أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باهي صالح - المشكل ثقافي بالأساس...؟!















المزيد.....

المشكل ثقافي بالأساس...؟!


باهي صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3458 - 2011 / 8 / 16 - 17:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الأداء و في مجالات الإبداع و الاقتصاد اعتدنا منذ عقود على تعليق مصيبتنا على مشجب واحد و استسهلنا رمي كلّ التخلّف الحاصل على كاهل الفساد و المفسدين، رغم أنّ الظّاهرة لو تعمّقنا أكثر و نزعنا للموضوعيّة لوجدناها أكثر تعقيدا بكثير من أن نُرجعها إلى سبب وحيد حتّى و لو كان الفساد و أهله...!
لا شكّ أنّ الفساد هو أحد الأسباب المُمانِعة للتقدّم و أحد العناصر الّتي لها دور تخريبي لأيّ إرادة نهضويّة في أيّ دولة كانت، إلاّ أنّ الفساد لا يخرج عن كونه مجرّد ظاهرة بشريّة مثل كلّ باقي الشّرور والموبقات الّتي تدخل في طبائع و تكوين البشر مثل الزّنا و السّرقة و الكذب و القتل إلخ...
و هذا يعني أنّ أمريكا و أوروبا و اليابان و الصيّن بحكم أنّهم بشر ككلّ البشر هم أيضا مثلنا يعانون من الفساد و بقيّة الشّرور و إن بدرجات تتفاوت و تتناسب مع أحجام دولهم و شعوبهم، و الملاحظ أنّ الفساد لم يعقهم كشعوب و كدول كثيرا و لم يمنعهم من أن يتقدّموا رغما عنه في طريق ممانعته فيبنوا حضاراتهم و أمجادهم...!
الفساد أشكال و ألوان و درجات، من أدنى مستوى إلى أعلاه، و كلّ فئات المجتمع دون استثناء عُرضة لعدواه تبعا لمواءمة المناخ السّائد و تبعا لمجموعة متداخلة من الظّروف و الشّروط و المعطيات الثّقافيّة و التّنظيمية و السّياسيّة و غيرها..
يبدأ الفساد من شرطيّ الطّريق الّذي يقبض عمولات على سائقي السيّارات و أصحاب الشّاحنات مقابل التّغاضي عن خروقات قانونيّة في السّير أو النّقل، و موظّف الشبّاك في أيّ إدارة أو مؤسّسة خدمات عموميّة أو خاصّة الّذي يتقاضى رشاوى على زبائنه مقابل قضاء حوائجهم أو عدم تأخيرها، إلى المدير و الوزير و السّياسي و المسئول الكبير و الثريّ و أمثال هؤلاء الّذين لا يتوانون عن استخدام نفوذهم و سلطاتهم من أجل مصالحهم الخاصّة، و صاحب المشروع المتنفّذ في الحكم أو الإدارة الّذي لا يُرسي مناقصات وطنيّة و دوليّة بيده مفاتيحها و لا يعطي مشاريع مبرمَجة أو طارئة إلاّ لأصحابه و أقربائه و لمن يدفع عمولات و رشاوى متّفق على قيمتها و طريقة دفعها مسبقا...و أشكال أخرى متعدّدة و كثيرة من الحيل و التّلاعبات عن طريق استغلال الثّغرات القانونيّة أو حتّى خرق أو تجاهل القوانين و الدّوس عليها، يتمّ من خلالها الاحتيال في التّجارة و الصّفقات و طرق الكسب و اللّعب في الفواتير و الحسابات أو تحويل و تهريب الأموال بطرق مختلفة في الدّاخل و حتّى إلى الخارج..إلخ...
شبكات معقّدة متشابكة متضامنة من الفساد و المفسدين تزيد قدرتها مع الوقت على التكيّف و التوسّع في المجتمع زمانيّا و مكانيّا، و من أجل بقائها و حماية نفسها و استمرار آلتها تُساند بعضها البعض و تتحالف فيما بينها فتُفسد طبائع الإنسان و تنخر الاقتصاد و تمانع التّنمية في كلّ مكان و في كلّ زمان...!
ليس هناك تربة غير صالحة أو مناخ مُمانع مائة في المائة للفساد على مستوى الكرة الأرضيّة، و إنّما الأمر نسبي و متفاوت الدّرجة و التّأثير بين مجتمع و آخر...بيد أنّ الخطير في موضوع الفساد أن يطغى أو بالأحرى أن يستشري و يبلغ درجات حرجة، ثمّ تتضافر آثاره و أعراضه مع عوامل أخرى كثيرة و مختلفة ومتشابكة، بيئيّة و تكوينيّة و فكريّة و مناخيّة و غيرها حتّى يتحوّل المجتمع مثل المصاب بالمرض العضال الّذي أنهك جسم صاحبه و أقعده الفراش و أعجزه عن الحركة و أصبح عالة على غيره حتّى في قضاء حوائجه الخاصّة...!
و الفساد الّذي يطغى و يتحوّل إلى القاعدة بدل الاستثناء في أيّ مجتمع غالبا ما يكون سببا وجيها و مشهودا لبعض المحلّلين وحتّى المؤرّخين يجعلهم أكثر ميلا لاستخدامه كتفسير جاهز حتّى لظاهرة إنهيار الحضارات نفسها على مرّ العصور، و في الحقيقة أنّ الظّاهرة هي أعقد بكثير ممّا قد تبدو عليه، و أكثر تعقيدا من أن نفسّر حدوثها في عصر من العصور بذاك التّفسير السّطحي الجاهز و حتّى السّاذج، ذلك أنّ احتمال حدوث مثل هذا الأمر (ظاهرة انهيار الحضارات) رهين أساسا بدورة تداوليّة تدور و تتكرّر منذ بدأ التّاريخ البشري يدخل فيها كمّ هائل من العناصر المتفاعلة بعضها أو أكثر خارج تحكّم وقدرة البشر أنفسهم، و الفساد لا يعدو كونه أحد عناصرها و مكوّناتها، هذا بالإضافة إلى أنّ طبيعة التّنظيم المجتمعي و درجة تحمّله و سرعة تكيّفه و مدى قدرته على النّهوض من جديد إن أراد أن يستدرك نفسه في الوقت المناسب هي مربط الفرس كما يقول أهل العرب...!
إنّ صيغة تبسيط الأمور و استسهال رمي أسباب التخلّف على عاتق من فسد من الحكّام و المحكومين يجانب الحقيقة إلى حدّ كبير، فكلّما جئنا على ذِكر أوضاعنا المزرية كعرب و كمسلمين سارعنا إلى مهاجمة من أفسدوا و قلنا أنّ التّنمية لا تدور عجلتها إلاّ بالقضاء على الفساد و المفسدين...بينما حقيقة ما آلت إليه أوضاعنا أعقد من أن نتشبّث بهذا التّفسير السّطحي بكثير كما أشرت سابقا..!
الأداء في المجتمعات (وهذا ما استهدفه بهذه المقالة) على اختلاف أجناسهم لا يُمانعه الفساد فحسب، بل هناك الكثير من الأسباب النّفسيّة و الثّقافيّة و البيئيّة و غيرها تشترك جميعها و تتفاعل و تتصادم إلى محصّلة نهائيّة تبقى تتأرجح بين التّحفيز و التّثبيط...!
ما أودّ الوصول إلى قوله هو أنّ مشكلة ضعف الأداء لا يمكن تعليقها بمشجب الفساد لوحده....
رغم أنّ الفساد ممانع بطبيعته كما قلنا للتّنمية و ذو آلية تدميريّة لا شكّ فيها للاقتصاد و الأخلاق، ومع ذلك ففي كثير من الأحيان يمكن تدويره (الفساد) أو تكييفه أو عكس دورانه، لأنّنا أحيانا لا نستطيع استخلاص مفهوم سلبي و تخريبي صِرف للفساد، و لا يمكننا تصنيف تجلّياته و مآلاته و تعقيداته و آلياته بالدقّة العلميّة المطلوبة بحيث يبقى غامضا و باهت الملامح في بعض أطرافه و تفرّعاته الّتي ربّما تُغيّر وجهها في مرحلة ما و تُصبح لا أقول إيجابيّة و إنّما بشكل ما ترميميّة بدرجات تزيد أحيانا و تنقص أحيانا أخرى لما دمّرته و داست عليه في الاتّجاه المقابل أو العكسي، لأنّه قد يتحوّل (الفساد) في بعض مراحله و أوجهه المختلفة إلى أداة أو يد تبني أو تعوّض ما أفسدته أو خرّبته اليد الأخرى و هذا ليس من العجائب و إنّما من ظواهر الحياة العادية...!
لأنّها ببساطة طبيعة الحياة، الشرّ و الخير فيها في حالة دائمة من التّداخل و التّقاطع و التّلاقح و حتّى التّطابق، و لا يمنع في أحيان كثيرة أن نصل إلى أحدهما عبر الآخر، و عليه فإنّ الأمر نسبي و من الخطأ حمله على محمل الإطلاق...!
