أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - رمضان ومطاعم القلب الفرنسية.














المزيد.....

رمضان ومطاعم القلب الفرنسية.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3444 - 2011 / 8 / 1 - 17:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



في كل عام تقريبا أكتب عن شهر رمضان، وهذه السنة بدأت بمقالة نشرت قبل حلوله بأيام عن كيف حوَّل الصائمون هذا الشهر من غايته النبيلة التي تهدف لتعويد النفس على الصبر، والإحساس بجوع الفقراء، ومعاناة المحتاجين، إلى طقوسٍ احتفاليٍة في الإسراف وملء البطون والاستمتاع ، ومهرجان كرنفالي لاستعراض الأطباق الدسمة المتنوعة الغنية، والوصفات التي تفتح الشهية، وتزيد الاستهلاك، وتضاعف الإسرافُ، وتضخم الاستدانة لخوض غمار مباريات الأكل وبرتوكولاته التي تنسي الصائمين التصدق على الفقراء التي جعلها الله فدية وكفارة للمتصدقين "من أوسط ما تطعمون أهليكم".
ففكرت أن أكتب موضوعا حول الموائد الرمضانية التي تزدهر في شهر رمضان الكريم لتقديم الإفطار للفقراء الصائمين، في مشهد يشرح القلب ويقبضه في نفس الآن. يفرح القلب عندما يرى المرء هذا التكافل والتآزر والرفق بالمحتاجين والتطوع لخدمة الهامشيين.لكن سرعان ما ويقبض القلب ألما حينما يُعرف أن نسبة كبيرة من المستفيدين من هذه الموائد من العجزة والعاطلين والأرامل والأمهات اللائي يعلن أطفالا وحيدات دون رعاية، ويتعصر القلب حزنا حينما يُعلم أن كل ذلك الكرم مرهون بهذا الشهر وحده دون الشهور الأخرى، وكأن هؤلاء المحتاجين لا يأكلون إلا شهرا واحدا في السن ويصومون بقية الشهور، فذكرني ذلك بما رأيته في أماكن عدة من فرنسا من طوابير طويلة لامتناهية، من الرجال والنساء والأطفال المصطفة أمام ما يسمونه بمطاعم القلب والتي لا شك أنها ملفتة لنظر كل من يزور أغلب المدن الفرنسية، الكبيرة منها والصغيرة، وستثير انتباهه، وتلهب دهشته، وتذكي فضوله ورغبته في معرفة سبب تجمهر تلك الأعداد الكبيرة من الناس بمجرد حلول المساء، كل مساء؛ لكن سرعان ما يزول عجبه، حين يعلم الزائر أن المتجمهرين، وجلهم من المعوزين، اعتادوا الحضور كل مساء لتلك الأمكنة لإشباع جوعهم، وتطير دهشته حينما يشاهد توافد الشاحنات المحملة بقدور الحساء والأرغفة والفاكهة، ويندثر استغرابه، بل يتحول إلى إعجاب وتقدير شديدين، حينما يعاين نزول عشرات المتطوعين في عزم وهمة ونشاط، مضحين بعطلهم وحياتهم الشخصية، وكأنهم فيلق عسكري هب لتوزيع الحساء الساخن والخبز والبرتقال على بؤساء فيكتور هيجو الجدد، الذين يتشكل معظمهم من المعزولين عن المجتمع بسبب التفكك الأسري أو الطلاق أو التسريح من العمل، ومن العائلات الكثيرة الأبناء والتي لم تعد قادرة على مواجهة أعباء الحياة اليومية بسبب مداخيلها المحدودة، وارتفاع مستوى المعيشة وتزايد الديون تحت ضغط الأزمة الاقتصادية.
إنها مطاعم مجانية للفقراء تشبه، إلى حد ما، و"موائد الرحمن" في التقليد الإسلامي القديم والذي تزدهر في شهر رمضان الكريم لتقديم الإفطار للفقراء الصائمين. لكن ما يميزها عن موائدنا الرمضانية، هو أنها مفتوحة طيلة السنة، وتقدم وجباتها إلى المحتاجين والمشردين والفقراء من مختلف الجنسيات والمستويات، وحتى مستوري الحال والذين يشتغلون في مهن صغيرة لا تسمح لهم بإشباع أطفالهم، وأنها مطاعم توزع أكلاتها في جو من التضامن والفرح الإنساني المضمخ ببشاشة الطهاة والموسيقى الصادحة المصاحبة للأغنية الشهيرة والمضادة للمبادئ الفرنسية المعروفة والتي تبدأ بهذه العبارة: "ليس من حق أحد اليوم أن يشعر بالجوع ولا بالبرد" والتي أطلقها الكوميدي السليط اللسان والساخر من السياسيين، كولوش صاحب مطاعم الجياع والفقراء التي سماها قبل 25 عاما "مطاعم القلب" وذلك في الأول من شهر ديسمبر من سنة 1985 ـ اليوم الذي فتحت "مطاعم القلب" فيه أبواب فروعها الـ1950 لتستقبل آلاف المحتاجين في جميع أنحاء فرنسا والتي أصبحت تغطي مواقعها الثابتة كل التراب الفرنسي، إلى جانب المواقع المتحركة الممثلة في أساطيل ضخمة من الشاحنات الصغيرة، التي تجوب البلاد طولا وعرضا، ويعمل فيها 52 ألف متطوع. ولإدراك حجم العمل الذي تقوم به هذه المؤسسة الخيرية، لا بد من الإشارة إلى أنها قدمت في السنة الأولى لتأسيسها 8.5 مليون وجبة، وتتعامل بملايين اليوروات، والتي تأتي معظمها من تبرعات الفرنسيين ومن عوائد بيع أسطوانات الفكاهي كولوش الذي كان يقول دائما "لديّ حلم، أن أوزّع 2000 وجبة مجانية يومية على الفقراء والمحتاجين".
ورغم رحيل كولوش المفاجئ عام 1987 بعد أن دهسته شاحنة وهو على متن دراجته النارية، وذلك بعد إعلانه المفاجئ للترشح للانتخابات الرئاسية ضد فرانسوا ميتران، وتقول شائعات أنه اغتيل بسبب تهديده للمرشح الاشتراكي، فما يزال يتمتع بشهرة منقطعة النظير في فرنسا وفي أوروبا، رغم ما عرف عنه طيلة حياته الفنية بنقده اللاذع لكل السياسيين بغض النظر عن انتماءاتهم. ولازال يذكر الفرنسيون عن كولوش أنه كان فالت اللسان، يسخر من السياسيين، ويستخف بالتقاليد الراسخة. لكن ما بقي فعلا في ذاكرة كل فرنسي هو أن ذلك الفنان صاحب القلب الكبير ترك وراءه ذكرى تتجدد كل يوم، ويستحق عليها الترحم عليه، أليست هذه صدقة جالاية؟؟؟؟
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسراف الرمضاني.
- الدستور الجديد والابتزاز السياسي.
- معاناة المواطنين بفاس مع وسائل النقل.
- الخرافة في الأحياء الشعبية. فاس الجديد كمثال.
- فاس لا تستحق كل هذه البهدلو وهذا العقوق!!
- الدكتاتورية العائلية..!
- الإحباط وتأثيراته الخطيرة والمدمرة
- الإنطباع السياسي.
- خطباء آخر زمان
- حوار مع كاتب جديد.
- خطباء آخر زمن؟
- لماذا نخاف التغيير في هذا البلد الجميل؟
- التكريم.
- هل للجلادين وقت للكتابة؟؟
- مجرد مساءلة قلم.
- وهكذا تكلم القدافي
- حفل خيري من اجل الأطفال التوحديين.
- الديموكتاتورية؟
- انفلوانزا الكراسي.
- لقد تشابهت الجمهوريات علينا


المزيد.....




- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حميد طولست - رمضان ومطاعم القلب الفرنسية.