أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صيدالأرانب-قصة قصيرة














المزيد.....

صيدالأرانب-قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3483 - 2011 / 9 / 11 - 21:05
المحور: الادب والفن
    



بدا الناسُ كحشو غير مهم ينتفخ به اليوم ويجاهر بابتذال مقرف فهو يوم آخر من أيام بائسة بتنويعات شتى من القرف ،ولكن الثامن من يناير كان أكثرها إيلاما وقرفا لا لأن يوم أُم علي هو يوم الجميع ذاته فحسب بل لأن ذلك اليوم كان يلمّ بؤسه كله ليلقيه على قلب أم علي فبدت مثل هاجر أم اسماعيل التي ابتليت بقلب مثل الحجر يوم رُميت هي و ابنها في صحراء قاحلة بواد غير ذي زرع ، على الأقل بالنسبة لزهرة أم علي ، أثثته قلوب من حجر ، المسافة بين حجرة الطين الوحيده بوسط حوش الدار المسيجة بالقصب المسفوف سفا غير متقن ، حافية كانت تركض تارة صوب الباب الخشبي ذي الشقوق بين ألواحه و أخرى نحو حجرة الطين تسعي بين هاتين المثابتين سعي هاجر وقلبها يذوب قطعا ، فهي تعرف إن الذي يأخذونه لايرجع ، هاجر كانت تسعى بين صفاة ومروة لا يرجى منهما بلة ماء لكنه الوله على ابنها فلذة كبدها ، كانت أم علي تعرف أن الأمر خطير لكنها ظلت تسعى بين باب الحوش و غرفة الطين اللذين لا يرجى منهما شيء، دارُ أم علي القابعة على سبخ الأرض، كأنها حضيرة أغنام بباب يتكيء على عمود أعوج ولكنه قوي بما فيه الكفاية ليحمل هذا الباب البائس المصنوع من ألواح صناديق الشاي المهرب بأكياس الجنفاص ، تلك الصناديق التي حصلت عليها أم علي من زوجة الحاج خلف التي تكدس في باحة بيتها الكثير من هذه الألواح إثر وجبات تهريب الشاي من بيتها ليلاً ،في الصباحات التي تلي ليلة التهريب عبر الحدود كان الرفيق المسؤول مسرورا إذ يجالس الحاج خلف في دكانه يضحكان ، يتمازحان حد انفلات الهيبة وانزلاقها نحوالنزق الداعر بينما كانت زوجة الحاج منشغلة بمقايضة ألواح الخشب بأي شيء، كانت ألواح باب أم علي الخشبية ثمناً لبساط صوفي ملون حاكه زوجها طيلة ثمانية أيام بلياليها ، المسافة بين الباب و حجرة الطين لا تتجاوز الأمتار العشرة لكنها كانت على تباريح واحدة مع المسافة التي ظلت هاجر المنبوذة تسعى جيئةً وذهاباً وسط هذا العراء بالوادي الأجرد الخالي من الزرع و إذ حاصرها الضمأ لم تجد ماءً تطفيء به نار قلبها المتقدة من هول الفجيعة وتسقي فلذة كبدها المشرف على هلاك أكيد، ماكان ضرّ لو أنه أوصلهما إلى ضفة نهر يترنح في سيره على أرض فارغة ،قال لها يومها يا أم اسماعيل أنني سأنبذك بواد لا ماء فيه امتثالا لأخرى أشعلت قلبها الغيرة كانت الفعلةُ شروعا بالقتل العمد قتل، يتطلبُ قلبا من حجر، الذئابُ تجوس المكان لكن عطش ولدها كان أشرس من ذئاب الصحراء ولو أنها أُكلتْ قبل ابنها لكان ذلك أكثر رحمة بها من رؤية ابنها يموت ، هكذا كانت الأمور ، سبعة أشواط سعتها هاجر و انبجس ماء زمزم فارتوت وارتوى اسماعيل لكن أم علي منذ الصباح الباكر لليوم الثاني على اقتياد إبنها لدهاليز الأمن والبنايات التي تغص باللون الزيتوني قد سعت بين الباب وحجرة الطين بوله يفوق وله هاجر على ابنها سبعين شوطا وضاع عد الأشواط إذ لا معنى للعد وسط جدب الغوث وسيل الحيرة والرجل الأعمى زوجها الذي كان نساجا ماهرا في يوم ما لا يفتأ يردد يا مغيث هاجر بابنها أغث زهره بابنها علي ، بلغت أشواط سعي أم علي المئات ثم انهارت تسفح دمعا كمجرى نهر المغتاظة * على