لذلك فإنّ الحالة المزرية الّتي انزلقت إليها مجتمعاتنا العربيّة و الإسلاميّة سببها بالأساس أنّ الفساد لا زال يلعب لوحده و لا يجد على السّاحة أداء أو مجهودا يلعب معه و ينافسه على الفوز و الخسارة كما يحدث عادة في المجتمعات المتقدّمة، و كلّ ملَكات و مقدرات البناء و التّعويض و التعلّم و كذا قابليّة الاستفادة من أخطاء و تجارب الذّات و الشّعوب الأخرى دمّرته آلية مُركّبة في شخصيّة و ثقافة الإنسان المنتمي لتلك المجتمعات (العربيّة و الإسلاميّة) و هي تعمل دائما من تلقاء نفسها لتُبقي الحال على حاله...!
إنّ هناك فرقٌ بين من يأخذ من مال الشّعب بغير حقّ و يحوّل ذلك المال إلى مشاريع داخل بلده تساهم في خفض معدّلات البطالة لأنّها تُشغّل أعدادا معلومة من عائلات و أبناء الوطن، و بين من يأخذ من نفس المال و يُهرّبه إلى الخارج أو يحّوله هناك إلى مشاريع يستفيد منها الغير...لا شكّ أنّ كلاهما فاسد لأنّهما سرقا مال الشّعب، لكنّ الأوّل أعاد و دوّر ما سرقه على أبناء وطنه على شكل مشاريع و استثمارات، و الثّاني سرق و هرّب ما سرقه خارج الوطن في شكل مشاريع أو استثمارات أو حتّى أرصدة يستفيد منها الغير...!
فساد الأوّل وَرَمٌ حميد غير قابل للانتشار و التّكاثر و يمكن علاجه و الشّفاء منه، أمّا فساد الثّاني فهو ورم خبيث قاتل مستشري و متكاثر بطبيعته يُستعصى علاجه و يُستبعد البرءُ منه...!
و هناك فرقٌ بين مقاول في أشغال البناء مثلا، فساده يعمل كالمنشار صعودا و نزولا يدفع عمولات و رشاوى لهذا و ذاك ليفوز بالمشاريع و المناقصات، ثمّ يتلاعب في الكمّيات و المعايير المسطّرة و المتّفق عليها، فيسرق في الإسمنت و في الدّهان و في التّركيبات و في كلّ شيء، و يُسلّم المشروع متأخّرا و ناقصا منقوصا و لربّما تمادى و بدا له أن يتحايل و يتلاعب حتّى يوصل عن قصد المشروع كلّه عتبة الإفلاس و يستحوذ هو و الإداريين على كلّ مخصّصات المشروع من مال و عتاد و مواد...!
و هناك مقاول آخر مثله لا يجد أمامه خيارا غير أن يرضخ لسيستم الفساد فيُرشي لكي يحافظ على لقمة عيشه و يفوز بالمناقصة، لكنّ شيئا أو دافعا ما أو طبيعة متأصّلة داخله أو حماسة يحرّكها نضال نابع من تركيبته الثّقافيّة باتّجاه هدف أو واجب أو قضيّة سامية تتراءى له تجعله ينضبط ضمن حدود دنيا فيعمل على مجاهدة نفسه و مراعاة ضميره إلى حدّ مقبول ، فلا يُبالغ على الأقلّ في سرقة الكمّيات و التّركيبات و يحرص ما وسعه على تسليم مشروعه كاملا و في وقت مناسب و في حالة قابلة للاستخدام...
في الجزائر كلّ سنة هناك الآلاف من المشاريع بين صغيرة و كبيرة و متوسّطة ذهبت أقساطا هامّة من مخصّصاتها و ميزانياتها إلى جيوب المفسدين و المرتشين، هذا سيّء، و لكن الأسوأ و الأنكى أنّ فساد المفسدين استغول و تحوّل إلى وحش لم يكتفي و لم يشبع بكلّ ما أكله، بل دار على عدد من المشاريع نفسها و لم يُمكّنها من الوصول إلى مرحلة الاكتمال و التّسليم و لم يتركها إلاّ أطلالا تشهد و تصرخ على مدى غور و تغلغل داء الفساد في هذه البلاد...!
