سيدي البليد

سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 09:08
المحور: الادب والفن
    

متى احتفل بك أيها البارد؟ متى ألوذ بعباءتك أيها البليد المعتم الساكن المستقر؟
متى استنشق غبارك، أقبّل أياديك، استسلم لمنجلك الخاطف؟
متى أدخل محرابك المعتم لألقي تحت قدميك أحلاماً زائفة وأمان خاوية ثم ابتهل إليك أن تنقذني من كل هذا الهراء؟
متى أشكو إليك الجميع.. الجميع يا سيدي: الوجود بسنينه، الأرض بسمائها، التاريخ بإنسانه.. الجميع يا سيدي أدعياء وكذّابون، الجميع زائفون وزائلون، كلهم عابرون إلا مجدك، وحده الصادق المستمر، وحده القادر على حرق الأكاذيب والتهام المسافات وإطفاء الأزمنة.
متى أقف أمام قامتك المخيفة، لائذاً مطأطئا مؤمناً ومستسلما؟
لقد وعدتني يا سيدي أن بئرك بلا قرارك وأن ظلمتك أبدية، وهذا ما جعلني أؤمن بك وأشتهيك، فإياك أن تخذلني. إياك أن تتركني أكلة سائغة للهراء من جديد.. إياك.
أنا موقن بأنك لا تُخلف الميعاد فأنت لا تتحدث بالأباطيل، أنت لا تثرثر، لا تكذب، لا تتشدق.. أنت لا تَعِدُ، لذلك لست مضطراً للخيانة.. ولهذا السبب أحبك وأشتهيك. هل تدري لماذا اشتهيك؟ لأنني بحاجة ماسَّة إلى نومة أبدية بلا كوابيس، تنطفئ فيها شمعتي وتنكسر جرتي وأسقط خلالها في بئرك العدم.
أنا اشتهيك لأنني أكره البعوض، وتكاثر البعوض في هوائي يمنعني من الشهيق. هل تعلم بأنني بت لا احترم الشهيق ولا أطيقه؟ وأنني أعتقد بأن الزفير وحده الذي ينتمي إليك، وأنه وحده الجدير بالاحترام.. هل تعلم بأنني بت أؤمن بالشتاء وأقدس الخريف؟
هل تعلم بأن اليأس يتناسل في روحي كما تتناسل الكوابيس في كهف طفل يتيم؟ هل تعلم بأنني اطوي أيامي بالملل وأكدس تحت احتفالاتها جزع بحجم الفراغ المبثوث في مساحات روحك؟
هل تعلم بأنني مهزوم يا سيدي الموت وآيل للسقوط؟
منذ سنين وأنا اكتب لك المدائح وأنت لا تكترث، أبشر بوعدك وأنت لا تصغي، أزرع على دروبك المحطات فتتأخر بلا انقطاع!! منذ سنين وأنا واقف على حد اليأس وأنت لا تعبأ بحطامي. منذ سنين وحقائبي مترعة بانتظارك فما الذي يبقيك مدهوشاً أمام تثاؤبها؟ ما الذي يجعلك تدير لي ظهرك عندما افتح نافذتي وأطلق باتجاهك العصافير؟
الأرباب يا سيدي كثيرون وأنا لا أتقن التسبيح، الأسياد كثيرون وظهري مضرب عن الانحناء، الأكاذيب كثيرة وأُذُنيَّ تعشق جمع الفراشات.. ظلي مطعون يا سيدي، ألا يكفيك هذا العذر؟ كيف يعيش الإنسان بظل مطعون؟
فراغي تنتهكه الدبابير، ألا تحترم الدبابير أنت؟ أنا أفعل، ولذلك أريد أن أترك لها فراغي. حقائبي يقلقها الانتظار، فما بالك لا تخجل من قلق الحقائب؟...
يا سيدي الموت، هناك الكثيرون غيري يخجلون من البوح لك، وقد انتدبوني سفيراً عنهم فلا تخذلهم، هم يتسائلون الآن أن كنت تدرك أن غروبهم بلا مسافات ولا سكون ولا أفق، وأن شمسهم بلا فوانيس، يتسائلون إن كنت ستكترث في النهاية وتنقذهم من كل هذه البراغيث؟ هم يتسائلون أيضاً إن كنت تحترم البراغيث، هل تفعل يا سيدي؟ هل تخاف البراغيث أنت أيضاً؟
هناك من انتدبني يا سيدي لأسألك إن كنت ستقتنع أخيراً وتطبع مواعيد رحلاتك في جدول توزعه على كل من يكره البراغيث؟ هل ستفعل يا سيدي؟

#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل