أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - العراقيون والضحك والسيارات المفخخة















المزيد.....

العراقيون والضحك والسيارات المفخخة


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 1032 - 2004 / 11 / 29 - 05:41
المحور: الادب والفن
    


قال الفيلسوف العابس والحزين على طول الخط (نيتشه) وفي واحدة من حواراته الذهنية مع شخصيته المحببة (زرادشت): (ربما أنا أعرف أفضل من الجميع لماذا يضحك الإنسان وحده. لأنه الوحيد الذي يتألم من الأعماق، لدرجة جعلته مضطراً إلى اختراع الضحك. أن أكثر الحيوانات تعاسة واكتئاباً هي في الحقيقة أكثرها مرحاً..)..
لو عملنا بمبدأ المقايسة، علينا أن نستنتج؛ أن العراقيين هم أكثر الشعوب على هذه الأرض تعلقاً وعلاقة بالضحك. لأنهم تورطوا بتاريخ طويل من الألم والتألم من الأعماق، حتى غدا الحزن وهو المقابل للضحك جزء من موروثهم الشعبي. العراقي يكاد يكون بطبعه حزين، مهموم، متألم. ولعل الشكل الفريد والاستثنائي من السخرية المسمى بالسخرية السوداء، الذي أنتج النكتة السوداء، لم يزدهر إلا في العراق. شكل من التنكيت على سواده إلا أنه قادراً على تسبيب مغص في البطن من فرط الضحك. لا أدري إن كان الأمر شبيهاً بالإدمان المخدراتي، مثلاً؛ بعض الأجساد تكفيها لفافة حشيش واحدة، لجعلها تترنح من الزهو والحبور والعيش في عوالم فضائية، بينما أجساد أخرى لا يكفيها طن حشيش. لهذا شاع المصطلح المقابل في ثقافة الضحك العراقية، الذي يوشم كل نكتة لا توجع البطن وتبول السامع أنها (نكتة فطيرة)، يعني أنها نكتة بيضاء مقابل تلك السوداء الباحث هو عنها. لو أعمل الباحثون فكرهم في النكات السوداء، لوجدوها عالم متفرد من الخيال والخيال المبدع، رغم أن عموم النكات تعتمد الخيال. تأملوا معي الخيال الذي أنتج النكتة التالية:
هناك شخص يدعى (عبد الرحمن المرشدي)، اشتهر في مدينة (الثورة) أولاً ثم البلد كله فيما بعد، كونه قادراً على صنع النكتة في بضعة ثوان، إضافة إلى ترهيم ألحان رومانسية جميلة لأغاني مشهورة وإسقاطها على مشاكل معاصرة، خصوصاً وأن له صوت عذب وشجي، لكن سرعة بديهته المذهلة في حقل التنكيت، غطت على مواهبه الأخرى. أذكر لقاءاً له مع إذاعة (دجلة) في أواخر شهر تموز من هذه السنة. سمعت طرفاً من اللقاء كوني كنت في سيارة تكسي، لكم تمنيت لو يطول الطريق إلى مدينة الثورة أكثر من ساعتين لأسمع كل اللقاء. على مدى وقت البرنامج الذي كان على الهواء، تعاونت المذيعة والجمهور على طرح الأسئلة عليه، في الحقيقة لم تكن أسئلة، بقدر ما هي مشاكل يفترض عرضها على مسؤولين معنيين في وزارات مختلفة.. لم تخرج عن ما يعانيه عراقي القرن الواحد والعشرين.. الأمن، الكهرباء، الماء بشقيه الخفيف والثقيل، البطالة، الزبالة، الوقود.. على مدى البرنامج و(المرشدي) ينتج ويوزع الضحك بطريقة مدهشة، بالتأكيد كان وقع ما قاله ثقيلاً جداً على آذان المسؤولين، لو كنت مكان أحدهم ليس أمامي غير واحد من أثنين، أما الرحيل عن المسؤولية أو عمل شيء لحل المشكلة ومهما كانت التزاماتي وارتباطاتي المشاريعية. قبل نهاية البرنامج سألته المذيعة:
ـ ظلت مشكلة واحدة تهربت منها ولم توجد لها حلاً.. هي مشكلة انقطاع الماء.
أجابها بآهة وحسرة. ثم قال:
ـ أرجوك لا تذكريني.. لأن أبن عمي صار له سنة ما سابح.. تعرفين هسة شلون حالته..؟
سألت المذيعة ببراءة:
شلون..؟
ـ يمعودة .. ﮔام ينتل!!!
النكتة السوداء تعبر عن آهة أو صرخة من الأعماق لا تعرفها وتتفاعل معها غير أعماق مشابهة ابتلت بما ابتلت به الأولى. لذلك من غير المعقول أن تمر سحابة السيارات المفخخة والانتحاريين في أجواء بغداد والبلد كله دون موقف فلسفي فكري سياسي عميق يتقمص نكتة، كذلك سوداء. إليكم ذلك الموقف:
