أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - قبل الفجر














المزيد.....

قبل الفجر


شريف السقا

الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 09:25
المحور: الادب والفن
    


قبل قليل من إنبلاج الفجر ...أيقظه الأرق ...تناول ساعته كانت تشير إلي الإقتراب من الساعة الرابعة ....شك في أن عطب ما أصابها ...لأنه لم يسمع صوت الأذان يصدح بصوت الشاب الجنوبي كالعادة .....القي برأسه مرة أخري ....لكنه هذه المرة إستيقظ علي صوت جلبة وصياح ترافق مع بعض العويل والنحيب المتقطع و المتصاعد .....

هرول إلي الخارج ليري بعض الأهالي تسرع في إتجاه القناة الرئيسية للماء التي تخترق أعلي القرية ...هناك تحلق الناس كالطيور الناهشة حول شيء ما.....

مد عنقه ليري ..صدمته الدهشة ....كان جسد شيخ الجامع راسيا علي ضفاف الطريق بجوار القناة ....تأمله في حزن وحسرة ....الجسد النحيل مسجي علي الأرض في وداعة وعيناه ترنو نحو السماء ...وارتسمت علي وجهه إبتسامة مبهمة ...فسرها البعض بأنها إبتسامة رضا وفسرتها أنا بأنها إبتسامة سخرية مريرة كأنه يقول لكل الأوغاد سحقاً لكم .....وكان لدي أسبابي لذلك .....

علي عجل تم نقل الجثمان إلي داره ....ضغطت الأسئلة المتتالية علي جوانب رأسي ...ماذا أتي به إلي هذا المكان وفي هذا الوقت ؟....ليس هذا طريقه المعتاد من داره شرق القرية إلي الجامع وسطها ؟ انفلتت أسئلتي من عقالها ....لكننا في قرية تنتحر اسئلتها وارضها الجدباء لا تنبت أي إجابات ....

أتذكر الشيخ العجوز منذ نعومة أظافري ....جسده النحيل وصوته الهاديء وكلامه الموجع القاسي لأوغاد القرية ....كان الجميع يهابه ....فلم يكن ذلك الرجل يسكت عن الحق ووفرت له قطعة أرض صغيرة استقلالية عن كبار أوغاد قريتنا ....

رحلته اليومية المتكررة تبدأ قبل صلاة الفجر من الدار إلي الجامع غالبا يكون هناك هذا الفتي الجنوبي يصدح بالأذان بصوت أقرب إلي صوت ندي الصباح .....هذا الفتي الذي هبط إلي قريتنا في يوم ما ولم يغادر .....يلحق بهم بعض ذلك عملاق القرية أو مخبول القرية حسب من يتكلم ....هو بالفعل فارع الطول ...يخشاه الجميع يحمل في يده عصاة غليظة تجعل أي إحتكاك به مغامرة غير محسوبة أو مضمونة العواقب .....لكن هذه قصة أخري ....

بعد ختام الصلاة و الأوراد ....يتوجه الشيخ إلي أرضه ليشرف علي ما يحدث هناك من حرث وري وبذر وخلافه ....

أنا أشك إنه لم يقضي بشكل طبيعي وانما أحد ما أسكت نبض حياته غدرا ....لماذا ؟

لا أعرف فقد ذكرت لك إن الأرض الجدباء لا تنبت إجابات وهنا تنتحر كل الأسئلة .....ربما كانت لي بعض التخمينات .....ضاق به كبار أوغاد القرية كثيرا ...لقد كان يثخن لهم في القول وأحيان أخري يكيل لهم ما يشاء من أقذع الكلام .....لم يستطيعوا إن يستميلوه إلي جانبهم ....جربوا كل شيء ....لكنهم لم يفلحوا .....

أتذكره في يوم ما بعد إنتهاء الصلاة كان يقوم بإلقاء الطعام للكلاب السارحة دوما علي أطراف القرية ....ليسأله أحد الكبراء كيف تطعم هذه المخلوقات النجسة ؟ ليرد عليه بغلظة هذه المخلوقات النجسة أطهر منكم أيها الأنجاس ....
غرق الرجل في حرجه وأسرع الخطي مبتعدا كاظماً غيظه في طيات نفسه مشيعاً بضحكات السابلة ....

كان يروق لي ما يحدث منه دوماً كان ينتقم للصامتين و العبيد ....ومن قطع لسانهم العوز والحاجة ......

علي أية حال رحل الرجل لكن تعالت همهمات إنه كان عند قناة الماء ليحذر النداهة من مغبة إختطاف شباب القرية وعادوا ليقصوا إن عملاق القرية أو مخبولها اصابه مس منها عندما كان يستحم هناك في أحد ليالي الصيف البعيدة ومن يومها أصبح هكذا ....همت إن تنطلق ضحكة ساخرة مني لكني قتلتها قبل إن تصل إلي شفتاي ...كانت تناسب هؤلاء الأوغاد لكنها قطعاً لم تكن مناسبة للشيخ الجليل ....

هنا تزرع بذور الأكاذيب لتطرح ثمار الخرافة ليتناولها الجميع بعد ذلك بدون إستثناء .....

تم تجهيز الجثمان حتي إذا انتصف النهار صلينا عليه ...طفرت دموعي عليه ...كنت أعرف انني سأفتقده كثيرا .....

ما حدث بعد ذلك أربك الجميع ....شقت سيارة طريقها إلي داخل القرية واتخذت موضعها بجانب الجامع .....هذا إليوم سيكون حافلاً ..حدثت نفسي

ظهرت أرملته يحوطها أطفالها لتعلن انها ستنقل الشيخ لدفنه في مسقط رأسه ستغادر هي واولادها هذه القرية المتحجرة القلب ....تعالت الأصوات وتداخلت تعلن رفضها لذلك ...حتي إن بعض صعاليك القرية ارتموا أمام السيارة وتعالي نشيبهم ....إن هذا الشيخ المبروك لن يدفن سوي هنا وصاح أحد كبراء الأوغاد نعم سيدفن هنا وسنشيد له مقام ليأتيه الناس لتتبرك بتقواه ...

يا إلهي لم يكتفي الأوغاد بإنهاء حياته ...الأن يريدوا الإستيلاء عليه ميتاً ليحصلوا علي الأموال .....

صرخت فيهم أرملته انها لن تواريه التراب أبداً وسط قرية تفوح منها رائحة العفن ...كلماتها الحادة انغرست كأنصال وأثارت الكبراء ودفعتهم للصياح ...لكنها أدمت قلبي .....

انشقت الأرض عن عملاق القرية الذي أخذ يدق بعصاه الأرض بقسوة مهدداً كل الأوغاد ...إستمر الصعاليك المرتمين علي الأرض في مسرحيتهم ....لينالوا ضربات متتالية من عصا العملاق وأصبحت الأمور تنذر بالأسوأ ....فر الصعلوكين ليلعقا جراحهم بعيداً وإن لم يتوقفوا عن السباب .....

ساد الصمت ...وتحركت السيارة مبتعدة ...لم أتمالك نفسي وطفرت دموعي مرة أخري ....ولوحت له مودعاً .....



#شريف_السقا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليل الهلاوس
- عودة
- رائحة وطن يحترق
- المصنع
- الرحلة
- مرض الرجوع إلي الخلف
- عدالة البؤس و بؤس العدالة
- الشرخ
- الفراغ
- داخل الغرفة
- أتذكر ؟
- كازابلانكا
- كلب السيد
- أميرة الأمل
- العزلة
- سفر الخروج
- فارس لا يموت
- روليت
- درج الذكريات
- قصة جارية


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - قبل الفجر