خدين أعجفين أيبسهما الزهد انتظارا لرفد علي الذي تخرج معلما ولم يستلم راتبا بعد ، الأوغاد استكثروا عليه أن يقتسم حلمه مع إخوته و والديه ، كنت أعرفه منذ الصغر ، لا شأن له بما يصطرع عليه الأوغاد ، التقيته قبل أن يبتلعه الوحش الزيتوني بيومين ، حكى لي عن آمال ظل ينسجها على مهل أحيانا وبنفاذ صبر أحيانا أخرى كما كان يفعل أبوه الحائك ولكن وعلى مقربة من اكتمال بساط آماله الملون ساح لونٌ زيتونيٌ غامقٌُ فأتلف بساط الآمال ليلة الثامن من فبراير كان الضباب يلف الحلفاية *من كل صوب لا يستطيع الرائي أن يميز أصابع كفه و اختلاف حجومها بين خنصرٍ و إبهام ، تنشط عادة بنات آوى و الضباع حين ينتشر الضباب ويزدهر تهريب الشاي مالئةً جيوب بدلة الرفيق وتنشط ضباع الحزب لقنص مريب فرأت الضباع أنه يوم ملائم لصيد علي وما كانت زهرة ضرّة لأحداهن وما كانت إلا أما وماكان إلا إبناً ، ظنّ القدر الأخرق أن علي كان إبهاما في كفه ، بيد أنه في الحق لم يكن إلا قلامة ظفرٍ مهملٍ صغيرٍ في أقصى الكف ، منذ ذلك الحين و أنا الذي عرفته طفلا ويافعا ورجلا لم أجد تفسيرا مقنعا سوى أن الضباب الكثيف يهيج الوحوش المتسلسلة في سلسلة ذرعها كل هذا القبح الزيتوني لينصرف الوحش إلى اصطياد ضحاياه كيفما اتفق ، لا يميز بين أرنب صغير و ثور وحشي ، هل كان الوحش الذي ابتدع فرية التبطل و مناصبة الوحوش العداء على أرنب وادع كعلي إلا استسهالا وإيغالا بوحشية غاشمه ، وكان ضباب ذلك اليوم الثامن من يناير يصنع ستارا سميكا ويعدّ مسرح الوحش مضيقا الخناق على الضحية مطلقا اليد للوحش الزيتوني ، رحتُ أستعيد ما رسب في قعر دماغي من صلف تلك الأيام السود ، إذ لم أجد تفسيرا للطعنة النجلاء الأخرى لقلب أم علي باقتياد ابنها الثاني قاسم غير إنني اكتشفت بعد سنين طويله لم تجف فيها دموع أم علي بأن الوحش كان ينشط في مناطق الفقراء الملوثين باحلام مشروعة وشبه مستحيلة ، كانت الضباع تتصيد الكلمات التي تهرب من الأفواه على غير هدى لتكتب تقارير الموت ، فيستطيل سن آلته ليفرم الضحية بدلالة فقه اللون الزيتوني ، وهكذا شُلّت ساقا أم علي عن السعي في أشواط أخرى ، إذلم تفتح لها السماء غطاء زمزم في باحة بيتها رغم أنها سعت بسبعين شوطا بين حجرة الطين و الباب الخشبي المصنوع من ألواح خشب صناديق الشاي المهرّب بأكياس الجنفاص ، لم أكن أتوقع كل هذا الصمود الهاجري الفائق لزهره أم الشهيدين إثر موت بعلها أبوهما الذي سرعان ما تفتت كبده والتحق بهما و عجبت لباحة الدار كيف صمدت ولم تنبس ببلل قليل رغم سعي زهره المتصل سبعين شوطا بين صفا حجرة الطين و مروة الباب الخشبي البائس ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*المغتاضة: جدول يتفرع من نهر المشرح
*الحلفاية:ناحية من نواحي محافظة ميسان



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عللاني بما مضى -قصيدة
- نزيهة ُ حبيبتي - قصة قصيرة
- `ذاكرة خريف
- أيها القمر
- قَتَلة- قصة قصيره
- يا سيد النخل
- طقوس مختلفة
- سقوط مريع -قصة قصيرة
- طوقان- قصيدة
- دم......دمة نص مدور
- ظننتك لي أخا
- شرفة تطل على جهات أربع-قصة قصيرة
- وصايا- تهويمات
- حلم وردي- قصة قصيرة
- سراب- تهويمات
- براعة الماء-قصة قصيرة
- يا نون يونس- قصيدة
- يانديمي-قصيدة
- صرصار- قصة قصيرة
- شيطان الآن-نص تهويمي


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - صيدالأرانب-قصة قصيرة