أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حميد طولست - الدكتاتورية العائلية..!















المزيد.....

الدكتاتورية العائلية..!


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3417 - 2011 / 7 / 5 - 22:17
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


ليس للديكتاتورية شكل واحد موحد في العالم، بل هي أشكال متعددة من الشذوذ التسلطي الذي رافق الإنسان على مر التاريخ، وتشبع به المنحرفون ومارسه المتسلطون المجرمون-المسيطرون في الغالب الأعم، على القوات العسكرية وقوات الأمن والمخابرات ومخازن الأسلحة والعتاد والموارد المالية للشعوب الضعيفة عبر العالم- عندما تهددت مصالحهم، أو اهتزت عروشهم، حتى لو كانت الأخطار مجرد احتجاجات سلمية تعبر عن التذمر والألم والأمنيات، كما هو الحال في العالم العربي الذي يرى فيه الإنسان، حاكما كان أو محكوما- والذي قد تجبرنا ظروف الحياة والعمل على التعامل معه- نفسه يملك الصفات والقدرات الخارقة، ويتصورها فوق الجميع, بل أنه أعلى وأرفع، وما خلق الكون إلا لخدمته، ولا يفتر لسانه عن ترديد مقولة الفرعون الشهيرة التي ذكرت في كتاب الله العظيم في سورة "غافر" الآية 29: " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ".
ـــ لا شك أن شخصية الناس أنماط بنيوية متنوعة وطرز مختلفة, بحسب الجبلة الجسمية والنفسية التي يعرف بها البعض دون غيره، أو ما يربط بين النمط الجسمي والصفات العقلية أو النفسية، أو باعتبار اتجاه الطاقة النفسية، أو بحسب احتمالات إصابتها بأمراض جسمية أو عقلية معينة، أو أنها تقوم على نوع الهدف الموجه للسلوك. كما صنفها "أبقراط" إلى أنماط ، فتحدت عن الودود الطيب القلب ذو الشخصية البسيطة الهادئ البشوش المسترخي الأعصاب الحسن المعاملة والمعشر المقبول من الآخرين. ومنها الخشن الصلب القاسي في تعامله مع الغير وحتى على نفسه، المغرور بنفسه الذي لا يفهم مشاعر الآخرين ولا يثق بهم، والذي لا يقبله الناس. ومنهم كذلك المتردد الخجل القلق الكثير الوعود الذي يفتقر إلى الثقة بنفسه ويرى دائما أنه ليس على خير بينما الآخرون بكل خير. وهناك العنيد الصلب، القاسي في تعامله مع الغير الذي لا يحترم أحدا ويعمل دوما على النيل من الناس بتسفيه وجهات نظرهم ورفضه حقائقهم الثابتة. كما أن هناك المتعالي الذي يعتقد أن مكانته بين الناس لا تمثل ما يستحق من مستوى، فيعامل الناس بتعال، متصيدا سلبياتهم ونقائصهم المحرجة، لاعتقاده أنه فوقهم جميعا. ومن بينهم النرجسي الذي يتميز بالشعور غير العادي بالعظمة وحب الذات، وأنه شخص مهم ونادر الوجود أو أنه من نوع خاص فريد لا يمكن أن يفهمه إلا خاصة الناس، وينتظر دوما منهم تقديرًا من نوع خاص لشخصه وأفكاره، وهو غيور متمركز حول ذاته استغلالي، ابتزازي، ووصولي، يستميت في الاستفادة من مزايا الآخرين وظروفهم ، ويجهد النفس للحصول على المناصب لتحقيق مصالحه الشخصية. ثم هناك الشخصية الاضطهادية (البارانويد), والتي تعرف أيضاً بالشخصية الديكتاتورية أو السلطوية, المحدودة و الباردة العواطف بل التي تفتقد لها في شموليتها التي لا تعرف الدعابة و المرح و لا تراعي مشاعر الآخرين و ينتقدهم بشكل لاذع و جارح بينما هو لا يتقبل أي نقد أو توجيه من أحد، دائم الشعور بالاضطهاد، يشك في كل الناس ويتوقع منهم الأذى ويضمر لهم الشر والكراهية التي تتحول بسهولة إلى عدوانية كلما أتيحت لها فرصة، قليل الأصدقاء بسبب سوء ظنه وغيرته الشديدة وصعوبة تحاوره وتصلب نقاشه وتمركزه كل حديثه حول ذاته.
ولعل أصعب هذه الشخصيات وأخطرها على الإطلاق، هي تلك التي يطلق عليها علماء النفس "الشخصية الاضطهادية" والتي تجعل الحياة صعبة بقصد أو بدون قصد, وربما بدون قصد أكثر لأن هكذا هي شخصيتها .. وهكذا هو بناؤها النفسي، وهكذا تشكلت على مر السنين بفعل عوامل كثيرة ساعدت في نحتها نموذجا خاصا لديكتاتورية التي يطبقها يوميا مع أسرته ومع موظفيه ومع مجتمعه، والذي كثيرا ما تجبرنا ظروف الحياة اليومية للتعامل أو التعاون أو التعايش أو الحياة معه، رئيسا كان أو مرؤوسا، زواج, أو صديقا، أو زميلا, أو جارا، وحتى أباً، نعم ونقصد منهم أولئك الآباء لا يعرف أكثرهم من الأبوة سوى أنهم ذوو الماء الدافق، والنطفة الفياضة، والذي