أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - سقوط مريع -قصة قصيرة















المزيد.....

سقوط مريع -قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 3429 - 2011 / 7 / 17 - 15:26
المحور: الادب والفن
    


سقوط مريع
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي

وصل في ساعة متأخرة من ليل بهيم إلى البيت، كان الجميعُ قد أستغرق في نوم عميق ، هذا شخير أبيه يتردد في أذنيه كالقصف أو كقعقة سيوفٍ ملتحمة في عراك ، إلا إن ذلك لم يكن ليطمئنه فأمه لاتنام إلا قليلا بعد ما فقدت إبنها البكر إذ خرج ولم يعد منه سوى بعض أشلاء محترقة، أنكرت في حينها أنه ابنها لكن بطاقة هويته و حافظة نقوده التي تحمل صورته لم يبقيا لها مجالا للشك، لهذا فهي لم تعد تنام، وحتى لو نامت فإن أصوات انفجارات تترددفي رأسها فتستيقظ مولولة تصيح ،إبني ..إبني. يالهامن كارثة لذا عليه أن يخلع حذائيه ويتسلل إلى غرفة نومه خشية أن تظبطه الوالدة وتشم رائحة فمه ليكون ذلك سببا آخر لأحزانها التي لا تنقطع إندسّ في فراشه وكان التلفاز يبث أخبارا مقلقة كالمعتاد... جاء في بيان قيادة عمليات.... أن سيارة مفخخة انفجرت....التقديرات الأولية ثلاث وسبعون ضحية بين قتيل وجريح... تناول الريموت كونترول وراح يقلب قنوات التلفاز... وفي لحظة ميزها الغموض و تلبستها الريبة وجد نفسه مقيدا على الكرسي الخشبي الذي تركه تحت مكتبه حين نام، تذكر أن الريموت كونترول قد سقط من يده ، حاول أن يمد يده ليتناوله لكنه وجد أن جسمه قد أوثق على الكرسي بحبل متين لا يستطيع الفكاك منه، ثم حاول مرة أخرى إلا أنه هوى بكرسيه الموثق عليه إلى هاوية ليس لها قرار ، لم يكن هذا الهبوط المريع والسريع أن يسمح له بالتفكير ومحاولة الحصول على إجابات لتساؤلات كثيره ملأت رأسه ، وهو يتقلب في الفراغ موثقا على ذلك الكرسي ، كان مشدوداً بحبال متينة لذلك رشح لديه شعور بأنه لن ينفصل عن ذلك الكرسي الذي يطير به متقلبا في فراغ مطبق ، هابطا إلى ما لا نهاية له ،في البداية كان خوفه لا يتيح له مجالا لقلق أو ما شابه ذلك من تفكير في اللحظة الماثلة إذ أن هذا السقوط السريع و المريع قد حجب كل مشاعره بعدها تمكن من مسك بعض أنفاسه المتقطعة ، تجمع شعوره على شكل كتلة من القلق الخارق وهو يدرك بأنه في حالة هبوط مستمر نحو حضيضٍ ما لكنه لا يعلم بعد أي حضيضٍ هو.. وبين تقلباته في الفراغ على هذا الكرسي، يصل إلى سمعه أحيانا صوت مذيع التلفاز من منطقة موازية لنفق هذا الهبوط المستمر إبالسرعة و الروع ذاتهما
_ قال مصدر في الطب العدلي أنه تم انتشال سبعين جثة مجهولة الهوية من نهر دجلة في المنطقة المحصورة بين الأعظمية و الكاظمية....، ينفصل صوت المذيع ويواصل انتباهته لسقوطه السريع و المريع، وحين تخيل منظر الجثث الطافية على وجه الماء انتابه هلع مطلق تفجر في دواخله على حين غرّة يشبه ما يصيب المتردي من علٍ شاهقٍ يعد اللحظات التي تفصله عن ارتطامه بالأرض وتمزقه إربا في أية لحظة قادمة، أغمض عينيه ونطق الشهادتين وعمد إلى قراءة آية الكرسي التي كان قد جرب مفعولها كثيرا قبل ذلك لكن هذه المرة لم تزده إلا قلقا إذ ذكرته بخطاياه الكثيرة وبالعذاب المنتظر وبالكرسي الموثق عليه وباللحظة التي سيتفلطح فيها على قعرٍ ما وعلى ذلك فما كان له إلا التسليم بمصيره الذي يتخيله والذي يمكن أن يحدث في أية لحظة قادمة ، لكن هبوطه استمر وراح يواصل انتظاره وقد تلبسه يقين خارق بالنهاية المروعة و تخيل خلايا جسده كلا تتألم على حده و نثار لحمه يرتجف مثل لحم الخروف المسلوخ توا ، شعر أنه مخذول في تلك اللحظة وقد اختفى الجميع أو انفصلوا تماما عن محنته وكأنهم فروا إلى جهة مجهولة، يا إلهي حدث نفسه ، أما من مغيث ، انهمرت عليه الأفكار وزهد بكل شيء حتى أنه كان مستعدا في تلك اللحظة أن يوقع على ورقة بيضاء يملي فيها من يشاء عليه ما يشاء منه ولو كانت روحه مقابل أن ينتشله من هذا الوضع، ولا يعلم كيف تسنى له أن يتصور مصيره ممزقا كبصقة على بلاط أبيض، كيف تسنى له تحديد لون البلاط ، هذا ما أدهشه في تلك اللحظة الإستثنائية ، طال عذابه ولم تأتي هذه اللحظة و سقوطه نحو قاعٍ مجهول مستمر بنفس السرعة و الروع، أخذ خوفه يتسع حتى لكأنه قد شمل الكون كله نفخ الخوف نفسه بداخله كبالون هائل الحجم وعند هذه النقطة من اتساعه بدأت أهمية الخوف تتراجع وبدأ بالتعايش مع خوفه و الآعتياد عليه ولا زال هبوطه مستمرا، بدا الخوفُ أليفاً مثل قطةٍ صغيرة إذ أن سقوطه لانهاية له وعند هذا الحد توقف عن التحسب والتوقع والخوف وشعر براحة و رضا رغم أنه لازال يواصل الهبوط حتى أنه تمنى أن يستمر هذا الهبوط، صار هبوطه أشبه بلعبة ، مريحا مخدِّرا ذلك لأن لحظة الإرتطام قد أقصيت عن الصورة و انزاحت جانبا ولم تعد أمامه ولا زال الكرسي يهبط بالطريقة ذاتها ،لم يتغير شيء سوى أنه اعتاد الوضع و كأن هذا السقوط المريع هو الوضع الطبيعي الذي غفل عنه زمنا وكأنه وجد هكذا ليسقط هذا السقوط الحر ولما توقف عن الإنشغال بكل ذلك بدأ السأم يتسلل إلى روحه ، العجيب أنه صار يتمنى ما كان يخشى وقوعه ، يرتطم بشيء ثم ينتهي الأمر ولم يعد مهتما بالحبل الذي يوثقه بالكرسي إذ كان قبل برهة يتفقد متانته بقلق بالغ ،الآن لا يفعل ذلك، لم يعد الأمر مهما ، أطبق الصمت على الوجود كله شمل ذلك روحه و عقله وانسحبت الرؤية بداخله واختلف الأمر كله وصار لايهمه أن يعلم إلى أي مدى سيستمر سقوطه في هذه الحلكة ، لايعلم كم مر عليه من الوقت، فجأةً شعر أنه قد ارتطم بشيءٍ صلب ، ظل مغمض العينين لا يجرؤ على فتحهما خوف أن يرى جسده وقد تبعثر كما كان يتوقع كل عضو في ناحية ، لكنه لم، يحس بألم ورويدا رويدا فتح عينيه وجد نفسه قدسقط من سريره ذي القوائم العاليةوقد التفّت على صدره و عنقه ويديه ملاءة السرير التي بدت مبرومة كحبل ، تناهى إلى سمعه صوت مذيع التلفزيون وهو يقول : هذه إعادة لما ورد في النشرة... صرّح مصدرٌ مسؤول أن سيارةً ملغمةً ..... صمت لحظةً ثم أطلق ضحكةً مجلجله هرعت إليه والدته وهي تبسمل وتستعيذ بالله من الشياطين.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طوقان- قصيدة
- دم......دمة نص مدور
- ظننتك لي أخا
- شرفة تطل على جهات أربع-قصة قصيرة
- وصايا- تهويمات
- حلم وردي- قصة قصيرة
- سراب- تهويمات
- براعة الماء-قصة قصيرة
- يا نون يونس- قصيدة
- يانديمي-قصيدة
- صرصار- قصة قصيرة
- شيطان الآن-نص تهويمي
- أخدود النار
- يا خليّ الفؤاد-قصيدة
- أوراق التوت- تهويمات
- محنة الماء- قصيدة
- مزمور لسيد الأنهار- تهويمات
- براءة-قصيدة
- كذبة هوى
- مزامير-نص صامت


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - سقوط مريع -قصة قصيرة