أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - 168 دانة















المزيد.....



168 دانة


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 - 18:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



(1) : كنا بمقهى فوق ربوةٍ تطل على موقعٍ فريدٍ في العاصمةِ المغربية حيث كنا في "المدية" نرى مصب نهر أبي رقراق في المحيط الأطلسي وهو مكان مرتفع يتيح لنا رؤية مدينتي "الرباط" و"سلا". سالني المضيف وهو وزير مغربي سابق لحقوق الإنسان عن وجهة نظري في اختلاف مسلَك الجيشين المصري والتونسي عن مسلَك الجيوش اليمنية والليبية والسورية . أجبتُ بأنني على علم (ولست أخمن) أن حكام الدول الخمس أصدروا أومرهم لجيوش بلادهم بإنهاء الثورة حتى لو اقتضى الأمر قتل عشرات الآلاف . وفي الحالة المصرية فقد حدث ذلك بالتحديد يوم 10 فبراير 2011 . وبينما نفذت الجيوش اليمنية والليبية والسورية أومر حكامها ، فقد اتخذ قادة جيشي مصرَ وتونس موقفاً مغايراً تماماً قوامه "عدم إطلاق رصاصة واحدة" على أبناء وبنات وطنهم . وعلةُ الاختلاف جليةً لكل من يعرف كيف تقاد هذه الجيوش الخمسة . فالجيوش التي يقودها ابناءُ الحكام أو أشقاؤهم أو أهلُهم (كما هو الحال في اليمن وليبيا وسوريا) هي التي قتلت أبناء وبنات الوطن. أما الجيوش التي يقودها ضباط من ابناء الشعب (كما هي الحال في مصر وتونس) فإنها هي الجيوش التي رفضت (قادة وضباطاً وجنوداً) أن توجه سلاحها لأبناء وبنات شعوبها. وهكذا يرينا الواقع وجهاً آخراً قبيحاً من وجوه النظم الجمهورية – العائلية منبتة الصلة بالحضارةِ والتمدنِ.
كتبت في 10 مايو 2011
(2) : سألني دبلوماسي سعودي حضر منذ أيام محاضرة ألقيتها بجامعة إبن طفيل بمدينة القنيطرة المتاخمة لعاصمة المغرب عن تفسيري لتمسك عددٍ من الحكومات العربية بحظر تدريس مادة الفلسفة بمدارسها وجامعاتها. فقلت أن الفلسفة هي التي جعلت اليونان وروما (قديماً) صاحبتي حضارتين من أعظم الحضارات في تاريخ الإنسانية . ونحن نتحدث هنا عن حضارتين غير ميتتين (على خلاف الحضارة المصرية القديمة وحضارة بلاد مابين النهرين) . فالحضارتان اليونانية والرومانية حيتان اليوم من خلال حضارة الغرب ( حضارة الرينيسانس وما بعد الرينيسانس). وأضفت أن قتل الفلسفة (أو التفلسف أو التمنطق) خلال القرنين التاليين للقرن العاشر (الميلادي)في المجتمعات المسلمة والعربية هو (وحده) سبب الجمود المعرفي والتكلس العقلي والضمور البحثي الذي أدى لدخول هذه المجتمعات في طور بيات حضاري طويل وقع خلالها إستعمارُها . وفي العصور الحديثة ، فإن الحضارة الغربية كانت الفلسفة هي العمود الفقريِ لهذه الحضارة. وبإختصارٍ ، فإن الفلسفة تفعل (بضم التاء وفتح الفاء وتشديد العين المكسورة وتسكين اللام) الأنشطة العقلية والفكرية ، وتبث الحيوية في العقل النقدي ، وتخلق مناخاً يسمح بكل وكافة وسائر الأسئلة . ولما كانت الأسئلةُ "مبصرةً" والأجوبةُ "عمياءً" ، كما كان الإغريق يقولون ، فان المجتمعات التي إنتشر فيها الفكرُ الفلسفي هي التي تطورت وقادت مسيرة التمدن والتقدم الإنسانيين لما نراه اليوم والذي يلخَص (ويترجَم) في تقدمٍ علمي هائل يثمر تحسناً عظيماً في الظروفِ / الشروط الحياتية للإنسان.
ولما كانت الفلسفةُ تحض على إثارةِ الأسئلةِ ، فقد كانت عدواً كبيراً لكل النظم التي لا تريد أن تصل شعوبها (عن طريق الأسئلة) لوضع قواعد الحكم والتصرف في المال العام ، ناهيك عن جعل الحكاّم (في النهاية) "خدماً" للشعوب وصيرورتهم مسؤولين أمام الشعب وليس أمام أحد آخر.
وفي المجتمعات العربية التي لا تزال توجد بيئاتها السياسية (حتى اليوم) في ظلام القرون الوسطي (واحيانا : ما قبل القرون الوسطى) ، فإن أكثر ما يخافه الحكام هو "الأسئلة". مثل : لماذا تحكوموننا ؟ ... وعلى أي أساس وبموجب أية مرجعية ؟ ... ومن الذي يحاسبكم ؟ ... وماهي أسس التصرف في المال العام؟ ... وغيرها من الأسئلة.
ورفض تدريس الفلسفة هو سمة يشترك فيها حكام تلك المجتمعات وخدمهم وفي مقدمة هؤلاء المؤسسات الدينية التي تحض على ثقافة الطاعة . وتدلنا دراسةُ التاريخ أن المؤسسات الدينية كانت دوماً شريكَ أساسٍ في هذا الوضع المزري . ويكفينا أن نطالع ما ردده كبراء المؤسسات الدينية في تلك الدول العربية القرو-أوسطية ضد ثورات المجتمعات العربية الحالية ، سيما عن ثورة شباب مصر التي جعلت حكام وفقهاء الدول العربية القرو- أوسطية لا ينامون نوماً هانئاً منذ 25 يناير 2011 !
كتبت في 10 مايو 2011
(3) : في الأيام الأولى للسنة الحالية (2011) كنت أسير في الحي اللاتيني بالمدينة النور (باريس) بعد إلقائي كلمة في الإحتفال الذي أقامه ناشر كتبي بالفرنسية عن احدث هذه الكتب وهو كتابي "Le Djinn Radical" ("العفريت الأصولي" من منشورات L Harmattan ). واذا بي أجد أنني أسير في "ميدان محمود درويش المطل على نهر السين"... فهمست : يا الله !! بلادنا تحتفى بكائنات أحفورية تحكمنا وتنسى ابناءها العباقرة !.. أما المدينة النور (باريس) فتحتفى بهم وتطلق اسماءهم على ميادينها وشوارعها . يومئذ ، تذكرت المشهد الوارد بأحد الأناجيل ليسوع الناصري وهو يغادر مدينة الناصرة والأطفال يلقونه بالحجارة ويهتفون : "حتى ابن مريم يتنبأ" !
كتبت في 10 مايو 2011
(4) : منذ أيامٍ واثناء عشاء اقامه سفيرُ مصرَ بالرباط بمناسبة زيارتي للمغرب ، سألني سفيرُ دولة خليجة عن توقعاتي بالنسبة للنظم الملكية العربية . فقلتُ : أن "مشيخات" الخليج (السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان) إما أن تتحول لملكيات برلمانية / نيابية تكون فيه السلطة التنفيذية في يد رئيس حكومة منتخبة ، واما أنها ستتحول لجمهوريات . وينطبق ذات الشئ على الأردن . أَما المغرب فهي المملكة الوحيدة التي بدأ(بالفعل) ملكها في نقل العديد من سلطاته التنفيذية لرئيس حكومة منتخب . وأضفت ، أن التحدي الأكبر أمام "المشيخات العربية" هي أن تتحول لدول حديثة وتترك طور المشيخات التي تبعدها عن المعاصرة وتعرضها لرياح تغيير عاتية. وتقتضي الموضوعية ذكر ان "الكويت" تقف كإستثناء بين مشيخات الخليج ، فهي الوحيدة التي يمكن وصفها بأنها دولة (نسبياً)
كتبت في 10 مايو 2011
(5) : دولتان عربيتان نفطيتان أصابهما ذعرُ كبيرُ عندما أنهت ثورة الشعب التونسي حكم بن عليِّ ، ثم أصابهما ذعر اكبر (بكثير) عندما انهت ثورة الشــعب المصــري حكـم حسـني مبارك ( وأوليجاركيته) ، بل ومارستا ضغوطاً هائلة (كنفس الضغوط التي مارستها اسرائيل ولنفس الغاية) على الولايات المتحدة الأمريكية لمساعدة حسني مبارك على البقاء فوق سدة حكم مصر ! والحقيقة ان حكام الدول الثلاث ( أي حكام المشيختين العربيتين واسرائيل ) لم يكن قصدهم على الاطلاق "مصلحة حسني مبارك" وإنما قصدا خدمة مصالحهم هم المتمثلة في مقاومة تيار التغيير في أكبر دول إفريقيا والشرق الأوسط والمجموعة العربية. فنجاح تيار التغيير في مصر سيأتي بحكام هدفهم خدمة مصالح مصرَ لا مصالح هذه الدول الثلاث والتي لا يعنيها شعب مصر ولا تعنيها مصلحة مصر بأيِّ شكل من الأشكال . ولو كان الأمر بيدي ، لطلبت من الدولتين العربيتين النفطيتين سحب كل استثمارتهما بمصر. فمصرُ اكبر من كيانات هي تجسيد حيِّ لعصور الظلام الوسطي. ولن تأتينا من كيانات كهذه إلاَّ "قيم التخلف". يقول العبقري نزار قباني: "أقبل النفط علينا / فإرتمينا على قدميه / ان شعري لا يبوس الدين / وأحرى بالسلاطين أن يبوسوا يديه).
كتبت في 10 مايو 2011
(6) : يوم 9 مايو 2011 وأثناء الجلسة الختامية للمؤتمر الأربعين لاتحاد النساء المغربيات والذي دعتني لإلقاء كلمة ضمن فعالياته رئيسته (الأميرة مريم الأبنة الكبرى للملك الحسن الثاني) قلت لنائبة رئيسة اتحاد نساء المغرب الأميرة أم كلثوم بنت الحسن المهدي العلوي أن حصول المرأة العربية على كافة حقوقها (وهو ما يقاومه الرجل العربي الذي خربت جزءاً كبيراً من عقله الثقافة العربية والاسلامية) لن (ولا يمكن أن) يكون ثمرةَ مساندةِ رجالٍ مثلي كتبوا كثيراً عن ضرورة تمكين المرأة للوصول لكافة حقوقها (المنهوبة) ، وانما ذلك سيكون (ان حدث) عن طريق كفاح المرأة نفسِها وإنتزاعها لحقوقها من "ذكور" ينتمون لذهنية القرون الوسطى وسوسيولجيا الكثبان الرملية وعقلية الخيمة والنوق !
كتبت في 10 مايو 2011
(7) : كيف يسمح حاكم عربي لنفسه بان تسمي المنح المالية التي تعطيها حكومته للشعب ( من مال الشعب ) بتلك التسمية القميئة "المكرمة الملكية" ؟! المكرمة الحقيقية ياصاح هي مكرمة شعبكم عليكم وعلى اسرتكم التي تعيش نمطاً اسطورياً من الثراء الفاحش على حساب شعبكم الذي نسيتم انكم محض حزم له وليس لمكان محدد فيه !
كتبت في 10 مايو 2011
(8) : في جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة المغربية قالت له : "انني اقرأ كتابتك اكثر من مرة لأصل لكل رقائق ما تكتب" ... فأدرك انها "مدرسة فلسفة" دون أن يكون له علم سابق بذلك !
كتبت في 10 مايو 2011
(9) : ادعو الذين يريدون مزيداً من التعرف على تفكير بنيامين نيتنياهو رئيس وزراء اسرائيل الحالي ان يطالعوا بعض مؤلفات والده المؤرخ الاسرائيلي بنذايون نيتنياهو المولود في 1910 والذي كان سكرتيراً لأكثر الصهيونين تعصباً وهو زييف جابوتنسكي .
كتبت في 10 مايو 2011
(10) : منذ بضعة أيام كنت ألقي سلسلة محاضرات عن (المواطنة والهوية والآخر في الثقافة العربية" وعن حتمية تثوير التعليم الديني الاسلامي" وعن "تراجيديا وضع المرأة العربية" . وقد ألقيت هذه المحاضرات بعدة مؤتمرات وجامعات مغربية. وأنا انسان ما أن ترى عيناه جامعة مغربية حتى استرجع سنواتي المغربية (1976/1979) عندماكنت مدرساً بجامعة فاس المغربية ( اسم الجامعة الرسمي: جامعة محمد بن عبد الله – ومحمد هذا هو محمد الرابع ملك المغرب في القرن التاسع عشر ) . عندها ، تجتاحني نوبة نوستالجيا عارمة . فهنا صدر كتابي "أفكار ماركسية في الميزان" ( فاس ، 1978 ) وهنا كتبت مسودة كتابي "تجربتي مع الماركسية" ( نشر في القاهرة في 1983 ). وهنا عكفت على دراسة كل ما وصلنا من مؤلفات ابن رشد وشروحاته لأرسطو. وهي (اي كتابات وأفكار ابن رشد ) ما شكَّل ركن الأساس في علاقاتي بمسائل فكرية عدة. وهنا إكتشفت عوالم محي الدين بن عربي الرائعة . فكيف اذا لا تجتاحني نوبة (بل نوبات) نوستالجيا عارمة ؟!
كتبت في 10 مايو 2011
(11) : يحلو لي أن أكرر أن الحرب العالمية الثانية إنتهت على مرحلتين : الأولى في 1945 عندما هزمت المانيا (في شهر مايو) ومن بعدها اليابان (في شهر أغسطس). واما المرحلة الثانية فكانت في 1991 عندما انهار الاتحاد السوفيتي وانهار معه ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي . وهو التاريخ (1991) الذي اصبحت فيه الولاياتُ المتحدة الأمريكية هي "القوة العظمى الوحيدة على سطح الأرض". وفي إعتقادي أن أكبر خطايا الولايات المتحدة الأمريكية أنها آمنت خلال حقبة الحرب الباردة بأن كل عدو للاتحاد السوفيتي هو حليفها بالضرورة . وأما الخطيئة الكبرى الثانية فتمثلت في تعاملها مع حكامِ (لا شعوب) حلفاءها.
كتبت في 10 مايو 2011
(12) : لم يكن اسامة بن لادن هو "المرض" بل كان "عرضا" من أعراض المرض الذى هو ذلك المناخ الثقافي والتعليمي والاجتماعي العام الذي سيطر فيه زبانية التعصب الديني وأتباع أشد مدارس فهم الاسلام ميلاً للعنف ومقتاً للآخر ورفضاً للحداثة وتجليلتها. هذا المناخ هو "المرض العضال" . أما أسامة بن لادن فكان مجرد "ثمرة" من ثمار هذه الشجرة شديدة السمية. ولا علاج لهذا المرض العضال إلاَّ بثلاثة ترياقات : (1) بنظام سياسي ديموقراطي يحقق الكرامة والعدالة والمشاركة (2) بنظام إقتصادي يحقق شروطاً وظروفاً حياتية افضل لابناء وبنات المجتمع (3) بمنظومة تعليمية عصرية تغرس في عقول وضمائر ونفوس أبناء وبنات المجتمع قيم العصر والتي من أهمها التعددية والغيرية (قبول الآخر) واكبار قيمة الحياة الانسانية ، واجلال العقل الانساني بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص ، والسماحة الدينية والثقافية وحقوق الانسان وأهمها حقوق المرأة ، ثم قيم العمل الحديثة وأهمها علوم الادارة والتسويق والاتقان ( QM ) والموارد البشرية.
كتبت في 10 مايو 2011
(13) : منذ ثلث قرن من الزمان كانت بين الولايات المتحدة وكل من إيران ومصر وتركيا صداقة عارمة . أما اليوم ، فإن الحال جد مختلفة ، فايران في حالة عداء مع امريكا . اما مصر وتركيا فبينهما وبين امريكا "صداقة باردة" ! والسبب (كما اكرر) ان الولايات المتحدة (بسطحية معرفية منقطعة النظير) اقامت علاقاتها مع حكام غير ديموقراطيين لا مع شعوب .
كتبت في 10 مايو 2011
(14) : أدعو كل القراء لقراءة هذا النص الذى كتبه أبوحامـد الغـزالي فى كتابه المعـروف "المنقـذ من الضلال" : ( ودليل وجود النبوة وجود معارف فى العالم لا يتصور أن تنال بالعقل كعلم الطب والنجوم ، فإن من بحث عنها علم بالضرورة أنها لا تدرك إلا بإلهام إلهي وتوفيق من جهة الله تعالي ، ولا سبيل إليها بالتجربة . فمن الأحكام النجومية ما لا يقع إلا فى كل ألف سنة مرة ، فكيف ينال ذلك بالتجربة ، وكذلك خواص الأدوية فتتبين بهذا البرهان أن فى الإمكان وجود طريق لإدراك هذه الأمور التى لا يدركها العقل). وهو كلام يستطيع أي طالب فى السنة الأولي بقسم الفلسفة بالجامعة أن يثبت خطأه وخطله . وإذا كان هذا الطالب ملما بفلسفة أوغست كونت (الوضعية) لإستدعي عقله إسم ورسم هذا الفيلسوف الفرنسي العظيم وهو يطالع هذا الكلام شديد الإرتباك لمن يحب البعض أن يسموه بحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.

كتبت فجر الجمعة 15 أبريل/نيسان 2011
(15) : يغيب عن القلة التى تدعو لترك حسني مبارك وأسرته وشانهم ، والإهتمام بالحاضر والمستقبل ، أن "العدالة" هى قيمة تماثل "الرحمة" بين القيم الكبري . ولاشك أن للرحمة فضائين ، فضاء العلاقات الخاصة ، وفضاء العلاقات العامة أو المجتمعية . ولاشك أن "الرحمة " فى فضاء العلاقات العامة أو المجتمعية لابد وألاَ تجور على قيمة "العدالة" . ومن الخطل أن يقول البعض بأن الإتشغال بتسوية الحسابات إنما يعطِل إصلاح "الآن" و "المستقبل" ... فالعلاقة الجدلية بين "الماضي" و "الحاضر" و "المستقبل" لا تخفي عن فطنة من له أي نصيب من الفطنة والمعرفة بالتاريخ ... وإعتقادي جازم بأن الأسبوع الماضي كان أهم أسابيع "الثورة المصرية" أي ثورة 25 يناير 2011 ، فحبس الرئيس المخلوع حسني مبارك (على ذمة التحقيق) وكذلك حبس كل من نجليه ورئيس وزراءه الأسبق أحمد نظيف ورئيس مجلس برلمانه ووزير داخليته حبيب العدلي ورموز عهده (الأسوأ والأسود) أمثال زكريا عزمي (رئيس ديوان الرئيس المخلوع وكاتم أسراره الأول) وآخرين مثل محمد إبراهيم سليمان وأحمد المغربي وأحمد عز وزهير جرانة وأنس الفقي ، وغيرهم . هذه الخطوة هى الدليل على أن الثورة مازالت تتفاعل وأن تفاعلاتها تتجه بقوة (وبفعل الضغوط الشعبية الرائعة) لإبادة نظام حسني مبارك بالكلية ، وهى مهمة أنجز منها الكثير ، ولازال هناك ما يجب إنجازه . وهذه الخطوة لازمة لتأسيس واقع جديد أفضل من واقع حقبة حسني مبارك الأسوأ والأسود والأفظع والأبشع فى تاريخ مصر المعاصر.

كتبت فجر الجمعة 15 أبريل/نيسان 2011
( 16) : حزنت بعض القيادات العربية حزنا هائلا على رئيس مصر المخلوع حسني مبارك ، وأرسلت كل منهما وزير خارجيتها للحديث مع رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة المصرية . بل ويعرف كثيرون ، أن المليارات من ثروة حسني مبارك وزوجته ونجليه قد تم تحويلها لبعض الدول العربية . تري لم تفعل بعض الدول العربية وكذلك الإمارات ذلك ؟ ببساطة ، لأنها من أعتي وأكبر أعداء "فكرة التغيير" . والثورة (وإن كانت قد بدأت فى تونس) قد إستدعت بفورانها فى مصر أعتي رياح التغيير لمنطقة يحكمها من هم أكبر أعداء ورافضي مبدأ التغيير.

كتبت فجر الجمعة 15 أبريل/نيسان 2011
(17) : رغم إيماني بمجموعة القيم الإنسانية التى طورتها الحضارة الغربية والتى كانت هى (ولاتزال) آليات وحركات وقاطرة التقدم فى مجتمعات الغرب وفى المجتمعات التى تبنت هذه (أو معظم) المجموعة من القيم الإنسانية (مثل اليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وتايوان وسنغافورة ومعظم دول ما كان يعرف بأوروبا الشرقية ، وكذلك بعض دول العالم الثالث مثل تركيا والأرجنتين والرازيل) . رغم إيماني بهذه المجموعة من القيم الإنسانية ، فإنني أنظر دائما بغضب وأنا أري عشرات القرائن على عيبين من أكبر عيوب دول المجتمعات الغربية ، وأعني الضعف المذهل أمام المال ، والإستعداد للتخلي كلية عن المباديء إذا كان التمسك بها يؤدي لخسارة المال ! وأيضا "إزدواجية المعايير" . ويكفي أن نتأمل العلاقة الأمريكية/السعودية ، ليظهر أمام عيوننا بجلاء هذا العيب الأقبح من عيوب الغرب . فأمريكا التى تعرف أن السعودية لا تسمح ببناء دور عبادة لغير المسلمين ، وأمريكا التى تعرف حجم التخلف والتأخر فى مجال حقوق المرأة السعودية ، وأمريكا التى تعرف أن برامج التعليم فى السعودية تحمل بذور القيم المضادة للإنسانية وقبول الآخر والتسامح والتعددية ... أمريكا هذه لم تفتح فمها مرة واحدة بما يدين تلك الأورام الخبيثة فى جسد الدولة السعودية . لماذا ؟ السبب أوضح من واضح ! وأمريكا التى تقيل رئيسها لتجسسه على تليفونات خصومه (ريتشارد نيكسون) تقبل لنا حلفائها من سخام البشر ليحكمونا ويطغون علينا وينهبونا ، وهى لا تحرك ساكنا ، لأنها فى الحقيقة ترضي لنا ما لا ترضاه لأبناءها وبناتها ، وهو ما يعكس ضمور شديد فى الإنسانية والعدل والإنصاف ، ناهيك عن التعصب (فلولا إيمانهم بأننا أقل منهم ، لما رضوا أن يحكمنا هؤلاء الطغاة الجهلة واللصوص ) ... ويكفي ما ردده بعض الإسرائيليون (عندما بدأت ثورة 25 يناير فى مصر) من أن حسني مبارك هو كنز بالنسبة لهم.

كتبت فجر الجمعة 15 أبريل/نيسان 2011

( 18 ) : كانت (ولاتزال) زيارتي لكليات الدراسات الشرقية بعدد من أعرق الجامعات الأوروبية مصدر سرور شخصي وحيوية عقلية بلا حدود. فما أروع وأمتع الساعات التى قضيتها بأقسام الدراسات الشرقية بجامعات لايدن (هولاندا) و درم أو درهام (بريطانيا) وهايدلبرغ (ألمانيا) و نابولي (إيطاليا)، وغيرها. منذ أيام (18 مارس 2011) كنت في جامعة كاليبرا بأقصى جنوب إيطاليا ، وفي حوار مع أستاذ قد يصح وصفه بأحد أهم أستاذة دراسات التصوف الأسلامي في أوروبا اليوم (البرتو فينتورا). تطرق الحوار لأبن رشد (الذي يمثل أحد أهم المحطات الفكرية في حياتي) ومحي الدين ابن عربي (الذي تخصص البروفيسور فينتورا في دراسة حياته وأعماله). ومن هذا الحوار تعلمت ما لم أكن أعرفه من قبل عن علاقة ابن عربي بأبي الوليد إبن رشد . لا أقصد بالعلاقة الإعجاب الفكري الذي كان يكنه ابن عربي لأفكار ابن رشد ، وإنما أعني علاقة المودة الشخصية بينهما والتي جعلت محي الدين ابن عربي هو الذي يقوم بتكفين ودفن ابن رشد بنفسه. مات ابن رشد في المنفى وجهزه للدفن محي الدين ابن عربي وحمل جثمانه على دابة بشكل درامتيكي يستحق الوصف . وضع جسد ابن رشد في صندوق خشبي على يمين الدابة ووضعت مؤلفات ابن رشد في صندوق آخر على يسار الدابة ، وأقامت التوازن بين الصندوقين قطعة قوية من الخشب وضعت وسط ظهر الدابة التى سارت ومن وراءها محي الدين ابن عربي وآخرون في مشهد درامتيكي كانت كتب ابن رشد فيه هي التي حفظت التوازن مع الجسد الميت لصاحب أعظم العقول (فى إعتقادي) في تاريخ المسلمين . وكعادتي لم أتقبل القصة التي رواها البروفيسور فينتورا دون تحقيق . فما أن أتيح لي أن أكون على مقربة من العديد من الكتب التي وضعت عن ابن رشد حتى تحققت من صدقية وصواب القصة التي رواها البرفيسور الإيطالي الذي أفنى عمره في دراسة محي الدين ابن عربي. ومما ينبغي تسليط الضوء عليه هنا هو ذلك الود الكبير بين صوفي عظيم وبين مفكر عظيم ، وهو ود مفقود كلية بين فقهاء الإسلام السني وبين عبقري مثل ابن رشد وهذا موضوع يستحق العودة له بتوسع وتعمق أكبر.

كتبت في 30 مارس 2011
(19) : كتب الكثيرون عن الفساد الشخصي والعائلي للرئيس المخلوع حسني مبارك وكل أفراد أسرته . ولكن أحدا لم يكتب عن الجهل الأسطوري وإنعدام التكوين العلمي والثقافي لهذا الطاغية - اللص ! وقد أتيح لي خلال السنوات من 1986 الى 1996 أن ألتقي به ، بل وزار مواقع (لإنتاج البترول والغاز) تتبع لشركات كنت أتولي رئاستها. وخلال تلك الزيارات ، أتيح لي أن ألمس بنفسي أن مصر كان يحكمها رجل مطلق الجهل والضحالة المعرفية والضآلة الثقافية . وأجزم أن الرجل لم يطالع فى حياته كتابا جادا واحدا . بل وكان يفتخر بذلك ! ولما كانت من "هواياتي" رسم صورة للتكوين الثقافي لأي إنسان أتعامل معه من خلال "نوعية مفرداته" ، فقد كنت أذهل من الحوار من الرئيس المخلوع ! فقد كان يباغتني بمستوي من المفردات قاطعة الدلالة على تأهله لصفة "أجهل من حادثت" ! ... وقد تكرر ذات الشيء مع زوجته (وهى أشد من بعلها غطرسة وإمعانا فى التعالي والترفع على بني جلدتها ، شأنها شأن معظم أبناء وبنات الأوروبيات مثلها). وكنت أذهل من سطحيتها الممزوجة بغطرسة يندر تكرارها ! ذات مرة (وكنت وقتها رئيسا لمكتبة مصر الجديدة ، وقبل أن ألقي لها بإستقالتي بسبب تدخلها فى أسلوب إدارتي للمكتبة) قمت بتنظيم سهرة "موتزارتية" ( فى الذكري السنوية لوفاة فولفغانغ أماديوس موتزارت فى 5 ديسمبر). وكان المخطط له أن تعزف أوركسترا القاهرة السيمفوني بقيادة صديقي المايسترو أحمد الصعيدي عددا من أعمال موتزارت الأخيرة (ومن بينها اللحن الجنائزي الذى مات موتزارت وهو يكتبه) . فلما عرفت بأن سوزان مبارك ستحضر الليلة الموسيقية ، إقترحت على المايسترو الصعيدي أن يبدأ بعمل من أعمال موتزارت يكون بمقدورها (أي سوزان مبارك) إستيعابه وإستملاحه (ولو جزئيا) . وكان إقتراحي الذى قبله المايسترو المصري/العالمي هو البدء بالسيمفونية رقم 40 لموتزارت لأن الأذن الشرقية لا تستغربها (كما سنستغرب مثلا معظم أعمال مؤلفيين موسيقيين مثل فاغنر أو ليست أو منديلسون) ! ومع بداية الحركة الثانية من الحركات الأربع لسيمفونية موتزارت رقم 40 حتى همست فى أذني سوزان مبارك باللهجة المصرية : " قل له يختصر " !!!!!!! أشحت بوجهي كأنني لم أسمعها وكلي إزدراء ومقت للظروف التى جعلت أمثال هؤلاء الجهلة-اللصوص يقودون أجل إسم فى تاريخ الأوطان : "مصر" ... بعد واقعة "قل له يختصر" ، إعترضت سوزان مبارك على إستضافة مكتبة مصر الجديدة (بدعوة مني) للدكتور مراد وهبة ليتحدث عن "التعليم فى مصر - من مدرسة التلقين لمدرسة الإبداع" ... فما كان مني إلا أن ألقيت لها بإستقالتي (ديسمبر 1997) منهيا المائة يوم اليتيمة التى تعاملت فيها من تلك المرأة التى عجل طموحها الأعمي (والذى لا يقوم على أي أسس) بنهاية زوجها التراجيدية وتسويد صفحته فى تاريخ مصر كأجهل وأفسد من حكمها على مر القرون.

كتبت في 30 مارس 2011
( 20) : سألني محدثي : "لماذا تكره السعودية لهذا الحد ؟ " ... فقلت له : " أنني لا أكره السعودية ولا أحبها ، ولكنني أرفض وأستهجن وأكافح المناخ الثقافي الذى يسود فيها والذى تصدره لوطني أي لمصر ، كما تصدره لمعظم مجتمعات عالمنا المعاصر" . ولا شك أنني أرفض وأستهجن وأكافح دور المؤسسات الدينية فى السعودية ، وأراه "أس الداء منذ إنعقاد حلف المحمدين ، محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب فى الدرعية سنة 1755" . ولاشك أنني أرفض ولأستهجن وأكافح القيود التى فرضها رجال دين سعوديون يمثلون قمة الجهل والتخلف والماضوية على المرأة السعودية . ولاشك أنني أرفض وأستهجن وأكافح النشاط المحموم للمؤسسة الدينية السعودية لنشر النموذج الوهابي/السعودي للإسلام ، وهو نموذج سبب (من الخراب وتشويه السمعة) للإسلام والمسلمين (خلال نصف القرن الأخير) ما لم يقم بنظيره من يسمسهم البعض بأعداء الإسلام . ولكن هذا كله لا علاقة له بالبشر (أي بالسعوديين) ولا علاقة له بالحب والكره . وفى إعتقادي أنه عندما يثور رجال "دشداشة-لاند على رداءهم غير المناسب للعصر ، وبالذات "مانع التفكير" المسمي بالشماغ، وعندما تثور نساء تلك المنطقة ضد مبدأ أن يحدد لهم الرجال ما يفعلون ويلبسون وما لا يفعلون وما لا يلبسون ، ستكون منطقتهم" على "أعتاب التمدن" !

كتبت في 30 مارس 2011

( 21 ) : من أكثر ما يثير سخريتي ، أن يطلق كثيرون فى المجتمعات الناطقة بالعربية تسمية "العلماء" على "رجال الدين" ! فكيف يمكن أن نطلق إسم "العالم" على الشيخ فاتك بن ضاري بن نكد بن جهمان ؟ والرجل لا يقدر على قراءة (وفهم) صفحة واحدة من كتاب لأرسطو أو سبينوزا أو كانط أو هيغل أو أوجست كومت أو كيرككيغارد أو وايتهد أو برتراند راسل أو مارتن هايدغر أو سارتر أو جون ديوي ؟ كيف نسميه بالعالم وهو لا يدرك هل جون ستيوارت ميل وريكاردو ومالثوس وفرويد ودوركهايم هم من رواد العقل الإنساني أم أنهم ماركات سيارات ؟!؟
كتبت في 30 مارس 2011
( 22 ) : فى سنة 1914 يغادر طه حسين (أبهر أنوار العقلنة والتنوير فى سائر المجتمعات الناطقة بالعربية) الإسكندرية على متن سفينة إتجهت للشمال الغربي . يقول طه حسين : وعلى ظهر السفينة من الإسكندرية لمارسليا خلعت "العمامة" عن رأسي وعن قلبي !!!! والمعني بغير حاجة لشرح الدانة

كتبت في 30 مارس 2011
( 23 ) : في ظني أن محاكمة كل من كان من رجال حسني مبارك وسوزان مبارك وجمال مبارك فى كل الدوائر (السياسية والإقتصادية والإعلامية والثقافية) ستكون هى "المطهر" (بحسب دانتي أليغيري) الذى يضمن لمصر ولأبناءها ولبناتها أن عهد الطغاة-اللصوص قد إنتهي كلية.
كتبت في 30 مارس 2011
( 24 ) : إلتقيت (بحكم حتميات العمل) بالرئيس المخلوع حسني مبارك مرات عديدة ... وفى كل مرة كنت أشعر بعار لا حد له ! وكان يغمرني شعور طاغ بالخجل ! أهذا هو رئيس مصر صاحبة الإسم الأمجد بين الأمم ؟ وحتى الآن ، فليست لدي إجابة عن سؤال ملح : "لماذا إختار أنور السادات رجلا بمثل هكذا سطحية وجهل وخواء ثقافي ليكون نائبا لرئيس الجمهورية ؟ " ... لماذا ؟ وكيف ؟ وبأي غرض ؟

كتبت في 30 مارس 2011
( 25 ) : سمعت بإذني من مسؤول مصري كبير ( هو اليوم نزيل سجن طرة ) منذ أكثر من عشر سنوات أن وزارة الداخلية المصرية قد عثرت أخيرا على "الترياق" الشافي من "سم الإخوان المسلمين" ! وأسهب المسؤول الكبير يومذاك فى شرح نوعية الترياق المعجز وهو "تشجيع وتقوية الإسلاميين السلفيين لضرب الإخوان المسلمين" !! وهذا مثال آخر على عواقب وجود حكام ومسؤولين كبار خاليين من الثقافة والمعرفة والرؤية الثقافية ... فالسلفيون أكثر خطورة على أي مجتمع عصري من الإخوان أنفسهم ... وما هذا إلا عرض (من عشرات الأعراض) لعهد طويل من قيادة الجهل لأهم دولة فى الشرق الأوسط وأفريقيا .
كتبت في 30 مارس 2011
( 26 ) : منذ أيام كنت أسير فى مدينة تورينو ، وبينما أنا أمام قصر الملك قيكتور إيمانويل وعلى بعد خطوات من "المتحف المصري" (الذى يضم أكبر مجموعة من الآثار المصرية القديمة خارج مصر) سيطر علي شعور بأن الحياة الواقعية أكثر "درامية" من أي عمل درامي . محمد علي (مؤسس مصر الحديثة) يرسل حفيده "إسماعيل بن إبراهيم" (والذى سيحكم مصر ما بين 1863 و 1879) للدراسة فى إيطاليا. ويقع إسماعيل فى عشق إيطاليا . وعندما يقوم (وهو حاكم مصر) بإنشاء أول دار أوبرا فى الشرق الأوسط ، يطلب أن تكون دار الأوبرا المصرية "نسخة" من دار أوبرا تورينو. وعندما يعد لإحتفالات مصر بإكتمال عمليات حفر قناة السويس ، يضمن برنامج الإحتفالات عرض أوبرا جديدة هى أوبرا عايدة التى وضع موسيقاها المؤلف الموسيقي الأشهر غوزيبي فيردي (يوسف الخضر ! ) ... وعندما تجبر بريطانيا وفرنسا إسماعيل على التنحي عن عرش مصر (فى 1879) يسافر إسماعيل لمدينة تورينو ليعهد للملك فيكتور إيمانويل الثاني بتنشئة أصغر أبناءه "أحمد فؤاد" (المولود فى 1868 والذى سيصبح حاكم مصر من 1917 وحتى وفاته فى 1936) ... وبالفعل ينشأ "فؤاد" فى تورينو ، ويتعلم فى مدارسها ، ثم يتخرج من أكاديميتها العسكرية ويصبح ضابطا بالحرس الملكي لفيكتور إيمانويل !! ... وعندما يصبح "أحمد فؤاد" سلطان مصر (يوم الخميس 9 أكتوبر 1917) يوظف عشرات الإيطاليين بالقصر ، حتى تصبح الإيطالية هى لغة القصر الأولي ! ... وفى ظل هذه البيئة يولد وينشأ "فاروق" والذى ستكون الإيطالية أقرب اللغات لقلبه ! وفى سنة 1946 يصوت الإيطاليون ضد بقاء النظام الملكي ، فيختار آخر ملوك إيطاليا (فيكتور إيمانويل الثالث) أن يقضي آخر سنوات عمره فى الإسكندرية (والتى سيموت ويدفن فيها) ... وعندما يتنازل الملك فاروق عن عرش مصر ويغادر البلاد يوم السبت 26 يوليو 1952 ، يختار إيطاليا لتكون مقر إقامته فى المنفي ، وفيها يموت (مسموما ، على الأرجح) يوم 18 أبريل 1965 .... مر كل ذلك بخاطري وأنا أدلف للمتحف المصري فى تورينو مقر ملوك آل سافوا.
كتبت في 30 مارس 2011
( 27 ) : حكم حسني مبارك مصر لمدة ثلاثين سنة أي خمس مدد رئاسية (كل منها لست سنوات). المدتان الأولى و الثانية شهدت حكم حسني مبارك بدون مشاركة من أسرته. و خلال المدة الرئاسية الثالثة، أسس أفراد أسرة الرئيس وجودهم و مكاناتهم كمشاركين للرئيس في حكم مصر. و خلال المدتين الرابعة و الخامسة (1999/2011) كانت مصر تحكم عن طريق أسرة الرئيس. وإذا كانت المدتان الأولى و الثانية قد شهدتا جمود فكري و اقتصادي تمثل في عدم نمو الاقتصاد المصري على الإطلاق، فإن المدتين الرابعة و الخامسة قد شهدتا من الإستبداد و الإنفراد بالسلطة و الفساد و حكم مصر عن طريق أوليكارشيا (أوليكارجيا) هي ضفيرة من عنصرين: السلطة و الثروة.
كتبت في 3 فبراير 2011
( 28 ) : خلال السنوات من 1999 إلى 2011 أدى إحتكار إبن الرئيس و الأوليكارجيا المحيطة به (و المساندة و المشاركة له في السلطة و الثروة) إلى حدوث "إنسداد سياسي نسبي". و لكن تزييف و تزوير الإنتخابات خلال سنة 2010 (إنتخابات مجلس الشورى ثم انتخابات مجلس الشعب) و حصول أحمد عز (مندوب إبن الرئيس) على أكثر من 90% من مقاعد البرلمان (بمجلسيه) قد تسببوا في "إنسداد سياسي مطلق" كان هو السبب المباشر لانفجار 25 يناير 2011.
كتبت في 3 فبراير 2011
( 29 ) : رغم أهمية ما حدث يوم 23 يوليو 1952 ؛ فان وصفه العلمي هو أنه كان "إنقلاباً عسكرياً" سرعان ما تحول إلى حقبة ثورية (سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً). أما الأحداث التي لا شك في كونها "ثورة"، فهي الأحداث التي بدأت يوم 9 مارس 1919 (ثورة 1919) و الأحداث التي بدأت يوم 25 يناير 2011 (ثورة الشعب) و لا شك عندي أن التاريخ سيعتبر أن ثورة يناير 2011 هي أكبر ثورة شعبية مصرية خلال المئتي سنة الأخيرة. فالأحداث التي بدأت يوم 25 يناير 2011 كانت ثورة شعبية لم يحركها قائد أو قادة أو حزب أو تيار أو جماعة، و إنما بدأ هذه الثورة و سهر على استمراريتها "الشعب المصري".
كتبت في 3 فبراير 2011
( 30 ) : رغم الأحداث الجسام التي وقعت خلال تولي حبيب العدلي وزارة الداخلية ( من نوفمبر 1997 حتى أواخر يناير 2011 ) وعددها فوق العشر، و كل حادث منها كان يستدعي عزل هذا الوزير البغيض، فإن النظام السياسي إحتفظ به لأنه كان واضحاً: فقد فهم أن مهمته الأولى هي "حماية النظام" و ليس أن يكون في "خدمة الشعب". هذا الوزير الذي تعالى و تكبر و تجبر (رغم محدودية تكوينه العلمي و الثقافي و رغم سطحية شديدة اشتهر بها هذا الرجل الذي كان يخصص الكثير من وقته لتهذيب شاربه حتى أمام ضيوفه !) أغضبه أن يطلب رئيس الجمهورية من جيش مصر النزول لتدارك الحال التي أوصل وزير الداخلية مصر لها، فغضب حبيب العدلي، و أمر قوات الشرطة و الأمن المركزي بالإنسحاب الفوري في كل مواقعه في مصر (من شمالها لجنوبها) و هو ما تسبب في موجة السلب و النهب و هروب المساجين. و هو قرار يجب أن يحاكم عليه حبيب العدلي، و لا أظن أن محاكمته ستؤدي إلا لإعدامه بتهمة الخيانة العظمى.
كتبت في 3 فبراير 2011
( 31 ) : العالم كله يعرف الكثير (بل و الكثير جداً) عن فساد حكام عدد كبير من الدول العربية. فمتى ستقوم "البلدان المتقدمة" بفتح ملف فساد حكام العالم الثالث على الملأ؟
كتبت في 3 فبراير 2011
( 32 ) : كان الملك فاروق رجلاً شهماً. كان بوسعه أن يسحق انقلاب الجيش يوم 23 يوليو 1952، و لكنه قال أنه لن يسمح بإراقة دماء المصريين. و رحل فاروق، رغم أن مكالمة واحدة منه لقائد القوات البريطانية في منطقة قناة السويس (80 ألف جندي ) كانت كافية لسحق إنقلاب الضباط الأحرار، إلا أن فاروقا كان أكثر مصرية من غيره من أولئك الذين لا شك عندي أنهم سيتمسكون بكراسيهم حتى لو كان ذلك على حسب آلاف الأرواح المصرية.
كتبت في 3 فبراير 2011
(33) : همس لي لواء شرطة قام وزير الداخلية ( الذي فر يوم الجمعة 28 يناير منسحباً هو و جنوده من مهمة حفظ أمن المصريين ) بإنهاء خدمته لأنه عارضه في اجتماع عام. همس لي بالتالي: إن وزير الداخلية الفار قد بدَّل أثناء مدة توليه وزارة الداخلية "عقيدة الشرطة" ، فبعد أن كانت لعقود طويلة هي أن "الشرطة في خدمة الشعب"، فقد جعل هذا الوزير الفار عقيدة الشرطة هى "خدمة الحاكم" و ليس "خدمة المحكومين". بل و جعلها واضحة أن تحقيق هذه المهمة (أي خدمة الحاكم) هي المهمة الرئيسية لرجال الشرطة بصرف النظر عن طبيعة أدوات تحقيقها، فسواء كانت قانونية أو غير قانونية، أخلاقية أو غير أخلاقية، فهذا لا يهم. إنما المهم هو "خدمة الحاكم" بأي شكل و أي أدوات و أي طرق. و بالتالي، فإن تزوير الانتخبات (مثلاً) تصبح مهمته شريفة (!!) بل و من حق من يقوم بها أن يفتخر بمهنيته (!!) فقد خدم عقيدة وزيره و هي "خدمة الحاكم". و سيكون من الضروري عندما تؤول كل الأمور في المستقبل القريب لشرفاء من أبناء و بنات مصر أن يعملوا على إعادة تأسيس و ترسيخ العقيدة القديمة أي عقيدة أن الشرطة في خدمة المحكومين و ليس في خدمة الحاكم.
كتبت في 3 فبراير 2011
( 34 ) : جريمة رأس السنة (2010/2011)التى وقعت بكنيسة القديسين بمدينة الإسكندرية منذ أقل من أسبوع هى أحد أبشع الجرائم التى إرتكبتها يد الإرهاب فى مصر المعاصرة منذ شهدنا أول جريمة قتل بإسم (ولإرضاء) الرب فى 1948... ورغم جدية ما يقال عن "الخارج" ، فإن مناخ إقتراف مثل هذه الجرائم فى حق شركاءنا فى الوطن هو "مناخ داخلي" بإمتياز . فالتعليم المتخلف الذى يلف غير المسلم بشارة الكفر ، ليس عاملا خارجيا . والمؤسسات الدينية التى تبذر كل دقيقة بذور الرفض للآخر وإدانه بالكفر وتحديد موقعه فى جهنم من الآن ، ليست عاملا خارجيا . وصخب الطقوس الصارخة فى كل مكان على تراب مصر ليس عاملا خارجيا . والإعلام الديني منبت الصلة بالعصر وقبول الآخر والتعددية وقيم العيش المشترك ، ليس عاملا خارجيا . وعدم وجود الأقباط بالعديد من المؤسسات والجهات ليس عاملا خارجيا . ووجود نظام تعليمي يمثل خمس (20%) المؤسسات التعليمية المصرية لا يدخله الأقباط (المواطنون ودافعوا الضرائب) ، ليس عاملا خارجيا . ان جريمة ليلة رأس السنة (منذ أيام) هى علامة فارقة بين مرحلتين من تطور أداء الأصولية فى مصر . وفى إعتقادي انه ما لم تتوفر فى مصر نظم تؤسس العلاقة بين المصريين وبلدهم على أساس المواطنة ، وبدون دولة مدنية صرف ، وبدون حلول جذرية لمشكلات ومعاناة الأقباط فى مصر ، فإن مصر ليست فى نهاية مرحلة سيئة بقدر كونها فى بداية مرحلة أسوأ . لقد كتبت خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من عشر مقالات تسلط الضوء على معاناة الأقباط فى مصر (معظم هذه المقالات نشرها "الحوار المتمدن") ونحذر من تطور معاناتهم لمحن أشد خطورة ، كما كتبت منذ سنة مقالا باكيا عن جريمة قتل الأقباط أثناء مغادرتهم لكنيستهم بمدينة نجع حمادي بصعيد مصر ليلة 6/7 يناير 2010 . وكنت أظن يومها أن جريمة نجع حمادي قد سببت لي ذروة الحزن والألم على جرح بفؤاد مصر . ولكن حزنى والمي ووجعي ليلة 31 ديسمبر 2010 / 1 يناير 2011 كان أكبر وافدح وأوجع.
لندن : 3 يناير/كانون الثاني 2011
( 35 ) : عام 1990 إتصل بي تلفونيا الأستاذ / منير عساف ، مدير مكتب الأستاذ محمد حسنين هيكل ، وأوصلني بالأستاذ الذى كنت أحادثه لأول مرة . قال لي الأستاذ بتواضع (لا علاقة له بالتواضع) : متى ستشرح لي قصة الصراع على البترول فى التاريخ الحديث للشرق الأوسط ؟!؟ ... بعد يومين كنت أدلف لمكتبه على الضفة الغربية لنيل القاهرة وفى يدي كتاب ضخم بالإنجليزية عن الموضوع الذى سنتحدث عنه . من بعيد سمعت الأستاذ يرحب بي وهو يقول : هل هذا كتاب "فلان" الأستاذ بهارفارد ؟ ... أية طبعة هو ؟ ... كان محقا ، وكنت مبهورا بالأستاذ الذى لا يغيب عنه كتاب . أسعدني أنني أتيت له بطبعة أحدث وبها الكثير من الإضافات . وخلال السنوات العشرين منذ هذا اللقاء الأول ، إلتقيت بالأستاذ مرات عديدة ، فى مكتبه على نيل القاهرة وبمزرعته بمنطقة المنصورية (شمال غرب القاهرة) وببيته بالساحل الشمالي لمصر وفى لندن ، كما شرفت بزياراته لي ببيتي بمصر الجديدة أكثر من مرة (بل انه فى مرة منها جاء قبل موعد الدعوة بأسبوع !! ) . وغني عن الذكر أنه لا يوجد شيء كتبه الأستاذ بالعربية أو بالإنجليزية إلا وطالعته بروية . ورغم أن هناك إختلاف جذري بين رؤية الأستاذ ورؤيتي لعالم ما بعد الحرب الباردة ، فإن إعجابي وإكباري له هما بلا حدود . ولا أظنني أبالغ إذ أقول أننا لو دمجنا أكبر مائة صحفيين عرب خلال القرن الأخير فى قامة واحدة ، فإن تلك القامة لن تصل لربع قامة الأستاذ هيكل . ولا أظن أن مناخا عربيا غير مصر يمكنه إفراز مثل هذه السبيكة . فى اللقاء الأول (الذى طلبه الأستاذ لأشرح له قصة الصراع على البترول والقوة فى الشرق الأوسط) ما أن بدأت الحديث مستهلا بخلفية تاريخية تعود لأواخر القرن التاسع عشر حتى فاجأني الأستاذ بقوله : هل صدقت أنني أردت أن نلتق من أجل هذا الموضوع ؟ ... قلت : ولم إذن !؟ ففاجأني بسؤال لم يحن وقت ذكره . أظهر لي هذا السؤال الأعماق الإستثنائية لهذا الرجل الفريد من نوعه . ذات مرة ، دعاني الأستاذ للغداء معه فى لندن (مع زوجتينا) . أثناء الغداء سالته عن خلفية مجيء "فلان" للحكم . فروي لي ما لم أشاهده مكتوبا قط ! عندما توفت والدتي (يناير 2008) جاءتني رسالة شخصية منه عن معرفته بالفارق بين موت الأم وأي موت آخر ، كانت نصا أدبيا عبقريا مفعم بالروعة والصدق والحرارة . وعندما يتطاول عليه "أولاد" لا تصل قاماتهم لكعبه ، أضحد من مهازل واقعنا . أقول كل هذا ، وأنا أكرر أن المسافة بين رؤية الأستاذ لعالم ما بعد الحرب الباردة ورؤيتي أنا لهذا العالم هى أوسع من المحيط الهادي . ولكن يبقي الأستاذ معلما من أكبر معالم مصر المعاصرة

لندن : 3 يناير/كانون الثاني 2011
( 36 ) : لم تصر الإمبراطوية الرومانية القوة العظمي الكبري فى زمانها بالإنتخاب ! او بسبب شعبيتها وحب البشر لها ! فقد كان خصومها يلقون للأسود ليأكلوهم أمام الحكام الرومان والشعب الروماني . ولم تصر الإمبراطورية البريطانية القوة العظمي فى زمانها بالإنتخاب ! او بسبب شعبيتها وحب البشر لها ! فقد كانت مدافعها تدك حصون ومدن خصومها حتى تسويها بالأرض . وبالمثل ، فان الولايات المتحدة الأمريكية لم تصبح القوة العظمي فى زماننا بالإنتخاب ! او بسبب شعبيتها وحب البشر لها . وبينما يصر أصحاب العقول التى تكونت وفق معطيات حقبة الحرب الباردة على التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية بنهج يسمونه "نهج المقاومة" (وهو فى الحقيقة نجه صراع ومواجهة وحرب بسلاح وبدون سلاح) ، فإن الذين يفهمون مكونات القوة العظمي وآليات صيرورتها هكذا (قوة عظمي كبري ووحيدة فوق الكرة الأرضية) يعتقدون ان نهج المواجهة مآله أن يصير أعضاؤه مثل كوبا وروسيا البيضاء وكوريا الشمالية (وفى الطريق : إيران وسوريا) . أما النهج الناجع والفعال فهو خلطة ما بين النهج الأوروبي والنهج الصيني والنهج الياباني ، وهو نهج يتصارع بأدوات اللعبة ، بينما يحاول أعضاء نادي المقاومة ان يخوضوا الصراع بأدوات حقبة الحرب الباردة
لندن : 3 يناير/كانون الثاني 2011
( 37 ) : ما تفعله الصين (التى يحكمها حزب شيوعي) دليل ساطع على موروث حضاري مذهل من الحكمة والواقعية وبعد النظر . فعوضا عن الإنشغال بجدل (عقيم فى الأغلب) حول جدوي التحول لإقتصاد السوق ، فإنها توقف "الجدل" وتفتح المجال أمام "العمل" . فبدلا من إهدار الطاقات فى الجدل (وهو ما يدمنه البعض ! ) ، فإن الصين سمحت بتجربة متحررة كلية من ضوابط الإشتراكية فى مساحة صغيرة بشرق الصين . فلما تجلت ملامح النجاح (الباهر) للتجربة القائمة على آليات الإقتصاد الحر ، سمح "الحزب الشيوعي" بتوسعة المجال الجفرافي للتجربة ، حتى أصبح "شرق الصين" كله هو مجال التجربة . ومع ذلك ، فإن الحكمة الصينية لم تسمح بوجود (ناهيك عن إتساع) جدل حول التناقض القائم بين إسم الحزب الحاكم ( أي الحزب الشيوعي الصيني ) وبين طبيعة الحركة الإقتصادية التى تعمل كخلية نحل جبارة بشرق الصين ، والتى (وحدها) ما جعل معدل النمو الإقتصادي السنوي للصين (برمتها) يتصدر كل معدلات النمو الإقتصادي فى العالم بأسره ، كما أن هذه الحركة الإقتصادية (فى شرق الصين) هى (وحدها) ما جعل الصين مؤخرا تتبوأ موقع ثاني أكبر إقتصاد فى العالم بعد إقتصاد الولايات المتحدة ، ومتجاوزة بذلك (لأول مرة ) الإقتصاد الياباني . منذ عشرين سنة ، كنت أحاضر (ضمن برامج الماجيستير فى إدارة الأعمال) عن "إدارة الجودة" . وكنت حريصا على أن أسلط الضوء على شخصية أمريكية ذائعة الصيت وأعني شخصية البروفيسور ديمنج (ديمنغ) الذى يشار اليه كثيرا كأب لعلم إدارة الجودة فى القرن العشرين والذى كثيرا ما ردد أن المكونات الثقافية لليابانيين (ولو عاش لليوم لتحدث عن المكونات الثقافية للصينيين) هى التى سمحت بتطبيقات أكثر نجاعة لتقنيات علوم الإدارة الحديثة بوجه عام ولآليات علم إدارة الجودة بوجه خاص

