sigmond Freud
- لا جُـنـاحَ عليكَ
- زاويةٌ لـلـنـظــر
- الأســماء
- طريقُ الشِّـهابِ ، وصالح بِـشْـتـاوه
- دمٌ فاســـدٌ
- ثلاثةُ وجوهٍ منتفخةٍ غباءً
- كــمْ عدَنٍ ســوف ننســـى !
- الـمـتَـرَحِّـــلون
- ســاعاتُ جان جِـيْـنَـيه الأخيرة
- فَـراشاتُ الأنْــدِيز
- كلامٌ غيرُ مسؤولٍ …
- الجرذان تغادِرُ السفينةَ …
- عطلة الـمصارف


المزيد.....




- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي يوسف - بحــثاً عن فردوس الـقِـيَـمِ المفقود