أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الخرافة في الأحياء الشعبية. فاس الجديد كمثال.














المزيد.....

الخرافة في الأحياء الشعبية. فاس الجديد كمثال.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3422 - 2011 / 7 / 10 - 05:49
المحور: المجتمع المدني
    


الخرافة في الأحياء الشعبية.
فاس الجديد كمثال.

لازالت ذاكرتي تحتفظ ببعض الصورة الملتصقة بذكريات الطفولة الأولى المرتبطة أساسا بالحي الشعبي "فاس الجديد" الذي عشت فيه ردحا غير قصير من الزمان، صور تطفوا على السطح فتعيدني إلى مشاهد وأحداث عشتها بعواطفي الطفولية، صور ومشاهد ضبابية تعلقت في غالبيتها بظواهر غيبية لم تكن مفهومة لدي ولدى الكثير من أقراني في الحي آنذاك، ومنها صورة المرأة البدينة، التي لم تفارق خيالي قط، بملامحها الرجولية الملفوفة في إزارها الرث القطني الأبيض، وهي تجوب دروب وأزقة الحي حاملة قفة قش بالية تطل منها مبخرة وعظام حيوانات، وتنادي بصوت رجالي جهور،"تضربوا شي فااااااااااال"، عبارة ما كنت أعرف معناها، وأنا طفل صغير، لكنها كانت تبعث الرعب الشديد في أعماقي، وتدفع بي لإطلاق ساقاي للريح، كما تقول العرب، لأختبئ من شرها وراء بوابة الدار الخشبية ذات الشقوق التي تسمح باختلاس النظر من خلالها ..
لم أفهم أن معنى نداء المرأة المرعبة "تضربوا شي فااااااااااال" كان يعني استكشاف الفأل وقراء الكف وكشف الطالع وخبر الأبراج، إلا متأخرا جدا، ورغم ذلك لم تطمئن نفسي، بل زاد ذلك عجبي من احتواء هذا الحي الشعبي المسلم، لهذا الحشد الكبير من ضاربي الفأل وكاشفي الطالع، وحاجة ساكنته بل لا بناء حياتهم واستراتيجياتهم على خدمات هذا الكم من هؤلاء وأتباعهم، بصورتهم النمطية القديمة، وألبستهم الخليط من عصور وثقافات وألوان مختلفة، وتضخم استغرابي من اتخاذهم للزوايا الخافتة الضوء من جل بوابات الحي ومداخله، مجالس لممارسة أعمالهم التي تفضحها أدخنة مبخراتهم الهائجة، في كل من باب المكينة، وباب الساجمة، وباب جنان السبيل، وباب طالع وهابط، ودروج العدول، وسيدي مجبر، وتحويلها إلى أسواق رائجة تلقى إقبالا كبيرا من الراغبين في التخلص من سوء الطالع ومريدي العلاجات الروحانية، التي لا يلجأ إليها، ويتعلق بأوهامها البسطاء الغارقين في المشاكل الحياتية اليومية من الأميين والسذج والعوانس والمطلقات وقليلي الخبرة فقط، بل نجد أن دجل وخرافات هؤلاء المحترفين الأذكياء قد اخترق كل فئات المجتمع "الفاس جديدي" الذي ضاقت في وجوههم أبواب الأمل، وحاصرتهم الشدائد وأصبحت بذلك عقولها جاهزة لتصديق وتقبل كل ما يطرح عليها من خزعبلات، ما دامت تروي شيئا مما في نفوسهم جميعا بما فيهم المثقفون والمتعلمون الذين رغم إدعاء الكثير منهم عدم الإيمان بتوقعات الأبراج، واستطلاع الغيب، وضرب الفال والكارطة، واعتباره مجرد كلام فارغ وسخيف، ومن المحرمات التي نهى الله عنها، وأنه سبحانه وتعالى هو وحده من يعرف الغيب بدليل قوله تعالى: "قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ". النمل،65. "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".لقمان،34
ورغم سخريتهم من الدجل ومريديه، وتندرهم عليهم مع الشاعر العربي حبيب بن أوس الطائي الشهير بأبي تمام بقوله:
السيف أصدق إنباء من الكتب***في حده الحد بين الجد واللعب
أين الرواية بل أين النجوم وما***صاغوه من زخرف فيها ومن كذب..
فإن أكثريتهم يميل للاعتقاد بأن مجرد ترديد المفاهيم يجعلها واقعا معيشا يتسلل إلى حياتهم ونفوسهم فيصدَّقون به في علاقة، مبنية على مصالح مادية بين طرف محتاج و طرف آخر أكثر احتياجا منه، فتدفع بهم في استسلام تام، إلى خدمات هؤلاء الدجالين الأذكياء -الذين لا يعتمدون على الشعوذة والتنجيم والرجم بالغيب فقط، ولا يكتفون بإصباغ عملهم بالغموض والمعلومات العامة الحمّالة للأوجه الكثيرة التي لا تخطئ مع أي إنسان، بل يدرسون ويتابعون ويستخدمون الاستنتاج العلمي في جزء كبير من عملهم ويتحدثون وكأنهم علماء أو خبراء يتفاخرون بشهاداتهم الجامعية وتفوقهم الدراسي– لأن مثقفي ومتعلمي الحي، يعيشون حداثة متخلفة في كل مفاصلها الحياتية، الثقافية والسياسية والاقتصادية، حداثة مقتحمة وليست مستوعبة، تحافظ على شكلانيتها الخارجية، وتخضع كلية لاستبداد التقليد الملغي لروحها وفلسفتها.
إنه حي فاس الجديد الذي لا يعرف التورية، ولا يجيد طقوس الإخفاء، ولا يعرف غير الشفافية المعلنة، وإدمان التعرية والعراء، ويكشف منذ البدء لزائريه كل أوراقه.. ويفضح ما تخفيه ثنايا دروبه من أسرار عميقة الغور لم تدونها كتب التاريخ..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاس لا تستحق كل هذه البهدلو وهذا العقوق!!
- الدكتاتورية العائلية..!
- الإحباط وتأثيراته الخطيرة والمدمرة
- الإنطباع السياسي.
- خطباء آخر زمان
- حوار مع كاتب جديد.
- خطباء آخر زمن؟
- لماذا نخاف التغيير في هذا البلد الجميل؟
- التكريم.
- هل للجلادين وقت للكتابة؟؟
- مجرد مساءلة قلم.
- وهكذا تكلم القدافي
- حفل خيري من اجل الأطفال التوحديين.
- الديموكتاتورية؟
- انفلوانزا الكراسي.
- لقد تشابهت الجمهوريات علينا
- ديكتاتورية الشعوب.
- ديكتاتورية رؤساء...
- ذكريات عيد العمال.
- ثورات الناس على دين متفيقهينا


المزيد.....




- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الخرافة في الأحياء الشعبية. فاس الجديد كمثال.