لندن : 3 يناير/كانون الثاني 2011
(38) : كنت محظوظا إذ كنت فى مدرسة (إبتدائية وإعدادية وثانوية) ضمت أفضل مدرسي مصر قاطبة خلال السنوات 1955 - 1967 . وكان السبب ، أنها كانت المدرسة التى كان أبناء جمال عبدالناصر الثلاثة (خالد و عبدالحميد وعبد الحكيم) يدرسون وقتها بها . وعند هذه الجزئية (توفر أفضل المدرسين المصريين) كانت "المعاملة الخاصة" تنحسر . فقد كان الأبناء الثلاثة لعبد الناصر يعاملون مثل كل وأي طالب آخر . ومن حيث التفوق (أو عكسه) فقد كان أحد الثلاثة (خالد) شديد التفوق ، وكان عبدالحكيم متوسطا فى درجاته ، أما عبدالحميد ، فكان (كما يقول المصريون) "على الحميد المجيد" . لذا ، فبينما حصل خالد على مجموع (فى الثانوية العامة) أهله لدخول كلية الهندسة بجامعة القاهرة (1966) ، فإن عبدالحميد (الذى حصل فى صيف 1968على مجموع بالغ التواضع فى الثانوية العامة) لم يتمكن من دخول أية كلية جامعية ، فتوجه للكليات العسكرية ودخل الكلية البحرية بالإسكندرية . فى صيف 1968 كنت مع عبدالحميد فى منطقة شاطيء المعمورة بالإسكندرية ، وعندما تعرفنا على مجموعة من الشباب والشابات وذكر عبدالحميد إسمه كاملا ، أخذ الشباب الذين تعرفنا عليهم يضحكون ساخرين من "إدعاء" عبدالحميد أنه إبن جمال عبدالناصر !!!! إلى هذا الحد كان جمال عبدالناصر لا يسمح لأبناءه بالظهور الإعلامي ! وهو ما جعل ثلة من أبناء الأرستقراطية المصرية لا تعرف "وجه عبدالحميد" رغم أن والده كان رئيس مصر (وأي رئيس !!) منذ 1954. منذ شهور ، كنت أحضر حفل زواج ، وكان عبدالحميد يحضر نفس الحفل . توجه إلي عبد الحميد طالبا شهادتي أمام مجموعة أصدقاء مشتركين . كان عبدالحميد قد روي لهم أنه وأثناء سني الدراسة (وبالتحديد فى سنة 1963) تشاجر أثناء لعب كرة القدم داخل المدرسة مع زميل ، وأدي الشجار لكسر اليد اليمني لعبد الحميد ، وأن ذلك الشجار ونتيجته لم تكن لهما أية آثار ، ولم تتدخل المدرسة بأي شكل ، ولم توجه ولا كلمة لوم للطالب الذى تشاجر مع عبدالحميد و "كسر" ذراعه !!! لم يصدق المستمعون ما رواه عبدالحميد عبدالناصر ، فلما رأي أنني موجود بنفس القاعة ، أتي يطلب شهادتي ، ففعلت . وإذا كان الشيء بالشيء يذكر ، فلابد من ذكر أن زملاء أبناء عبدالناصر الذين كانوا يدعون لأعياد ميلاد أحد الثلاثة (خالد وعبدالحميد وعبدالحكيم) كانوا يمنعون من الحضور بأي هدايا !!! وكان معظم الذين يحضرون حفلات عيدالميلاد هذه (وكاتب هذه السطور أحدهم) يتعجبون من بساطة منزل الرئيس !!! .... وكان زميلنا - أيضا - فى المدرسة " جمال عبدالحكيم عامر" ، والذى يصح وصفه بانه كان أكثر أبناء كافة المسئولين الكبار بساطة وتواضعا بشكل يندر ان يكون له مثيل . وهو الآخر ، لم يكن متفوقا ، فحصل (فى صيف 1967) على نتيجة متواضعة فى الثانوية العامة ، ففشل فى دخول أية كلية بجامعات مصر، فإتجه للكلية الحربية (وكان جمال عامر يجلس بجواري فى نفس الصف والغرفة فى معظم سنوات الدراسة) . وكان أبناء معظم كبار الحقبة معنا فى ذات المدرسة . وأذكر من هؤلاء أسامة إبن حلمي السعيد الذى كان وزيرا للسد العالي ، والذى لا يزال صديقا قريبا . هو أيضا كان نموذجا رفيعا للبساطة . تلك البساطة التى ننظر اليوم لأبناء " الكبار" فنتذكر نبل ورفعة وسمو من عرفناهم فى ذروة أمجاد آبائهم ، فما رأينا منهم ذرة إختلاف عنا نحن زملاءهم . بل وكانوا (كما أسلفت) غير معروفي الوجوه للناس ، مما كان يسمح لهم بالتواجد معنا خارج المدرسة فى النوادي ودور السينيما والمسارح ، بل وعلى الشواطيء وفى الأماكن العامة بمنتهي البساطة وبدون أية حراسة . وأختم هذه الدانة بقصة فى ذات الإتجاه : فى ديسمبر 1996 كنت فى طوكيو . وكان مدير مكتب شركة مصر للطيران هو المرحوم محمود عبدالناصر (الأخ الأصغر الشقيق لجمال عبدالناصر) . عندما علم محمود عبدالناصر بوجودي فى طوكيو (من سفيرة مصر باليابان وقتها الوزيرة - لاحقا - مرفت التلاوي ) قام متكرما بدعوتي على العشاء بمنزله ، وكانت سهرة حميمة فى ظل ضيافته وضيافة السيدة قرينته وهى إبنة عبدالحكيم عامر والشقيقة الكبري لزميل الدراسة جمال عامر . فى هذه الليلة حكي لي محمود عبدالناصر أنه فى النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين كان يقيم فى منزل شقيقه الرئيس . وكانت تعليمات الرئيس الحازمة لمحمود هى ألا يذكر صلته بالرئيس أمام أية جهة رسمية يتعامل معها . وكام محمود (مثل سائر أفراد العائلة غير معروف الملامح ، إذ لم تكن صور أي منهم تنشر ، على الإطلاق - تماما مثل حال أبناء كبار المسئولين فى مصر اليوم !!!!) . ذات مساء ، كان محمود عائدا من سهرة مع أصدقاء له . وقبيل الوصول للبيت ( أي بيت الرئيس) إصطدمت السيارة التى كان بداخلها محمود مع سيارة أخري . فى محضر (تقرير) الحادث الذى أجرته الشرطة ، ذكر محمود أن محل إقامته هو بيت شقيقه الأكبر الرئيس جمال عبدالناصر . عاد محمود للبيت ونام ! على مائدة العشاء (فى اليوم التالي) سأل جمال عبدالناصر أخاه محمودا (وبشكل أصاب محمود بالمفاجأة) عن حادثة ليلة الأمس ! وعندما أكمل محمود الرواية ، سأله الرئيس : وهل أخبرت الضابط الذى أجري التحقيق أنك شقيق رئيس الجمهورية ؟!؟ ... أسقط فى يد محمود ، فإعترف وأعتذر !! فهل وقف الأمر عن ذلك !؟ ... لا : فقد أصر الرئيس على ألا يستمر محمود فى الإقامة ببيت الرئيس - تلك الإقامة التى ذكرها محمود فى محضر التحقيق !!!!! تذكرت هذه النتف من الذكريات وأنا أنظر لصحف اليوم فأجد أعضاء أسرة رئيس مهازلستان فى أكثر من أربعين موضع بعشرة صحف مهازلستانية !!!!

كتبت في 18 ديسمبر 2010
(39) : المجتمعات الإسلامية اليوم فى حالة فكرية وعقلية وثقافية مزرية . وسوف يأت تجديد من داخل الإسلام فى يوم (غير قريب) . سيقوم قادة للرأي فى مجتمعات المسلمين بإعطاء الجهاد معنا واحدا ليس إلا هو الدفاع عن النفس ، وسيحدث تأسيس لقبول الآخر وإحترامه ، وستوضع قواعد تجعل المرأة (كما هى تستحق) مساوية للرجل فى كافة الحقوق . وسيتم وضع قوانين للأحوال الشخصية تناسب العصر ... وسيتجاوز المسلمون الكثير من القواعد والأحكام التى كانت تناسب مجتمعات القرت السابع الميلادي . وسيقبل المسلمون على نظم تعليمية تكبر العقل ولا تتركه مضغوطا تحت سقوف منخفضة من أسقف التحريم والتجريم . بل ولا أشك أن قادة الفكر فى المجتمعات الإسلامية سيلغون التعويل على التقويم القمري .... ولكن كما أن تحرر المسيحية من سلطان الظلام قد كان بعد مخاض طويل وعسير ، فإن خروج العقل المسلم من قفص القرن السابع الميلادي سيستغرق عقودا وسيكلف مجتمعاتنا وقتا ومعاناة وربما
دماءا أيضا . ولا أظن أننا على أعتاب هذه المرحلة ، بل بيننا وبينها عقود وقرون .

كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 40 ) : تعرفت على البابا شنودة منذ قرابة ثلاثين سنة. ومنذ اللقاء الأول إتضح أن
هناك كيمياء شخصية قوية بيننا. منذ إنتهاء إقامة البطريرك الإجبارية بدير
الأنبا بشوي ، تواصلت اللقاءات الثنائية الطويلة بيننا ، والتى ما لبثت أن
إنتقلت من المقر البابوي فى العباسية الى دير الأنبا بيشوي. وكنت ألتقي
بالبابا على الأقل مرة كل شهر ، وكان اللقاءات تمتد أحيانا لست او سبع ساعات .
الشعر وتاريخ مصر قبل 1952 وتاريخ الكنيسة المصرية كانت هى محاور أحاديثنا .
وكنت أستمتع بحديث البابا الطويل عن سنوات رهبنته بدير السريان منذ إلتحق
بالدير فى صيف سنة 1954. مع تضلعي فى مسائل اللاهوت والخلافات اللاهوتية لا
سيما الخلافات الفارقة فى تاريخ الكنيسة مثل الخلاف مع آريوس ونسطور ومجمع
نيقيا سنة 325 ميلادية والخلاف حول طبيعة المسيح الذى كان محور أعمال مجمع
خلقدونيا سنة 451 ميلادية ، أصبح الحوار كثيرا ما يتطرق لمسائل لاهوتية صرف
(مثل : هل صلب المسيح عمن آمنوا به وتعمدوا ، أم أنه صلب عن سائر جنس البشر).
وما أكثر ما تحدثنا طويلا عن بطاركة غير عاديين مثل ديمتريوس الكرام وكيرلس
الأول (عمود الدين) وثاؤفيليس ومتاؤس الأول وكيرلس الرابع ...كما كانت الأحاديث
تطول حول الرهبنة منذ أيام مؤسسها الأنبا أنطونيوس والعلامات الفارقة فى تاريخ
الرهبنة فى مصر مثل الأنبا باخوميوس والأنبا مقار الكبير والأنبا بيشوي ...
وخلال تلك السنوات زرت معظم أديرة مصر وأقمت فى عدد منها وأصبحت لي صداقات
عارمة ببعضها مثل صداقتي برؤوساء الأديرة التالية : دير الأنبا بولا ، ودير
الأنبا صموئيل المعترف ودير السريان ودير مارمينا ودير العزب (دير الأنبا أبرآم
بالفيوم) ... ثم إمتد إهتمامي ليشمل الفن القبطي . وعندما تأسس أول كرسي
للدراسات القبطية بمصر وهو كرسي القبطيات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ، كنت
المسلم الوحيد (وقتها) بين مؤسسي هذا الكرسي الذى لا نظير له (لليوم) بالجامعات
المصرية . ورغم أنني كنت فى حياتي محظوظا ، إذ إجتمعت بعشرات النابهين من كبار
المفكرين والعلماء والأدباء والكثير من رؤوساء الدول والحكومات والأمراء
والأميرات ، فإن البابا شنودة الثالث يبقي عندي أحد أعظم من عرفت ، ولا يساورني
شك أنه (بصرف النظر عن البعد الديني) أنه رجل عملاق القامة وصاحب عقل من أكبر
العقول فى زمانه ، وأنه لو لم يكن بطريركا ، لكان الأول أو فى مقدمة أي مجال
كان سيوجد فيه .
كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 41 ) : من الموجع للقلب و العقل و الضمير أن أعداداً كبيرة للغاية من الشعوب الناطقة باللغة العربية لا تؤمن بأن هناك قيمة إنسانية كبرى تسمى "حقوق الإنسان". و تخلط تلك الأغلبية بين ازدواجية معايير بعض القوى العالمية الكبرى و بين حقيقة أن هناك قيمة إنسانية عظيمة هي "حقوق الإنسان". و أكبر دليل على عدم اعتراف الكثير منا بهذه القيمة الإنسانية هي ما يفعله البعض منا عندما تكون بيده سلطة سياسية و إدارية. و أبرز مثال على الخلل الذي بعقول و ضمائر البعض منا (بخصوص هذه المسألة) هو العلاقة بين الأجهزة الأمنية و الشرطية و بين المواطنين في مجتمعاتنا. فهذه العلاقة تجسد بوضوح كامل أن الكثير منا لا يعترفون يتلك القيمة الكبرى من القيم الإنسانية أي حقوق الإنسان. و من الضروري أن تكون هناك حملة ثقافية لدينا ليس فقط لتنشيط الإهتمام بحقوق الإنسان في عقول و ضمائر أبناء و بنات مجتمعاتنا و لكن أن تهدف هذه الحملة أيضاً للتفرقة بين المقام الإنساني الأرفع لموضوع حقوق الإنسان و بين كون هذه الحقوق و ثقافتها و قانونياتها مشوبة في عالم اليوم بعيوب شتى مثل الشوفينية و الإزدواجية و العنصرية و الإبتزاز (أظهر مثال على هذا الإبتزاز هو إغلاق القوى الغربية الكبرى لعيونها و آذانها عن الوضع المزري لحقوق الإنسان في بلد بترولي كبير تربطه شراكة وطيدة بالغرب منذ ) 1945.

كتبت في 18 ديسمب 2010
( 42 ) : كان (ع.س) صديقاً عزيزاً لكاتب هذه السطور. و كنت أراه على خلاف معظم الصحفيين المصريين كنموذج مختلف بسبب تكوينه العلمي الرصين و أفكاره المستقلة عن أفكار القطيع و تجاسره على مخالفة عدد من الآراء الشعبوية. و لكن ما أن أصبح هذا الصديق رئيساً لمؤسسة إعلامية كبرى (باختيلر سياسي) حتى بدأ ينافس من كان يزدريهم من قبل في التملق و تجميل القبيح و تقبيح الجميل بهدف واضح للغاية هو إرضاء من جاءوا به على رؤوس الإشهاد للتبوء بذلك المنصب الرفيع. و كان هجومه الهابط على الدكتور محمد البرادعي علامة فارقة بين أيامه المحترمة و أيامه المنهدمة. فقد أذله الطموح كما يفعل هذا الوحش الشرس في معظم الحالات. منذ أسابيع كنت في حفل زواج و رأيت إبناً من أبناء هذا الذي كان صديقاً و هو يمارس على المرقص دور المطرب و الراقص و الراقصة في آن واحد. فتذكرت المعدن الرخيص الذي آلت إليه سبيكة والده عندما أختُبرت فسقطت.

كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 43 ) : كانت إنتخابات البرلمان المصري الأخيرة (لمجلس الشورى أولاً ، ثم مجلس الشعب بعد ذلك) بمثابة واقع و سلوك و حقائق تقف على الخط الفاصل بين جريمتين : الأولى هي جريمة الفعل العلني المخل بالحياء و الثانية هي جريمة هتك عرض. و من أغرب الغرائب و أعجب العجائب أن النظام السياسي المصري و معه حكومته و معهما أزلامهما قد بلغوا حداً من التواضع السياسي لم يكن أحد يتصور أنهم سيصلون له. فقد حصل الحزب الوطني في مصر على أقل بقليل من 100% من مقاعد البرلمان !!! و عندما ترشح الدكتور فتحي سرور لرئاسة مجلس الشعب فقد حصل على 501 صوت بينما حصل منافسه الوحيد على صوت واحد (من المؤكد أنه صوت المنافس نفسه). و من المعلوم أن الدكتور فتحي سرور سيبدأ خلال أيام رئاسة لمجلس الشعب المصري للمرة الحادية و العشرين. و هكذا، فإن النظام السياسي المصري منذ أن بدأ مسيرته صباح يوم الأربع 23 يوليو 1952 يكون قد أصفح عن رأيه الأبرز و هو أنه في ظل الحزب الواحد و في ظل التعددية الحزبية فإن الأمر يكون في الحالتين "هو هو"، أي حزب واحد مهيمن و مسيطر و لا شيء غير ذلك.

كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 44 ) : في 1997 طلبت مني سيدة أولى عربية أن أكون مستشاراً ثقافياً لها. يومها دخلت معي زوجتي في رهان حول عمر تلك المهمة الإستشارية! و بينما ظننت أنا أنها ستكون لسنتين على الأقل، فقد كان توقعها أنها لن تطول عن مائة يوم. و قد خاب ظني و صدق ظنها فبعد أقل من ثلاثة شهور ألقيت بورقة استقالتي و مضيت مبتعداً. قصة هذا الرهان الخاسر سجلتها في كتيب صغير أودعته مع عشرات من كتاباتي التي لم تنشر- و التي يستحيل في الوقت الراهن أن تنشر - في مكان أمين و في يد أمينة في بلد من بلدان الحضارة.
كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 45) : منذ شهور كتب عني واحد من أبناء منطقة الخليع الغربي مقالين دبجهما بالثناء
والمديح والإكبار والإجلال ، ونشرهما بواحدة من صحف منطقة الخليع العربي . ولما
لم أعره إلتفاتا ، عملا مني بمقولة نابوليون ذائعة الصيت : ليس المهم أن تمدح ،
وإنما المهم معدن الذى مدحك ، فقد شعرت حقيقة أن مديح مثل هذا يضر أكثر مما
ينفع ، ويهين أكثر مما يكرم ، وينقص أكثر مما يضيف . فلما ضربت الصفح عن المديح
ومسطره ، ثم قفيت بتجاهل أكثر من عشر طلبات منه للقاء ، تضافرت موروثاته
الثقافية ، فقام بعمل فريد من نوعه ! إذ ألف وزوَر ولفق وفبرك مراسلات زعم
أنها تبودلت بيني وبينه ، (وكذا بيني وبين بعض ربعه) وكلها مراسلات كان هو
المرسل الأساس لها من حساب لي كنت قد أعلنت أنه تعرض لقرصنة إليكترونية قبيل
حمي المراسلات المزورة التى كان هو (ولا أحد إلا هو) وراءها وهو فى حالة هياج
إشتهر به أهل منطقة الخليع الغربي عندما يحدث تجاهل لهم . والأدهي ، أن بعض
مواطني الخليع ، ركبوا مركبه ، وهتفوا بالنهيق الذى كان يهتف به ، وصالوا
وجالوا ، فى معركة وهمية بسيوف خشبية يدافعون فيها عن شرف لم يوجد أصلا ، وفى
مواجهة "ضربة" إصطنعها وزيفها وزورها صغيرهم (وكلهم صغير) الذى كال لي ذات يوم
المديح فى مقالين مقززين، فشعرت بغضاضة أن يأت مديح عملي ممن لا يحمل جزءا من
ألف جزء من مؤهلات من يجوز أن يكون لأعمالي مادحا (أو قادحا) ، فأوليته ظهري
وأعرضت ونأيت بجانبي ومضيت كأن لم يمدحن أبدا !! فما معني أن يمدح "شخص" لم
تقترب الحضارة والمدنية منه أعمالا صدرت عن كبري دور النشر الدولية ، وتم توقيع
نسخ منها فى محافل دعت لها وإحتضنتها كبريات الجامعات العالمية ؟ أزين هذا أم
شين ؟! بل ألف شين وشين .... وأختم بالقصة التالية : فى يناير 2010 إحتضنت
كلية دراسات الشرق الأوسط بكلية الملك بجامعة لندن محاضرة لي مع حفل توقيعي
لأول نسخ من كتابي "القوقعة العربية" والذى صدر فى المملكة المتحدة والولايات
المتحدة فى نفس الشهر . وبعد المحاضرة وأثناء توقيعي لنسخ من الكتاب الذى أشرت
اليه ، تقدمت سيدة من ذات الموضع الذى ينتسب له مزور ومزيف الرسائل بل والمعركة
كلها (إذ لم تكن هناك فى الحقيقة معركة ، فالمعارك لا تكون إلا بين الأنداد)
... تقدمت هذه السيدة (س . أ) والتى هى مثله تعيش غرب الخليع الغربي رغم أن
أصولها مثل أصوله من شرق منطقة الخليع ... تقدمت السيدة (وهى داخل حرم كلية
الملك بجامعة لندن) وبعد أن إستمعت لمحاضرتي ولتقديم عميد كلية دراسات الشرق
الأوسط لي ولكتابي ، تقدمت نحوي وفى يدها ثلاث نسخ من كتابي إشترتها يومئذ!!!!
ومع ذلك فقد إلتحقت بإبن جلدتها الذى زيف وزور المراسلات المزعومة والتى
تبادلها مع موقع اليكتروني لي أعلنت قبلها أنه سرق فى عملية قرصنة اليكترونية .
السيدة التى تقدمت منحنية ترجو توقيعي على النسخ التى إشترتها من كتابي الذى
احتفلت جامعة لندن بصدوره - نفس السيدة تشارك ابن جلدتها فى الحملة الدون
كيشوطية على إنسان جريرته الكبري أنه رآها ونفر من رهطها كما هم - فى الحقيقة -
عراة من كل ثقافة وحضارة ومدنية ، وأن أموال التاريخ كله لا يمكن أن تستر
عوراتهم الفكرية والثقافية والحضارية .

كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 46 ) : قمت يدراسة اليهودية دراسة شاملة وأظن أنها كانت عميقة . وإقتضي ذلك أن أدرس التوراة والتلمود وتاريخ اليهود . درست الطوائف اليهودية الأساس : اليهود الربانيين (أي طائفتي الإشكناز والسفارديين) واليهود القرائين :كما أمضيت مئات الساعات أدرس تفاصيل كتابي التلمود (المشنة والجمارا) ... ودرست المسيحية دراسة وافية : الأناجيل ، باقي كتب العهد الجديد ، اللاهوت الأرثوذكسي مقارنا باللاهوت الكاثوليكي... كما درست تاريخ الكنائس الكبري ومنها كنيسة ما مرقس . وطالعت عشرات الدراسات عن المجامع المقدسة ، وبالذات المجامع ذات التأثير الأكبر على مسار المسيحية مثل مجمع نيقيا 325 م ومجمع خلقدونية 451 م . كما درست بنفس القدر من الإهتمام والتعمق البوذية والكثير من الديانات الآسيوية (الطاوية) والبهائية . وأخذني هذا الولع لدراسة عميقة للمذاهب الشيعية وبالذات الشيعة الإمامية ، ودرست الطوائف العلوية (وبالذات الطائفة النصيرية) والخوارج الإباضية وطائفة الموحدين/الدرزية ... وقبل ذلك حصلت منذ 37 سنة على الماجيستير فى الشريعة الإسلامية . ولم يحدث أنني أثناء دراستي لدين أو طائفة أن شعرت بالتعالي على أتباعه او بأنني على صواب وهم على خطأ - فقد أدي تكويني المعرفي والثقافي لتجذير"إحترام" التعددية ، وقبول الآخر وعدم التعصب فى ذهني وروحي ، وألا أصير من ملاك الحقيقة المطلقة . وعندما كالت لي جريدة سعودية التهم ، ومنها أنني (نصراني رعديد) شعرت بالرثاء لهم ، فهم أبناء مناخ ثقافي جاف وغير إنساني ولا مجال عندهم لقيم التعددية والغيرية والسماحة الدينية والثقافية ، أما أنا ، فأنتمي من حيث التكوين الثقافي والنسق القيمي لمصر طه حسين وأحمد لطفي السيد وتوفيق الحكيم وحسين فوزي وعبدالعزيز فهمي ومحمد عوض محمد وجيل التنويريين. وإندهشت لأنهم ظنوا أن دفاعي عن أقباط مصر سببه ديني (وهو ليس كذلك إطلاقا) إنما إنساني وثقافي فقط . وإندهشت مرة أخري : لماذا لم أتهم بأنني يهودي وبوذي وبهائي وهندوسي وعلوي ودرزي فى آن واحد ، فقد كان لي اهتمام وولع بكل هذه الأديان والطوائف ، وكتبت مقالات عدة أدافع فيها عن كثير من هؤلاء .... ولكنه التعصب وضيق الأفق وثقافة البغض والكراهية التى لا تسمح لكثيرين بالتعرف على الأديان والطوائف والمذاهب والإتجاهات المختلفة فى سائر المجالات ، برصانة وهدوء علميين...
كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 47 ) : سؤالي للدكتور (الطبيب) السوداني الذى يقيم ويعمل بأحد مستشفيات مدينة نيوكاسل بشمال شرق إنجلترا : ما الذى يحض إنسان يزعم انه كاتب يتوخي "التغيير للأفضل" أن يكتب بإسم غير اسمه ، وأن يظهر فى حوار تلفزيوني نرويجي وقد أخفي وجهه؟ أهي "الشجاعة" التى حضته على "الهروب من أرض المعركة" ؟؟!؟؟
كتبت في 18 ديسمبر 2010
( 48 ) : لا شك أن احراق الكتب هو عمل همجي ، وتزداد الهمجية عندما تكون الكتب محل هذا العمل الشائن موضع تقديس وتجلة البعض (كثر هؤلاء او قلوا ) ... ولا شك عندي ان القس الأمريكي الذى كان يهم بحرق القرآن فى ولاية فلوريدا الأمريكية هو رجل صيغ من مادتين بشعتين هما التعصب الأعمي والحماقة المنفلتة من عقال العقل والرشد . ولكن ذلك الرجل البشع ومشروعه الأخرق لا يجب ان يثنيانا عن رؤية المناخ العام الذى كانت هذه الفعلة الشائنة على وشك الحدوث فى ظله . ولا يعني ذلك تبرير هذا الفعل المعتوه والمشرب بالجنون والتعصب وضيق الأفق والكراهية . فيجب علينا أن نري بوضوح ان هذا الرجل كان على وشك القيام بعمل بالغ الرداءة كالذى قامت به حكومة طالبان الإسلامية فى أفغانستان منذ نحو عشر سنوات عندما داست على مشاعر ملايين من البشر بإطلاقها دانات المدافع على تمثالين لبوذا حتى تم دمار التمثالين . ويجب ان نتذكر ان قليل من المسلمين قد أدانوا يومها تلك الجريمة الحمقاء . ويجب ايضا ان نتذكر بل وان نعي ان العالم لم ينقلب على المسلمين ، بل ان افعال وتوجهات وسلوك واقوال ونوايا بعض المسلمين هى التى تقلب العالم ضدنا . كثير من المسلمين لا يرون جريمة 11 سبتمبر / أيلول 2001 بحجمها الحقيقي ، وقليلون هم الذين يصدقون ان القاعدة هى الفاعل ، وكثيرون يرددون (بجهل أسطوري عجيب ) ان فاعل تلك الجريمة هو من داخل النظام السياسي والأمني الأمريكي ، وكثير من المهاجرين المسلمين فى اوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا يعطون الإنطباع شبه المؤكد أنهم عازمون على أسلمة المجتمعات التى هاجروا اليها ... وكثيرة هى وسائل الإعلام والتثقيف (!!) فى مجتمعاتنا التى تصور الغرب بأنه أضحي منغمسا بالكلية فى مؤامرة ضد الإسلام - وهو عبث محض . وما أكثر لجهلاء فى مجتمعاتنا الذين لا يفرقون بين تدين البعض فى الغرب وعلمانية مجتمعات هذا الغرب . ولاشك عندي ان وسائل الإعلام وجل طبقة الإنتلجنسيا فى مجتمعاتنا ستضرب الصفح عن مواقف نبيلة للأغلبية من رجال الدين اليهود والمسيحيين فى الغرب الذين أدانوا بقوة الحماقة التى كان ذلك القس الشائه فى فلوريدا على وشك إقترافه ، فمعظمنا أصحاب عقلية إنتقائية تختار من بين الأشياء الحادثة ما تحب أن تراه ، وتستبعد ما لا يوافق أهواءها ، كما فعل معظمنا عندما ناصرت أمريكا مسلمي البوسنة ، على خلاف المواقف الأوروبية (الروس مع الصرب الأرثوئوكس وفرنسا مع الكروات الكاثوليك ) التى حكمتها عقد تاريخية .
كتبت في 12 سبتمبر 2010
( 49 ) : منذ أيام سمعت عالم مصري يشيد يالمستوايات التعليمية العالية للغاية فى مصر الخمسينات والستينيات ، ويرجع الفضل لتلك الحقبة وقادتها وعلى رأسهم "جمال عبد الناصر" . وهو قول ساذج للغاية . فأنا كإبن لهذه المرحلة إذ حصلت على الشهادات الإبتدائية والإعدادية والثانوية والليسانس أي الشهادة الجامعية الأولي إبان رئاسة جمال عبد الناصر ، أعرف أن مستويات التعليم بمصر كانت وقتها على أرفع المستويات ، بل وبعض أبناء جيلي تذهلهم المستويات التعليمية والثقافية لمن هم فى أعمارنا من الأوروبيين والأمريكيين . ولكن تلك المستويات هى نتيجة طبيعية لمعدن وسبيكة ومستويات مدرسينا وأساتذتنا والذين هم (جميعا) من ثمار وتجليات ما قبل حقبة العسكر . هؤلاء كانوا نتاج وثمار عهد كان وزراء التعليم (المعارف) خلاله على شاكلة منصور باشا فهمي ومحمد حسين هيكل باشا وطه باشا حسين . أما التعليم فى عهد جمال عبدالناصر فكان بيد عسكري شبه أمي ومعدوم الثقافة وإخواني النزعة (وأعني كمال الدين حسين) . وكما كان التعليم المصري رفيع المستوي فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين ‘ فكذلك كانت الحياة الثقافية الحركة الأدبية والمسرح والفنون والسينيما . ولكن بسبب ذات العامل ، وأعني العنصر الرفيع لأجيال تشكلت وتكونت فى ظل الحقبة الليبرالية وقبل قيام العسكر (أنصاف المتعلمين) بخطف مصر يوم الأربعاء 23 يوليو / تموز 1952 . أما المدرسون والأساتذة الذين تكونوا فى الحقبة الناصرية ، فانهم المسؤلون عن الأوضاع التعليميى المتردية فى مصر اليوم ، ويقال ذات الشيء على المثفقين : فكما ان طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم وسلامة موسي وسهير القلماوي ولطيفة الزيات ونجيب محفوظ ويوسف ادريس ولويس عوض ومجدي وهبة ومحمد مندور وجل المثقفين المصريين الماركسيين (جيل محمد سيد أحمد) هم أناس تكونوا فى بيئة ما قبل إنقلاب العسكر (غير المثقفين) ، فإن المثقفين الذين تكونوا فى مصر - عبدالناصر هم المثقفون المصريون أصحاب القامات المتوسطة والقصيرة الذين يقفون اليوم فى حالة عجز عن التصدي للوحشين الكبيرين الذين تقف مصر اليوم بينهما : وحش الاستبداد السياسي الذى أفرز الفساد والزواج المشبوه بين السلطة والثروة ، ووحش الأفكار الظلامية التى تحاول ان تجهز على روح مصر وتسحبها لما قبل القرون الوسطي ...
كتبت في 12 سبتمبر 2010
( 50 ) : الإئتلاف والتحالف مع الإسلاميين (بل ومع غلاة التطرف منهم) كان منتجا ذا منبعين : فهو من منتجات حقبة الحرب الباردة ، إذ إستعمل الإسلاميين ضد الإتحاد السوفيتي وضد نظم إشتراكية (أو تبدو كذلك) مثل النظام المصري فى خمسينيات وستينيات القرن الماضي (حرب السعودية المدعومة أمريكيا مع مصر المدعومة سوفيتيا على أرض اليمن) . وكان شعار المرحلة (فى هذا الشأن) أن (عدو عدوي هو حليف لي) . ونظرا لأن الإسلام السياسي كان (بتفاهة وسطحية منقطعي النظير) عدوا للمعسكر الإشتراكي ، فقد وجدته الولايات المتحدة (بغباء تاريخي منقطع النظير) "نعم الحليف" ضد الإتحاد السوفيتي وأنسباءه ! وأما المنبع الثاني لهذا الإئتلاف فقد كان أمريكي - سعودي المصدر . وهذا المنهج (المفتقد كلية للثقافة وللحس التاريخي) هو نهج مخابرتي بريطاني منذ أوائل القرن العشرين . فقد كانت الأغلبية فى المخابرات البريطانية (إم . آي . 6 ) تعمل مع عبدالعزيز آل سعود (المندمج آنذاك مع إخوان نجد ذوي الهوس الديني) لكي يمد نفوذه ويسيطر على معظم الجزيرة العربية ، بل وحارب معه فى بعض معاركه صباط بريطانيون ‘ بل ومات بعضهم وهو يحارب ضمن قوات عبدالعزيز آل سعود . ونفس المخابرات (البريطانية) هى التى ساعدت حسن البنا على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين فى مصر سنة 1928 أي بعد سنة واحدة من وفاة قائد وزعيم الحركة الوطنية المصرية سعد زغلول الذى رأت بريطانيا والملك فؤاد ضرورة تأسيس حركة الإخوان فى محاولة منهما لسرقة الشارع المصري (بإسم الإسلام) من الوفد المصري الذى فقد زعيمه منذ عام واحد. ومعروف ان الأب الروحي لحسن البنا هو السوري المتزمت محمد رشيد رضا (صاحب تفسير المنار) والذى كان وصلة الصلة بين حسن البنا وعبدالعزيز آل سعود والذى كان قد أصبح (بعون الإنجليز) ومنذ ثلاث سنوات فقط (1925) ملك الحجاز وسلطان نجد ... وحتى اليوم ، لم تعترف الولايات المتحدة بخطئها وخطيئتها التى جعلت العالم الذى نعبشه اليوم عالما خطرا ، وأحيانا كثيرة "عالما كريها" ...
كتبت في 12 سبتمبر 2010
( 51 ) : الهوية : يوم 13 أغسـطس ،1947 نام كل هندي مسلم كان قراره هو البقاء في الهند كهندي ، واستيقظ صباح 14 اغسطس 1947 أيضاً كهندي . أما الهندي المسلم الذي اختار ترك الهند وان يلحق بالكيان الجديد "باكستان" ، فقد نام يوم 13 أغسطس كهندي مسلم ، واستيقظ صباح اليوم التالي ( 14 أغسطس 1947) وقد أسقط كلمة "هندي " من صفته واستبدلها بإسم جديد مشتق من كلمة "باكستان" . ونظراً لأن خلق هوية جديدة لا يحدث بين ليلة وضحاها ، فان الحقيقة هي أن كل "هندي مسلم" اختار ( مع تكوين باكستان) الا يبقى هنديا ، فانه في الحقيقة قد اختار أن يسقط من صفته ك "هندي مسلم" كونه "هنديا" ويبقى صفة واحدة هي أنه "مسلم" ! منذ تلك اللحظة ، كان الهندي المسلم الذي اختار ألاَّ يبقى هنديا قد أصبح ضحية أزمة هوية كبيرة... أي أنه اختار ان تكون هويته قائمة على أســاس واحد هو الدين. فماذا احدث هذا الإنسان الذي كان "هنديا مسلما" ، ولكنه اختار إسقاط صفة الهندي من أساس هويته؟ إنشقت باكستان وإنقسمت الى دولتين ( باكستان وبنغلاديش) ، كما شهدت باكستان نصف دستة إنقلابات عسكرية وتحولت لدولة ( في فترات طويلة) يحكمها عسكر نجحت إنقلاباتهم العسكرية ... أما الهند ، فلم تشهد أي إنقلاب عسكري ، بل صار العالم يشير إليها كأكبر ديموقراطية في العالم ... وبجانب الديمقراطية الهندية وباكستان العسكر ، شهدت الهند نمو واحدة من أفضل المؤسسات القضائية في العالم ، بينما لم يحدث شئ مماثل في باكستان ، بل أن العسكر طالما تحكموا في المؤسسة القضائية الباكستانية . وبينما تحلت الهند بواحدةِ من أفضل المؤسسات التعليمية في العالم، شهد التعليم في باكستان تدهوراً هائلاً ، وشاعت المدارس الدينية التي ثبت أنها كانت ولا تزال من أكبر مفارخ العنف والإرهاب في العالم.وبينما قامت باكستان (مع شركاء عرب وغير عرب) بتغذية تنظيمات العنف الإسـلامية بأهم كوادر هذه التنظيمـات ، فان المجتمع المسـلم داخل الهند ( وعدد مسلميه أكبر من عدد مسلمي باكستان) لم يغذ منظمات العنف الإسلامية هذه بأية نسبة تذكر من أفرادها . لماذا ؟ لأن الهندي المسلم الذي أختار أن يبقى مواطنا هنديا لم يصبح ضحية أزمة الهوية التي طحنت الهندي المسلم الذي إختار ألا يبقى هنديا منذ 14 أغسطس 1947 ... وازمة الهوية هذه ، هي التي صاغت مســيرة ومصير باكستان والباكستانيين : إنشقاق الدولة لدولتين هما بنغلاديش وباكستان ، ثم سلسلة الإنقلابات العسكرية ، ثم حكم العسكر وإجهاض المسيرة الديمقراطية ، وبمحاذاة ذلك : تراجع مستويات التعليم وعدم إستقــلال القضاء ، ناهــيك عن بذور العنف وهشــاشة السـلام الإجتماعي ... ولا يستطيع أي مفكــر معني بأوجــه الخلل ( متعددة الأبعاد) في مجتمـع كالمجتمع المصري أن يتجــاهل أزمـة الهوية الباكسـتانية التي يشــهـد المجتمـع المصـري ( ومجتمعات عربية أخرى) أزمة هوية تتشــابه مع أزمـة الهــوية الباكســتانية في لبها أي تأسيس الهوية على أساس الدين وليس المواطنة.
كتبت في إبريل 2010
( 52 ) : في سنة 1938 اصدر الدكتور طه حسين كتابه الأهم (مستقبل الثقافة في مصر). وعلى كثرة ما تناوله الدكتور طه حسين في هذا الكتاب ، فقد تناول موضوع الهوية من خلال سؤاله الكبير عمن نكون ثقافياً : هل نحن جزء من العالم العربي؟ أم نحن جزء من العالم الاسلامي؟ أم نحن جزء من حوض البحر المتوسط؟ .... ويمكن أن نضيف لتساؤلات الدكتور طه حسين : أم أننا جزءُ من أفريقيا ، بحكم الموقع الجغرافي؟.
وفي إعتقادي أن سنوات العقود الستة الأخيرة قد أحدثت إرباكاً شديداً عند المصريين فيما يتعلق بكنه هويتهم. والدليل على ذلك أننا لو سألنا اليوم عدداً من المصريين فمن المؤكد أننا سنجد بين الإجابات من يقول أننا مسلمون ، وغيره من يقول أننا عرب ، وغيره من يقول أننا مصريون . ومن مسببات الإرباك في هذه المسألة شديدة الأهمية عاملان وهما تركيز العهد الناصري في مصرعلى الهوية العربية ثم ميل ثقافة ما بعد عبد الناصر (تدريجياً) لجانب الهوية الاسلامية . ومصر اليوم في حاجة ماسة لجهود ثقافية وإعلامية وتعليمية تهدف كلها لإزالة حالة الإرتباك والخلط التي أصابت هذه المنطقة شديدة الأهمية في حياة المصريين المعاصريين العقلية. وفي إعتقادي الشخصي أن مصَر بحاجةٍ لصلحٍ مع نفسها فيما يتعلق بمسألة الهوية. وهذا الصلح لا يمكن الوصول إليه بتغليب جانب من جوانب الهوية المصرية على الجوانب الأخري . فيقيني ان الصيغة الأنسب للحالة المصرية هي الدفاع الثقافي عن تركيبية الهوية المصرية (أي عن حقيقة كونها مثل "البصلة" تتكون من عدة رقائق). فهذا الدفاع هو الوحيد القادر على إزالة الإرتباك ومنع التحزب والفرقة . كما أنه الوحيد المعبر عن حقيقة الحالة. فمن المؤكد أن الثقافة الإسلامية هى لاعب رئيس في تكوين الهوية المصرية ، ولكن من المؤكد أنها ليست هي اللاعب الوحيد. ومن المؤكد أن الثقافة العربية هي لاعب رئيس في تكون الهوية المصرية المعاصرة ، ولكن بنفس القدر فمن الخطأ الزعم بأنها هي اللاعب الوحيد.(وقد يكون من الضروري هنا أن ألفت الإنتباه لحالة الزعيم الوطني القبطي مكرم عبيد والبطريرك المصري المعاصر البابا شنودة الثالث ، إذ أن المؤكد أن اللغة العربية مثلت في حالتيهما الخطابية والشعرية أداةً رئيسية من أدوات دوريهما المؤثرين ، وبالتالي من معالم هويتهما).
وخلاصة القول ، أن موقع مصر الجغرافي هو الذي تسبب في تركيبية هويتها (أي كونها هوية ذات عدة رقائق) . وغرس اليقين بتركيبية الهوية المصرية بأبعادها العربية والمسلمة والقبطية والبحر متوسطية هو البديل الوحيد لإنحراف عربة الهوية المصرية إلى طريق تماثل الطريق التي سارت عليه عربة الهوية الباكستانية .
كتبت في ابريل 2010
( 53 ) : ولا توجد أمامي أداة لإصلاح حالة الإرتباك الشديدة في بوصلة هويتنا المصرية إلا من خلال النظام التعليمي. والتحدي هنا ليس كبيراً فقط ، وإنما بالغ التعقيد . فمن السهل للغاية حشو برامج التعليم ومواده بما يدعم الإنتصار لهويةٍ عربيةٍ صرف أي خالية من الأبعاد الأخري . ومن السهل للغاية أيضاً تخريج أبناء وبنات المجتمع بفهمٍ للهوية يربط بينها وبين الدين . ولكنها كلها خيارات تحمل في طياتها من بذور تشقق المجتمع وإنعزاله في نفس الوقت عن العصر الكثير. أما الخيار الأسلم والأصح فهو صعـب للغاية بطبيعته ، اذا يتمثل في مـادة تعـليمية تعلـم أبناء وبنات المجتمـع أنهم في المقــام الأول والأخير ( مصريون ) .كما تعلمهم أن مصريتهم هي ثمرة تاريخ مصري قديم وحقبة قبطية وقرون إسلامية وثقافة عربية والعديد من المؤثرات المرتبطة بموقع مصر كأحد الدول الرئيسة على البحر المتوسط. ولكن هذا الخيارالصعب هو الخيار الوحيد الذي يحقق في آن واحد غايتين كبيرتين: أما الغاية الأولى ، فهي السلام المجتمعي والإنسجام والتانغم بين مكونات المجتمع . وأما الغاية الثانية فهي القدرة على اللحاق بمسيرة التقدم الأنساني.
كتبت في إبريل 2010
( 54 ) : المرشد الثامن للإخوان المسلمين (فى مصر) هو من تلاميذ وشركاء سيد قطب . لذلك قال ما قاله يوم 16يناير 2010 ... وكنت احلم بمرشد عام جديد يعلن ايمانه بالدولة المدنية وبأن الشعب المصري هو مصدر السيادة والتشريع وكل السلطات . كنت احلم برجل يقول عكس الآراء التى جاءت فى كتاب سيد قطب "علامات على الطريق" ، والتى استلهمها جل التكفيريين ... كنت احلم بمرشد عام جديد يعلن ان اقباط مصر ونساء مصر لهم كل الحقوق المكفولة دستوريا وقانونيا لأي ولكل مصري ... كنت احلم بمرشد عام جديد يدين فى بيانه الأول كل عمليات العنف والارهاب التى ارتكبت خلال العقود الماضية (ظلما وعدوانا) باسم الدين .... كنت احلم بمرشد عام جديد يعلن ايمانه العميق بالتعددية والغيرية وحقوق الانسان وبثقافة السلام والعيش المشترك الايجابي ، وبانسانية وعالمية الحضارة والتمدن والتقدم والعلم ... وكان من الممكن ان يعلن "بعض" هذه المباديء مرشد عام جديد من الاصلاحيين ... ولكن الإخوان المسلمين اختاروا مرشدا عاما يجيء لهذا الموقع (فى هذا الظرف المصري ، والعربي والدولي) من عباءة سيد قطب الذى بينما استنكر اعدام جمال عبدالناصر له (كل الاستنكار) الا انني اعتبره (هو وابا الأعلي المودودي) آباء العقلية التكفيرية.

كتبت في 25 مارس 2010
( 55 ) : يوصف كثيرين فى المجتمعات الناطقة بالعربية بالمثقفين الكبار . وكاتب هذه السطور صاغ تعريفا لمن ينبغي ان يطلق عليه (بين المتحدثين بالعربية) بالمثقف الكبير ... ووفق هذا التعريف فانه يستحق ان يوصف بالمثقف الكبير بين الناطقين بالعربية من أحاط (احاطة متوازنة) بروائع الإبداع الإنساني فى شتي مجالات العلوم الاجتماعية والانسانيات منذ اقدم الازمنة المدونة وحتى اللحظة الراهنة . ويعني ذلك (عمليا) الاحاطة الواسعة بكلاسيكيات الابداع الاغريقية والرومانية واهم المؤلفات بالعربية وبالذات خلال القرون الثلاثة بدءا من القرن التاسع الميلادي ، وابداعات عصر النهضة ومرحلة ما قبل الثورة الفرنسية وكلاسيكيات الفلسفة والفكر السياسي والاجتماعي والادب فى اوروبا خلال القرون الخمسة الاخيرة ... وروائع الفكر المعاصر ، والعلوم الاجتماعية المستحدثة خلال القرن الاخير ، واهمها علم النفس وعلوم الموارد البشرية وعلوم الادارة الحديثة وعلوم الاتصالات . ونظرا لان هذه الثمار غير مترجمة للعربية (كما هى مترجمة لليابانية) ، فان اى عربي لا يقرأ بشكل اساس بلغة اوروبية رئيسة(وان كان طالع خمسين الف كتاب ، وحصل على اعلي الدرجات الاكاديمية) فانه لا يمكن ان يوصف بالمثقف العصري الكبير ... امام قاريء هذه الكلمات اما ان يرفض التعريف الذى صاغه كاتب هذه السطور ، وهذا حقه (ويقابله التزام بنحت تعريف بديل يطرحه للنقاش) ... واما ان يقبل هذا التعريف . فاذا قبل القاريء هذا التعريف ، اصبح من الواجب عليه ان "ينظر حوله" ، ويعرض كل من يعرف ، وكذا كل الشخصيات العامة على هذا التعريف ، ثم يسأل نفسه : " كم شخص من هؤلاء يمكن بهذا المعيار ان يوصف بانه مثقف عصري كبير ؟ " ... واذا لم يجد احداً ، فارجو الا ينزعج ! فهى نتيجة طبيعية فى مجتمعات مساهماتها "صفر" فى مسيرة العلوم الطبية والهندسية والفزيائية والكيمائية ومجالات الفضاء وعلوم الاتصالات والمواصلات والاليكترونيات .... بل انها قد تكون "الشيء المنطقي الوحيد " فى مجتمعاتنا!!!!

كتبت في 25 مارس 2010
( 56 ) : ابن تيمية (الذى قرأت جل ما كتب ، وبالذات كتاباته الفقهيه وفتاويه ) هو حجر الأساس لبنيان قلعة التعصب وعدم المرونة وضيق الأفق والتشدد والإساءة للمرأة والإساءة لغير المسلمين فى التاريخ الإسلامي . وهو الأول فى سلسلة من أكبر حلقاتها محمد بن عبد الوهاب شريك السعوديين فى تأسيس الدولة السعودية الأولي فى 1744 ومحمد رشيد رضا (الرجل الذى أعتقد أنه كان الواسطة بين الحركة الوهابية وحسن البنا ، وهو فى اعتقادي الذى دفعه لتكوين جماعة الإخوان المسلمين فى مدينة الإسماعيلية فى 1928) ... وكذلك الهندي / الباكستاني المعروف بأبي الأعلي المودودي ، وسيد قطب . من النحية الفقهية ، فإن ابن تيمية فقيه هامشي صغير . فمن العبث مقارنته بابي حنيفة . وهو لا يعدو ان يكون (من زاوية علم اصول الفقه) مجرد أحد الفقهاء الحنابلة ، وحتى امامهم (احمد بن حنبل) فهو اضعف الفقهاء السنة الكبار وأقلهم اعمالا للعقل (القياس ، والإستحسان عند الأحناف ، والمصالح المرسلة عند المالكية) . وكلما تذكرت تعريف أبي حنيفة للإستحسان (الذى يعتبره الأحناف بمثابة مصدر للتشريع أو بلغة عصر أبي حنيفة "استخلاص الآحكام العملية من ادلتها الشرعية" ) كلما احنيت رأسي احتراما لهذا الفقيه الذى سوغ رفض تأسيس الأحكام على الأحاديث المسماة بأخبار الأحاد ... (وبناءا على ذلك يحق للمسلم رفض الحديث الذى هو حجر الأساس لحجاب المرأة). عرف أبو حنيفة الإستحسان بأنه (العدول عن قياس جلي لقياس خفي ، لعلة رجحت ) .... وهو منطق يرفع من قيمة العقل بشكل لا مثيل له عند أي فقيه سني آخر . أتذكر ابن تيمية كلما اشتكي مسلمون عقلاء من تراجع الاسلام المعتدل واستفحال الفهم الوهابي للإسلام ، وهو الفهم الذى افرز آلاف القتلة (باسم الدين) ، كما أنه الفهم الذى افرز طالبان والأفغان العرب والقاعدة وكل جماعات العنف التى شوهت سمعة الاسلام والمسلمين فى عالم اليوم ... و أخيراً ، فإنه حجر الأساس لما يعرفه السعوديون بالهيئة !
كتبت في 25 مارس 2010
( 57 ) : جمعني لقاء بالقاهرة منذ شهور بالرجل الأول فى أكبر جهاز للإحصاء فى الشرق الأوسط . وجدته قارئاً ممتازاً ، وهو ما شجعني على الإتصال به فى اليوم التالي لأسأله : هل بوسع جهازكم أن يعطيني عدد المصريين الذين يحملون إسم "عبد الجبار" كإسم أول أو كاسم عائلي . فوجئت برده الفوري : " بعد أقل من ساعة سأتصل بك ومعي الإجابة عن سؤالك " ! بعد أقل من ساعة إتصل بي الرجل ليخبرني انه لا يوجد بين الملايين المصريين الثمانين شخص واحد اسمه الأول او اسمه العائلي "عبد الجبار" ... ثم أضاف : لدينا آلاف يحملون اسماء مثل عبداللطيف و عبدالستار وعبدالرحيم وعبدالغني ... ولكن ليس لدينا "عبدالجبار" واحد ! قلت (وأنا لا اشعر بسرعة ردي) : "الحمد لله انه لا يوجد بمصر كلها وبملايينها الثمانين أي "عبد الجبار" ... شجعتني رغبته فى الاجابة عن أي سؤال احصائي ان اساله : " هل لدينا اي مصري اسمه فاتك او ضاري وحش او حرب او مصعب او متعب او صدام او جهمان او جهم او نكد ؟ " طلب مني مهلة قصيرة ، عاد بعدها ليخبرني ان ملايين مصر الثمانين ليس بينهم من يحمل أي من هذه السماء باستثناء بعض المصريين الذين ولدوا فى العراق وسماهم والداهم بصدام ، كما ان هناك متعب واحد كاسم عائلي لاسرة نزحت من الجزيرة العربية منذ قرنين ! ... قلت لنفسي : يا الله ، الرسالة والمعني والمغزي اوضح من سماء صيف مصرية ... هل اكتفيت ؟ لا ... لم أكتف ، فقد عدت للرجل الكبير باسماء نسائية مثل شمة والعنود وعفراء وغيرها . فى اليوم التالي جاءني القول الفصل : " لاتوجد مصرية واحدة بأي من هذه الاسماء " ... مرة اخري هتفت : "شكرا يا مصر ويا علم الاجتماع " ... فالدلالة واضحة .
كتبت في 25 مارس 2010
( 58 ) : الدكتور نصر حامد أبو زيد (باعتراف كبريات الجامعات العالمية و من ضمنها جامعة أوتريخت الهولندية العريقة التي هو أستاذ بها) هو واحد من أكبر الأكاديميين المتخصصين في الدراسات الإسلامية في عالمنا اليوم. و من حق كل إنسان أن يقبل بنظرياته أو أن يرفضها جملةً و تفصيلاً ، أو أن يكون بين بين، أي يقبل و يرفض. و لكن أن يصل الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى الكويت يوم 15 ديسمبر 2009 وتقوم الساطات الكويتية ممثلة في أمن الدولة بمنعه من دخول الكويت و ترحيله إلى القاهرة إنما هو أمر بالغ الدلالات السلبية. السلطات الكويتية بدلاً من منحه تأشيرة دخول الكويت كان يمكن أن ترفض منحه التأشيرة (رغم كونه عملاً شائناً). و لكن عوضاً عن ذلك عاملته السلطات الكويتية أسوأ المعاملة حين ألغت عشر ساعات من حياته. لقد انتهى عهد المنع السياسي و المصادرات إلا المنع بالقانون و القضاء. إن ما فعلته السلطات الكويتية هو قرار يهين و يدين و يشين من أصدروه ومن حضوا عليه. ولا يملك المرء إلا أن يتساءل : ما هو ذلك الشىء الذي تخاف عليه الساطات الكويتية و تظن أن محاضرة واحدة للدكتور نصر حامد أبو زيد سوف تهدمه و تحطمه؟ هل الخصوصيات الثقافية التي يظن التصرف المعيب للسلطات الكويتية أنه يحميها هي خصائص ضعيفة و واهنة و بلا جذور لدرجة أن محاضرة واحدة من الدكتور نصر حامد أبو زيد سوف تقضي عليها و تمحوها؟ لقد شعر مثقفون كويتيون كثيرون بالعار من هذا التصرف و هم محقون. و قد قام هؤلاء المثقفون الكويتيون بعمل ما يلزم من ترتيبات مكنت الدكتور نصر حامد أبو زيد من إلقاء محاضرته القيمة عبر التليفون للجمهور الذي كان من المفروض أن يحضر المحاضرة و بالفعل قام الدكتور نصر بإلقاء محاضرته و لم يكن للتصرف الكويتي الرسمي الممجوج من أثر إلا الشعور المهين الذي حاولوا أن يلحقوه بالدكتور نصر فحاق بهم هم. إن كل من يعرف الشأن الكويتي يعلم لماذا قامت الساطات بهذا السلوك المعيب. و أعني مغازلة التيار الأصولي في مجلس الأمة و هو تيار يصر على تدمير الدولة المدنية في الكويت و الرجوع بها للظلام الدامس للقرون الوسطى.
كتبت في 25 مارس 2010
(59) : ليس من مبادىء إقتصاد السوق أن يتولى التجار و رجال الأعمال أعلى المناصب التنفيذية أي مناصب الوزراء. بل إن ذلك هو تدمير لكثير من مبادىء إقتصاد السوق و علوم الإدارة الحديثة و قواعد الشفافية و مبادىء عدم تعارض المصالح . فبينما ينبغي على المجتمع إتاحة أفضل الفرص الإستثمارية و شروط العمل و بيئة العمل أمام رجال الأعمال ليساهموا في تحقيق الوفرة الإقتصادية الحتمية للسلام الإجتماعي ، فإن على المجتمع أن يعهد بالمسؤلية التنفيذية لكادر بشري آخر يكون الرقيب على طبقة رجال الأعمال و الساهر على عدم إختلاط المصالح و التيقن من سلامة السياسات و الإجراءات و شفافيتهما. و من المعروف لكل خبير في علوم الإدارة الحديثة أن أعظم رجال الأعمال لا يمكن أن يكون مؤهلاً للمنصب الوزاري، إذ أن كل مؤهلاته تتعلق بالربحية ليس إلا. و إذا كانت الربحية هي يضاً من أهداف الوزراء، إلا إنها ليست إلا مجرد هدف واحد من أهداف عديدة تتعلق بسلامة المجتمع سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و من نافلة القول أن أكرر أن ظروف حياة أي رجل أعمال في الكون تجعل الإحتمال الأكبر (و بدون تعميم) أن يتضائل عنده الشعور بالطبقات الأدنى في المجتمع و معاناتها و مشكلاتها. و لا ينقض ذلك القول وجود رجل مثل بيل جيتس، فليس كل و لا نصف و لا ربع و لا عشر رجال الأعمال في العالم كله مثل بيل جيتس. لقد سمعت بأذني من عشرات الوزراء الذين أتوا من عالم رجال الأعمال ذات الكلمات : "إن المصريين كسالى و لا يحبون العمل و يعرفون الحقوق و لا يعرفون الواجبات". و الذي لا يعرفه هؤلاء أنه حتى (بالفرض الجدلي) لو كان ما يقولونه صحيحاً، فإن الحكومات المتعاقبة هي المسؤلة عن وصول الناس لتلك الحالة السلبية. و أضيف أن معظم رجال الأعمال في مجتمعنا يرون أن من الواجب إلغاء الدعم و مجانبة التعليم و ضرورة أن يسدد الناس الثمن الحقيقي لكل السلع و الخدمات. و هي مقولة قد تكون صحيحة بشكل نظري. و لكن في واقعنا المصري هي مقولة تعبر عن إجرام و توحش المؤمن بها. فالمصريون خضعوا لعقد إجتماعي في الستينيات لا يمكن تفكيكه على حسابهم. و في إعتقادي أن تفكيك هذا العقد الإجتماعي الستينياتي يجب أن يبدأ بتوفير ملايين فرص العمل لأبناء و بنات مصر و بمرتبات تناسب مستويات الأسعار قبل أن نبدأ في الحديث عن تسديد مصاريف التعليم و تعديل قوانين الإيجارات و إلغاء للدعم. و لما كانت حكومات مصر (ومنها الحكومة الحالية المحتشدة بالتجار) قد فشلت فشلاً ذريعاً (بسبب البيروقراطية و الفساد و مركزية القرار وضعف التكوين المعرفي والثقافي والإداري لكثير من الوزراء المصريين) في جلب استثمارات عالمية بالحد الأدنى المطلوب (ما لا يقل عن 25 مليار دولار أمريكي سنوياً) فإن عليها أن تغلق فمها و تسكت هي و وزراءها الأثرياء عن الحديث عن إلغاء الدعم و الأسعار الحقيقية للسلع و الخدمات.

