أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مثنى كاظم صادق - صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف















المزيد.....

صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف


مثنى كاظم صادق

الحوار المتمدن-العدد: 3534 - 2011 / 11 / 2 - 22:33
المحور: الادب والفن
    


صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الألف

مثنى كاظم صادق
قلما قُرأت موضوعة صورة الرجل الفنية في القصة القصيرة جداً، ولاسيما إن شخصية الرجل في السرد تعد مركز استقطاب الأحداث غالباً ، فهو الأول في الخليقة ، وله حضوره الواضح في الحياة ، وإذ نأخذ القاص المبدع هيثم بهنام بردى ، ومجموعته القصصية الموسومة بـ (( الليلة الثانية بعد الألف ))(1) بعده أحد القصاصين المهمين في العراق ، الذين يتواصلون مع القصة وينافحون من إجلها ، مع الإعتراف بالفضل لسواه من أدبائنا ، فضلا عما تنماز به لغته ، من تبسيط ، واختزال وعمق ، وبما تتسم به ، من اتزان وصفاء يخلو من الزيادة المجانية ، وبروز هذه الثيمة ( صورة الرجل الفنية ) في مجموعته هذه ، على أنني اعترف بأن عنوان هذه المدونة ، كبير جداً وواسع لا تسعه هذه الورقة النقدية ، فحسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق . لمفهوم الصورة مسميات ، وتنظيرات كثيرة ؛ نظراً لأهميتها في النص الأدبي ، قديماً وحديثاً ، ولعل أفضل تعريف للصورة هي : (( تشكيل جمالي تستحضر فيه لغة الإبداع الهيأة الحسية أو الشعورية للأجسام أو المعاني ، بصياغة جديدة تمليها قدرة الشاعر وتجربته ))(2) ويؤدي تبادل الحواس ، والتجسيد والتشخيص ، دوراً مهماً في صنع الصورة ، ولاسيما الصياغة التي تخلع على الأفكار والمشاعر ظلالاً ، تأخذ سبلها لعرض أفكار الأديب ومشاعره ، عرضاً أدبياً مؤثراً فيه طرافة ومتعة وإثارة(3) . يرسم هيثم بردى صورة الرجل الفنية في قصصه ، مستعيناً بفنون البلاغة ولاسيما التشبيه ؛ فيحدث بذلك عملية تقشير ( غير تامة ) لشخصية ( الرجل ) وتقديمه للمتلقي ، الذي بدوره سيتمم ـ بحسب فهمه وإدراكه ـ الباقي . وإذا كان التشبيه هو عقد موازنة بين شيئين مختلفين ؛ لوجود مشترك بينهما في صفة معينة بأداة تفيد التشبيه(4) فلا بد أن لا تقتصر أهمية التشبيه على الإيضاح والتزيين فحسب ، بل هو أبعد من هذا ؛ لإنه ينغرس في أعماق الوجدان الإنساني(5). ففي قصة ( الأعجوبة ) يستغل القاص التشبيه ؛ لإظهار صورة رجل مسن قد تهالكت دارته الطينية ، التي كانت في يوم ما عامرة ؛ فعصفتها الأيام ، واستحالت إلى كومة من الحجارة ، إلا حائطاً بقي واقفاً فـ (( تدور العينان الحجريتان ، يراه في تفرده متهالكاً كأرملةٍ في مقبرة مقفرة )) ص 13 حيث يحاول الرجل المسن ، احتضان الحائط عبثاً ، فيقع الحائط عليه فيموت . شبه القاص هنا الحائط بالأرملة في مقبرة مقفرة ؛ لإضفاء طعم الحزن على فقدان شيء عزيز وإظهار مدى تعلق الرجل بماضيه ، ببيته ، الذي ولد من أصابعه ، ويزيد ذلك حزناً وجه الشبه ( مقبرة مقفرة ) فهو لا يدع المقبرة تمر بسلام دون أن ينعتها بالمقفرة ؛ وكأنه أراد أن يسلبه كل شيء لوضعه في موضع النهاية ( الموت ) مندمجاً مع جدار بيته المتهالك . تنماز نصوص هيثم بهنام بردى بلغتها الشعرية العذبة ، المستقاة من ثقافته ومرجعياته المعروفة في الأدب شعراً ونثراً فـ (( اللغة الشعرية في مفاهيمها البسيطة تأتي نتيجة التلازم الحاصل بين الشعر والنثر للدرجة التي لا يمكن معها تصور ماهية الشعر إلا من خلال ماهية النثر))(6) وفي ضوء الموهبة والرؤية التي حباها الله تعالى لهذا المبدع ؛ فإنه يتعامل تعاملا فعالا مع لغته ومحيطه ، ولاسيما عندما يريد أن يقدم شخصية الرجل فنراه يستعمل أفضل الألفاظ رقة وسهولة ، فضلا عن قدرته على الإيحاء ؛ لتكون ذات الرجل هي الكف التي تقبض على الإطار الروحي للصورة . لم تنسلخ نصوص القاص عن تراثها الأصيل ، فأخذ على عاتقه توظيفه في قصصه ؛ ليرفد النص بألفاظ حية متجددة أدت إلى نمو لغته لخدمة الشكل والمضمون في تقديم صورة الرجل ، ومن ذلك قصة ( عشبة كلكامش ) التي يختتمها بالاستفهام التصوري (( لماذا لم يأكل العشبة حال خروجه من الماء ... ثم يهتفون بأسى : آه ... ياكلكامش .)) ص 15 في أمنية مصحوبة بتنهيدة مؤلمة وحسرة تنسحب إلى المتلقي ليشارك بها وكيف لا ؟ وحب البقاء والخلود عالق في الذهن البشري ولاسيما أن تنازع الموت والحياة يمثلان اتجاهين باطنيين في ذات الإنسان / الرجل كما في قصة ( نظرة قصيرة فقط ) عندما (( دخل الرجال غرفته وتناولوا جسده ثم وضعوه في جوف قماش أبيض وأنشأوا يخيطونه حتى غاب في ثنايا هذا البياض السرمدي حملوه ووضعوه في التابوت البارد ألقى عليهم نظرة قصيرة فقط ثم عاود الحراثة )) ص 16 ـ 17 فالرجل عنده يعمل ، يكد ، يتعب ، لكنه في ذات الوقت رجل غامض ، مبهم ، أسير كيانه ، وذاته الحيرى الباحثة عن أسئلة الوجود الخالدة التي تصطرع في داخله. أما الطبيعة فغالباً ما ينقاد القاص لها لتأصيل هوية الرجل وانتمائه إليها فقد عاش في كنفها أجداده وربما قد شارك فيها معهم ، حيث الجبال والمراعي ، وهذا ما حدا به أن يستعين بمعجم الطبيعة الثر ؛ لأن الطبيعة هي المعلم الأول الذي يلهمه فنرى نصوص القاص تزدهي فيها الطبيعة ويوظفها لدلالات رمزية كما في قصة ( محطات ) التي تمثل مراحل حياة الإنسان وجدليته مع الطبيعة عندما يقف طفلاً أمام لوحة (( تمثل شجيرة متسربلة بأوراق خضر )) ص 25 ثم شاباً أمام لوحة (( تمثل شجرة باسقة )) ص 25 ثم كهلاً كي تكون الشجرة (( شجرة معمرة )) ص25 ثم الوصول إلى النهاية الحتمية المعروفة ، لبلورة تصور حول حياة الإنسان الذي هو صنو لهذه الشجرة ، ويميل القاص ميلاً صريحاً إلى ألفاظ الطبيعة لتأثره بها فنجد معجماً للطبيعة عند القاص على سبيل المثال لا الحصر ( جبل / شجرة البلوط / الغيوم الربابية / مطر مدرار / صقر / حمامة .. إلخ ) إذ نسج منها صورة للرجل الذي تسمو نفسه الإنسانية بالمشاعر المرهفة العذبة اللامتناهية وقد غدت صورته أكثر رهافة في قصة ( دعموصة ) عندما أخذته الرحمة بهذه المخلوقة التي كادت أن تموت من شحة الماء فـ (( تفتح فمها أكثر وتتوسل الحياة الراحلة بالبقاء فترة أخرى )) ص 34 فيتذكر (( صوراً شتى لبنىً أنسنية غضة محتضرة تنتظر من يمنحها فرصة لشهيق إضــافي )) ص 34 ليهب للإنقاذ فلم يجد سبيلاً للماء المناسب للحفرة الصغيرة فـ (( فتحت بنطالي وأفرغت مثانتي في الحفرة ثم .. رأيت الجسد المغزلي يسبح في الماء الرغوي بفرح طاغ بان في حركات ذيله اللولبي )) ص 34 فمنحها بذلك فردوسها المفقود ( الماء ) فاختزل بذلك صورة المنقذ من خلال جزء جغرافي صغير ( الحفرة ) ، أما السائل المبحوث عنه ( الماء ) فله قيمته الرمزية ، فهو مادة ضرورية للحياة والخصوبة . الرجل في هذه القصص القصيرة صوفي من سلالة الأرواح ، يتشارك مع الآخر في ثنائية الفرح / الحزن كما في قصة ( الصمت الفـارغ ) حيث يقول : (( فأخذ الرجل يشارك الكراسي والستائر المعدنية واللوحات وتماثيل الأبواب الموصدة بكاءها المرير )) ص 37 إن المجموعة القصصية هذه قد أُنتجت كي يكون فيها النص ، نص صورة فنية ، نجح في تشييدها القاص للرجل ، حيث سار به إلى فضاء التشابك ، والذوبان ، والتماهي ، معبراً عن قلقه ، ولهاثه نحو الحلم ، الذي ينفتح على حرية اللاشعور . إنَّ مجموعة ( الليلة الثانية بعد الألف ) برزت فيها الصورة الحسية والذهنية والرمزية للرجل بشكل فني ، شيدتها لغة القاص التي انمازت بالشعرية العالية .
الإحالات :
الليلة الثانية بعد الألف ، قصص قصيرة جداً ، هيثم بهنام بردى ، سلسلة يصدرها اتحاد أدباء نينوى على نفقة المؤلف 1996 م .
الصورة الفنية معياراً نقدياً ، منحنى تطبيقي على شعر الأعشى الكبير ، د عبد الإله الصائغ دار الشؤون الثقافية العامة وزارة الثقافة والإعلام ، بغداد ط1 1987م ص 159.
فصول في البلاغة د محمد بركات حمدي أبو علي ، عمان الأردن ، دار الفكر والنشر والتوزيع 1983م ص 241 .
فن التشبيه ، علي الجندي ، مكتبة الأنجلو المصرية 1966م ج1 /ص35 .
ينظر : الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث د نصرت عبد الرحمن مكتبة الأقصى مطبعة وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عمان ، 1976م ص 10 .
اللغة الشعرية ـ دراسة في شعر حميد سعيد ـ محمد كنوني ، دار الشؤون الثقافية العامة بغداد ط1 1997 ص 14 .



#مثنى_كاظم_صادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانوراما الذات في شعر علياء المالكي طوق الفراشة انموذجا
- عشاء لملائكة نظرة نحو الوجود وتأسيس الذات
- مع الجاحظ على بساط الريح سيرة قصصية للفتيان
- مؤسسة شهداء ديالى صورة للتناغم الابوي
- تجليات التناص في شعر إبراهيم الخياط
- الزواج من موظفة حلم الكثيرين
- هيثم بردى يؤرخ للأدب السرياني
- مؤسسة شهداء ديالى و(العرف الفوك)
- تراتيل على دم الشهداء
- جيل جديد لايجيد كتابة الانشاء
- ثقافة القيادة
- كتاب مدينة الخالص بعد التغيير
- تأهيل الناقد
- سيميائية العنوان في مجموعة لمن هذه الحرب
- ياسين النصير يعيد لقيصر مالقيصر
- القومية مشروع فاشل إنتهى بكرة قدم !!
- ثقافة الاحذية رؤية سايكولوجية
- إقتناص الذات الذات الضائعة قراءة في قصص تليباثي
- هواية احزاب وشوية الحياطين
- شباب اليوم والانتماء للأحزاب


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مثنى كاظم صادق - صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف