نزاهة الزعيم

صادق الازرقي

الحوار المتمدن-العدد: 3425 - 2011 / 7 / 13 - 15:01
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

(في ذكرى ثورة 14 تموز 1958)
يتبرم البعض حين يسهب بعض الكتاب العراقيين في الحديث عن سجايا الزعيم عبد الكريم قاسم الحميدة ـ وما اكثرها ـ ولعل بعضهم يقول: لقد اوجعتم رؤوسنا بالحديث عن نزاهة عبد الكريم قاسم ويتبعون ذلك بالزعم ان الزمن الذي عاش فيه عبد الكريم هو زمن امتاز بالنزاهة وانه ليس الوحيد الذي يتصف بتلك الصفة، ولكنهم واهمون في ذلك، والدليل على ذلك مثالان من دول الجوار إضافة الى وضع البلد في العهد الملكي الذي سبق تموز 1958.
المثال الاول هو حال نظام الشاه في ايران الذي عاصر عهد ثورة تموز على قصره، اذ يجمع المحللون السياسيون والمراقبون على التأكيد على استشراء الفساد في نظام الشاه وفي عموم ايران في ظل ذلك النظام وبضمن ذلك سنوات 1958 ـ 1963 التي حكم فيها عبد الكريم قاسم فلم يتأثر الزعيم ولا الوضع في العراق بالفساد السائد في ايران في تلك المدة، والمثال الآخر هو تركيا التي وقع فيها عام 1960 انقلاب عسكري و الذي اشار المؤرخون الى ان من اسبابه الرئيسة (الفساد والرشاوى التي انتشرت في المؤسسات العامة و السياسات الاقتصادية الخاطئة التي استنزفت ميزانية الدولة)، ما يعني ان الفساد كان قائما في ظل الانظمة التي عاصرت نظام الحكم في عهد عبد الكريم قاسم.
اما في العراق فلقد أدت سياسة النظام الملكي التي انعدمت فيها العدالة الاجتماعية و اتسمت بالتخلف الاقتصادي الى اجبار اعداد هائلة من سكان الريف ولاسيما في جنوبي العراق على الهجرة الى المدن ومنها العاصمة بغداد، ما ادى الى توجيه ضربة قاصمة للتطور الزراعي في البلد كما لم يغب عن اذهان العراقيين ما فعله الاقطاعيون بالفلاحين والظلم الذي كان يمارس على نطاق واسع بحق الفقراء كما كان الفساد والرشا منتشراً في صفوف الشرطة الملكية وكان يضرب المثل في ذلك، وطبعا لن نتحدث عن السجون التي غصت بالسجناء السياسيين والتي انتشرت في مدن العراق وذاع صيتها وقتل السجناء السياسيين في سجون بغداد والكوت او عن عمليات الاعدام التي طالت قادة سياسيين فذلك وغيره ليس موضوعنا الآن، غير اننا نتحدث بالتحديد عن نزاهة الزعيم التي اكسبته حب العراقيين والشعبية الهائلة التي استحقها ـ ولم يزل ـ في اوساط غالبية الشعب، ونعتقد ان الامور لو كانت جرت في مسارها الصحيح وسمح الظرف للتحول من الوضع المؤقت الى اجراء الانتخابات لحافظ عبد الكريم قاسم وجميع النزيهين على مواقعهم الحكومية. ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن.
تحضرني هنا محاضرة لأحد المسؤولين الكبار عن الامور المالية في زمن عبد الكريم قاسم القاها في كلية الادارة والاقتصاد / جامعة بغداد عام 2006 و قال فيها بالحرف الواحد: لم نشهد في جميع الدوائر التي عملنا بها او التي عاصرناها والتي جردنا اموالها ومشترياتها في ذلك العهد ضياع اي مال مهما كان صغيرا فحتى الفلس الواحد كان يسجل في وصولات وكان الموظفون جميعهم كبيرهم وصغيرهم يعملون بنكران ذات وبالاخلاص المطلوب لخدمة الناس وكانت مراجعات المواطنين لدوائر الدولة تجري بسلاسة وتحفظ للمواطن قيمته وكرامته.
أليس هذا سبباً كافياً للحديث عن نزاهة عبد الكريم قاسم وعموم الوضع في وقته لاسيما ونحن الآن بأمس الحاجة الى عبرته لما يمثله من موعظة لجيلنا الحالي الذي ابتلي بآفة الفساد الذي استعصى على الحل الى الحد الذي يعد البعض ان الحديث عن النزاهة ونظافة اليد امور عفا عليها الزمن! برغم ان الفساد وانعدام النزاهة يتسبب في ضياع اموال البلد بل واهدار ارواح الناس كما يؤدي الى بقاء البنى التحتية من دون اعمار ويزيد من السقف الزمني لمعاناة العراقيين. ونظرة واحدة الى المشاريع الكبيرة التي انجزت في عهد ثورة تموز 1958 ومنها اسكان المواطنين، وتلك التي اعلن عن وضع حجر الاساس لها او التي اعلنت ضمن مشاريع المدى القصير والبعيد والتي لم ينفذ الكثير منها بسبب انقلاب شباط، والى المشاريع التي تسير الآن ببطء السلحفاة يبين لنا عظم امثولة العهد الجمهوري الاول ومغزى الحديث عن نزاهة الزعيم ونظافة يده هو واعضاء حكومته التي اختارها. ونعتقد ان الاجيال العراقية لن تمل الحديث عن تلك العبر مهما طال الزمن والى ان تتحقق آمال الناس في الوصول الى مجتمع متحضر يرفل ابناؤه بالرخاء والحرية ويعالج مشكلات الفقر والجهل ويبني مجتمعا سليما مثلما اراد له الخيرون ومنهم عبد الكريم قاسم.

#صادق_الازرقي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل