أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - حلم امرأة















المزيد.....

حلم امرأة


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 09:31
المحور: الادب والفن
    


لا أدري أين الحد الفاصل بين حلم وكابوس. حقيقة، أن حدود كثير من الأشياء والمسميات أخذت تتداخل في رأسي. أعرف أني كنت في نزهة حلم.. ثم تحول إلى كابوس.. إنما هذا وذاك ظلا يتبادلان الأدوار والإيهام. منذ وهلة دخولي وزوجته البيت، وعيونه ما انفكت تساءل عيوني. عشقت البيت، ولا أريد الانفكاك من لحظات تتطاول بفحيح ملتبس يطلقه الرجل واتحايده. ليس الرجل فقط من اتحايده، رخاوة اللحظات وتمددها، شياطيني التي عادت تنخر في صدري وتجوف رأسي.. وهذه الشبكة العنكبوتية اللعينة ذات الخيوط الحديدية الناعمة، التي تطلقها عيون الرجل، تتشابك نهاياتها مشحونة بما قدر الله لها من شبق وفحيح. لِمَ لا يكون الرجل مشتهى؟ كيف لي أن أعرف.. دهر مضى منذ نظفت رأسي وصدري من وساوس تلك الشياطين.. كنت أقطع دابرها في كل ليلة تدهمني فيها، ببقايا زوجي الغائب، رائحة عرقه في ملابس حرصت على أن أجلبها معي في رحلة تيه طويلة تقاذفتني فيها الحدود. صور صغيرة وكبيرة ملئت بها فضاءات البيت.. ثم هذا المَعلَم الشائك.. أولادي.. كل يوم تنحفر على أجسادهم ملامح أخرى من أبيهم. كنت أتخذ من تلك البقايا درعاً أتحصن به ضد تلك الشياطين اللعينة. ها هو الرجل يحاول النخر بعيداً.
كانت زوجته تعد لنا القهوة، هكذا أخبرتنا حين غادرت الصالون. لا أدري الآن، هل هي حقيقة تعد القهوة.. أم تستكمل حلقات أخرى من فخ أرادت إيقاعي به؟
كنت لم أزل مخدرة بعطر مدوخ تبثه الجدران، الأثاث، الهواء، حتى الهواء بدا لي لا يشبه هواء الخارج. دعاني لرؤية بقية غرف البيت، تبعته. دار بي مثل مرشد سياحي.
ـ ... سأريك الآن غرفة الأطفال.
تبعت الرجل حيث أشار وكأني منومة. كانت الغرفة هي الأخرى جميلة. جذبني فيها تناسق الألوان في أثاثها، واضح أنها قد أُعدت لطفلين. يا لها من كاذبة تلك المرأة، زعمت لي أن لهم طفل واحد..!! أجد الغرفة كأنها أُعدت لولديّ أنا، كأنها فُصلت للحلم، ليس لها شكل معروف، تأخذ شكلها من الحلم، من نوايا وهواجس وخطط استهلكت مني علب دخان، فناجين قهوة، أطنان من حسرات وآهات وأشباه أخرى ساخرة من ولوجي كل هذا الانحدار في التمني اليائس.
أدور خلفه في البيت الكبير الكائن هو الآخر بلا شكل هندسي معروف ويدور السؤال في رأسي؛ هل ما زال الكابوس أو الحلم مستمراً .. كيف وصلت إلى هذا البيت، ما الذي دعاني لتلبية دعوة زوجته التي لا اعرفها. هل يكفي اختلافنا حول عربة طفل وجدتها أنا في الشارع، وأرادتها هي..؟؟ لكنني تنازلت عن العربة، مع أني من وجدها، قلت لها: خذيها، أن ابني قد كبر عليها، هي لك. بغتة تحولت سحنة المرأة من العداوة إلى الصداقة، بدت سعيدة بلقيتها، أي لقيتي. ثم دعتني لشرب القهوة عندها. لم تكتف بالدعوة الشفوية، بل وجدتها تسحبني من يدي، ربما لتمنع أية محاولة رفض. صحيح أني لم أرفض صراحة تلك الدعوة. لكن كيف لي أن أرفض، وهي في سحبها لي من يدي وجدتها قد نقلتني من عالم إلى عالم، أخذتني إلى حدود أخرى، ليست حدودي، إلى عالم ليس عالمي، أنا اعرف منطقتي وحدودها، هنا الجيران ليسوا جيراني، ليس هذا فقط ما أدهشني وعقد لساني عن التعبير صراحة عن رفض دعوتها ، إنما ما أربكني أنني وجدت الناس هنا يتكلمون لغة أخرى، ليست لغتي، كذلك ليست تلك التي يتكلمها الناس حيث لجأت أنا وأولادي بعد اختفاء زوجي. لكن الأغرب من هذا وذاك، كنت أفهم حديث الناس!! سمعت أثناء مرورنا أنا وزوجته، من تلك الجادة الرفيعة المحفوفة بالأشجار والحدائق والقنوات، حديث اثنتين من جاراتها، سمعت إحداهن تقول لصاحبتها من على شرفة البيت الكائن فوق رؤوسنا..
ـ انظري إلى فستانها، انه يسع 12 شهر حمل.
كانت المرأة تقصدني. لقد كنت ارتدي فستان حمل، مع أنى لست بحامل، هكذا، أجده الأقرب إلى مزاجي من بين فساتيني.
كان في غرفة الأطفال سريرين كبيرين، عليهما ملاءات وأغطية حريرية، تتناغم ألوانها مع ألوان الجدران والأرضية والستائر، على الجانبين المقابلين للسريرين مكتبي أطفال، فيهما وعليهما كتب واوراق ودفاتر، منسقة بشكل جميل، كل شيء مُعد لطفلين سعيدين، تحتل صورتيهما ركني المكتبين. يا إلهي أين أنا؟ ما الذي جلب صورتي ولديّ إلى هنا!؟ هاتان الصورتان لولديٌ أنا.. هذه صورة الكبير وهذا الصغير. أدرت رأسي مصعوقة إلى الرجل وعيوني تساءله، لم يجب، بل اكتفى بحركة رأسية من الأعلى إلى الأسفل. أدرت رأسي ثانية كأني أبحث عن معالم أخرى، اصطدمت عيناي في الركن المقابل للسريرين، كانت هناك زاوية من الأرائك الجلدية كذلك، لكن الملونة برسوم الأطفال، وهي تحاكي ألوان الجدران.. ألوان زاهية، هادئة، تشيع الدفء، الهدوء، السكينة في نفسيّ الطفلين. كيف أصف الغرفة؟ أنها ليست مستطيلة، ليست مربعة، ليست دائرية، ليس لها غير شكل معروف في حلمي أنا، حلمي الذي اجتره مع علب الدخان وفناجين القهوة... حتى سمعتني أردد مع نفسي:
ـ كم هي جميلة هذه الغرفة.
أجابني الرجل وكأنه كان يتوقع ما قلته:
ـ هي لك!
ـ قلت جميلة ولم أطلبها منك.
ـ صدقيني هي لك.. أنا من زمان فكرت أن اهديها لك.
ـ من زمان..!! هل تعرفني؟
ـ نعم أعرفك.. من اليوم الذي أهديت زوجتي عربة الطفل.
بماذا يهذي هذا الرجل؟
ـ لكن، هذا حصل منذ أقل من ساعة،
ـ تستطيعين القول مرت سنين على تلك الحادثة الصغيرة، لكن المؤثرة.
ـ سنين!؟
ـ كان نبلاًً منك، هل تعرفين ذلك؟
ـ أنا لا أدري عن ماذا أنت تتحدث. إن كان عن العربة التي لقيتها في الطريق قبل ساعة..
ـ هل رأيت مقدار تواضعك، هكذا تدعين أنها لم تكن تخصك، لكي لا تشعرينا إننا مدينون لك.
منذ قليل ادعيت أنى افهم لغتهم، لكن كيف لي أن افهم مثل هذا الهذيان، ما قاله قد التبس على فهمي.. وزوجته مازالت في المطبخ، كأنها قد حرنت ولا تريد الخروج من هناك. حين عاد بي إلى غرفة الجلوس، وجدتها قد اختفت، حلت مكانها غرفة أخرى، لم أراها حين دخلت البيت، أجد أمامي سرير يتسع لشخصين. كان السرير كبيرا، جميلا، كأن فيه ذلك النبع الذي تتضوع منه رائحة العطر في أرجاء البيت، رائحة أخاذة، تُدخل الخدر وتزيل البرد الذي أحسسته يجوس ظلوعي منذ غياب زوجي.. لكني لمحت مع ذلك، وعلى ركن من السرير كمية من البامية اليابسة. ربما عرفت الان أين أنا. لقد عدت إلى الكابوس من جديد. لكن، كيف لي أن أخرج منه؟
ـ وماذا تفعل البامية هنا؟
سألت بسخرية، حتى أني ضحكت ضحكة مسموعة..
ـ هل تطبخيها لنا؟ زوجتي تقول انك افضل من يطبخها.
ـ مرة أخرى زوجتك!! لقد تعرفت على زوجتك منذ اقل من ساعة. صدقني.
ـ لكنها تعرفك منذ سنين، منذ..
ـ أرجوك لا تكمل.. لا تقل لي منذ اليوم الذي أهديتها تلك العربة. أن رأسي لم يعد يحتمل المزيد.
ـ نعم. أنها الحقيقة. والآن تستطيعين أن تغيري ملابسك. سأنسحب أنا.
ـ نعم!؟
ـ فستانك هذا اعرض بكثير مما يجب. كذلك لا يصح أن ترتديه وهو مليء بكل هذه الثقوب.
ـ ثقوب!؟ صرت أفتش كالملدوغة بين ثنايا الفستان عن تلك الثقوب، يا ربي ماذا حصل لي.. كانت هناك ثقوب، ثقوب كثيرة، صغيرة وكبيرة، تكاد تفضح عرييٌ اكثر مما تستره..
ـ من أين أتتني كل هذه الثقوب؟
ـ لا ترتعبي هكذا.. كان طريقك صعباً.. وعراً.. وفيه الكثير من أسلاك العالم الشائكة.
لم يعد يهمني كل هذا اللغو الذي يتفوه به الرجل.. أريد أن أعرف فقط ماذا تفعل زوجته كل هذا الوقت في المطبخ؟ لماذا أتت بي إلى بيتها، وتركتني مع زوجها؟
ها هي كأنها سمعتني أخيراً، عادت من مطبخها، حاملة صينية من البلور عليها صحون صغيرة بألوان وأشكال مختلفة، كلها بدت لي تحتوي في داخلها على المربى ولا شيء غيره، آخذت تنظر لي كأنها تراني لأول مرة في بيتها ومع زوجها. بدت مذهولة وحائرة ، حتى سقطت الصينية من يديها، تكسرت الصحون البلورية، وساح نثار المربى على الأرضية بقع ومدورات أخذت تتلجلج. كنت اردد مع نفسي: راح الشر، كما يردد الناس في بلدي إذ ينكسر الصحن أمامهم. لم تفعل المرأة شيئا، كأنها اكتفت، بذلك الفعل، أو رد الفعل، انكفأت عائدة إلى مطبخها، والرجل قد اختفى. اختفى البيت كذلك. وجدت تحت قدميّ جسر صاعد. صرت أجوس ألواحه النابضية بخوف واحتراس، الناس من حولي يحثوني على السير ويدّعون أن لا خوف من هذا الجسر رغم كونه صاعد لا اعرف إلى أين، يا إلهي كل الجسور تنحني في نقطة ما، ما بال هذا الجسر؟ صار يصعد بخطواتي المحترسة الوجلة، يصعد فقط، لا ينتهي صعوده. وجدت إلى جانبي الآن ابني الكبير، كنت خائفة عليه، وهو يأخذ بيدي ويحثني هو الآخر على الصعود، أريد العودة، حاولت العودة، لكني عدلت حين رأيت أبني يتقدمني راكضا إلى الأمام.. وهو يصيح: ماما.. تعالي وراءي، لا تخافي، كل الجسور مثل هذا، وفقط حين تصلين إلى النهاية اقفزي، انظري كيف.. سوف أقفز أنا.. انظري.. هكذا..

خاص بـ(الحوار المتمدن)



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع القدور
- ماذا تبقى من مشروع لجنة اجتثاث البعث..؟
- كرسافة
- صلح الحديبية الثاني..!!
- تغيير اسم حزب البعث
- فقهاء الأجراس
- توريات عراقية في زمن الاحتلال
- لكم أن تكذبوا أمريكا الدهر كله.. إنما صدقوها هذه المرة!!
- قصة طف معلن
- لماذا لا يكون لنا طريق ثالث..!!؟
- ماذا تعرفون عن العلمانية لتطردوها..!؟
- أيها الإسلاميون من كل الأطياف.. رفقاً بدينكم!!
- هل يتحول مرقد الإمام علي (ع) إلى لجنة اولمبية جديدة!!!!
- ألفت انتباه السادة المشاهدين..إلى حلقة الاتجاه المعاكس القاد ...
- من أجل أن لا يضحك علينا الفرنسيون..
- انتخابات.. نعم.. لكن ليس بأي ثمن وبأي شكل
- خواء المستنقع
- ماذا نريد..؟


المزيد.....




- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم كطافة - حلم امرأة