أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - الرحلة














المزيد.....

الرحلة


شريف السقا

الحوار المتمدن-العدد: 3125 - 2010 / 9 / 15 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


لحظة الإستيقاظ التي تتشابه في كينونتها مع لحظة الميلاد المتكرر يومياً ...إستيقظ في صباح هذا إليوم البارد.....ارتدي ملابسه المهترئة التي لا يذكر من أين و منذ متي اشتراها ؟....كل ما يعرفه انها أصبحت زيه الرسمي الذي كاد إن يلتصق بجلده من طول الزمن ......

أطل خارج هذا المنزل البائس دافعاً نفسه إلي تلك الأزقة الأفعوانية الضيقة التي تخترق بدهاء جسد القرية الغارقة في فقرها المقيم ......تلك الأزقة الطينية التي شهدت حياته كلها ...طفولته ....شبابه ...حتي الأن ...القرية التي تمضغ سكانها و تعود فتبصقهم في الطرقات إلي أجل معلوم ....

سار بين تلك الجدران الكالح الوانها ....أحكم وضع كوفيته الصوفية حول عنقه لتقيه من هذا البرد اللاسع الذي يخترق جلده ....ثم تحسس شاربه الكث و ذقنه غير الحليقة ....و امتدت يده لعلبة سجائره المحلية ...ليشعل سيجارة ...يمصها بروية ....لتضيف اصفراراً متزايداً علي هذا الشارب ....يفرج عن دخان صدره في الهواء المشبع برائحة الحقول و القمائم و الخمائر و الروث ....

في الحقول المجاورة يري هيئات بشرية كأنها نبتت في الحقول منذ أمد بعيد ....همس في نفسه ....هؤلاء البؤساء الذين يكدون منذ الصباح الباكر حتي الظلام ...يحرثوا ....يزرعوا ثم يحصدوا ليحصدهم الأخرين بعد ذلك ...يا للسخرية ....منكسي الرؤوس كأن طائر الموت يحلق حول هاماتهم ليعود ليخطف كل من رفع رأسه منهم ....يا للبؤس .....

إستعاد نفسه ...ثم رفع يده ملوحاً ملقياً بسلامه ....جاء رد السلام سريعاً
متكسراً مع نسمة الصباح البارد .....

لم يعد يعرف كيف تغيرت معظم الأشياء حوله ...اصبحت بلاستيكية الملمس و الرائحة ....حتي رائحة الحقول فقدت الكثير في خوضها معركتها الخاسرة أمام المباني الممسوخة التي تتكاثر كنبت شيطاني في الأفق لتزيد الإختناق إختناقاً و تحكم الحصار حوله حتي لا يستطيع منها فكاكاً .....

رسم علي وجهه تلك الإبتسامة البلهاء الممزوجة بمرارة السخرية .....في تلك الأزقة واجد نفسه و في تلك الأزقة ولت الفرار و أخفق إن يستعيدها حتي قرر إن يتركها إلي حال سبيلها .....علي الأقل فأنها نجحت في الفكاك من هذا الشرك الذي يتربص بالناس هنا .....و إن كان يراوده الشك انها لازلت تجوس بين هذه الجدران الرطبة محاولة الهرب إلي الأبد من هذا المكان .....

كادت رحلته اليومية تشرف علي نهايتها فقد وصل إلي أول الطريق الأسفلتي .....دق الأرض عدة مرات بقدمه ليتخلص من روث البهائم الذي تعلق بحذاؤه أو ما كان يطلق عليه حذاء في يوم من الإيام و كأن الروث هو الأخر يرغب في مغادرة هذا المكان .....عبر الطريق ...منتظراً .....أشعل سيجارته الثانية ....وقف يشاهد تلك السيارات المندفعة بأقصي سرعتها و كأنها تهرب من قدر محتوم يطاردها .....بعد فترة وجيزة لمح الباص الحديدي قادماً يترنح تحت وطاة الزمن و الحمولة ....زم شفتيه ثم اندلقت منه ضحكة ساخرة بطعم المرار .....توقف هذا الكائن الحديدي الصديء أمامه ....صعد متكاسلاً ملقياً تحية الصباح علي تلك الأوجه المكدودة .....التقمه كرسي حديدي مغطي بقطع جلدية ممزقة .....تحرك الكائن من الجديد و صوته البشع يمزق سكون المكان .....

أراح رأسه علي النافذة ....و ترك عيونه تركض خلال هذا الزجاج المتسخ لتري وحشاً إسطورياً يبتلع مزيداً من الحقول الغضة ليتقيأ مزيداً من تلك المباني القميئة .....

أغمض عينيه و اسلم نفسه لرحلته اليومية إلي مصنع البلاستيك






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرض الرجوع إلي الخلف
- عدالة البؤس و بؤس العدالة
- الشرخ
- الفراغ
- داخل الغرفة
- أتذكر ؟
- كازابلانكا
- كلب السيد
- أميرة الأمل
- العزلة
- سفر الخروج
- فارس لا يموت
- روليت
- درج الذكريات
- قصة جارية
- مدينتنا و قميص عثمان
- كفتة و حواوشي أونلاين
- عملية إنقاذ اللواء خميس اونلاين
- الطابور الخامس
- تغييب الوعي


المزيد.....




- النجمات يتألقن في حفل جوائز -جوثام- السينمائية بنيويورك
- الأدب الإريتري المكتوب بالعربية.. صوت منفي لاستعادة الوطن إب ...
- شذى سالم: المسرح العراقي اثبت جدارة في ايام قرطاج
- الفنان سامح حسين يوضح حقيقة انضمامه لهيئة التدريس بجامعة مصر ...
- الغناء ليس للمتعة فقط… تعرف على فوائده الصحية الفريدة
- صَرَخَاتٌ تَرْتَدِيهَا أسْئِلَةْ 
- فيلم -خلف أشجار النخيل- يثير جدلا بالمغرب بسبب -مشاهد حميمية ...
- يسرا في مراكش.. وحديث عن تجربة فنية ناهزت 5 عقود
- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- أول متحف عربي مكرّس لتخليد إرث الفنان مقبول فدا حسين


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - الرحلة