نأخذ مثالا آخر، تُنفق الملايير على تزفيت و تعبيد طريق داخل المدينة أو خارجها ثمّ لا يُستكمل المشروع ، و لا يلتزم المقاول بمدّة الإنجاز و لا بالمعايير، و في النّهاية يهترئ الطّريق و يتكسّر بسرعة و لا يقوى على تحمّل حركة السّير، و كما هو مخطّط له يُسارع المفسدون من الإداريّين و القائمين على نفس مشروع الطّريق إلى تخصيص أو طلب أغلفة ماليّة أخرى له إمّا لتلفيق ترميمات و تجديدات أو حتّى لفتح مناقصة لمشروع آخر للطّريق يُرسونها على المقاول الفاسد نفسه أو غيره بهدف بلْع المزيد من العمولات و الأموال...و الملاحظ أنّ هذه الدّوامة المفتعلة ليست في حقيقة الأمر عبثيّة أو عفويّة و إنّما مقصودة و مخطّط لها كما قلت، بل برع فيها و اعتاد عليها أصحابها من المفسدين من المقاولين و الإداريين يفعلونها غالبا طبقا للقانون ضمن شبكة متراصّة متكافلة و بكلّ احترافيّة للإبقاء على عجلة النّهب دائرة، يفعلون ذلك ببرودة دم و يواصلون السّرقة من نفس المشروع سنة بعد أخرى حتّى تجفّ ضرع المخصّصات و الإعتمادات الماليّة، و في الأخير و بعد مرور عديد السّنوات يبقى الحال على حاله فلا هم اكتفوا و شبعوا و لا الطّريق أُنجزت أو صَلحت لحركة السّير...!
و قد يبلع الفساد هذا المشروع أو ذاك مرّات و مرّات و كلّ مرّة تُخصّص أموال و ميزانيات أخرى دون أن يُطرح سؤال أو يُحاسب أحد كما حصل في مشروع المترو عندنا في الجزائر الّذي التهم آلاف الملايير على مدى عشرات السّنين و توالت عليه حكومات و حكومات و لا زال لم يُنجز بعد...؟!
و حصل الأمر نفسه عندما أرادت إحدى الحكومات السّابقة عندنا أيضا في الجزائر إطلاق مشروع تصنيع سيّارة جزائريّة بمساعدة إيطاليّة، هذا المشروع الأعجوبة الّذي رغم أنّه التهم آلاف الملايير بدوره خلال عقدين أو أكثر إلاّ أنّه في لحظة واحدة تبخّر فجأة و أصبح هباء في هباء بقرار سياسي مفاجئ...؟!
و السّؤال الأوّل: أين ذهبت كلّ تلك الآلاف المؤلّفة من الملايير...؟!
و السّؤال الثّاني: هل طُرح و لو سؤال واحد على أيّ أحد له علاقة أو قريب من هذا المشروع...؟!
و السّؤال الأهمّ: ما هي التّركيبة الفكريّة أساسا الّتي صنعت تلك العقليّة التّخريبيّة الجبّارة بحيث استنزفت عن طيب خاطر الآلاف المؤلّفة من الملايير و مع ذلك تعثّر مشروع المترو لعشرات السّنين و تبخّر في لحظة واحدة مشروع صناعة سيّارة جزائريّة...؟!
أنا أقول لا، ليس الفساد وحده من أفسد علينا هذين المشروعين و كلّ مشاريع التّنمية رغم كلّ ما أكله في الماضي (الفساد) و ما يأكله في الحاضر و ما سيأكله في المستقبل من مواردنا الماليّة كونه ظاهرة متأصّلة في طبع البشر، و إنّما هناك أيضا سياسة و فكر و إرادة مجتمع وعقليّة إنسان مرهونة لثقافة تخصّه لوحده و تُميّزه عن غيره....!
في حالة الجزائر و في ظلّ استيلاء الآلة أو الميكانيزم المضادّ للمجهود على عقل و إرادة الإنسان، نلاحظ أنّ الفساد في هذه البلاد مع كلّ الأسف طغى و استشرى مثل الوباء، حتّى أصبح هو اللاّعب الوحيد في السّاحة تقريبا و في لَعِبه (أي الفساد) يُعطّل إرادة التّنمية أو يُؤجّلها إلى أجل غير مسمّى و يعيث في شخصيّة و أخلاق المجتمع تخريبا و تدميرا...!
و بلغ الفساد حدّا حتّى صرنا نسمع عن أثرياء و متنفّذين و حتّى وزراء يملكون أكثر من جنسيّة و يديرون البلد و هم يعيشون هم و أسرهم في فرنسا أو بريطانيا أو سويسرا أو غيرهم، و الأسوأ أنّهم يسرقون و يهرّبون أموال الشّعب إلى الخارج و يستثمرونها هناك بدل أن يستثمروا ما سرقوه على الأقلّ في بلدهم، ثمّ لا يتوقّفون عن تخريب اقتصاد بلدهم عن طيب خاطر بمشاريع و بصفقات يعقدونها مع الدّول و الشّركات الأجنبيّة من أجل العمولات و النّسب المئويّة، تراهم يلهثون وراءها و لا يعنيهم إن كانت هدّامة أو غير مجدية لوطنهم...!
و الفساد فنون و درجات...و بالتّأكيد فإنّ هذا الوزيرالمسلم الّذي يصلّي و يصوم و يحجّ كلّ سنة و الّذي لا يجد البتّة أيّ حرج في إدارة وزارته من الخارج، ثمّ لا يستحي و لا يؤنّبه ضميره لحظة واحدة و هو يتمادى في البزنسة و استغلال النّفوذ و العلاقات والمنصب في تهريب الميزانيات و المخصّصات إلى حسابات شخصيّة بإسمه و بإسم زوجته و أولاده في الخارج أو تحويلها هناك إلى مشاريع لصالحه و لصالح أسرته و أقربائه...بالتّأكيد فإنّ تركيبته الّثقافيّة لها دور أساس في صنع تلك العقليّة الفذّة الّتي يتميّز بها هذا الوزير عن مثيل له في أيّ بلد كان...!
فاز الصّينيون ( اللّه وحده يعلم كيف...؟!) بمناقصات لمشاريع مهمّة في الجزائر و كثر اللّغط في الصّحافة المكتوبة في وقت ما عن مشروع الطّريق السيّار ثمّ توقّف فجأة عن مزاعم بآلاف و آلاف المليارات أكلتها العمولات و الفساد، و من التّساؤلات الّتي تداولتها الصّحافة آن ذاك هو سعر الكيلومتر الواحد حيث كانت الشّركة تنجزه بسعر أعلى بكثير ممّا هو متعارف عليه دوليّا...لماذا..؟!
و رغم كلّ ذلك فإنّ هذا المشروع الهامّ تمّ إنجازه و إتمامه و فُتح للاستعمال و ما من شكّ أنّه سوف تكون له آثارا إيجابيّة على حركة السّير و النّقل و على التّنمية في البلاد بصفة عامّة...و في هذه الحالة فإنّ ما ضيّعته العمولات سوف تعوّضه الفوائد و المداخيل المباشرة و غير المباشرة الّتي تنجم عن استخدام الطّريق...!
و عليه أقول أنّ الفساد هو أشكال و درجات و قد يُصبح فنّا عند بعض المفسدين إن صحّ التّعبير و رغم ذلك ليس هو السّبب المُمرِض الوحيد للمجتمعات، و ليس هو المانع الأوحد فيها عن إطلاق مشاريع التّنمية الماديّة و الإنسانيّة، بل توجد هناك أسباب عديدة أخرى أهمّها كما قلنا: التّركيبة الثّقافيّة للمجتمع...!
إذا فالمشكل في رأيي مشكل ثقافي بالأساس، و ما الفساد إلاّ ظاهرة بشريّة صرفة كباقي الظّواهر السّيئة و الحسنة، و تتوقّف درجة تأثيره ( أي الفساد) في إرادة الشّعوب والمجتمعات على مدى مقاومتها لكلّ الأثار و الأعراض المترتّبة ليس عن الفساد فحسب بل عن كلّ الشّرور و الطّبائع البشريّة السّيئة الأخرى، و كذلك على مدى تكيّفها و استعدادها للتّغيير، ثمّ على نوعيّة المناخ الّذي تصنعه عقليتها أو تركيبتها الثّقافيّة إزاء الأداء بصفة عامّة...!



#باهي_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا في مهبّ الرّيح...!
- لأنّي أحببتك...
- المال وفير و لكن أين الإرادة السّياسيّة....؟!
- سبحان اللّه، إنّها نفس المظاهر و نفس العلامات...فحذار يا تون ...
- الثّورة طريق خطيرة فيها مزالق كثيرة فحذار يا شعب ليبيا....؟!
- ماذا بعد ثورة 25 يناير...؟!
- أمّا الآن فأقول أسفي عليك يا تونس الخضراءُ...!
- بعد الزّين إقرأ على تونس السلام...!
- ثمرة الحبّ....!
- طرح مفكّر إسلامي يدفع على التقيّؤ...؟!
- كلمة أفاضتها انتخابات مصر البرلمانيّة...!
- لماذا يخاف المسلمون من حملات التّنصير...؟!
- تفنى الأجيال و لكن بعض الأديان تبقى في مواكبة الأزمان...!
- هل الإسلام دين عنف أم سلام...؟!
- صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!
- عرس على نهج النبيّ والصّحابة...؟!
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...
- هل يمكن أن نرسم أكثر من خطّين مستقيمين بين نقطتين...؟!
- الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال ...


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - باهي صالح - المشكل ثقافي بالأساس...؟!