أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل البيطار - من الجوامع للسلطة















المزيد.....

من الجوامع للسلطة


فيصل البيطار

الحوار المتمدن-العدد: 3456 - 2011 / 8 / 14 - 18:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1-
نيسان 1957 كنا نسكن في وسط العاصمة الأردنية عمان في الشارع الذي كان يسمى بشارع الهاشمي وعلى مسافة لا تزيد عن مائة متر عن أضخم جامع وأفخمه حتى ذلك الوقت وهو الذي مازال يحمل إسمه منذ أن بني عام 1924، الجامع الحسيني الكبير .
قبل هذا التاريخ بقليل، كانت قد جرت إنتخابات المجلس النيابي الأردني الخامس في ظل إحتقان سياسي شديد بعد تزوير إنتخابات المجلس الرابع، وقد فازت القوى الوطنية بقيادة سليمان النابلسي بمعظم مقاعده مما دعى بالملك الراحل لتكليف النابلسي بتشكيل أول وآخر حكومة حزبية في تاريخ البلاد والتي ضمت عددا من المستقلين إلى جانب وزراء الحزب الوطني الإشتراكي الذي يقوده النابلسي، ووزيرا قريبا من الحزب الشيوعي الأردني وآخر عن حزب البعث . أقل من ستة أشهر طال عمر حكومة النابلسي وبعدها جرى الإنقلاب عليها وإسقاطها مما دفع بالحركة الوطنية الأردنية للإحتجاج على نطاق واسع في مدن عدة في الضفتين والعاصمة عمان . تظاهرات العاصمة كانت تنطلق من المسجد الحسيني بإتجاه القصر الملكي عبر شارع الهاشمي، وقبل أن تصل لنهايته قرب مبنى البلدية القديم كانت تتفرق بفعل تدخلات عنيفة لما كان يطلق عليه حينها قوات الهجانه . سكننا في ذلك المكان، أتاح لي فرصة ثمينة لأكون شاهدا عيانا عما كان يجري في شارعنا لمدة أربعة أعوام تميزت بنهوض وطني عارم كان شارع الهاشمي يحتضن تعبيراته الجماهيرية إنطلاقا من الجامع الحسيني .
مثل هذه التظاهرات عرفتها العاصمة إحتجاجا على زيارة رئيس الأركان البريطاني تمبلر للأردن في محاولة لضمه لحلف بغداد، وإحتجاجا على تزوير إنتخابات المجلس النيابي الرابع، وقامت تظاهرات داعمة للملك عام 56 بعد قراره بتعريب الجيش وتجريد غلوب باشا من منصبه كقائد عام للجيش الأردني، ومثلها مناهضة بداية الستينات . جميع التظاهرات كانت تنطلق من المسجد الحسيني بنفس المسار أو بمسار آخر نحو مجلس الوزراء في شارع السلط وكانت بعيدة عن أي صبغة دينية إن من جهة القوى السياسية المنظمة لها والمشاركة بها، أم من جهة الشعارات التي كانت ترفعها، أما جماعة الأخوان المسلمين، فلم يكن لهم أي دور في الإحتجاجات الوطنية على الإطلاق، كانوا سندا معلنا للنظام في رفضه لمطالب الشارع الأردني آنذاك، ويتردد أنهم كانوا مساهمين فعليين في عمليات القمع التي يتعرض لها المتظاهرون على يد قوات الهجانة . وما زال الجامع الحسيني حتى الآن يحتل مكانته السياسية كمركز إنطلاق للفعاليات الجماهيرية المناهضة للحكومة والمطالِبة بالإصلاح السياسي والإقتصادي مع فارق يتمثل بمشاركة الأخوان المسلمين لكن دون شعارات تسم الإحتجاجات الجماهيرية ومطالبها بأي سمة دينية .