نسمي الواحد منهم "رب الأسرة"، لكنه في حقيقته وواقع أمره، ليس إلا "ديكتاتور الأسرة" الذي ظن الجميع أنها شخصية طويت وانتهت إلى غير رجعة مع عولمة قالوا عنها أنها مغيرة للسلوكيات. لكن، ومع الأسف الشديد، مازال أكثرية هذا النوع من الآباء، وإلى اليوم، عاقا عن فهم منهجية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. في التعامل مع الأبناء.. ولا يعرفون من مفهوم الأبوة إلا تحسس الشوارب للتأهب لهمجية امطار الصغار بوابل الأوامر الحاسمة، وإغراقهم بالنواهي والمواعظ المتطاوسة، ومعاملتهم بكل أشكال القسوة والحرمان النفسي ودوام العقاب وانعدام الثواب، والتي ليست بالضرورة أحسن ما يمكن أن يهدى للأبناء -الذين يولدون على الفطرة النقية كما قال صلى الله عليه وسلم- كقيمة مضافة تمنحهم المزيد من الحرية لإنعاش غريزة حب الاستطلاع، وطرح التساؤلات وتأمل ماهية الأشياء ومحاورة الذات من حولهم وتمكنهم من نقش غذ أفضل. بدل أن يكونوا أكباش فداء لأشخاص جعلوا من مكانة الأبوة التي منحها الله لهم، والتي تتميز بالرحمة والعاطفة والشفقة والإنسانية والمسؤولية، ذريعة لانتحال الشراسة القاسية، وارتكاب الظلم والأذية -التي مهما حاولوا إخفاءه على الناس تُعلم- في حق الأبناء الأبرياء الذين لا تزيدهم القسوة والسلوك الخاطئ، من قبل الأب ( ربان السفينة ) -الذي يعتبر أهم مؤثر، سلبا أو إيجابا على شخصية ونفسية الأبناء- إلا عدوانية وعنادا ما ينجم عنه أثار مخيفة وعواقب وخيمة على مستقبل الابن الذي لم يولد شريرا، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "يولد الإنسان على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".
أو كما قال الشاعر :
وَيَنشَأ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وإنما هي نتيجة لتربية خاطئة وسلوكيات مشينة ينشأ عليها الأطفال عامة، وأبناء العرب بشكل خاص، والتي تتشكل من خلالها قيم وتوجهات وأنماط سلوكياتهم التي تؤثر فيما بعد على نظرتهم وسلوكهم تجاه المجتمع، بدءاً من المفهوم الخاطئ لطاعة الوالدين، "المُقدَسة" والتي لا تبرر أبداً أنْ يكونا طاغوتاً على فلذات الأكباد المُوصى بها رَباً ونبياً وديناً وقانونا، وألا تتحول مهمتهما التربوية التهذيبية إلى طقوس تسلطية تعمل على قتل شخصية الأبناء وإخضاعها لرغبة الآباء في أن يكون أبناؤهم امتداداً لهم في طريقة الحياة والتفكير والتصرف، ويصرون على التدخل في حياتهم العامة، ومن أهمها (الحياة الزوجية) وملاحقتهم في كل تصرفاتهم خلالها.. رغم كراهية الأبناء لهذا التصرف، على اعتبار أنهم باتوا مسؤولين عن تصريف وتسيير أمور حياتهم، والاعتماد على أنفسهم في مسيرة حياتهم العامة. الشيء الذي يشكل أبرز مشاكل الأباء والأبناء التي تخلو من تعسف أبوي، وجاهلية متأصلة في التوجيه الذي يزرع في طريق حيات الأبناء، المتاعب والقلق وعدم الاستقرار، ناسين أو متناسين أنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
هذه الحقائق لا تنفي أبداً وجود آباء مثاليين يشهد لهم الجميع بأنهم مثال للآباء النموذجيين، والأبوة الفاضلة العادلة، الذين ضربوا أروع الأمثلة في تربية أبنائهم، وتوجيههم التوجيه النافع السليم في حياتهم، ومنحوهم الحب والحنان والاهتمام والحرية التي تمكنهم من شق طريقهم في الحياة والعيش وفق النهج الذي يرغبون فيه بما يرضي الله ورسوله، بعيدًا عن التعسف وتعكير صفو الحياة التي اختاروا أن يحيوها بالطريقة التي تناسبهم.

حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإحباط وتأثيراته الخطيرة والمدمرة
- الإنطباع السياسي.
- خطباء آخر زمان
- حوار مع كاتب جديد.
- خطباء آخر زمن؟
- لماذا نخاف التغيير في هذا البلد الجميل؟
- التكريم.
- هل للجلادين وقت للكتابة؟؟
- مجرد مساءلة قلم.
- وهكذا تكلم القدافي
- حفل خيري من اجل الأطفال التوحديين.
- الديموكتاتورية؟
- انفلوانزا الكراسي.
- لقد تشابهت الجمهوريات علينا
- ديكتاتورية الشعوب.
- ديكتاتورية رؤساء...
- ذكريات عيد العمال.
- ثورات الناس على دين متفيقهينا
- تزوير التاريخ سخرية سياسية أم استخفاف بالعقول؟
- استقالتي من حزب الاستقلال.


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حميد طولست - الدكتاتورية العائلية..!