باتر محمد علي وردم
الحوار المتمدن-العدد: 1017 - 2004 / 11 / 14 - 07:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أن تجاوزنا قليلا صدمة فوز بوش في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وبعد فاصل معتاد من شتم السياسات الأميركية دعونا نتحدث قليلا عن جوهر وقوة الولايات المتحدة وكل العالم الغربي وهي الديمقراطية.
نحاول دائما ايجاد تعريفات أكاديمية وتحليلية للديمقراطية، ويقول البعض بأن الديمقراطية تصلح لكل الظروف ولكنها تختلف في تجلياتها من دولة لأخرى ومن منظومة ثقافية غربية لأخرى شرقية، ويناقش البعض أنظمة الإنتخابات والأحزاب وحرية الإعلام كعناصر رافعة للديمقراطية.
في الانتخابات الأميركية استوقفتي صورة تلفزيونية، أعتقد بأنها تجسد حقيقة الديمقراطية بكل بساطة ووضح وبدون تعقيدات وشروحات سياسية، ومثل هذه الصورة لا يمكن أن تتكرر في العالم العربي ولا في معظم دول العالم الثالث.
كانت الصورة للرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون، وهو يقف بصحبة زوجته وإبنته منتظرا دوره في الطابور للإدلاء بصوته الإنتخابي شأنه شأن اي مواطن أميركي عادي. دعونا نتأمل في أبعاد هذه الصورة.
هنا نجد أمامنا "رئيسا سابقا" وهذا النوع البشري بحكم العادة والتقاليد والطبائع في العالم العربي غير قابل للحياة بل هو منقرض منذ الأزل، ولا يوجد في العالم العربي إلا شخص واحد هو عبد الرحمن سوار الذهب في السودان يمكن أن نطلق عليه لقب رئيس سابق حر غير مسجون ولا ميت ولا منفي.
الرئيس السابق يندفع لممارسة دوره الإنتخابي مثل أي مواطن آخر، يقف في الطابور منتظرا دوره وحتى ينتهي المواطن الذي قبله من التصويت. لم يكن برفقته حرس يطردون الناس من أمامه حتى يصوت بسرعة ولا يتأخر، ولم يكن انتظاره وراء إمرأة ناخبة انتقاصا من هيبته السياسية وهو الذي كان لمدة 8 سنوات اقوى رجل في العالم وهو بالتالي يحترم كل الناس ولا يعتبر نفسا متجاوزا للقانون ولا النظام الذي يعطي كل الناس حقوقهم بمساواة.
الرئيس السابق يشارك بنشاط في الحملة الإنتخابية لمن يحاول قيادة البلاد وراءه، ولا يفتح صالونا سياسيا لانتقاد كل السياسيين الآخرين ولا يقول بأن الولايات المتحدة خربت عندما ترك هو كرسي الحكم، ويقدم خبرته وشعبيته وتجاربه لجون كيري في سبيل مصلحة الحزب وعودته إلى سدة الحكم، حتى لو لم يكن هو شخصيا من المستفيدين بذلك.
الرئيس السابق لم يستغل منصبه في إنشاء الشركات وملاحقة العطاءات والضغط من أجل توظيف أقاربه، بل قام فقط بكتابة مذكراته وقدم فيها تجاربه بصراحة وحتى في إطار من الانتقاد الذاتي، وعمل مندوبا لبعض المؤسسات الدولية في مجالات تحقيق السلام ومكافحة المرض والفقر.
عندما يقف رئيس عربي سابق أو رئيس وزراء عربي سابق في نفس موقف بيل كلنتون فهذا فقط هو المؤشر الذي يمكن أن نقول فيه بأن الديمقراطية موجودة في العالم العربي.
#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