ظاهرة إنطلاق الإحتجاجات الشعبية من الجوامع قديمة ولم تقتصر على الأردن وحده . كانت مؤسسة الأزهر إبان ثورة 1919 المصرية هي مركز الثورة وتوحِد بين جدرانها المسلمون والأقباط، وكان طلابها يخرجون إلى جانب طلاب الجامعة المصرية التي إندلعت منها شرارة الثورة بتظاهرات يرفعون فيها العلم المصري المزين بهلال داخله صليب، لم يكن هناك مطالب دينية ولم يكن الدين هو المحرك على الرغم من وجود الشيوخ الإسلاميين والقساوسة الأقباط في مقدمة الإحتجاجات، المشاركة بمؤتمر باريس ورفع الأحكام العرفية والإستقلال التام أو الموت الزؤام كان هو الذي يقف خلف الثورة، ولم تشذ ثورة العشرين في العراق عن هذا المسار، إذ كان جامع الحيدرخانة الذي يقع في بداية شارع الرشيد من جهته الشمالية مركزا للثورة في بغداد، وشهدت ساحته لقاءات يوميه للوطنيين ينطلقون منها إلى الشوارع بعد الخطب الحماسية والقصائد الوطنية التي كان يلقيها جمهرة من الخطباء والشعراء منددين بالإحتلال البريطاني وداعين لرحيله، أشهر وأبرز هؤلاء كان شيخا شيعيا ضريرا معمما هو "الشيخ" محمد مهدي البصير الخطيب والشاعر الذي ألهب مشاعر البغداديين حتى لقب بميرابو الثورة، وزميله السني "الملا" عثمان الموصلي، أيضا لم يكن الدين هو المحرك رغم مشاركة رجاله من شيعة وسنة في الثورة على نطاق واسع وكانت الحسينيات والجوامع مراكز للجمهرة والإنطلاق . أما في إحتجاجات عام 27 فقد كان إلى جانبهم في قيادة ساحة جامع الحيدرخانة نفسه يشحذون همم الجماهير، كلا من عبد القادر البستاني الماركسي في ذلك الوقت ومن أوائل الماركسيين العراقيين والقيادي لاحقا في الحزبين الشيوعيين العراقي والسوري ورئيس تحرير صحيفة إتحاد الشعب الناطقة بلسان الشيوعي العراقي، وزميله عزيز شريف الماركسي ايضا مؤسس وسكرتير حزب الشعب وسكرتير حركة أنصار السلم لاحقا عند تأسيسها أواسط الخمسينات، ويذكر الشيوعيون العراقيون القدامى أن حزبهم إبان فترة حكم كريم قاسم كانوا يسيّرون المواكب الحزبية الخاصة بهم في المناسبات الحسينية رافعين رايات حزبهم منشدين مطالبهم السياسية والإقتصادية على وقع الأناشيد الحسينية الدينية، فليس دائما ما يخرج من الجوامع والحسينيات والمواكب الحسينية هو برسم الدين فقط . والذي أسقط نظام شاه إيران عام 1979 هي تلك التظاهرات الواسعة التي إنطلقت من الحوزات الدينية والحسينيات والتي أسهمت بها كل فئات الشعب المهمشة إلى جانب تجار البازار وشارك بقيادتها على نحو واسع الحزب الشيوعي الإيراني "توده" ومنظمة فدائيي الشعب اليسارية ومنظمة مجاهدي خلق إلى جانب رجال الدين ولا يعنينا الآن سرقتهم للثورة .
يعمد منظموا الإحتجاجات لإختيار ساحات إحتجاجاتهم وفقا لحسابات خاصة بإنجاحها وتؤدي الغرض منها بضمان أوسع مشاركة جماهيرية، جوامع وجامعات ومدارس وساحات عامة وأحيانا ملاعب الكرة والسينمات وأي أماكن جمهرة، وتعمد السلطات في محاولة لمواجهة الإحتجاجات إلى منع التجمهر وتعطيل الدراسة، وكما في سوريا الآن إيقاف دوري كرة القدم ومنع الناس في أكثر من مدينة وبلدة من أداء صلوات التراويح والجمع، ويلاحظ أن ساحة التحرير في القاهرة والستين في صنعاء وساحات في مدن أخرى قد تحولت إلى مساجد واسعة مفتوحة تقام فيها الصلوات الخمس والجمع دون أن تصبغ الخلفية الدينية للحراكات الجماهيريه مطاليبهم السياسية والإقتصادية بأي صبغة دينية .
2-
في معارك التحرر الوطني من قبضة الإحتلالين البريطاني والفرنسي منذ عشرينات القرن الماضي ولاحقا الإمبريالي الأميريكي والمقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي، لم يكن ثمة دور "هام وفاعل" للإسلاميين كأحزاب وتيارات في كل المنطقة العربية دون إستثناء، إنتظم المسلمون مع غيرهم كفئات شعبية ضمن إطار الحركة الوطنية التي خلا برنامجها من أية توجهات دينية ويمكن رصد تفوقها الكاسح على جماعات الإسلام السياسي من خلال فاعليتها وحجم تمثيلها الجماهيري في المعارك الوطنية والطبقية التي خاضتها حتى نهاية سبعينات القرن الماضي .
نمو ظاهرة تيارات الإسلام السياسي جاء كنتيجة لفشل القوى القومية واليسارية في إستكمال مهمات التحرر من الإستعمار القديم بتأسيس دول جديدة تعمل على تحقيق المشروع الطبقي لكادحيها وهو المعني بتحسين مستويات معيشتها، وتجمُدْ أوصالها عند مواقع الدعم لأنظمة الديكتاتوريات بسياسات الجبهات الوطنية الصورية كما في العراق وسوريا، أو المهادنة في أحسن الأحوال ببرامج لاتثير إستفزاز ونقمة الديكتاتوريات الحاكمة، إنهيار المشروعان القومي واليساري على التوالي هو الذي شرّع الأبواب أمام المشروع الإسلامي بشقيه المهادن والعنيف ليحتلا مكانا متقدما في أوساط الفئات الشعبية الكادحة ويسير بوعيها نحو أيدلوجيات متناقضة مع مصالحها الطبقية عكسها الإسلام السياسي بتلاوينه المختلفة . قفزت إذا جماعات الإخوان المسلمين والتنظيمات السلفية المتعددة الوجهات إلى صدر المشهد السياسي والإجتماعي بفعل الأزمة الذاتية لليسار وباقي القوى الوطنية، حصل هذا في فلسطين ومصر على نحو صارخ، كما حصل في الأردن واليمن وبعض دول شمال أفريقيا . وهنا تتحمل الأنظمة الجديدة التي إتسمت بالشمولية والإستبداد جانبا من المسؤولية ليس بالهين في طغيان التوجهات الدينية على إنحيازات الفئات المهمشة بقمعها المتواصل والعنيف للأحزاب اليسارية والمنظمات المجتمعية الديموقراطية، وبرعايتها أو تهاونها أو حتى مشاركتها في تأسيس ظاهرة التدين وتعبيراتها السياسية العنيفة وتلك المهادنة إلى حين وإشاعة المناخ الذي يدعو للصبر وإطاعة الحاكم الظالم على يد فقهاء الديكتاتوريات، النمو الكاسح لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن كان بسبب من التحالف التاريخي للنظام معهم والقمع المتواصل للتيارات الأردنية الديموقراطية، في الجانب الموضوعي، وفي مصر السادات ومبارك بسبب مهادنة النظام الفعلية للجماعة على عكس ما هو معلن، ويتحمل نظام صدام مسؤولية تفشي ظاهرة نمو الأحزاب الدينية وتسيدها بعد سقوطه بإفراغه العراق من القوى الديموقراطية أحزاب ومنظمات مجتمعية، أيضا في الجانب الموضوعي . وإن كان هناك الآن ثمة نواة لتوجهات دينية سورية عنيفة فإن النظام نفسه هو من تحالف مع تياراتها وأتاح لها حرية العمل تحت رقابته داخل سوريا ولبنان ومخيماته وعبورا إلى العراق وأمدها بالتسهيلات العملياتية والقتالية وفقا لحساباته الإقليمية والدولية، وليس غيره من يتحمل مسؤولية بعثها من جديد مستفيدة من مسلكه السياسي الطائفي الإقصائي، ومن خبرتها بالأرض منذ شهر العسل الذي جمع الطرفان . رعاية الأنظمة للإتجاهات الدينية يمكن رصدها وبخصوصيات كل دولة على حدة، في اليمن ودول الخليج مثلا التي أسست وإحتضنت التيارات الدينية العنيفة لتظل بعهدتها حتى إشتد ساعدها وإنقلبت عليها، وتلعب دولة قطر منذ مدة دور الراعي المالي والمسوق سياسيا لجماعات الإخوان المسلمين في أكثر من بلد عربي، وأينما توجهنا سوف نجد دعما عربيا رسميا للإسلام السياسي بأشكال عدة .
وعلى الرغم من تفشي ظاهرة التدين وإنتفاخ الإسلام السياسي جماهيريا إلا أن الإنتفاضات العربية جاءت عابرة لها وبالتضاد مع أيدلوجياتها، فمن المستحيل رصد أية شواهد على الأرض تشير إلى توجهات دينية مبدئية لها أو رفع شعارات معادية للغرب المسيحي أو لإسرائيل كما في خطابات الإسلام السياسي العنيف ورصد أية شعارات تدّعي أن الإسلام هو الحل أو الهدف هو إنشاء خلافة إسلامية أو إلغاء لأديان وطوائف أخرى أو ما شاكل، في تونس لم نلحظها على الإطلاق، ولا في اليمن وسوريا وليبيا والبحرين والأردن وعُمان والجزائر والمغرب، أما في مصر، فلم يلحق الإخوان المسلمون بالإنتفاضة إلا بعد أيام كانت كافية لأن تكشف فيها عن شمولها المناطقي وإتساعها الجماهيري وإصرارها العنيد على الإستمرار، وأن بلوغ عتبة النصر الأول برحيل مبارك تبدو ممكنة، وظلوا محافظين على نقاء الإنتفاضة من أي صبغة دينية بإنتظار النصر وقطف ثماره كما يأملون، والحال نفسه في بلدان الإنتفاضات كافة على الرغم من مشاركة قوى إسلامية منظمة في الحراك الشعبي . المنتفضون يقيمون الصلوات الخمس وصلوات الجمع في الميادين والساحات وتخرج إحتجاجاتهم من المساجد ويصيحون الله أكبر على الظالم، لكن كل هذا لا يطال جوهر حراكهم، هذا شكله فقط ويشترك فيه القوى الإسلامية المنظمة مع غالبية المنتفضين وهم من المسلمين غير المحزبين وآخرون مسيحيون وتوجهات أخرى ، جوهر الإنتفاضات يتمثل برفضها لأنظمة الديكتاتوريات لما ألحقته بشعوبها من قهر إقتصادي وسياسي وإجتماعي طويل الأمد يمكن تلمس بعض تعبيراته الفردية الحادة بإحراق الكادح البوعزيزي لنفسه حتى الموت إحتجاجا ورفضا، وتلمس تعبيراته الجماعية بحراك جماهيري واسع يأخذ شكلا موحدا أينما إتجهنا لرصده، طابعه الطاغي يتمثل بإعتماد النشاطات السلمية والإستثناء الوحيد هو الحراك الليبي، إسقاط أنظمة الديكتاتوريات هو جوهر الإنتفاضات ويشترك فيه الإسلام السياسي مع غيره من أبناء الأحياء الفقيرة كما يشترك فيه فلاحون وعلمانيون وليبراليون، سنة وشيعة ومسيحيون ودروز وكورد وتركمان وكل المكونات المضطهدة في المجتمعات العربية وهم غالبية مادة الإنتفاضات ولا دخل للدين في خروجهم بأي وجه .
3-
الانتفاضات العربية التي تقيم الصلوات الخمس وصلوات الجمع في الميادين والساحات وتنطلق من المساجد دون أن تسم مطالبها بأية سمة دينية جاءت لترُدَ الإعتبار للتوجهات الديموقراطية المنسية وتضعها في مكانها كمطالب ملحة للفئات الشعبية المهمشة والطبقة الوسطى . مطالب "قياداتها" تتلخص بجملة مفيدة هي عنوان برنامجها السياسي ذو الفصل الواحد، إسقاط النظام، ليس فقط بعض رموزه السياسية بل كلها، وليس جانبا من النظام السياسي بل كله بتعبيراته الإقتصادية والأمنية والمجتمعية كما يعلن نجوم الحراك من الطبقة الوسطى من على منابر الإعلام . نضيف، بالطبع لصالح نظام جديد لم تستبان معالمه عندهم حتى الآن بسبب من تشظيهم إلى تيارات متعارضة في بعض الإنتفاضات أو بسبب من الصعوبات الميدانية التي تمنع التنسيقيات من عقد مؤتمرها العام في سوريا أو حتى بسبب حالة من الترهل أصابتها كما في تونس .
وبكل الأحوال فإن إسقاط النظام القديم لا يمكن إعتباره إلا خطوة للأمام يجب أن تؤسس لحالة من الصراع جديدة بتجلياتها على الأرض بين الفئات الشعبية المهمشة من الكادحين وهي التي تمثل غالبية مجتمعات الإنتفاضات وحلفائها من الطبقة الوسطى وبين تحالف جديد أركانه من بقايا النظام وخصوصا مؤسسته العسكرية وقوى تملك ثقلا جماهيريا واضحا وأداة تنظيمية متماسكه وتجربة قديمة ممثلة بالإسلام السياسي وليبراليون جدد يتنطعون خلف شعارات الديموقراطية والمساواة، إسقاط النظام هو عنوان الفصل الأول من البرنامج السياسي لأي حراك جماهيري وعنده تتوقف حائرة نجوم الحراك من الطبقة الوسطى، وقلوبها ترقص طربا نجوم الليبرالية الجديدة وتيارات الإسلام السياسي .
بعد إنجاز مهمة إسقاط رموز النظام القديم يقفز السؤال المركزي للواجهة، أي نظام جديد نريد ومن سيكون المستفيد منه وبأية معايير نبني الأجهزة الجديدة للدولة ؟ بكلمة أخرى، هل سيأتي النظام الجديد ممثلا للطوائف الشعبية المهمشة ومراعيا مصالحها الإقتصادية أم نسخة جديدة عن النظام القديم بعد أن يهوي بقبضة الإسلام السياسي متحالفا مع المؤسسة العسكرية مع ترقيعه بوجوه ليبرالية جديدة ؟ جديد لا يختلف من حيث الجوهر عن القديم لجهة العداء الطبقي المتأصل للفئات الشعبية والإعراض عن مهمات تحسين أوضاعها .
هنا يقع على كاهل كادحي الإنتفاضات مسؤولية التصدي لقيادة حراكاتها متسلحة بهيئة مركزية موحدة وبرنامج واضح المعالم يوحد نشاطاتها على كل مساحة الوطن مراعيا جذب الشرائح الثورية في الطبقة الوسطى، وهو ما من شأنه أن يحشد غالبية المجتمع حوله كسياج أمين يمنع إختراق من يحاول قطف نتاج حراكاتهم كقوى الإسلام السياسي والليبراليون الجدد وأنصار النظم القديمة الذين يتمتعون بنفوذ واسع في مؤسسات الجيش والشرطة وباقي أجهزة الدولة وجميعها تتمترس خلف دعم دولي وعربي رجعي .
في الأسبوع الأخير قبل تنحي مبارك والأسابيع التي تلت، إندلعت بقيادة لجان ونقابات جديدة منتخبة إحتجاجات عمالية واسعة، إضرابات وإعتصامات في مواقع العمل وتظاهرات إمتدت لتصل مدن وبلدات عديدة إضافة للعاصمة وشملت عمال المصانع الحربية وقناة السويس والحديد والصلب والنسيج والنقل وغيرها في القطاعين الخاص والعام، وقد حملت جميعها مضافا للمطلب الرئيسي للإنتفاضة بإسقاط النظام، مطالب تتعلق بتحسين شروط العمل والقضاء على الفساد المستشري، كل هذا مع التواجد الواسع للطبقة العاملة المصرية والطيف الواسع للفئات المهمشة في ميادين الإحتجاج أينما تواجدت . المادة الرئيسية للإنتفاضات العربية هم من العمال والفقراء من المناطق الشعبية المغدورة ذوي الدخل المحدود والعاطلين عن العمل والفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين، وإن كان هذا الأمر قد لا يبدو للمراقب من بعيد بفعل تسليط ضوء الإعلام على القادة الليبراليين الجدد ونجوم الحراك من الطبقة الوسطى، فإن المتابعة ووضوح الرؤيا تشير إلى نهوض جديد للطبقة العاملة الفتية وحلفاءها من الكادحين مما سيفرض لاحقا قوانين جديدة للصراع وفق تصوراتهم هذه المرة .