قيل أن دجاجة قررت القيام بعملية انتحارية، وبعد التنفيذ الناجح، قدمت قناة الجزيرة الفضائية شريط فيديو فيه وصية الدجاجة. كانت الوصية بعد البسملة، جملة واحد: خلو الماجي ينفعكم!!!
إلى جانب النكتة السوداء، ابتدع العراقيون لهم فناً آخر أسموه (الحسجة)، وهذه كذلك نكتة إنما متنها وموضوعها يكاد يفارق النكتة السوداء، لأنها تعتمد شكل استثنائي وفريد من التورية للإشارة إلى أفكار عميقة تكون متوارية خلف حكاية وهمية أو طرفة عابرة، في الغالب تكون بإيحاءات سياسية، لا يمكن قولها صراحة، لأسباب تخص القمع المتوارث في العراق منذ زمن الطوفان إلى الآن. أوجد العراقيون بالطبع لهذين النوعين من الضحك (النكتة السوداء والحسجة)، نماذجاً بشرية جعلوها مشجباً لهمومهم الكثيرة.. بدءاً من جحا وحماره – كل موروث جحا صناعة بغدادية أصلية بامتياز- وصولاً إلى (خلف بن أمين) وهو أمير الكذب البغدادي. هذا الأمير هو شخصية حقيقية من لحم ودم، كان يجلس في المقاهي وله بيت وعائلة وأصدقاء.. لكنه كان يجيد فن الكذب الأبيض، وهذا لتمييزه عن بعض الخبثاء واللصوص والمنافقين والدجالين الذين يجيدون الكذب الأسود. كذب أميرنا كان كله أبيضاً لم يضر أحداً ولم يترك ضغينة في قلب أحد.. لعل من أشهر كذباته هي قصته مع الرئيس الأمريكي ترومان. أدعى (خلف بن أمين) يوماً وهو يرد على إلحاح الأصدقاء وتفقدهم لحاله، أن سبب غيابه الطويل عن المقهى، كانت زيارته الأخيرة لأمريكا بدعوة من ترومان (هكذا، ترومان بدون أي تعريف آخر وكأنه صديق من حارة مجاورة)، ولما شد انتباه الجالسين ورأى عيونهم تسأل المزيد، أضاف:
ـ لبيت الدعوة بعد إلحاح بالطبع. لكن تعرفون شنو أكثر شيء لفت انتباهي..!!؟؟
عيون الجميع وآذانهم تسأل وهم على قناعة أن (خلف بن أمين) سوف لا يخيب ظنهم سيأتي بمفارقة تثير فيهم ضحكاً لا ينقطع ربما على مدى أيام.. لذلك رد الجميع: شنو!!؟؟
قال:
ـ تصوروا كنت أنا وترومان جالسين في عربة الرئاسة، نسير في شوارع واشنطن، ونتسمع لخبب الحصن القوية وهتافات الجماهير المرحبة بي. وصل سمعي من أحد الأرصفة حديث شاب وشابة كانوا يتحدثون ويلوحون لي، سمعت الشابة تسأل الشاب:
ـ ما تـﮕلي منو هذا الجالس إلى جانب خلف بن أمين..!!!؟
ربما معك حق أيها الأمير في تصور عظمتك وشهرتك.. لأن بلدك في مستقبل لا تكون أنت حاضر فيه، سيكون أشهر من نار على العلم الأمريكي.. بل تحول إلى الناخب الأول في الانتخابات الأمريكية.. هل سيعيد التاريخ ذلك المشهد الرومانسي، الذي ابتدعه خيالك أو خيال البغداديين، عن عربة رئاسية وحصن رئاسية ورئيس عراقي إلى جانبه رئيس أمريكي منتخب حديثاً أو قديماً، ليأتي حفيدي ذينك الشاب والشابة ويتساءلان وهما يبتسمان ويحييان العراقي، ذات السؤال: ألا تقل لي من هذا الجالس إلى جانب الشيخ الياور..؟؟



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يترك فقهاء القطيع الباب موارباً
- لكي لا يضيع نداء حمد في لجة الصراخ.. إلى حمد الشريدة
- قنوات الواقع الافتراضي العربية
- لماذا قناة العربية دون الجزيرة..!!؟
- بورترية لوأد النساء في زمن الصحوة
- أدعية على الهواء للإله المخطوف
- لماذا يكون الزرقاوي أشعل منك يا شعلان..؟
- خرائط تبحث عن من يرسم ملامحها
- الموقف الفرنسي من وحلٍ إلى وحل
- عيون وآذان جهاد الخازن وأخطاء علاوي
- بماذا أرد على صديقي المتشائل..؟
- مرة أخرى.. عن الشعب الكردي وقضيته
- حلم امرأة
- شارع القدور
- ماذا تبقى من مشروع لجنة اجتثاث البعث..؟
- كرسافة
- صلح الحديبية الثاني..!!
- تغيير اسم حزب البعث
- فقهاء الأجراس
- توريات عراقية في زمن الاحتلال


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - العراقيون والضحك والسيارات المفخخة