|
الثّورة طريق خطيرة فيها مزالق كثيرة فحذار يا شعب ليبيا....؟!
باهي صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3288 - 2011 / 2 / 25 - 02:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت جالسا أمام شاشة الكمبيوتر أعزف على لوحة مفاتيحه لحن الأمل و الاشتياق في زمن الغضب العربي...عدد من الدّول العربيّة تُقرّر فجأة صنع مصيرها...تُقرّر فجأة حرف مسيرة تاريخها...فجأة تتخلّص من صمتها و تتحدّى ميراث الخنوع و الخوف والا نبطاح لحكّامها و تثور كالبركان من تحت جبال يأسها وحزنها الأسود ضدّ حكّام تفرعنوا و تجبّروا و طغوا و ملكوا هم و عائلاتهم البلاد و العباد و امتدّ زمن حكمهم لعقود كاملة حتّى ظنّوا و ظننّا أنّهم مصيرنا المحتوم الأوحد و أنّهم قدرنا الّذي لا بديل عنه و لا مناص و لا مهرب منه...حكّام أمهلهم اللّه و سكت عنهم (لحكمة لا يعلمها إلاّ هو) و نسيهم عزرائيل أو ربّما أصبح يخاف منهم، و قعدوا على قلوبنا و صدورنا لعشرات السّنين حتّى كتموا أنفاسنا و حجبوا الهواء و أشعّة الشّمس عنّا...حكّام أنهكونا و أيأسونا و أمرضونا حتّى أماتوا منّا الشّهامة و قتلوا فينا الكرامة، و حتّى دمّروا بكلّ ألم كلّ مقدّراتنا الفكريّة و التّنمويّة و الثّقافيّة و الاقتصاديّة، و الأسوأ أنّهم أصابوا العقل العربي بإعاقة مستدامة و كرّسوا الحُمق و الغباء في مجتمعاتنا و استطاعوا عبر سنوات حكمهم الطّويلة أن "يُبََهّّمُوا" شعوبا بأكملها مثل ما فعل القذّافي هذا المريض المتوحّش الأهوج بشعبه خلال أكثر من أربعين سنة، و مثل ما فعل عبد اللّه صالح بشعب اليمن، و مثل ما فعل الجنرالات عندنا في الجزائر...و مع ذلك ظلّوا بكلّ وقاحة ملتصقون متسمّرون بكراسيهم منذ العصر الحجري...!
كانت أصابعي تنقر على لوحة المفاتيح و كان رأسي مرجل يغلي من كثرة ما كان يعتمل داخله من هواجس و أفكار و تساؤلات مبرّرة و غير مبرّرة، و كنت أستمع في نفس الوقت لصوت الفنان المتألّق مارسيل خليفة وهو يؤدّي أغنيته الرّائعة "إنّي اخترتك يا وطني"، فجأة اهتزّت نفسي و جاشت بمشاعر فيّاضة من البهجة و الأحاسيس و الانفعالات المختلفة و أنا استعرض في ذهني شريط الأحداث الّتي تابعتها على مختلف وسائل الإعلام المختلفة خلال الشّهرين الماضيين منذ إحراق الشّاب البوعزيزي لنفسه، و كانت توليفة (بين الأغنية و الأحداث) جعلت الدّموع تنزل من عيني ثمّ أدّت بي إلى أن أفقد رغما عنّي سيطرتي على نفسي و أجهش بالبكاء...من تأثّري ودهشتي ومن فرحي و خوفي في آن واحد...!
عادة أوّل ما تأكله الثّورة هم أبنائها، و الثّورة منحدر زلق لذا يجب على مفجّريها و شعوبهم على حدّ سواء أن يتوخّوا الحذر بأقصى ما يستطيعون...عليهم أن يستفيدوا من التّاريخ و من تجارب ثوريّة أخرى بيضاء و سوداء و حتّى دمويّة، فكم من ثورة شعبيّة هلّل و مجّد لها العالم كلّه ثمّ إنحرفت عن أهدافها إلى ماهو أشرّ و أسوأ، و تحوّلت مع الزّمن و زخم الأحداث و التّفاعلات المتسارعة المهتاجة إلى فوضى عارمة أو حروبا أهليّة طاحنة أتت في بلدانها على الأخضر و اليابس، كما أنّ الثّورات في الغالب إن عجز أصحابها عن صونها و حمايتها و مواكبتها و الحفاظ على مسارها و على أهدافها المسطّرة فإنّها سرعان ما يخطفها أو يسرقها أو يركب موجتها أشخاص أو جماعات أخرى من السّاسة و أصحاب المال و المتنفّذين و اللّصوص و الحراميّة...إلخ
الثّورة الجزائريّة مثلا نجحت في طرد فرنسا و صنعت لها صيتا ثوريّا عالميّا ذائع الصّيت، و لكنّها مع ذلك و بعد مرور ما يقارب نصف قرن منذ الاستقلال فشل مجاهدوها و ثوّارها و صانعوها في ثورة التّنمية البشريّة و المادّية فشلا ذريعا و حوّلوا البلد إلى زريبة تكدّس فيها الرّوث و العطن، و حوّلوا الشّعب إلى قطيع متهالك أوهنته و أوغرت فيه عذابات السّنين المختلفة...؟!
و كذلك الثّورة الفيتناميّة الّتي أدهشت أمريكا و العالم و مع ذلك فالفيتناميّون اليوم هم اليوم من أكثر دول جنوبي شرق آسيا تخلّفا في كلّ المجالات...؟! ألا يدعو هذا إلى التأمّل و التعلّم و الاتّعاض....؟!
إنّ ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا سنة 1940 كان له دور بارز و معروف في حرب بلاده و الحلفاء ضدّ جيوش ألمانيا النّازية، و مع ذلك خسر في الانتخابات الّتي أقيمت سنة 1945 بعد نهاية الحرب العالميّة لأنّ الشّعب آن ذاك لم يكن يراه مؤهّلا لثورة البناء و التّنمية، و رغم خسارته فإنّه لم يستغلّ نجاحه العسكري و لم يعتنبر ذلك منّة على وطنه و لم يُقدم على إرسال الطّائرات و الدّبابات و المرتزقة لقصف و قتل أبناء شعبه، و لم ينتفض و لم يغضب و لم يقل أنّني أنا قائد الثّورة و أنا من حرّرتكم و أنا من فعلت لكم كيت و كيت كما فعل قائد الثّورة معمّر القذّافي....!
و هو صاحب المقولة الشّهيرة (ونستون تشرشل) "من الأفضل أن تخسربريطانيا الحرب على أن يقال إنها لا تنفّذ أحكام القضاء"
و القذّافي ماهي أشهر مقولاته...؟!
جرذان...قطط..مقمّلين...و عبارات كثيرة أخرى نابية خارجة عن حدود الأدب و اللّياقة في خطابه لشعبه...؟!
إذا ليس كلّ ثورة هي بالضّرورة طريق معبّد إلى الجنّة تحفّه الورود و تحلّق في سماءه الملائكة ، و أيّ ثورة إن لم نحافظ على أهدافها المعلنة و لم تكن نتيجتها إطلاق نهضة مادّية و إنسانيّة حقّة نلمس ملامحها على حياة مجتمعاتنا و نرى خطّ تصاعدها و ازدهارها و نمائها بالأرقام و الحقائق العلميّة على سلّم مختلف المجالات الإقتصاديّة و العلميّة و الإنتاجيّة و الفكريّة و الإبداعيّة فهي ثورة صنعنا بها طريقا ليس إلى الأمل أو الحلم و إنّما إلى الجحيم نفسه....!
و عليه فليس من المستبعد أن تدخل ليبيا حربا أهليّة ضروس سواء أهَرب القذّافي هو و عائلته أو بقي كأحد أمراء أو قادة الحرب في بلاده...!
و مع ذلك يسطّر الّتاريخ القديم و الحديث أمجاد شعوب قامت و تشكّلت على دماء و أشلاء و ويلات يعجز العقل عن تحمّلها و تبريرها، مثل ما فعلته الثّورة البلشفيّة سنة 1917 و الثّورة الصّينيّة سنة 1925...ثورات فجّرها طغاة و جبابرة و قادتها أنظمة فرديّة و شموليّة متوحّشة، و مع ذلك حقّقت على الأقلّ أهدافها في القوّة و التوسّع على مستوى العالم...الخوف و المحزن أن تقوم الثّورة في البلد العربي أو ذاك و يموت النّاس و تضيع الملايير و يضيّع الشّعب سنوات طويلة من وقته في الفوضى ثمّ لا شيء...أو ربّما انحدارا و اندحارا أكثر ممّا كان عليه الشّعب قبل الثّورة...!
#باهي_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا بعد ثورة 25 يناير...؟!
-
أمّا الآن فأقول أسفي عليك يا تونس الخضراءُ...!
-
بعد الزّين إقرأ على تونس السلام...!
-
ثمرة الحبّ....!
-
طرح مفكّر إسلامي يدفع على التقيّؤ...؟!
-
كلمة أفاضتها انتخابات مصر البرلمانيّة...!
-
لماذا يخاف المسلمون من حملات التّنصير...؟!
-
تفنى الأجيال و لكن بعض الأديان تبقى في مواكبة الأزمان...!
-
هل الإسلام دين عنف أم سلام...؟!
-
صديق أدّى العمرة فعاد بدماغ مغسولة...؟!
-
عرس على نهج النبيّ والصّحابة...؟!
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
هل يمكن أن نرسم أكثر من خطّين مستقيمين بين نقطتين...؟!
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
الإسلام هو أحد أهمّ أسباب تخلّف المجتمعات الإسلاميّة...! (ال
...
-
بيت مسعود ( قصّة قصيرة)
المزيد.....
-
الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا
...
-
عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
-
إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف
...
-
ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ
...
-
مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
-
الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر
...
-
إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
-
ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
-
هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
-
مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|