لا ندعي أن حالة الصراع تلك ستدق أبواب مصر وتونس الآن أو اليمن وليبيا وسوريا حال سقوط ديكتاتورييها، لكن وبما أن لاشيئ سيتغير في بناء الدولة ونظامها السياسي عدا بعض الوجوه التي ستعيد إنتاج النظام القديم بقوانين إنتخابات ودساتير جديدة تتوافق مع مصالح حلف السلطة الجديد، فإن الصدام سيكون حتميا ولا مفر منه كما تلوح بوادره في مصر التي ستكون سباقة هذه المرة بفعل حجم الطبقة العاملة فيها وتجربتها الغنية وحجم الفئات الفقيرة ومدى التهميش الإقتصادي والإجتماعي الذي لحق بها . المجلس العسكري رغم تعنته وعداءه للإنتفاضة تراجع لأكثر من مرة على الصعيد السياسي، وهو ما يؤشر على النهوض الجماهيري القابل للتطوير وتحقيق المكتسبات .
الدين لم يرخ بظله على الإنتفاضات، قد يحصل هذا بعد تحقيق الهدف الأولي بإسقاط رموز النظام القديم، لكنه سيكون رهنا بقدرة الفئات الشعبية على تحقيق برنامجها الخاص من عدمه .



#فيصل_البيطار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتفاضة السوريه/ الواقع والمسببات
- في نقد الدين ومدارسه
- الإقتصاد الفرنسي/ الأزمة والحل الرأسمالي
- جنبلاط الحكيم
- اليسار اللاتيني ويسار دول المركز الرأسمالي
- وجها الإسلام السياسي القبيحان
- عندما يقدم السيد نصرالله دلائله
- حسن نصرالله والدرس الذي لن يعيه
- اليسار الأردني والمراوحه في نفس المكان
- ديموقراطيه وديكتاتوريات .
- الحاله الفلسطينيه المستعصيه ... إلا بإنتفاضه جديده
- برمجة الجماهير ودور الأحزاب الدينيه
- رسائل المرمره التركيه ودرسها المستفاد
- لِمَ نكتب ولمن وأين ؟ الأخير .
- لِمَ نكتب ولمن وأين ؟ تابع ثان .
- لِمَ نكتب ولمن وأين ؟ تابع أول .
- لِمَ نكتب ولمن وأين ؟
- الزنزانه رقم 62
- فاتنات وشهيرات وعشاق
- الإستراتيجي والراهن في الشأن العراقي


المزيد.....




- سعودي يوثق مشهد التهام -عصابة- من الأسماك لقنديل بحر -غير مح ...
- الجيش الإسرائيلي يواصل ضرباته ضد أهداف تابعة لحماس في غزة
- نشطاء: -الكنوز- التي تملأ منازلنا في تزايد
- برلين تدعو إسرائيل للتخلي عن السيطرة على غزة بعد الحرب
- مصر تعلن عن هزة أرضية قوية في البلاد
- روسيا تحضر لإطلاق أحدث أقمارها لاستشعار الأرض عن بعد (صور)
- -حزب الله- يعلن استهداف ثكنة إسرائيلية في مزارع شبعا
- كييف: مستعدون لبحث مقترح ترامب تقديم المساعدات لأوكرانيا على ...
- وسائل إعلام: صواريخ -تسيركون- قد تظهر على منظومات -باستيون- ...
- رئيس الوزراء البولندي: أوروبا تمر بمرحلة ما قبل الحرب وجميع ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل البيطار - من الجوامع للسلطة