كتبت في 25 مارس 2010
( 60 ) : من أكثر ما يضحكني أن أسمع من يردد أن الثقافة العربية و الإسلامية أنصفت بل و أكرمت المرأة. فالثقافة العربية الإسلامية توقفت في نظرها المرأة تاريخياً عند القرن السابع و جغرافياً عند الصحراء العربية التي تشيع فيها سوسيولوجيا البدو الرحل. مجتمعاتنا لا تزال بعيدة عن أن تغرس في عقول و ضمائر و نفوس أبنائها و نسائها أن المرأة هي (على الأقل) مساوية للرجل. إن مليون رجل عادي لا يعادلون إمرأة متميزة مثل مدام كورى ، أول إنسان حصل على جائزة نوبل في العلوم لأكثر من مرة. إن الدراسات العلمية المعاصرة تتحدث عن الكثير من الفوارق البيولوجية، و كلها فوارق لصالح المرأة. طالعت منذ أيام دراسة طبية أصدرتها واحدة من أهم المعاهد الطبية فى العالم عن معدلات التخلف العقلي بين الرجال و النساء و هي معدلات تبلغ عند الرجل ضعفها عند المرأة. لقد كنت و لا أزال أحلم ببرامج تعليم تقول لأبناء و بنات المجتمع أن المرأة هي نصف المجتمع من الناحية العددية فقط أما من ناحية القيمة فهي أكثر بكثير، إذ أنها أم النصف الآخر. و من أكثر ما يثير غضبي أن يؤمن إنسان بارتفاع مكانة الرجل عن المرأة رغم ما يعنيه ذلك القول (السخيف) في حق أمه و زوجته و أخته و إبنته.

كتبت في 25 مارس 2010
( 61 ) : فاضل إيه تاني ؟ (أي : ماذا تبقى ؟) تفوه بها صديق تعليقا على فتوي لرجل دين السعودي بحرمة البوفيه المفتوح (!!!!) ... ثم نظر هذا الصديق صوبي وسألني مرة أخرى : "ماذا تبقي ؟" وكان جوابي كالتالي : تبقي أن علي كل عاقل أن يرفض أن يكون هؤلاء البسطاء انصاف المتعلمين واصحاب المحصول المعرفي والثقافي المتواضع بمثابة مرجعية بالنسبة لأي أحدٍ . العيب ليس عيب هؤلاء الذين نصبوا انفسهم دعاة ومراجعا (فهم ثمرة ظروف اجتماعية واقتصادية وتعليمية وثقافية جد متواضعة) ، وإنما عيب النظام السياسي والمجتمعي والثقافي والتعليمي الذى يجعل منهم مرجعية . بإختصار مالم تكن مرجعيتنا الوحيدة هى العلم (العلم فقط) فسوف نصبح قريبا محمية أنثروبولوجية يحيطها العالم المتحضر بسور ويقوم بدراستها ككائنات أحفورية (حفريات) ... حقيقي أن الجرثومة جائتنا من ترابستان ، ولكن مسئوليتنا لا تنكر ، فمعظم الناس من حولنا تآكلت عقولهم وصاروا مضحكة العالم المتمدن. و بدون توفر إرادة سياسية لوقف هذا الطوفان من مضادة العلم والتقدم وسلطان العقل، فإننا سور نصبح بؤراً معزولة سيحيطها العالم المتمدن بالأسوار كمراكز الحجر الصحي ويعتبرها محميات أنثروبولوجية ويرسل علماءه لدراسة شعوبها الأحفورية ، وبالذات تلك الكائنات البدائية (atavistic) التى تنظر لهم شعوب منطقتنا كمراجع و قادة رأي فى محميتاهم الأنثروبولوجية.

كتبت في 25 مارس 2010
( 62 ) : لاشك أن الثقافة العربية - الإسلامية القرون - أوسطية المضادة للعقل والتمدن والتقدم والأنسنة الممولة بالبترو- دولار قد تفشت فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية ، وقد تهيئت لها البيئات بفعل الإستبداد والقيادات المترعة فى الجهل والفساد وفى ظل مؤسسات دينية وتعليمية غارقة فى الجهل والماضوية والثيوقراطية ... ولاشك أن سياسة القوي العظمي الوحيدة القائمة على التحالف مع ترابستان (ركن الأساس فى نشر ورعاية وذيوع الإسلام السياسي ) لاشك أن كل تلك الحقائق جعلت من يفهمون ما حدث وما هو حادث ، وهم قلة وسط سواد أعظم من الغوغائية القرون-أوسطية والذين علي كل موضوعي أن يتسامي عن لومهم ، فما هم إلا ثمرة حقائق تاريخية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية ما كان لها إلا أن نتنتج هذه الثمرة المسممة ... إنني أكتب هذه الكلمات وأنا محاط بأمواج وأنواء وعواصف الإحباط ، لا سيما وأن أقرب الناس لي لا علاقة لهم بهمي أو مهمتي ، ناهيك عن وحدة فكرية ضارية ... ولكنني مصر على أن أقــاوم وأحضــــك على المقاومة ... (من رسالة لصديق) ...

كتبت في 25 مارس 2010
(63) : أتعجب ممن لا يرى الصلة بين نظام التعليم في دولة من الدول الإسلامية و بين إفراز المجتمع لأمثال سكان كهوف وزيرستان من قادة القاعدة. الرحلة تبدأ من التعليم بمعناه الواسع أي الذي تقدمه المؤسسة التعليمية و المؤسسة الدينية و ينتهي بتفجيرات اندونيسيا و بومباي و لندن و مدريد و نيو يورك و غيرها. هذه "الحالة" هي حالة ثقافية سائدة إما توجد أو لا توجد لكنها لا يمكن تهذيبها أو تأديبها أو أقلمة أظافرها. يسألني كثيرون: هل مساهمة السعودية في إنتاج الإسلام المحارب أكبر من مساهمة مصر؟ و الحقيقة انهما ليسا مجرد شريكين بل انهما (في هذا الصدد) "كيان واحد".و سأشرح قليلاً: كان محمد رشيد رضا، تلميذ محمد عبده الذي لم يرث عن استاذه انفتاحه و اعتداله و جرأته على ما يعتبره البعض من مسلمات الفقه الإسلامي. منذ وفاة محمد عبده سنة 1905 أخذ تفكير محمد رشيد رضا يتخذ إتجاها مغرقاً في السلفية و ما أن تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في سنة 1925 من صيرورته ملكاً للحجاز و سلطاناً لنجد على أسنة رماح و حراب و سيوف "الإخوان" (اخوان نجد) حتى كان محمد رشيد رضا هو أقرب المشتغلين بالدراسات الإسلامية مما حدث في الجزيرة العربية أي وصول الوهابية إلى سدة الحكم في بلد ليس هو فقط أكبر البلدان العربية شرق البحر الأحمر و إنما أيضاً مقر أقدس مقدسات المسلمين. أما الرجل (محمد رشيد رضا) و الذي كان على أوثق الصلات بعبد العزيز بن سعود و بالمؤسسة الوهابية كان هو الأستاذ الأكبر لمدرس اللغة العربية الشاب حسن البنا. و كان هو الذي حضه على تأسيس الإخوان المسلمين في مصر كجمعية دعوية و بمباركة من ممثلي الإحتلال البريطاني و شركائهم الفرنسيين الذين كانوا مديري قناة السويس و بمباركة الملك فؤاد الذي كان يحلم مع الإنجليز بوجود ند قوي للوفد بزعامة سعد زغلول الذي كان قد مات للتو (23 أغسطس 1927). وهكذا فإن الحديث عن: من المسئول بدرجة أكبر عن ظاهرة الإسلام المحارب هو حديث عبثي. فنحن أمام كيان واحد و لسنا أمام كيانين. ثم جاءت السنون بما دعم الإرتباط العضوي بين المؤسسة الدينية الوهابية و حركة الإخوان المسلمين في مصر. فعندما وجه جمال عبد الناصر الضربتين القويتين للإخوان (1954 و 1965) كانت المؤسسات الوهابية لزعماء الإخوان و للآلاف من أتباعهم هي الملاذ. و أخيراً فإن القىء الجيولوجي (البترول) جعل بمكنة بلد واحد أن يحول الحلف الوهابي الإخواني من حركة سعودية مصرية لحركة كونية تؤسس مراكز بث أفكارها من أستراليا إلى كاليفورنيا مروراً بكل القارات و سائر البلدان.وكل ما "قلتُه" هنا لا يجدي معه التعامل الأمني ... وبتحديد أكثر ‘ فبإستثناء الذين يقترفون ما يعتبر وفق قوانين العقوبات (او القوانين الجنائية او الجزائية) جرائما ‘ فإن التعامل مع غيرهم (اي غير مقترفي الجرائم) بغير الأساليب الثقافية وتطوير وتحديث النظم التعليمية لن يكون مجديا - فالمعضلة فكرية وثفافية وتعليمية و اجتماعية و اقتصادية فى جوهرها وفى كافة تجلياتها ...

كتبت في 25 مارس 2010
( 64 ) : كانت الساحات الأدبية والثقافية والقانونية والسياسية والعلمية والطبية والفنية (بكل مجالاتها) فى مصر عشرينيات القرن الماضي حافلة بأعلام يفوقون (كما وكيفا) فى تميزهم ونبوغهم مجمل أعلام كل هذه الساحات والمجالات فى البلدان الناطقة بالعربية ليس إبان ذات الفترة فحسب وإنما خلال القرون العشرة الأخيرة برمتها. وليس ذلك بمستغرب . فالنبوغ الفردي لا يتألق بشكل وافر بدون نبوغ المكان. وليس من مكان فى المنطقة الناطقة بالعربية يضاهي مصر فى نبوغ وعبقرية مكانها وتاريخها وجغرافيتها . يقول بونابرت " مصر ليست بلدا ؛ وإنما هى البلد". وقبل بونابرت فإن أفلاطون هو من قال "كل ما أنتجناه فى اليونان كانت أصوله من مصر". لذلك فإن مصر (وحدها) كانت القادرة على إعمار تلك الساحات بذلك العدد الهائل من النوابغ ؛ سواءا كانوا مصريين أو غير مصريين جاؤا إليها لتعتمد هى نبوغهم ؛ فبدون هذا الإعتماد ما كانوا إلا "مسودات نبوغ". وإذا كان الكثيرون من نجوم وأعلام تلك الحقبة قد نالوا من التقدير والتقديم للأجيال اللاحقة ما يستحقونه مثل أحمد شوقي ولطفي السيد وطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وأم كلثوم ويوسف وهبي ومحمود مختار وزكي نجيب محمود ويوسف إدريس ... وغيرهم كثر؛ فإن البعض لم ينل حقه من التقدير والتقديم للأجيال التالية ؛ ومن أهم هؤلاء سلامة موسي وزكي مبارك ومنصور فهمي ... وغيرهم. وفى هذه الدانة سأتناول أحد هؤلاء الأعلام الذين كانوا (وينبغي أن يبقوا) نجوما ساطعة تحتاجها اليوم سماء حياتنا العقلية حالكة الظلام ؛ عسي أن يساعد نورها أبناء وبنات مجتمعاتنا على الرؤية فى ظلام واقعنا الدامس والخروج من عتمة حياتنا العقلية التى إستولي على قمرة قيادة الرأي والفكر والمعرفة فيها أشباه أميين. وإذا كان أكبر النقاد العرب المعاصرين الأستاذ رجاء النقاش قد شبه كاتب هذه السطور ومهمته الفكرية بسلامة موسي (راجع المقال المطول للأستاذ رجاء النقاش عن كاتب هذه السطور بعنوان "ناقد العقل العربي" المنشور بجريدة الأهرام القاهرية يوم 28 مايو 2000 ). ولد سلامة موسي سنة 1887 بمحافظة الشرقية بدلتا نيل مصر لأسرة قبطية. بعد حصوله على البكالوريا أو الثانوية سافر (سنة 1906) لأوروبا حيث أمضي سبع سنوات نصفها الأول فى فرنسا ونصفها الثاني فى بريطانيا. أثناء إقامته فى بريطانيا درس القانون كما إنضم للجمعية الفابية وهى جمعية إشتراكية إصلاحية سميت على إسم فابيوس الروماني ؛ وكان نجم الفابيين وقتئذ الأديب الأيرلندي الأشهر جورج برنارد شو. كما تأثر سلامة موسي بكتابات ونظريات تشارلز داروين . بعد عودته لمصر ؛ صار سلامة موسي عراب الإشتراكية الإصلاحية (أي غير الثورية) كما صار عراب الدعوة للعلم واللحاق بالحضارة الغربية والإنتقاد الكلي للحضارات الشرقية. فى 1914 إشترك مع شبلي شميل فى تأسيس صحيفة أسبوعية سمياها "المستقبل" ؛ لم تعمر طويلا. وفى 1921 ساهم مع المؤرخ المصري المعروف محمد عبدالله عنان (مترجم أطروحة طه حسين للدكتوراة الثانية من السوربون عن الفلسفة الإجتماعية عند إبن خلدون) فى تأسيس "الحزب الإشتراكي المصري". تولي رئاسة تحرير واحدة من أهم المجلات الثقافية بالعربية "الهلال" من 1923 وحتى 1929 (صدرت الهلال سنة 1892 ولا تزال تصدر للآن). فى 1930 أسس مجلته الشهيرة "المجلة الجديدة" التى نشر فيها لسنوات خلاصة أفكاره المناصرة للعلم والحضارة الغربية مع نزعة إشتراكية إصلاحية (متسقة مع توجهه الفابي). كذلك كان سلامة موسي من رواد تيار "فرعونية مصر" مع نظرة لم تتخل عن إستهجان الثقافة العربية والأدب العربي. كان الناقد المصري (الماركسي) الشهير غالي شكري من أبرز المنافحين عن سلامة موسي وقيمة رسالته الفكرية. يقول غالي شكري : " كان سلامة موسي يري أن تحرير الطبقات المطحونة من عبودية الوهم والخرافة سوف يؤدي إلي تحرير تلك الفئات من سائر أشكال العبودية". وكان المحافظون (وعلى رأسهم مصطفي صادق الرافعي الذى سبق وأن خصص كتابا بأكمله للهجوم على أفكار طه حسين بخصوص نحل الشعر الجاهلي) يمقتون سلامة موسي ويكيلون له التهم والهجوم المنبثقين عن تعصب ديني أعمي. كان أول كتبه (سنة 1910) بعنوان "مقدمة السوبرمان" ومن أهم مؤلفاته "الإشتراكية" سنة 1913 و "نظرية التطور وأصل الإنسان" سنة 1928 و "غاندي والحركة الهندية" سنة 1934 و "النهضة الأوروبية" سنة 1935 و "مصر أصل الحضارة" سنة 1947 و "المرأة ليست لعبة الرجل" 1956 كما ترجم لحياته فى كتابه "تربية سلامة موسي" سنة1947. ويمكن لقاريء مؤلفات سلامة موسي اليوم أن يدرك أسباب تجاهل الكثيرين له وأهمها التعصب الديني وعدم القدرة على الحوار العلمي الهاديء مع أفكاره الصادمة للمحافظين مثل إيمانه الراسخ بالتفوق الكاسح للحضارة الغربية وإيمانه بنظرية داروين فى تطور الكائنات وعدم تقديره للآداب العربية بل ولإعتقاده بأن اللغة العربية شريك رئيس فى تخلف الثقافة العربية. وإذا كان المناخ الثقافي المصري لم يحتمل برحابة أفكار سلامة موسي خلال سنوات نشره لمؤلفاته (1910 - 1958) فمن السهل أن يجزم المرء اليوم أن مناخاتنا الثقافية الحالية ستكون أشد رفضا لهذا الصوت الجريء الذى قال للمصريين منذ قرابة القرن "أنتم مصريون أولا وأخيرا ؛ وعليكم أن تولوا وجوهكم شطر أوروبا ثقافيا ومعرفيا وأن تؤمنوا بالعلم وإنجازاته وأن تخلصوا عقولكم من الوهم والخرافة وأن تعلموا أن الآداب العربية شبه خالية من الثمار الحضارية التى ستجدونها بوفرة فى آداب الحضارة الغربية من زمن هوميروس ويوريبيدوس وإسخيلوس وأرستوفانيس وفيرجيل لزمن تشالز ديكينز توماس هاردي وأوسكار وايلد وفيكتور هوغو وأناتول فرانس وإميل زولا وإبســن وألبير كامو وسـارتر وغيرهم من الثمــار اليانعة للحضارة الحية الوحيدة اليوم على سطح الأرض.

كتبت في 25 مارس 2010
(65) : فرغت أمس من مطالعة دراسة مقال مطول بقلم أشهر باحث غربي في الإسلام وهو البروفسور البريطاني الأمريكي الأشهر بيرنارد لويس عن خرافة أن العرب هم الذين قاموا بحرق مكتبة الإسكندرية القديمة . بحثُ رائع كتبه عَلامة يمثل أعلى المستويات الأكاديمية العالمية يؤكد فيه أن العرب لم تكن لهم أية علاقة بالنهاية المأساوية لمكتبة الإسكندرية القديمة. هذا البحث الفذ (رغم صغرِ حجمه) كتب له الدكتور إسماعيل سراج الدين مقدمة متميزة وجدير بالذكر أن جحافل المُثقفين العرب من قبيلة بني حنجرة إستسهلوا وإستمرأوا الهجوم على البروفسور بيرنارد لويـس ، (رغم أنهم لا يملكون مؤهلات التلمذة على يديه) . وهذا الإستسهال والإستمراء ليست له علة إلا أن البرفيسور لويس يهودي الديانة (وهو جُرم لا يُغتَفَر عند كثيرين من أبناء منطقة الشرخ الأوسط) . اليوم فإنني لا أشك أن جحافل بني حنجرة سيلتزمون صمت الجمادات أمام ورقته العبقرية عن إكذوبة حرق العرب لمكتبة الإسكندرية. والبروفسور بيرنارد لويس هو صاحب أفضل دراسة علمية – في تاريخ الدراسات الإسلامية عن الطائفة الإسماعيلية . كذلك فهو العَلامة الذي قال أكثر من مرة أن العرب قابلون للدمقرطة مثلهم مثل غيرهم ، وأن العيب ليس فيهم وإنما في بعض رقائق تاريخهم ونوعية الحكم بمجتمعاتهم . اليوم لا شك عندي أن مُثقفي بني حنجرة سوف يتجاهلون ما كتبه البروفسور لويس عن التهمة التي ألصقها كثيرون بالعرب أي كونهم الذين دمروا مكتبة الإسكندرية القديمة . فأنى لمثقفي بني حنجرة أن يحكموا على برنارد لويس بعقولهم وهم الذين إعتادوا أن يحكموا بغرائزهم السياسية ونوازعهم القبليـة ؟


كتبت في 25 مارس 2010
( 66 ) : وصلت الثقافةُ العربية (وبالتالي الذهنية العربية المعاصرة) لدركٍ أسفل من الغرائزية وإنعدام الموضوعية في تناولِ معظم وسائل الإعلام العربية لقيامِ إيطاليا بتجريم الهجرة غير الشرعية لها . فوفق آرائنا الغرائزية , فليس من حق إيطاليا أن تُجرّم الهجرةَ غير الشرعية لها لأن هؤلاء الذين يذهبون لها (بطرق غير شرعية) هم إما عرب أو مسلمون أو أفارقة !!! إن تناول وسائل الإعلام العربية لهذا الموضوع وتأثيمها لإيطاليا لأنها أصبحت تعتبر المهاجرين غير الشرعيين محض مُجرمين ، هو دليلُ ساطعٌ على ما آلت إليه الثقافة العربية المعاصرة من الشخصنة وإنعدام الموضوعية بل – وأكرر – الغرائزية البدائية (atavistic) . إن من حق إيطاليا (منطقاً وعقلاً وقانوناً) أن تُجرم الهجرة غير الشرعيةِ لها وأن تتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين كمجرمين ، وأن تُنزل بهم العقاب الذي يحدده القانون الإيطالي لهذه الهجرة غير الشرعية والتي أصبحت اليوم في إيطاليا "جريمةً" .

كتبت في 25 مارس 2010
( 67 ) : في مُقابل رموز التعصُب والإنغلاق والهجرة العمياء للماضي والتي كان أبرزها في جيله الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي ، كان هُناك آخرون من رموز الإنتصار للعِلم والتقدُم والحضارة والمدنية مثل أحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وسلامة موسى ومنصور فهمي ومن الجيل التالي لهم الدكتور حسين فوزي . اليوم يشيعُ بين عددٍ غير قليل من حَمَلة الأقلام في واقعنا نموذج مصطفى صادق الرافعي ولا نكادُ نجد مُمَثِلاً للمدرسةِ الأُخرى . بقى أن يعرف القُراء أن مصطفى صادق الرافعي عاش ومات بدون أن يكون بوسعه قراءة فقرة واحدة بأية لغة غير عربية . أما أمثال أحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وسلامة موسى ومنصور فهمي فقد أحاطوا بكلاسيكيات الإبداع الإنساني في أصولها وبلُغاتها.

كتبت في 25 مارس 2010
( 68 ) : أُكررُ في هذه "الدانة" ما كتبته في أول فصول كتابي "ما العمل" الذي صدر في سنة 1986 وهو أن الشارع المصري اليوم يُجَسِد ويُمَثِل ويُشَخِص مُعظَم ملامح حالتنا المُجتمعية الراهنة من إنعدامِ معنى القانون وعدم إلتزام الأقوى بالذات بأحكامه وسيادة مبدأ أن القوى تُنشيء الحق وتحميه وذيوع القيمة العالية المؤَسَسة إما عن السُلطةِ أو المال وقبل كل ذلك خرق القانون من قِبَل المنوط بهم إحترامة ناهيك عن ترجماتٍ شتى لثقافة الفهلوة التي يكون فيها كل مواطن هــو السُلطة التشـــريعية والسُلطــة التنفيذية وأحياناً السُلطة القضائية أيضاً في ذات الوقت .
كتبت في 25 مارس 2010
( 69 ) : رغم وجودَ ألف دليل على فوائد بل وحتمية الفصل بين رجال الدين والعمل السياسي (لخطورة ذلك المروعة وعواقبه المدمرة) فقد تعلمتُ منذُ أيام أن هناك دليلاً آخراً لم أكن على دراية واضحة به ، ففي أثناء مُطالعتي لعدة بحوث أكاديمية عن المُرشد الأعلى الحالي للجمهورية الإسلامية في إيران تعلمت أن جُزءاً كبيراً من هيبتهِ وسُلطتهِ وسطوتهِ أن غير قليلٍ من مُساعديه (ومنهم رئيس الجمهورية الحالي) يؤمنون بأنه يتلقى تعليمات بشكل مباشر من الإمام المهدي الغائب أي من الإمام الإثنى عشر في سلسلة الإمامية الإثنى عشرة ذات القداسة الكُبرى عند الشيعة وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري الذي إختفى ويعتقد الشيعة الإمامية أنه لم يَمُت وأنه سيعود بل ويدعون في صلواتهم ويسألون الله أن يُعَجِل عودته . ومن الطريف أن نُقارن بين فكرة آخر الزمان عند عدةِ فِرَقٍ مسيحية تربطُ آخرِ مرحلةٍ في الزمان بإسرائيل وعودة المسيح ومعركة أرماجيدون التي تستقي جذورها من سفر رؤية يوحنا اللاهوتي وبين ما يُقابلها عند الشيعة الإمامية . والتماثُل في الأفكار والأساطير غير محصور في هذا المثال . فالجدل المُحتدم قبل مجمع نيقيا (325 م) حول ما إذا كان الإبن مخلوق من الآب أم لا (وقد قال بأن الإبن مخلوق عددٌ من رجال الدين المسيحي في ذلك الزمان آريوس) بينما قال معارضوه أن الإبن غير مخلوق – وقد طالعتُ منذُ سنواتٍ بعيدة الجدل المُحتدم بين المُعتزلة والآخرين (أهمهم الحنابلة) حول القُرآن وهل هو مخلوق أم غير مخلوق وأنا في ذهول من إنتقال مفاهيم بأكملها من دينٍ لآخر . ولعل أيضاً من أشهر الأمثلة الكثير من النُظُم الصوفية/الإسلامية المأخوذة بالكامل عن رُهبان المسيحية (الخلوة أربعون يوماً ... عدم تناول طعام فيه روح ... ذكر أسماء لله بالآرامية أو العبرية أو السيريانية .
كتبت في 25 مارس 2010

( 70 ) : رأيت الأب جورج قنواتي ( 1905-1994) مرة واحدة فى حياتي ... ذهبت إليه فى الدير الدومينيكاني بالقاهرة وأنا طالب بقسم الماجيستير فى القانون بجامعة عين شمس (1971)... كان حديثه يومها عن الفيلسوف فى أعمال نجيب محفوظ (الرواية والقصة القصيرة ) ... يومها : صال الأب قنواتي وجال فى حديثه المعمق عن فن الرواية فى الآداب العالمية وفى الأدب العربي المعاصر ... ثم طوف بنا فى عالم محفوظ من عبث الأقدار لبداية ونهاية لثلاثية بين القصرين ثم أولاد حارتنا واللص والكلاب ... ثم أطال الحديث عن رواية الشحاذ وعن المجموعات القصصية التى نُشِرَت فى أواخر الستينيات وبالذات "تحت المظلة" ... وفى نفس الجلسة تحدث بإستفاضة عن الفيلسوف الفرنسي جابرييل مارسيل وعن الفيلسوف الوجودي الألماني مارتن هايدجر ... ثم عرج على فيلسوف الشباب الأمريكيين - وقتها - هربرت ماركوز مؤلف "الإنسان ذى البعد الواحد"... فى آخر هذا اللقاء أعطانا الأب قنواتي بعض كتاباته عن إبن رشد ( الذى هو فى إعتقادي : أفضل عقل فى تاريخ المسلمين) ... وكانت تلك بداية غرام فكري وثقافي بإبن رشد العظيم . تذكرت كل ذلك منذ أيام وأنا أطالع مقالا عن الأب قنواتي ورد فيه أن أبرز المفكرين المصريين معرفة - شخصية وفكرية - بالأب قنواتي هو استاذ الفلسفة المرموق الدكتور عاطف العراقي ... فعسي أن يتحف الدكتور العراقي المناخ الثقافي فى مصر والمنطقة العربية بسلسلة مقالات عن هذا المحيط الفكري والثقافي والمعرفي والفلسفي العارم الأب جورج قنواتي ... وعسي أن تجذب هذه الكتابة الراقية عقول وضمائر أبناء وبنات مجتمعاتنا عوضاَ عن إستئثار التفاهة والسطحية والهزال الثقافي الذى يروج له - ليل نهار - مسوخ من الناحية المعرفية ... مسوخ وراءهم تمويل مفسد لا مثيل له فى تاريخ البشرية .

كتبت في 25 مارس 2010
(71 ) : رغم إحترامي وتقديري الكبيرين لرموزٍ عظيمة من رموز النهضة الفكرية والأدبية في مصر مثل طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ؛ إلا أن جيلهم كان يضم نجوماً أخرى لم تحظ بالشهرة والشيوع والتقدير اللائقين لفقرٍ شديد في جانب المُتلقي . فعمالقة مثل أحمد لطفي السيد وسلامة موسى ومنصور فهمي ولويس عوض هم أفذاذ من طبقة برتراند راسل في بريطانيا ... ولكن المُتلقي هنا لا يستطيع التلقي على موجة الإرسال والبث التي تأتي عليها تجليات هؤلاء الأفذاذ. فلطفي السيد الذى لا يعرف للمصري هوية إلا أنه مصري . ولطفي السيد الذى يُترجم للمصريين روائعا من أعمالِ أرسطو ... وسلامة موسى (مثله مثل حسين فوزي) الذى يُقدر الحضارة الغربية التقدير الذي تستحقه بصفتها الحضارة الوحيدة الحية اليوم على سطح الأرض اليوم ؛ فهؤلاء يصعب على المتلقي العربي المعاصر إستيعابهم . أما منصور فهمي فأكبر وأكثر من إحتمال (حتى بالمقارنة بسلامة موسي وأحمد لطفي السيد ) المُتلقي الذي هو في أعلى حالاته وفي شخوصِ من يُسَمون بكبار مثقفيه ، محض تلميذ صغير في عوالم المعرفة الإنسانية الرحبة . وينطبق نفس القول على لويس عوض الذي كان بقامة طه حسين ، ومع ذلك فإن مُقدريه وعارفي قدره أقل بكثير مما كان ينبغي أن تكون عليه الحال . ويمكن قول نفس الشئ على شخصياتٍ أخرى مثل محمود عزمي (فارس معركة الطربوش والقبعة منذ ثمانين سنة في مواجهة رمز من أكبر رموز التقوقع والهجرة للماضي وكراهة الحضارة الغربية وهو مصطفى صادق الرافعي) . أما حسين فوزي , فلا يوجد بين المثقفين المصريين والعرب المعاصرين من يعرف عنه أي شئ ؛ بإستثناءات معدودة . لماذا كانت ولا تزال تلك الظاهرة مُتفشية ؟ الجواب ببساطة: لأن المُتلقي ليس فقط مُعتل الصحة الثقافية وواهن الكيان المعرفي ولكن لأنه أيضاً ضحية ذهنية ثيوقراطية إقصائية تضع مُسميات على هؤلاء الأفذاذ , وهي مُسميات كفيلة بالإنصراف عنهم في بيئةٍ ثقافية أحفورية (من الحفريات) .


كتبت في 25 مارس 2010
( 72 ) : ما الذي دهى حِصن الإسلام السُني الأكبر أي الأزهر ؟ . لماذا تقبل مؤسسة بهذه العراقة بالتبعية الفكرية لمؤسسة دينية أُخرى خاضعة بالكلية لأضعف تيارات الفقه الإسلامي وأكثرها نصية وعبادة للنقل وعداءاً للعقل (تيار أحمد بن حنبل وإبن تيمية وإبن قيم الجوزية) ؟ لماذا لا يتصدى الأزهر لأفكارٍ هى بالتأكيد مفارخ التعصُب والتزمت والعُنف والإرهاب والدعوة الحاضة على الصدام مع الإنسانية مثل أفكار الولاء والبراء التي كان لها المُساهمة الكبرى في إنتاج دولة طالبان والأفغان العرب وأتباعهما من الجهاديين والإنتحاريين في شتى أرجاء المعمورة . لماذا لا يتصدى الأزهر لمُجمَل نظرية الولاء والبراء ويشرح لجمهوره الواسع أنها (نظرية الولاء والبراء) نظرية أنتجت في زمن معين وفي ظل ظرف تاريخي محدد هو سقوط أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تحت سنابك خيل المغول الذين أسقطوا عاصمة الدولة الإسلامية وداسوا أشياءاً عديدة في طريقهم . لماذا لا يُقال على أوسع نطاق أن القول بنظرية الولاء والبراء كانت حاجة سياسية مُلحة في زمنٍ وظرفٍ تاريخي لمنع أبناء الشعوب الإسلامية (وقتها) من التعامل مع العدو الغازي .

كتبت في 25 مارس 2010
(73 ) : صرت - مع تجارب السنين - أرى أن بعضنا يحمّل بعض الأشياء والظواهر والتوجهات الثقافية أكثر مما تحتمل . فكثير منها هو محض ترجمة لحالة التَرَهُل والإنهيار فى المستويات الثقافية والتعليمية والإجتماعية ... ولتنخفض الجباه إحتراما لمن قال منذ قرابة القرن ونصف القرن (قُل لي كيف تكسب وتعيش ؛ أقول لك كيف ت ُ ف َ ك ِ ر وماذا تتذوق وبما تؤمن !!) ... وليقرأ قراء هذا المقال إما الفاتحة ( لو كانوا مُسلِمين) أو الصلاة الربانية (إن كانوا مسيحيين) أو مزمور "إرحمني يا الله" (إن كانوا يهودا ) على روح العظيم كارل ماركس (1818 - 1883) ... فإن كان هو سيرفض تلك النصوص الثلاثة ؛ فلنقرأ مقدمة كتابه المسألة اليهودية !!!!! .....

كتبت في 25 مارس 2010
( 74 ) : منذ ُ مائة سنة بالتمام والكمال إ فتُتِحَت الجامعة المصرية ( تحول الإسم من الجامعة الأهلية للجامعة المصرية لجامعة فؤاد الأول لجامعة القاهرة ) ... فى سنواتها الأولي كان من بين طلاب الدراسات العليا با لجامعة طه حسين ؛ كما كان من أساتذتها البروفيسور الإيطالي الأشهر نيللينو - اليوم تغرق قطاعات عديدة من هذا الصرح العلمي العريق تحت ظلام ملاّك الحقيقة المطلقة فيما تُسحب صفة "الجامعة" عن أماكن كثيرة بها ... ففى البحث العلمي لا يوجد أ و لئك الذين يملكون الحقيقة المطلقة .
كتبت في 25 مارس 2010
( 75) : منذُ أيام قليلة (6 مايو 2008) وبينما كنت أجلس على يسار رئيس وزراء كوردستان في مدينة إربيل (عاصمة كوردستان) سمعته يتحدث عن أن أول قرارٍ إتخذه يوم أصبح رئيساً لحكومة كوردستان (سنة 1991) و هو إغلاق معظم المدارس الدينية في الإقليم . فقد كان يرى أن المجتمعات الحديثة تحتاج لعددٍ قليل جداً من رجال الدين من أصحاب المستويات الرفيعة في التعليم ولا تحتاج إلى تلك المفارخ لذهنية التعصب والتزمت والرجعية . في نفس يوم إصداره إلغاء المدارس الدينية في إقليم كوردستان العراق إتصل به الرجل الثاني في دولةٍ تُنفق ببذخ على المدارس الدينية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وعرضَ عليه إغراءات مالية بمليارات الدولارات إن قامَ بإلغاء قرار إغلاق المدارس الدينية . ولكن السيد ( Nichirvan Barzany ) أصر على التمسك بقرارهِ . وهاهي كوردستان اليوم منطقة هادئة مسالمة تنعم بسلامٍ نادرٍ وسط أتون الغليان العراقي بل أَنها الجهة الوحيدة في العراق التي لا يحارب بعضُها بعضَها . توقعاتي لإقليم كوردستان أن يكرر النهضة العظمى لمكانٍ مثل إمارة دبي كما أتوقع له أن ينسلخ عن أتون الغليان والقتلِ والدم القريبة منه .

كتبت في 25 مارس 2010
( 76 ) : كان مُحدثي على مشارف التسعينيات من العمر . وهو عراقي من جيل الملكية في العراق. تلقى تعليمه في أرقى مدارس العالم وحصل على الدكتوراة في الإقتصاد من جامعة أُكسفورد البريطانية العريقة . قال لي : سافرت إلى يافا في فلسطين في صيف سنة 1942 وكنتُ قد تخرجت حديثاً من جامعة أُكسفورد . بعد زيارتي إلى يافا أخذني أصدقاءُ فلسطنيون إلى الجزء اليهودي من المدينة أي تل أبيب . رغم أن إسرائيل يومها لم تكن قد قامت بعد كدولة , إلا أن صاحبي العراقي المثقف الكبير أدهشته الفوارق بين يافا وتل أبيب . في تل أبيب طلب منه سائق الحافلة العامة أن ينزل ويقف في طابور المنتظرين ثم يُعاود ركوب القافلة وفق النظام . في الحافلة قال له أحد اليهود من قاطني تل أبيب أن اليهود سوف ينتصرون دائماً على خصومهم العرب طالما أنهم يقفون في الطابور والعرب لا يعرفون الإنتظام في طوابير!... قد تُضحك هذه القصة البعض ... ولكنها لم تضحكني فقد سبق وأن قرأت نفس الكلمات في مذكرات "بن جوريون" الذي كتب أنه لن يأخذ العرب مأخذ الجد طالما أنهم لا يقفون في طوابير .
كتبت في 25 مارس 2010
( 77 ) : سألني شابُ بعد محاضرةٍ عامة منذ أسابيع عن تقييمي للحقبة الناصرية فقلت له أنها حقبة لها إيجابياتها ولها سلبياتها . ويمكن أن أقول أن أكبر الإيجابيات كانت محاولة عبد الناصر النبيلة لتوسعة الطبقة الوسطى المصرية وأن أكبر السلبيات هي الطريقة غير الصائبة التي تمت بها محاولة توسعة الطبقة الوسطى فإنتهينا بطبقة تُسمى بالوسطى ولكنها تحت ذلك بكثير . سألني الطالب : وماذا عن الهزائم والإخفاقات العسكرية ؟ قلت بالنظر لكل ذلك من خلال ظروفِ الحرب الباردة وما بعد الحرب الثانية فإن مجتمعات كثيرة غير مصر كانت لها إخفاقات مماثلة . ولكن هذه المجتمعات لم تسقط مثلنا في كل الأخطاء الكبيرة التي شابت عملية توسعة الطبقة الوسطى (وهي مهمة نبيلة في الأساس) وأهم هذه الخطايا ما أُقترف عندنا عندما سمح بتوفر عوامل إنهيار المؤسسة التعليمية بالشكل الذي حدث وما أعقبه من هبوط مذهل في مستويات التعليم (في الفلسفة التعليمية وفي مستويات الأساتذة والمدرسين وفي طبيعة ومستويات البرامج التعليمية وأخيراً في مستويات التلاميذ والطلبة). لقد إقترفت روسيا أخطاءاً كبرى على مستوى السياسات الكلية ولكن لم يكن من بينها إنهيار المؤسسة التعليمية كما حدث لدينا . ففي ظل أسود مراحل الإتحاد السوفيتي والتي ضرب من خلالها سوس الإنهيار في الإقتصاد في بدن الإتحاد السو فيتي ظلت الجامعات الروسية بمستويات تعليمية رفيعة وعالية . وقد حدث نفس الشئ في الهند . فرغم خيارات نهرو الإشتراكية (والتي من حق البعض أن يُعجب بها ومن حق البعض أن ينتقدها) فقد ظلت المؤسسات التعليمية الهندية بوجه عام والجامعات الهندية بوجه خاص بمنأى عن التدهور وإنهيار المستويات . واليوم ، فأننا نسمع الكل يتحدث عن إنهيار التعليم في مصر , ومع ذلك فلا توجد إرادة إقتحام جريء وعريض وعميق للمشكلة وتقديم حلول جذرية بل ولا تزال الفلسفة التعليمية لدينا هي ذات الفلسفة التي أدت لتدهورِ أحوالِ التعليم .
كتبت في 25 مارس 2010
(78 ) : يدعو "البعض" لإقامة دولة الخلافة . وهى أخبار سيئة للخُلفاء القادمين !! ... إذ أن ثلاثة من الخُلفاء الراشدين (عُمر وعُثمان وعلي) قد قُتِلوا !! أما مؤسس الدولة العباسية ، فإسمه "السفاح" ! وأما هارون الرشيد ، فقد ترك ولدين للخلافة من بعده ، وقد قتل أحدهـما الآخـر (!) . وخلال القرون المتتالية ، فإن الخلفاء الذين كانوا على شاكلة السلطان العثماني "عبد المجيد" أكثر بكثير ممن كانوا على شاكلة عُمر بن الخطاب .
كتبت في 25 مارس 2010
( 79 ) : الإمام أبو حنيفة النُعمان هو المُلَقَب بالإمام الأعظم . وهو أول الفُقهاء الأربعة الكبار خارج المذاهب الشيعية ومذاهب الخوارج الأربعة . وحسب الإمام أبي حنيفة فإنهُ يجوزَ للمُسلِم أن يرفُض تأسيس الأحكام على الأحاديث المعروفةِ بأخبارِ الآحاد . ولمّا كان غير أخبار الآحاد من الأحاديث (أي الأحاديث المتواترة والأحاديث المشهورة) تقل عن مائةِ حديثٍ مُقابل آلاف الأحاديث التي هى من قبيل "أخبار الآحاد" ، فإنني أتعجبُ من الهجوم (الذي تُشارك فيه الدولة) على جماعة القُرآنيين التي لا تقبل إعتبار الأحاديث النبوية من مصادر الفقه الإسلامي ، نظراً لإعتقاد القُرآنيين أن السواد الأعظم من الأحاديث قد وضِعَت بدوافع سياسية إبان حِقبةِ الدولة الأُموية والحِقبةِ الأولى من عُمرِ الدولة العباسية. ويُشكك القُرآنيون في صوابية الأحاديث التي جمعها رجالٌ مثل البُخاري ومُسلِم بعد ثلاثةِ قرون من آخر يومٍ من أيام البعثة المُحمدية . ولا أعرف ما هو الأساس العقلي لمُعاملة القُرآنيين وكأنهُم كُفار أو زنادقة ؟ لقد إعتمد أبو حنيفة (أول الفُقهاءِ الأربعةِ الكِبار) أقل بكثيرٍ من مائةِ حديث . أما رابع الفُقهاءِ الأربعةِ الكِبار (أحمد بن حنبل) فقد إعتمد آلاف عدة من الأحاديث التي جمعها في كتابهِ "المُسنَد" . ومع ذلك ، فإن الذي إعتمد آلاف الأحاديث لم يتهم الذي إعتمد عشرات الأحاديث بالكُفر والذندقة . وأنا لا أعرف لماذا لا ننظُر إليهم كمدرسة فقهية لها ما لها وعليها ما عليها . وكيف يستقيمُ المنطقُ الذي يترُك الحُكم على هؤلاء لفُقهاء من عينةِ أصحاب الفضيلة القائلين ببركة الفضلات ؟!

كتبت في 25 مارس 2010
( 80) : تُرى ألم يكُن من الأنفع للحزبِ الوطني في مصر وحكومته عدم إضعاف أحزاب المعارضة الشرعية بل والسماح بتقويتها وتألُقها عوضاً عما فعلته الحكومةُ عندما همَّشَت وأضعفَت أحزابَ المُعارضة الشرعية وتركت نفسها وتركتنا أمامِ وحشٍ حقيقي ؟ أليس هذا مما يوصف بالإنجليزية بأنه كالشخصِ الذي أَطلقَ الرصاصَ على قدمهِ ؟ ... أوليس هذا تطبيقاً للقول المأثور بأن رجلاً أراد عقاب زوجته فقطع أنفه ! ...
كتبت في 25 مارس 2010
( 81 ) : يقول نيقولو ميكيافيللي في مُطارحاته أنه قال للأمير (وهو ينصحه) : تنبه ! إن كل من يمدحك يرى نفسَه أشدَ ذكاءً منك بل ويستغبيك ! ويقصُد ميكيافيللي أنه ما من أحد يمدح شخصاً في موقعِ سُلطة إلا وهو يرى نفسه أشد ذكاءً من الممدوح ؛ وأنه المُخادع وأن الممدوح هو المخدوع .

كتبت في 25 مارس 2010
( 82 ) : منذُ أربعين سنةٍ وبالتحديدِ ليلة 4 يونيو 1967 كان شِعارُ القيادةِ المصريةِ هو "إستعادة فلسطين" . وبعد أقل من إسبوعٍ واحدٍ ، كان الشعارُ قد أصبح "إزالة آثار العـدوان" . والفارقُ بين الشِعارين هائلٌ وكبيرٌ وله معاني جَد مختلفة . ومع ذلك ، فإن البعضَ لا يزال يتكلم بلغة تُعَبِر عن الشِعار الذي أسقطه مُعَلمُهم وقائدُهم الرمز .

كتبت في 25 مارس 2010
( 83 ) : من أهم "قيم التقدم" الإيمان بالتعدُدية وإحترام الإختلاف وتنشيط وتفعيل العقل النقدي وإشاعة مناخ ثقافي عام يقبل النقد وإنتقال المجتمع من الشخصنة للموضوعية والإيمان (المُتَرجِم للواقع) بعالمية المعرفة والعلوم الطبيعية والإجتماعية والإيمان بفعاليات علوم الإدارة الحديثة والإهتمام بالإنسان (الموارد البشرية) كأهم أصول أي مجتمع من المجتمعات... والسؤال الأهم: إلى أي حد تغرس مؤسساتنا وبرامجنا التعليمية هذه القيم في عقول وقلوب ونفوس وضمائر أبناء وبنات مُجتمعنا ؟ ... ظني أنها لا تفعل ، أو أنها تفعل القليل غير المؤثر .
كتبت في 25 مارس 2010
( 84 ) : متى تصبح بطاقة الهوية المصرية (مثل بطاقات الهوية في كل المجتمعات المتحضرة والراقية) بدون خانةِ الديانة ؟

كتبت في 25 مارس 2010
( 85 ) : كان "السنهوري" (أُستاذ القانونيين و الحقوقيين في المجتمعات العربية... و واضع المدونة المدنية المصرية الحالية) يقول أنه وإن كانت المدونة (المصرية) تستقي الكثير من موادها من القانون المدني الفرنسي (مدونة نابليون) ، فإنه كان يجزم بخلوها من أي تعارض مع الشريعة الإسلامية . فهل السنهوري (أكبر علاّمة قانوني في منطقتنا خلال القرنين الأخيرين) على خطأ والشيخ حنظلة بن جهم الجيهـمي علـى صواب (؟!) .

كتبت في 25 مارس 2010
( 86 ) : لن نبرأ من عللِ مُناخنا الثقافي العام إلاَّ بالمزيد من الترجمات عن سائر اللغات . وكما أن المُسلمين لم يُصبح لهم شأن فكري وثقافي وعلمي إلا على أساس الترجمات العديدة التي تمت في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين (وفي مُقدمتها ترجمات أعمال عديدة لأرسطو وتعليقات عمالقة مثل إبن رُشد عليها) فإننا لن نخرُج من مناخ الخُرافة والمحلية الحالي إلا بتعظيم حركة الترجمة . ومن حُسن الحظ (لمُجتمعنا) أن توضع تلك "المُهمة التاريخية" في يد رجُل مثل الدكتور / جابر عصفور بمحصوله المعرفي العارم ورؤيته الإنسانية الصافية وتوجُهاته الحضارية الراقية . أمامي عشرات الترجمات الفذة التي أشرف عليها هذا الرجل التنويري العظيم ، ومن بينها ثلاثة أعمال صعبة لتشارلز داروين (ترجمها بإبداع الدكتور / مجدي المليجي أُستاذ الطب) ... وأمامي أيضاً عمل فذ من كلاسيكيات الدراسات اليهودية (نقد العهد القديم لشازار زالمان) وعشرات العناوين ... وليس عندي أمل في أن نكسر شرنقة المحلية القرون-أوسطية المُتشحة برقائق سميكة من الخُرافة والتخلف إلاَّ بحركة ترجمة واسعة تجعل أبناء وبنات مجتمعنا ينصرفون عن كُتب هى الهوان المُجسِداً لنا ولعقلنا: وهى جل الكُتب المعروضة للبيع وداخلها ذهنية البداوة والظلام والإنغلاق ومُعاداة الإنسانية .

كتبت في 25 مارس 2010

( 87 ) : في سنة 2003 صدر لي في ولاية أوريجون الأمريكية كتاب بالإنجليزية بعنوان (الثقافات والحضارات الإنسانية) صدّرته بكلمات الملك داوود الواردة في المزمور الثاني عشر وهى: (عند إرتفاع "الأرذال" بين الناس ، "الأشرار" يتمشون في كل ناحيةٍ) . وكأن الملك داوود كان يعيش بيننا اليوم .
كتبت في 25 مارس 2010
( 88 ) : يقول "جان بول سارتر" (وما أروعه من قائلٍ) أنه لا يوجد شيء إسمه المُستَقبَل ، فالمُستَقبَل هو ما نصنعه في مطبخ اليوم . ويقول ذات العبقري – سارتر – أنه لا يليق بالمُثقف إلاَّ أن يكون "ناقداً" .

كتبت في 25 مارس 2010
( 89 ) : أكتُب هذه "الدانة" والإحصائيات أمام عينيَّ تفصح عن رسالة يرفض الدراويش المرضى بنستالجيا تقديس ماضٍ من صُنع أوهامهم التسليم بوجودها وفرط وضوحها . اليوم وتعداد المصريين يقترب من الثمانين مليوناً ، فإن عدد جرائم إغتصاب النساء تُقَدَر بنحو عشرين ألف حالة سنوياً . عندما كان عددنا نصف عددنا اليوم (أي أربعين مليوناً) لم يكُن عدد جرائم إغتصاب النساء هو عشرة آلاف جريمة سنوياً كما قد يظُن البعض وإنما أقل من ثلاثة آلاف جريمة إغتصاب سنوياً . أي ثُلث ( ? ) الوضع الحالي ... رغم أن النساء يومها لم يَكُن "مُلتَزِمات" (!!!) كما هو أمر الكثيرات اليوم . إذن ، "الإلتزام" لا يؤدي إلى "الفضائل المُجتمعية" التي يتوهمها البعض ... بل قد تكون مفردات الواقع في إتجاه مُعاكس لهذا "التوهم" . تفسيري الخاص لهذه الظاهرة ، أن إغتصاب النساء لا علاقة له بشكل لباسهن أو درجة "إلتزامهن" . وإنما الأمر نتيجة لذيوع عقلية/ذهنية أشد تخلُفاً في المُجتمع ولشيوع حالة غضب عارمة (تُعَبِر عنها أشكال شتى من أشكال الخلل) من جراء سوء إدارة الُمجتمع من قِبَل أجيال مُتتالية من العجز الإداري وإنعدام المواهب القيادية وإستشرار الفشل والفساد. إن جرائم الإغتصاب ليست "فعل إثارة من جانب الضحية" (كما يُرَدِد المُتخَلفون) وإنما هى "فعل عدوان شرس وهمجي وغاباوي وحيواني من جانب الذئب" . ولكننا أبناء وبنات "ثقافة الذئب" درجنا على تبرئة الذئاب وإلقاء كل المسئولية على عاتق الضحية !

كتبت في 25 مارس 2010
( 90 ) : يقول فولتير : "إنني على إستعدادٍ لمخالفةِ خصومي في الرأي لآخرِ نفسٍ في حياتي ، ولكنني بنفسِ القدرِ – على إستعدادٍ لفقدِ حياتي من أجل حريتهم في التعبيرِ عن آرائهم" . أما شيخُنا الأكبر فقد طالب بجلدِ بعض حملةِ الأقلام !! . أنت إذن (يا مولاهم) تدعو لجلدِ بعض حملةِ الأقلام لأنهم كتبوا ما لم يرق لك ... بينما كان ?ولتير على إستعدادٍ لملاقاةِ الموت من أجلِ حمايةِ حريةِ وحقِ خصومهِ في التعبيرِ عن آرائهم . وكأنك بذلك قد قصدتَ أن تجسدَ (أمام العالم) الفارق الأكبر بين حضارة الإنسانية التي أثمرها جهادُ أجيالٍ ضد الكهنوت ، وبين حضارتك (يا مولاهم) ، أي حضارة جلد حملة الأقلام ... وما أبأسها من حضارةٍ .
كتبت في 25 مارس 2010
( 91 ) : يقول أبو الطيب المتنبي في واحدةٍ من أشهر قصائده :
نامت نواطيرُ مصرَ عن ثعالبِها
فقد بشمن وما تفني العناقيدُ .
ومعنى البيت : أن المسئولين في مصرَ قد ناموا وغفلت عيونهم من فرط التخمة حتى أنهم تركوا الساحة للصوص ليمرحوا فيها ، ومع ذلك فإن خيراتِ مصرَ لم تنفد (نوم المسئولين كان من فرطِ ما حطه اللصوصُ في أجوافِهم !) .
كتبت في 25 مارس 2010
( 92 ) : عندما إكتسح سعدُ زغلول وحزبُه (الوفد) الإنتخابات التي أجريت تحت نظر ملك يمقت سعداً (الملك فؤاد) وتحت إشرافِ حكومةٍ تُعادي سعداً (حكومة يحيى باشا إبراهيم) وهى الإنتخابات التي سقط فيها يحيى باشا إبراهيم (وكان رئيس الحكومة ووزير الداخلية في الوزارة التي أجرت الإنتخابات !!) أخذت العزةُ بالإثمِ نفسَ الملكِ فؤاد ، فعوضاً عن أن يكتب لسعد زغلول مكلفاً إياه بتشكيل الوزارة لأنه فاز في الإنتخاباتِ العامة ، فإذا بنفس فؤاد المستبدة تجعله يكرر ما يقوله كل طاغية . ماذا قال الملكُ فؤاد في خطابِ التكليفِ ؟ قال إن إرادته إتجهت لتكليفِ سعد زغلول بتشكيل الحكومة !! (إرادته إذن وليست نتائج الإتخابات) . ولما كان سعدٌ رجلاً عظيم النفس ، فقد أبى أن يخاطبه الملك بتلك الكلمات . فماذا فعل ؟ ... يجلس سعد زغلول العظيم ويكتب للملك فؤاد رسالة تنبيء الملك بموافقة سعد على تشكيل الحكومة ويبدأ بأن يحمد – سعد زغلول – الله ، أن جعلَ إرادةَ الملك تواكب وتوافق إرادةَ الأمة التي إختارت سعداً !! ... هكذا كان الرجالُ !! .

كتبت في 25 مارس 2010
( 93 ) : أكاد أسمع صدى صوت وصدح كلمات إسماعيل باشا صدقي (1875 / 1950) وهى تأتي من القبورِ تحث الفلسطينيين بكلماتٍ قالها تحت قبة البرلمان المصري منذ أقل (بشهورٍ قليلة) من ستين سنة : (أَملي ، ألاَّ تركضوا وراء "المستحيل" ، وتهجروا : "الممكن").

كتبت في 25 مارس 2010
( 94) : يذهلنى أن كثيرين فى المجتمعات العربية لا يرون واحدة من أشد الظواهر قوة ً ووضوحا ً وهى ظاهرة إتفاق المؤسسات السياسية والدينية على ضرورة عدم تنمية العقل النقدى عند جموع المواطنين وحتمية إستمرار ذهنية الأجوبة لا ذهنية الأسئلة ... فمع إنتشار ِ العقل ِ النقدى وتحول الذهنيات ِ من عوالم ِ الأجوبة ِ الضيقة ِ إلى عوالم ِ الأسئلة ِ الرحبة ِ ؛ يأتى طوفان ُ المشاركة ِ والمسائلة والمحاسبة الذى هو آخر ما تقبل بشيوعه ِ مؤسسات ُ الإستبداد ِ والفساد ومعهما المؤسسات الدينية .

كتبت في 25 مارس 2010
( 95 ) :الصراع ُ العربي الإسرائيلي لا يصل إلى تسوية ٍ أو حل ٍ إلا من خلال طريقين : الحرب أو التفاوض . ومن أغربِ ما ي ُ ثير عجب م ُ ثقفي المجتمعات الأكثر تقدماً أن يروا المثقفين العرب يتخذون مواقفً ويكتبون آراءً تناهض إسلوب الحل السياسي أي التفاوضي . فمعظم (إن لم يكن كل) مُثقفي العالم يعتقدون أن من طبائع ِ الأمور أن يكون المثقفون في جانبِ الحل التفاوضي وليس الحل القتالي . ترى ما الذي يجعل المثقف العربي (في أغلبِ الحالات) يُمجد إسلوب القتال أو المقاومة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ويرفض بل وأحياناً يزدري إسلوب ت ن اول الصراع بالمفاوضات؟ رغم أن لدي إجابة ً (خاصة ً ) إلا أنني أؤثر الإكتفاء بطرح السؤال والدعوةِ لحوار ٍ بهذا الخصوص.
كتبت في 25 مارس 2010
( 96 ) :أمضيت الأسبوع الأخير أُطالع عشرات التقارير والدراسات والمقالات عن الجرائم التي أُرتكبت (ولا تزال تُرتكب) في حق مواطني إقليم دارفور من أصولٍ إفريقية . هناك العديد من الزوايا التي يمكن النظر منها لمأساةِ دارفور إلا أنني أختارُ هنا النظر لفظائعِ إقليم دارفور من خلال ِ سؤالا ٍ واحد ٍ : لماذا لم يكتب كاتب عربي كبير واحد ما يدل على إستنكارهِ للجرائمِ التي أُ ق ترفت من قِبل سكان دارفور من أصول عربية وكذا من قِبل الحكومة المركزية في السودان ضد أهل دارفور المنحدرين من أصول أفريقي ة؟ لماذا لا يغضب هؤلاء لأطفال ونساء ورجال دارفور من أصولٍ غير عربية كغضبتهم للفلسطنيين في غزة؟ أي ة ذهنية هذه ؟ أية إنسانية هذه ؟ وأخيراً : أي تعصب مقي ت هذا ؟
كتبت في 25 مارس 2010
(97 ) : كما أن ويليام شكسبير – كما قال وينستون تشرشل العظيم – أهم من الإمبراطورية البريطانية ؛ فإن محمود درويش (كان ولا يزال أهم من أي منظمة فلسطينية 1942 – 2008) عندما توفى العظيم محمود درويش تقاطرت مواقف التعظيم له من كبريات الجامعات وأكبر أصحاب العقول والأقلام وطالت قامة الرئيس محمود عباس بما فعل وقال في حق محمود درويش ... ولكن الموقف اجلل والجليل شهد نغمة نشاز واحدة عندما إنبرى أقزام (أشك أن بوسع أي منهم مطالعة وفهم صفحة واحدة بأي كتاب عالمي جاد) وكلهم من أزلام حماس ينهشون إسم ورسم وقيمة العظيم محمود درويش ... وهو ما أكد ما نكرره أن من (توهم) أنه وحده الذي يمثل الحق (وكل من خلط الدين بالسياسة هو من هذه الفئة) لا يمكن أن يفهم أو يقبل التعددية التي هي من أحجار الزاوية لأي ثقافة إنسانية متحضرة ... ومن لا يقبل التعددية ؛ لا يقبل تداول السلطة ؛ ومن لا يقبل تداول السلطة لا يمكن تصنيفه بين الديمقراطيين ؛ حتى لو وصل للحكم (مثل أدولف هتلر) من خلال إنتخابات ديمقراطية ... لقد كانت كلمات أزلام حماس عن محمود درويش طبقة جديدة سميكة من طبقات السخام الحماسي (راجع معنى سخام في القاموس المحيط ولسان العرب) .
كتبت في 25 مارس 2010
( 98 ) :لا شك عندي أن الأوليجاركية المالية تقود مهازلستان المعاصرة لأتون من الفوضي ... فكما قال إبن خلدون منذ قرون ؛ فإن الحاكم إذا تاجر فسد الحكم وبارت التجارة . منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي و مهازلستان تشهد واحدا من أخطر فصول تاريخها إذ تحول حكم مهازلستان خلالها من نظام حاكم فرد محاط ببطانة من عتاة البيروقراطية السياسية لنظام حاكم فرد محاط بطبقة تجار نهمة وذات محصول ثقافي ومعرفي وتاريخي بالغ الضحالة وعديمة الحس الإجتماعي ومن عتاة الفاهمين لآليات الإحتكار والإستحواذ وأخيرا فإنهم من أرباب الفساد والإفساد بأشكال ربما تكون الأكبر والأشد فساداً فى تاريخ مهازلستان الطويل (نيف وخمسين قرناً) . ولو كنت من قادة الجماعة المحظورة لصليت – يومياً - صلاة شكر لله لأن هذه الأوليجاركية قد وجدت فى هذا العهد ولأنها فعلت وتفعل ما يعبد طريق الجماعة لحلمها التاريخي . وعندما تقع الفاس فى الراس ؛ فسيكون ذلك موعد لقاء أبناء وبنات مهازلستان مع عقود من الفوضي والإنهيار ... أما أبناء وبنات الأوليجاركية المالية المهازلستانية فسيكونون أما فى سويسرا أو موناكو أو سردينيا يحيون حياة ترف بلا نظير بتمويل من أبناء وبنات مهازلستان (الغلابة) الذين بقوا لتتعلم فيهم الجماعة - غير المحظورة وقتئذ - الحكم والسياسة كتبت في 25 مارس 2010...
كتبت في 25 مارس 2010
( 99 ) :الثقافة العربية اليوم مكبلة بثلاثة قيود : القيد الأول يمثله عدد من رجال الدين الغارقين فى الرجعية والماضوية والتخلف (وهم أيضا الذين يعطون الشرعية) لنظم حكم أسوأ من السوء ... ثم القيد الثاني والذى تمثله برامج التعليم ومناهجه الغارقة فى عقلية التلقين والغارسة لقيم التخلف والحاجرة على إبداعات العقل النقدي ... ثم القيد الثالث والمتمثل فى إشكالية الثقافة العربية المعاصرة مع التقدم وعجز هذه الثقافة عن التعرف على الطبيعة الإنسانية لقيم التقدم ... وبفعل تلك القيود الثلاثة تغلف واقع مجتمعاتنا رقائق بل طبقات سميكة من الآفات أكبرها موقف ثقافتنا المخزي من الوضعية المزرية للمرأة العربية ... فالرجل العربي الكسيح والفاقد - كلية - للثقة فى الذات لا يزال يقبل بمعاملة المرأة وكأنها شر مؤكد (بل ويدين المرأة إذا تحركت غرائزه هو بشكل حيواني فيصرخ "كفنوها" بالأقمشة والبراقع لأنها تغريني !! فالضحية هى المسئولة لا الجاني الذى يعترف ضمنا بحيوانيته وبهيميته وتوحشه ... ومع ذلك يلقي بتبعة دونيته على المرأة) ... إن المثقفين العرب مطالبون اليوم بإعتبار أعداد غير قليلة من رجال الدين فى مجتمعاتهم (وهم أولئك الذين يعارضون المساواة والحقوق الكلية للمرأة) مجرد مرضي من مصلحة المجتمع حجزهم فى المصحات لعلاجهم نفسيا لا إقامة التشريعات وسن القوانين بناءاً على آرائهم المريضة والمترعة فى التخلف والظلامية والرجعية والماضوية واللا–إنسانية ...
كتبت في 25 مارس 2010
( 100 ) :كما طالعت كل كتابات الأب متي المسكين فقد طالعت السيرة التفصيلية له والتى أصدرها دير الأنبا مقار ... وكما أعجبت بمؤلفاته (وأن كانت لي تحفظات على آراء عدة له فى أكثر من مسألة من مسائل اللاهوت ) ؛ فقد أعجبت بسيرته ... أما ما تردد مؤخرا عن مصادرة السيرة التفصيلية للأب متي فإنه لم يذهلن لأنني لم أتوقف عن ملاحظة شيوع السلبيات الثقافية فى المجتمع المصري ككل : التعصب ... ضيق الصدر بالنقد ... ضآلة الإيمان بالتعددية والغيرية ... الهجرة المرضية للماضي ... تآكل هامـش الموضوعية ... ذيوع مفاهيم تستقي وجودها وتفاصيليها من ذهنية الخرافة والأسطورة ... لذلك فلم يدهشن أن يكون رد فعل بعض قادة الكنيسة تجاه الكتب التى لا تروق للبعض فى الكنيسة مشابها لردود أفعال الأزهر ... القضية قضية مجتمع يسقط الكثير من أبناءه وبناته بسرعة كبيرة فى يد الجهل والتعصب والثيوقراطية والماضوية ... للأسف الشديد .
كتبت في 25 مارس 2010
( 101 ) : دعونا نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية : فالهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان هما ما يجعلا إنسان لا تغضبه الجرائم التى إقترفت فى دارفور ويصغرويقلل من فداحة ما حدث ويحدث هناك ... والهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان هما ما يجعلا إنسان يعجب بنجاح حزب الله فى الإفراج عن سميرالقنطار - وهو ما كلف لبنان ألف قتيل لبناني وتدمير قسم كبير من بنيتها الأساسية - ولا يحفل بنجاح الرئيس الفلسطيني محمود عباس فى الإفراج (بالمفاوضات فقط) عن قرابة مئتي فلسطيني كانوا سجناء فى سجون إسرائيل ... والهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان هما ما يجعلا مصري لا يسعد بإعلان وزير الخارجية المصرية أن من سيقدم على دخول مصر (من ناحية غزة) بغير السبل القانونية سيجد ما لا يسره والهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان هما ما يجعلا أي إنسان لا يزدري ما قامت ولا تزال تقوم به منظمة حماس فى قطاع غزة من الإنقلاب الهمجي لإلقاء خصومها من الطوابق العليا للمباني لإطلاق الصواريخ العبثية التى حملت وتحمل الفلسطينين الأبرياء ما لا طاقة لبشر به لواقعة إقتحام الحدود المصرية الغوغائية لرفضها ما قبلته الحكومات الفلسطينية السابقة ... والهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان هما ما يجعل مسئول سوري يصرح - فى تقدمة برنامج وثائقي عن الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين (أعدم سنة 1966) أن سوريا ما كانت لتقبل أن تعطي إسرائيل رجلها إيلي كوهين حتى لو كانت مرتفعات الجولان هى المقابل (!!) وهو قول - فوق كونه تجسيدا لهمجية الفكر وسيكولوجية الأقنان - يتسم بالهوس ويجسد ثقافة الكلام الكبير التى هى أحد أهم معالم الثقافة العربية المعاصرة ... فمن جهة ؛ فهذا محض (كلام فارغ) إذ أن الجولان لم تكن قد إحتلت أثناء محاكمة إيلي كوهين وإبان إعدامه (!!) فقد أعدم إيلي كوهين فى دمشق قبل سنتين من ضياع الجولان ... ومن جهة أخري ؛ فكيف يكون إيلي كوهين أهم من الجولان؛ إلا إذا كنا نستمع لمتحدث مودع بعنبر المرضي الخطرين بمستشفي الأمراض العقلية ! فسوريا التى هى على إستعداد للإعتراف بإسرائيل والتعامل معها والتواجد المشترك معها فى منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن تسلم لإسرائيل رجلها إيلي كوهين حتى لو كان المقابل إعادة مرتفعات الجولان المحتلة لسوريا !!! ومن أبرز نماذج السلوك المجسد للهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان موقف بعض العرب المؤيد لغزو العراق للكويت فى صيف 1990 بل ونعته بأنه عمل وحدوي (!!!) وهل هناك وصف غير الهمجية الفكرية وسيكولوجية الأقنان (أي عبيد الأرض) لهذا الإصطفاف الإجرامي مع المعتدي ؟ ... ويمكنني ضرب عشرات بل مئات الأمثلة - من التاريخ العربي القديم والوسيط والحديث - على مواقف هى محض تجسيد لهمجية التفكير أو التفكير الهمجي ونفسية العبيد .
كتبت في 25 مارس 2010
( 102 ) : المرشد الثامن للإخوان المسلمين (فى مصر) هو من تلاميذ وشركاء سيد قطب . لذلك قال ما قاله اليوم ( 16يناير 2010) ... وكنت احلم بمرشد عام جديد يعلن ايمانه بالدولة المدنية وبأن الشعب المصري هو مصدر السيادة والتشريع وكل السلطات . كنت احلم برجل يقول عكس الآراء التى جاءت فى كتاب سيد قطب "علامات على الطريق" ، والتى استلهمها كل التكفيريين ... كنت احلم بمرشد عام جديد يعلن ان اقباط مصر ونساء مصر لهم كل الحقوق المكفولة دستوريا وقانونيا لأي ولكل مصري ... كنت احلم بمرشد عام جديد يدين فى بيانه الأول كل عمليات العنف والارهاب التى ارتكبت خلال العقود الماضية (ظلما وعدوانا) باسم الدين .... كنت احلم بمرشد عام جديد يعلن ايمانه العميق بالتعددية والغيرية وحقوق الانسان وبثقافة السلام والعيش المشترك الايجابي ، وبانسانية وعالمية الحضارة والتمدن والتقدم والعلم ... وكان من الممكن ان يعلن "بعض" هذه المباديء مرشد عام جديد من الاصلاحيين ... ولكن الإخوان المسلمين اختاروا مرشدا عاما يجيء لهذا الموقع (فى هذا الظرف المصري ، والعربي والدولي) من عباءة سيد قطب الذى بينما استنكر اعدام جمال عبدالناصر له (كل الاستنكار) الا انني اعتبره (هو وابا الأعلي المودودي) آباء العقلية التكفيرية

كتبت في 16 يناير 2010
( 103 ) : منغمس بكل عقلي وروحي ووجداني هذه الايام فى وضع اللمسات الأخيرةعلى عمل ادبي مطول ، فيه من "فن الرواية" قواسم غير قليلة ... ولكن هل "عنزة" هى رواية ؟ ... لا أعرف ، بل ومن غير المهم ان اعرف . هل هى صور ادبية تحمل فى احشائها رسائل انسانية وثقافية واجتماعية وسياسية ؟ اغلب الظن انها كذلك فى المقام الاول . انها مثل "مرايا" نجيب محفوظ ، ولكن عن انسان واحد .... "عنزة" تمثل حالة انسانية مركبة ، ولكنها اكثر من ذلك بكثير ... فهى تمثل حالة منطقة ، وحالة شعوب ، وحالة ثقافة .... "عنزة" قمة فى الانسانية فى جوانب منها ، ولكنها فى نفس الوقت شديدة الاعجاب بابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب وخالد مشعل !! وهم والانسانية ليسوا بالضرورة اصدقاء ! .... تحب الغزالي ، وهى لم تقرأ كتابا واحدا من مئات الكتب التى كتبها هذا المنسحب من الحياة والتى ساهمت افكاره فى اخراج المسلمين من مسيرة التمدن الانساني . تقول عنزة (بصدق واخلاص) انها تشعر انها "مواطنة عالمية" ، ثم تعبر عى آراء مفعمة بالقبلية وبداوة نجد التى جاء منها اسلافها . مثل معظم ابناء وبنات مجتمعها الذين يحبون "الاشياء الجاهزة" ، فان عنزة تحب ان يقرأ الآخرون الكتب والمقالات والدراسات والبحوث ، ثم "يحدثونها عنها" ! .... كريمة وبخيلة لأقصي مدي فى الحاليين ... وكثيرا ما اضحك عندما اتذكر ما قاله لي عنها انسان قريب جدا (منها) ، عندما قال انه يظن انها (وجميع اشقاءها وشقيقاتها) تتألم عندما تذهب لبيت الراحة ، اذ ان ذلك يقتضي "الاخراج" ! كل الذين دخلوا دوائرها المختلفة - عدا الدائرة الاقرب لذاتها - داموا فى حياتها .... وكل الذين دخلوا الدائرة الاقرب لذاتها ، خرجوا ولم يرجع (ولن يرجع) منهم احد ! .... فى الكتاب فصل عن عنادها الذى هو صورة من عناد نوق نجد .... وفى الكتاب ايضا فصل عن اسباب رضاها عن بعض الاشخاص، وهو يكاد يكون درسا فى سوسيولوجيا بدو الصحاري العربية .... طفولتها والتربية التى جردتها من الكثير من المشاعر ومن كل قدرة عن التعبير عنها نالت اطول الفصول . عنوان هذا الفصل الطويل هو (زوجك هو زوجك حتى عتبة بيتك فقط) !!!! شخصية الرجل الذى تحمل اسمه فى المجتمع(زوجها ، صاحب السمو) وصفت فى ثلاثين صفحة لكونها احد اغرب التكوينات السيكولوجية على مستوي البشرية (!!) بكل ما يحمله او يمكن ان يحمله الوصف من معان . وفى الكتاب فصل شبه كوميدي بعنوان "كيفي !! " (أي "كما أحب") ..... لقد كتبت معظم ما اريد كتابته عن عنزة .... كتبت اكثر من 300 صفحة.... وخلال اسابيع سيكون هذا العمل الأدبي (عنزة) جاهزا للنشر
كتبت في 16 يناير 2010
( 104 ) : لا اعرف كيف يمكن لانسان عصري التعليم والثقافة ان يقبل ان "حماس" اكثر "مقاومة" من رجل كأنور السادت .... ؟ ولا اعرف كيف لانسان ذي تكوين معرفي عصري ان يؤمن ان "حزب الله" ظاهرة صحية داخل الفسيفساء اللبنانية .... ؟ وما هى انجازات حزب الله وانجازات حماس خلال العقدين الأخيرين ؟ واقصد اجازات غير كلامية (فكلاهما فى اودية الكلام الأول دون منازع) .... وكيف يمكن لانسان متوازن الا يري الطموح المخرب لايران التى تقف وراء حزب الله وحماس والحوثيين وكثير من جرائم العنف والتمزيق فى العراق ؟ وكيف يمكن لأي انسان سوي ان يري اية ميزة او شيء ايجابي فى شخص مثل احمدي نجاد ؟ ... وكيف لأي انسان منصف ان يري ان "هنية" و " الزهار "هما اكثر كفاءة من "سلام فياض" ؟!!! وكيف لأي انسان سوي ان ينكر حق الأكراد فى الإنعتاق من قهر ثقافي مفروض عليهم فى ايران والعراق وسوريا وتركيا ؟ وكيف لسوي الا يتعاطف مع شيعة السعودية واقباط مصر وابناء وبنات الجنوب السوداني ودارفور ؟

كتبت في 16 يناير 2010
( 105 ) : يوصف كثيرين فى المجتمعات الناطقة بالعربية بالمثقفين الكبار . وكاتب هذه السطور صاغ تعريفا لمن ينبغي ان يطلق عليه (بين المتحدثين بالعربية) بالمثقف الكبير ... ووفق هذا التعريف فانه يستحق ان يوصف بالمثقف الكبير بين الناطقين بالعربية من أحاط (احاطة متوازنة) بروائع الإبداع الإنساني فى شتي مجالات العلوم الاجتماعية والانسانيات منذ اقدم الازمنة المدونة وحتى اللحظة الراهنة . ويعني ذلك (عمليا) الاحاطة الواسعة بكلاسيكيات الابداع الاغريقية والرومانية واهم المؤلفات بالعربية وبالذات خلال القرون الثلاثة بدءا من القرن التاسع الميلادي ، وابداعات عصر النهضة ومرحلة ما قبل الثورة الفرنسية وكلاسيكيات الفلسفة والفكر السياسي والاجتماعي والادب فى اوروبا خلال القرون الخمسة الاخيرة ... وروائع الفكر المعاصر ، والعلوم الاجتماعية المستحدثة خلال القرن الاخير ، واهمها علم النفس وعلوم الموارد البشرية وعلوم الادارة الحديثة وعلوم الاتصالات . ونظرا لان هذه الثمار غير مترجمة للعربية (كما هى مترجمة لليابانية) ، فان اى عربي لا يقرأ بشكل اساس بلغة اوروبية رئيسة(وان كان طالع خمسين الف كتاب ، وحصل على اعلي الدرجات الاكاديمية) فانه لا يمكن ان يوصف بالمثقف العصري الكبير ... امام قاريء هذه الكلمات اما ان يرفض التعريف الذى صاغه كاتب هذه السطور ، وهذا حقه (ويقابله التزام بنحت تعريف بديل يطرحه للنقاش) ... واما ان يقبل هذا التعريف . فاذا قبل القاريء هذا التعريف ، اصبح من الواجب عليه ان "ينظر حوله" ، ويعرض كل من يعرف ، وكذا كل الشخصيات العامة على هذا التعريف ، ثم يسأل نفسه : " كم شخص من هؤلاء يمكن بهذا المعيار ان يوصف بانه مثقف عصري كبير ؟ " ... واذا لم يجد احد ، فارجو الا ينزعج ! فهى نتيجة طبيعية فى مجتمعات مساهماتها "صفر" فى مسيرة العلوم الطبية والهندسية والفزيائية والكيمائية ومجالات الفضاء وعلوم الاتصالات والمواصلات والاليكترونيات .... بل انها قد تكون "الشيء المنطقي الوحيد " فى مجتمعاتنا !!!! لندن فى 16 يناير 2010
كتبت في 16 يناير 2010
(106 ) : فى حركة أذهلت العالم ، أعلن ملك السعودية الإصلاحي أمس ما إعتبره المراقبون بمثابة زلزال سياسي بقوة 10 رختر ... فقد ظهر العاهل السعودي "محب الإصلاح" على شاشة التلفزيون وهو يعلن برنامجه المذهل : (1) سيتم خلال العام الجاري تحويل السعودية لمملكة دستورية ، وسيعتمد دستور وضعي يستلهم أرقي النصوص الدستورية التى تترجم جهاد البشرية منذ عصر التنويريين العظام أمثال جان جاك روسو وفولتير وديدرو ، كما سيتم اصدار تقنينات مدنية وجنائية وتجارية واجرائية على اساس من احدث منجزات القانون الفرنسي والأمريكي ، كما سيتم إيفاد مئات القضاة لفرنسا لتأهيلهم للمرحلة الجديدة (2) سيصدر الملك خلال العام الجاري "إعلان حقوق الإنسان والمواطن فى السعودية " والذى سيقوم على أحدث مباديء حقوق الإنسان المعاصرة (3) سيسمح خلال العام الجاري لكل غير المسلمين السنة ببناء دور عبادة لهم ، ولن يستثني اليهود من هذا الحق (4) سيصدر الملك خلال العام الجاري "قانون حقوق المرأة" والذى سيلغي كل اشكال التفرقة بين حقوق المرأة وحقوق الرجل ، بما فى ذلك كفالة شغل النساء لكافة المناصب وحرية السفر ... الخ (5) الغاء الفصل بين الجنسين فى المدارس والجامعات وسائر المؤسسات التعليمية (6) الغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لهلامية مهامها وضحالة رجالها، والحاق موظفيها بوزارة الداخلية بعد التأهيل والعلاج اللازمين (7) تغيير علم المملكة بحيث لا يحتوي مستقبلا لا على سيف ولا على اي آلة قتل من أي نوع (8) تشجيع المواطنين الرجال على ارتداء ملابس عصرية (9) عدم الزام النساء باي زي معين (10) تشكيل لجنة وطنية لإختيار اسم جديد للمملكة لا يشير من قريب او من بعيد لإسم عائلة معينة كما هو الحال الآن (11) تشكيل لجنة وطنية للتمهيد لتغييرات جذرية فى النظام التعليمي فى المملكة وهو النظام الذى اعلن العاهل السعودي انه سيقوم على اسس تحديثية شاملة فى كل المجالات وعلى اساس منظومة قيمية تعلي قيمة الحياة الإنسانية وتؤصل الإيمان بالتعددية واحترام الغيرية وقبول الآخر والإيمان بعالمية وانسانية المعلم والمعرفة وثقافة السلام والعيش الإيجابي المشترك وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والدور المحوري للعقل النقدي ، وترسيخ الإيمان بنسبية المعرفة والأحكام والآراء الإنسانية ، وتحقيق توازن بين الإهتمام بالماضي والإهتمام بالمستقبل ... وقد تأثر البشر فى العالم كله بعيون الملك التى اغرورقت بدموع التأثر وهو يكرر كلمات الشاعر الفرنسي بول إيلوار عن جرائم البشرية فى حق النساء والتى لا يكفي أن يقف الرجال يعتذرون عنها لمدة خمسين ألف سنة ! (12) تشكيل اللجنة الوطنية لمحاربة كافة أشكال التعصب والعنف والإرهاب .... كتبت هذه "الأحلام" بحانة الملوك بشارع الملك بعاصمة الضباب (لندن) والثلوج تهطل بكثافة ليلة 12/13 يناير (كانون الثاني ) 2010
كتبت في 13 يناير 2010


( 107 ) : ابن تيمية (الذى قرأت جل ما كتب ، وبالذات كتاباته الفقهيه وفتاويه ) هو حجر الأساس لبنيان قلعة التعصب وعدم المرونة وضيق الأفق والتشدد والإساءة للمرأة والإساءة لغير المسلمين فى التاريخ الإسلامي . وهو الأول فى سلسلة من أكبر حلقاتها أشهرالوهابيين (محمد بن عبد الوهاب شريك السعوديين فى تأسيس الدولة السعودية الأولي فى 1744) ومحمد رشيد رضا (الرجل الذى أعتقد أنه كان الواسطة بين الحركة الوهابية وحسن البنا ، وهو فى اعتقادي الذى دفعه لتكوين جماعة الإخوان المسلمين فى مدينة الإسماعيلية فى 1928) ... وكذلك الهندي / الباكستاني المعروف بأبي الأعلي المودودي ، وسيد قطب . من النحية الفقهية ، فإن ابن تيمية فقيه هامشي صغير . فمن العبث مقارنته بابي حنيفة . وهو لا يعدو ان يكون (من زاوية علم اصول الفقه) مجرد واحد من الفقهاء الحنابلة ، وحتى امامهم (احمد بن حنبل) فهو اضعف الفقهاء السنة الكبار وأقلهم اعمالا للعقل (القياس ، والإستحسان عند الأحناف ، والمصالح المرسلة عند المالكية) . وكلما تذكرت تعريف أبي حنيفة للإستحسان (الذى يعتبره الأحناف بمثابة مصدر للتشريع أو بلغة عصر أبي حنيفة "استخلاص الآحكام العملية من ادلتها الشرعية" ) كلما احنيت رأسي احتراما لهذا الفقيه الأعظم الذى سوغ رفض تأسيس الأحكام على الأحاديث المسماة بأخبار الأحاد ... (وبناءا على ذلك يحق للمسلم رفض الحديث الذى هو حجر الأساس لحجاب المرأة). عرف أبو حنيفة الإستحسان بأنه (العدول عن قياس جلي لقياس خفي ، لعلة رجحت ) .... وهو منطق يرفع من قيمة العقل بشكل لا مثيل له عند أي فقيه سني آخر . أتذكر ابن تيمية كلما اشتكي مسلمون عقلاء من تراجع الاسلام المعتدل واستفحال الفهم الوهابي للإسلام ، وهو الفهم الذى افرز آلاف القتلة (باسم الدين) ، كما أنه الفهم الذى افرز طالبان والأفغان العرب والقاعدة وكل جماعات العنف التى شوهت سمعة الاسلام والمسلمين فى عالم اليوم

كتبت في 11 يناير 2010
(108 ) : جمعني لقاء بالقاهرة منذ شهور بالرجل الأول فى أكبر جهاز للإحصاء فى الشرق الأوسط . وجدته قارئا متابعا لجل ما أكتب ، وهو ما شجعني على الإتصال به فى اليوم التالي لأسأله : هل بوسع جهازكم أن يعطيني عدد المصريين الذين يحملون إسم "عبد الجبار" كإسم أول أو كاسم عائلي . فوجئت برده الفوري : " بعد أقل من ساعة سأتصل بك ومعي الإجابة عن سؤالك " ! بعد أقل من ساعة إتصل بي الرجل المشهور فى مصر ليخبرني انه لا يوجد بين الملايين المصريين الثمانين شخص واحد اسمه الأول او اسمه العائلي "عبد الجبار" ... ثم أضاف : لدينا آلاف يحملون اسماء مثل عبداللطيف و عبدالستار وعبدالرحيم وعبدالغني ... ولكن ليس لدينا "عبدالجبار" واحد ! قلت (وأنا لا اشعر بسرعة ردي) : "الحمد لله انه لا يوجد بمصر كلها وبملايينها الثمانين أي "عبد الجبار" ... شجعتني رغبته فى الاجابة عن أي سؤال احصائي ان اساله : " هل لدينا اي مصري اسمه فاتك او ضاري وحش او حرب او مصعب او متعب او صدام او جهمان او جهم او نكد ؟ " طلب مني مهلة قصيرة ، عاد بعدها ليخبرني ان ملايين مصر الثمانين ليس بينهم من يحمل أي من هذه السماء باستثناء بعض المصريين الذين ولدوا فى العراق وسماهم والداهم بصدام ، كما ان هناك متعب واحد كاسم عائلي لاسرة نزحت من الجزيرة العربية منذ قرنين ! ... قلت لنفسي : يا الله ، الرسالة والمعني والمغزي اوضح من سماء صيف مصرية ... هل اكتفيت ؟ لا ... لم أكتف ، فقد عدت للرجل الكبير باسماء نسائية مثل شمة والعنود وعفراء وغيرها . فى اليوم التالي جاءني القول الفصل : " لاتوجد مصرية واحدة بأي من هذه الاسماء " ... مرة اخري هتفت : "شكرا يا مصر ويا علم الاجتماع " ... فالدلالة واضحة ورائعة ومفخرة لهذا الوطن الذى قال عنه نابليون " مصر ليست بلد ... مصر هى البلد" ..

كتبت في 11 يناير 2010
(109) : رغم التخريب الإيراني (وتخريب العرائس التى تحركها إيران - الخامينئي ، أي سوريا وحزب الله وحماس والجيوب الإيرانية الجديدة فى اليمن) ورغم مدرسة المقاومة الزائفة (فكل ما يقومون به هو إما "إفرازات صوتية زاعقة " أي "محض كلام" ، وإما "عنف ضد مدنيين " والتسبب فى كوارث لمدنيين فى جانبهم ) ... ورغم أوهام بعض "المسلطتنين" بالخلافة ، وإعادة "مجد الأمة" ... ورغم عصاب بقايا اليسار الذى سقطت كل قلاعه ، برغم ذلك ، فلن ينقضي العقد الحالي إلا وحل الدولتين (دولة فلسطينية للعرب ، ودولة إسرائيل لليهود ) قد أصبح واقعا حيا ملموسا ومعاشا . وسيحدث هذا ، لا بفعل المقاومة أو الحديث عن الحقوق ، وإنما لأن حدوث ذلك هو النتيجة الحتمية لصراع الحقوق (كما يراها أصحابها) ، وموازيين القوي ، ومصالح القوي الكبري . وعندما تقوم دولة فلسطين (على معظم الأرض التى أحتلت فى يونيو/حزيران 1967) فإن الإنسانية الأكثر تقدما ستكون مطالبة بحض كل أطراف الصراع العربي / الإسرائيلي للقيام بثورة تعليمية ، تكون معها المؤسسات التعليمية والبرامج التعليمية مفارخا لقيم التمدن الإنساني ، مثل : تقديس قيمة الحياة الإنسانية ، وتمجيد الإنسانية كإطار أعلي لكل البشر ، والولع بالتعدية (بشتي تجلياتها) :احد أجمل سمات الحياة ، والإيمان العميق بحتمية وإنسانية الإختلاف والغيرية (بشتي تجلياتها ، العرقية والفكرية والدينية ) ، وكذلك فرز أجيال جديدة تؤمن وتتماهي مع عالمية المعرفة والعلم ، وتؤمن بالتواجد (والتفاعل) الإنساني المشترك وبثقافة السلام وبالتكامل والعمل الجماعي وتقنيات وآليات علوم الإدارة الحديثو التسويق والموارد البشرية الحديثة. وحتى لو وقعت ألف إتفاقية سلام وتسوية ، فبدون الثورة التعليمية التى سلطت الضوء عليها ، ستبقي منطقة الشرق الأوسط مصدر هموم وقلاقل وعنف وتدمير لسائر البشرية
كتبت في 11 يناير 2010
( 110 ) : قال لي صديق لبناني (هو استاذ للفلسفة بجامعة صغيرة اسمها جامعة أوكسفورد ! ) أنه مذهول من أن معظم اللبنانيين لا يقولون علنا ، ما يقوله معظم اللبنانيين داخل الغرف المطلقة حين يرددون أن كل هجمات إسرائيل على لبنان خلال العقود الثلاثة الأخيرة كانت فى إطار "تعاملات إسرائيلية - فلسطينية" أو فى إطار "تعاملات إسرائيلية - سورية " أو فى إطار "تعاملات إسرائيلية - إيرانية" .... لماذا لا يعلن اللبنانيون كراهيتهم للكل معا : الإسرائيلي والفلسطيني (الذى يجلب حسن الطالع معه أينما توجه) والإيراني ووكيل الإيراني ؟؟؟ أم أن نضج العقول العربية لم يبلغ بعد مرحلة رؤية وقول ذلك ؟
لندن : 11 يناير 2010
كتبت في 11 يناير 2010
(111) : كتبت منذ سنتين أقول أن تصرفات القيادة الإيرانية تشبه من يقف و يصرخ بأعلى صوته : "يا من تريدون ضربي هاأنذا أعد المسرح لكم لتوجيه الضربة لإيران و لمقدراتها و لمؤسستها العسكرية". و يبدو أن المرشد الأعلى بمباركته لإعادة إنتخاب أحمدي نجاد قد أراد لهذا المشهد التراجيدي أن يكتمل. و بينما يستبعد معظم المراقبين توجيه ضربة عسكرية لإيران، فإن كاتب هذه السطور يظن (على أساس من الحسابات العقلية البحتة للمشهد العام للشرق الأوسط) أن الضربة (أي الضربة العسكرية لإيران) آتية ليس فقط خلال العام الجديد (2010) بل و أغلب الظن قبل أن ينتصف هذا العام.

كتبت في 18 ديسمبر 2009
( 112 ) : الدكتور نصر حامد أبو زيد (باعتراف كبريات الجامعات العالمية و من ضمنها جامعة أوتريخت الهولندية العريقة التي هو أستاذ بها) هو واحد من أكبر الأكاديميين المتخصصين في الدراسات الإسلامية في عالمنا اليوم. و من حق كل إنسان أن يقبل بنظريات هذا الأكاديمي الكبير أو أن يرفضها جملةً و تفصيلاً ، أو أن يكون بين بين، أي يقبل و يرفض. و لكن أن يصل الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى الكويت يوم 15 ديسمبر 2009 وتقوم الساطات الكويتية ممثلة في أمن الدولة بمنعه من دخول الكويت و ترحيله إلى القاهرة إنما هو أمر بالغ الدلالات السلبية. السلطات الكويتية بدلاً من منحه تأشيرة دخول الكويت كان يمكن أن ترفض منحه التأشيرة (رغم كونه عملاً شائناً). و لكن عوضاً عن ذلك عاملته السلطات الكويتية أسوأ المعاملة حين ألغت عشر ساعات من حياته، بل ملأتها بالإهانات و الإساءات. لقد انتهى عهد المنع السياسي و المصادرات إلا المنع بالقانون و القضاء. إن ما فعلته السلطات الكويتية هو قرار يهين و يدين و يشين من أصصدروه ومن حضوا عليه. ولا يملك المرء إلا أن يتساءل : ما هو ذلك الشىء الذي تخاف عليه الساطات الكويتية و تظن أن محاضرة واحدة للدكتور نصر حامد أبو زيد سوف تهدمه و تحطمه؟ هل الخصوصيات الثقافية التي يظن التصرف المعيب للسلطات الكويتية أنه يحميها هي خصائص ضعيفة و واهنة و بلا جذور لدرجة أن محاضرة واحدة من الدكتور نصر حامد أبو زيد سوف تقضي عليها و تمحوها؟ لقد شعر مثقفون كويتيون كثيرون بالعار من هذا التصرف و هم محقون. و قد قام هؤلاء المثقفون الكويتيون بعمل ما يلزم من ترتيبات مكنت الدكتور نصر حامد أبو زيد من إلقاء محاضرته القيمة عبر التليفون للجمهور الذي كان من المفروض أن يحضر المحاضرة و بالفعل قام الدكتور نصر بإلقاء محاضرته و لم يكن للتصرف الكويتي الرسمي الممجوج من أثر إلا الشعور المهين الذي حاولوا أن يلحقوه بالدكتور نصر فحاق بهم هم. إن كل من يعرف الشأن الكويتي يعلم لماذا قامت الساطات بهذا السلوك المعيب. و أعني مغازلة التيار الأصولي في مجلس الأمة و هو تيار يصر على تدمير الدولة المدنية في الكويت و الرجوع بها للظلام الدامس للقرون الوسطى.
كتبت في 18 ديسمبر 2009
( 113) : منذ أقل من سنة كان بعض العقلاء يقولون أن ما كانت الجماعات الفلسطينية المقاتلة تفعله من إطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية كان غلطة كبري. و بصرف النظر عن صواب أو عدم صواب هذا الرأي ، فإن الشواهد اليوم تدل على ما يلي: كانت حماس و الفصائل يطلقون الصواريخ على أراض إسرائيلية، و لم يقبلوا بالنصح المسدى من البعض بأن عواقب ذلك خطيرة. بعد ذلك قامت إسرائيل في ديسمبر 2008 بحملتها على غزة. و خلال معظم الشهور الماضية (أي بعد الحملة على غزة) إلتزمت حماس و الفصائل بعدم إطلاق و لو صاروخ واحد على إسرائيل. و يبقى السؤال: لماذا لم تستمع حماس و الفصائل للناصحين العرب بعدم إطلاق الصواريخ على أهداف إسرائيلية قبل عملية الهجوم على غزة؟ و هل كان من اللازم أن يقع ما وقع لكي تعقل حماس و الفصائل حقائق موازين القوى؟ و لماذا لا يتعلم أحد من هذا الخطأ الجسيم في الحسابات و ما أدى إليه من إزهاق أكثر من ألف روح إنسانية و تدمير معظم البنية الأساسية في قطاع غزة؟ و هل يمكن غفران ذنب أولئك الذين أصروا على إطلاق الصواريخ ثم توقفوا بسبب هول الضربة الإسرائيلئة؟

كتبت في 18 ديسمبر 2009
( 114 ) : ليس من مبادىء إقتصاد السوق أن يتولى التجار و رجال الأعمال أعلى المناصب التنفيذية أي مناصب الوزراء. بل إن ذلك هو تدمير لكثير من مبادىء إقتصاد السوق و علوم الإدارة الحديثة و قواعد الشفافية و مبادىء عدم تعارض المصالح . فبينما ينبغي على المجتمع إتاحة أفضل الفرص الإستثمارية و شروط العمل و بيئة العمل أمام رجال الأعمال ليساهموا في تحقيق الوفرة الإقتصادية الحتمية للسلام الإجتماعي ، فإن على المجتمع أن يعهد بالمسؤلية التنفيذية لكادر بشري آخر يكون الرقيب على طبقة رجال الأعمال و الساهر على عدم إختلاط المصالح و التيقن من سلامة السياسات و الإجراءات و شفافيتهما. و من المعروف لكل خبير في علوم الإدارة الحديثة أن أعظم رجال الأعمال لا يمكن أن يكون مؤهلاً للمنصب الوزاري، إذ أن كل مؤهلاته تتعلق بالربحية ليس إلا. و إذا كانت الربحية هي يضاً من أهداف الوزراء، إلا إنها ليست إلا مجرد هدف واحد من أهداف عديدة تتعلق بسلامة المجتمع سياسياً و اقتصادياً و اجتماعياً و من نافلة القول أن أكرر أن ظروف حياة أي رجل أعمال في الكون تجعل الإحتمال الأكبر (و ليس المحتم) أن يتضائل عنده الشعور بالطبقات الأدنى في المجتمع و معاناتها و مشكلاتها. و لا ينقض ذلك القول وجود رجل مثل بيل جيتس، فليس كل و لا نصف و لا ربع و لا عشر رجال الأعمال في العالم كله مثل بيل جيتس. لقد سمعت بأذني من عشرات الوزراء الذين أتوا من عالم رجال الأعمال ذات الكلمات : "إن المصريين كسالى و لا يحبون العمل و يعرفون الحقوق و لا يعرفون الواجبات". و الذي لا يعرفه هؤلاء أنه حتى (بالفرض الجدلي) لو كان ما يقولونه صحيحاً، فإن الحكومات المتعاقبة هي المسؤلة عن وصول الناس لتلك الحالة السلبية. و أضيف أن معظم رجال الأعمال في مجتمعنا يرون أن من الواجب إلغاء الدعم و مجانبة التعليم و ضرورة أن يسدد الناس الثمن الحقيقي لكل السلع و الخدمات. و هي مقولة قد تكون صحيحة بشكل نظري. و لكن في واقعنا المصري هي مقولة تعبر عن إجرام و توحش المؤمن بها. فالمصريون خضعوا لعقد إجتماعي في الستينيات لا يمكن تفكيكه على حسابهم. و في إعتقادي أن تفكيك هذا العقد الإجتماعي الستينياتي يجب أن يبدأ بتوفير ملايين فرص العمل لأبناء و بنات مصر و بمرتبات تناسب مستويات الأسعار قبل أن نبدأ في الحديث عن تسديد مصاريف للتعليم و تعديل في قوانين الإيجارات و إلغاء للدعم. و لما كانت حكومات مصر (ومنها الحكومة الحالية المحتشدة بالتجار ) قد فشلت فشلاً ذريعاً (بسبب البيروقراطية و لفساد و مركزية القرار وضعف التكوين المعرفي والثقافي والإداري لمعظم الوزراء المصريين) في جلب استثمارات عالمية بالحد الأدنى المطلوب (ما لا يقل عن 25 مليار دولار أمريكي سنوياً) فإن عليها أن تغلق فمها و تسكت هي و وزراءها الأثرياء عن الحديث عن إلغاء الدعم و الأسعار الحقيقية للسلع و الخدمات.
كتبت في 18 ديسمبر 2009
(115) : الدكتور محمد البرادعي مارس آليات الإدارة الحديثة على نطاق واسع وعلى أعلى مستويات لأكثر من عشر سنوات... و كان الدكتور البرادعي في نفس الوقت منغمساً في أعمال على أعلى مستوى من المنظور الإستراتيجي... و الرجل حاصل على أعلى شهادة في الكون في القانون الدولي... كما أنه أحد المصريين الأربعة الذين منحوا جائزة نوبل (مع السادات و نجيب محفوظ و أحمد زويل). و منذ فترة وجيزة إستقبله رئيس الجمهورية و منحه أعلى وسام مصري (قلادة النيل) و التي تفرض على الدولة عند وفاة الممنوحة الجائزة له أن يوضع جثمانه على عربة مدفع و تشييع جنازته عسكرياً. كل ذلك لم يشفع لإبن مصر المتألق الدكتور محمد البرادعي عند رجال هم من أصحاب المراكز الكبيرة و لكنهم في ذات الوقت من أصحاب العقول و النفوس الصغيرة لأبعد حدود الصغار. فعندما انتشرت أخبار عن إحتمال أن يرشح الدكتور محمد البرادعي نفسه لمنصب رئيس الجمهورية في الإنتخابات المنتظرة في شهر أكتوبر 2011 ، إنهال عليه هؤلاء الصغار بالقدح و المعايرة و التجريح. و من المضحك المبكي أن يُتهم الرجل بأنه غير مؤهل. و لا شك أن أية مقارنة بين الكتور البرادعي وأي حاكم مصري (خلال المائة سنة الأخيرة) بحالته التى كان عليها يوم وصوله لموقع القيادة ستكون نتيجتها لصالح الدكتور البرادعي الذي لا شك عندي أنه (بالمقارنة بهؤلاء في تلك التواريخ) هو الأكثر علماً و ثقافةً و تجربةً و خبرةً و قدرات إدارية. و لا شك عندي أيضاً أنه أفضل من أي شخص قد ترشحه الأحزاب المصرية فى سنة 2011 لمنصب الرئاسة بعد سنتين. و بحكم خبرتي الإدارية من موقع قيادة عالمية، فإن بوسعي أن أجزم أن كل من تصدر بالهجوم على الدكتور البرادعي و تجريحه ليس فقط مخطئاً و إنما بشكل مطلق غير مؤهل للحكم على الدكتور البرادعي و لا يوجد بينهم من يعرف "ألف باء" علوم الإدارة الحديثة و آلياتها التي يجب توفرها في منصب دولي و إداري رفيع كالذي شغله الدكتور البرادعي لفترتين مدة كل منها ست سنوات. لقد جعل هؤلاء الذين تسابقوا في الهجوم على الدكتور البرادعي أنفسهم أضحوكة معظم المصريين و العالم. فقد انطلقوا في وقتٍ واحد و بروح سوداء واحدة يجرحون تلك الشخصية التي افتخرت بها مصر منذ وقت غير بعيد و منحته أعلى وسام من أوسمتها. و الحق أقول أنها فضيحة مدوية و عار مزري في حق تلك الجوقة من أصحاب النفوس الصغيرة و بنفس القدر أولئك الذين أطلقوهم على الدكتور البرادعي، فما زاده الهجوم والتجريح إلا محبة من الناس و تقديراً .
كتبت في 18 ديسمبر 2009
(116 ) : من أكثر ما يضحكني أن أسمع من يردد أن الثقافة العربية و الإسلامية أنصفت بل و أكرمت المرأة. فالثقافة العربية الإسلامية توقفت في نظرها المرأة تاريخياً عند القرن السابع و جغرافياً عند الصحراء العربية التي تشيع فيها سوسيولوجيا البدو الرحل. مجتمعاتنا لا تزال بعيدة عن أن تغرس في عقول و ضمائر و نفوس أبنائها و نسائها أن المرأة هي (على الأقل) مساوية للرجل. إن مليون رجل عادي لا يعادلون إمرأة متميزة مثل مدام كورى ، أول إنسان حصل على جائزة نوبل في العلوم لأكثر من مرة. إن الدراسات العلمية المعاصرة تتحدث عن الكثير من الفوارق البيولوجية، و كلها فوارق لصالح المرأة. طالعت منذ أيام دراسة طبية أصدرتها واحدة من أهم المعاهد الطبية فى العالم عن معدلات التخلف العقلي بين الرجال و النساء و هي معدلات تبلغ عند الرجل ضعفها عند المرأة. لقد كنت و لا أزال أحلم ببرامج تعليم تقول لأبناء و بنات المجتمع أن المرأة هي نصف المجتمع من الناحية العددية فقط أما من ناحية القيمة فهي أكثر بكثير، إذ أنها أم النصف الآخر. و من أكثر ما يثير غضبي أن يؤمن إنسان بارتفاع مكانة الرجل عن المرأة رغم ما يعنيه ذلك القول (السخيف والغبي والرجعي والنابع من رحم ضعف ثقة القائل به فى نفسه) في حق أمه و زوجته و أخته و إبنته.

كتبت في 18 ديسمبر 2009
( 117 ) : الدكتور محمد عمارة شديد الإصرار على تخريب العلاقة بين مسيحيي مصر و مسلميها. فقد أصدر مؤخراً كتاباً يحمل من السموم ما لا يمكن القبول به أو السكوت عنه. و قد أحسنت الدولة عندما رفعت هذا الكتاب من التداول لا سيما وأنه من إصدارات الأزهر. كيف يسمح الأزهر بنشر كتاب مسموم كهذا؟ و كيف تفتح الأهرام صفحاتها لكاتب يصر على تفجير النسيج الإجتماعي المصري؟ و ما هي قيمة المادة التي يكتبها في الأهرام هو و زميله (في ترويج فكر الظلام) الدكتور زغلول النجار الذي يكتب مادة لا علاقة لها بالفكر أو العلم.

كتب يوم 18 ديسمبر 2009
(118) : ذكرني صديق كنت أحرر معه سنة 1971 مجلة أدبية - ثقافية (الربابة) كانت تصدر عن نادي الثقافة العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بست شعراء كنا معاً نتغني بأشعارهم وهم ناظم حكمت وبابلو نيرودا وأراغون وغارسيا لوركا ومايا كوفيسكي وبول إيلوار . هؤلاء الشعراء كانوا رفاق سنوات من حياتنا ابان حقبة لم تكن دنيا منطقتنا خلالها قد تلونت بالوان الثيوقراطية-الماضوية التى تفشت فى مجتمعاتنا فأصبح الناس يقرأون فتاوي مفكر تنويري عظيم (!) مثل إبن باز ومفكرين (عمالقة !) مثل سيد قطب والسيد سابق والعثيمين ومتولي الشعراوي ومحمد الغزالي والقرضاوي ومحمد عمارة والعالم العلامة والبحر الفهامة عمرو خالد ... بينما كنا نحن منذ أربعين سنة من الضالين اذ كنا نضيع وقتنا وجهدنا مع ألبير كامو وجان بول سارتر ومارتن هايدغر وغابريل مارسيل وبرتراند رسل وجون ديوي ووليام جيمس وآلتوسير وهربرت ماركوزا وجان جينيه وفريدريش ديرنمات وماكس فريش وبول إيلوار وصمويل بيكيت ويوجين يونيسكو وجون شتاينبيك .... وعشرات غيرهم ممن لا تبلغ قامة أي منهم عشر قامة أي من أفذاذ زمانهم مثل العبيكان (وما أدراك ما العبيكان) والنجيمي وسائر العمالقة الذين يستحي أرسطوطاليس أو سبينوزا أو جان جاك روسو أو فولتير أو ديدرو أو عمانوئيل كانط أو هوبز أو لوك أن يقارنوا أنفسهم بأي منهم ... تري هل حسر موجة الماضوية ووقف مسيرة الهجرة لماضي لم يوجد ببهائه ومجده المتخيلين إلا فى أوهام بعضنا ، ناهيك عن إمعان البعض فى النأي بعقول أبناء وبنات مجتمعاتنا عن مسيرة الحداثة والرعب الهستيري من العصرنة - هل هذا قابل للإحداث ؟ أم أن المسيرة الماضوية (بالغة الاستنارة ! ) ستتواصل وأن الشقة بيننا وبين مسيرة الإنسانية سوف تتفاقم ، وأننا سنواصل مسارنا صوب حرب كونية بين فريقين : فريق الماضوية والماضويين وملاك الحقيقة المطلقة وحدهم دون سواهم ، وفريق الحداثة والتقدم والعلم والأنسنة ؟ ... يقينا " لست أدري " .

كتبت في 2 سبتمبر 2009

( 119 ) : فاضل إيه تاني ؟ تفوه بها صديق تعليقا على فتوي لرجل دين السعودي بحرمة البوفيه المفتوح (!!!!) ... ثم نظر هذا الصديق صوبي وسألني : "ماذا تبقي ؟" وكان جوابي كالتالي : تبقي أن علي كل عاقل أن يرفض أن يكون هؤلاء البسطاء انصاف المتعلمين واصحاب المحصول المعرفي والثقافي المتواضع بمثابة مرجعية بالنسبة له . العيب ليس عيب هؤلاء الذين نصبوا انفسهم دعاة ومراجعا (فهم ثمرة ظروف اجتماعية واقتصادية وتعليمية وثقافية جد متواضعة) ، وإنما عيب النظام السياسي والمجتمعي والثقافي والتعليمي الذى يجعل منهم مرجعية . بإختصار مالم تكن مرجعيتنا الوحيدة هى العلم (العلم فقط) فسوف نصبح قريبا محمية أنثروبولوجية يحيطها العالم المتحضر بسور ويقوم بدراستها ككائنات أحفورية (حفريات) ... حقيقي أن الجرثومة جائتنا من ترابستان ، ولكن مسئوليتنا لا تنكر ، فمعظم الناس من حولنا تآكلت عقولهم وصاروا مضحكة العالم المتمدن. و بدون توفر إرادة سياسية لوقف هذا الطوفان من مضادة العلم والتقدم وسلطان العقل. وأكرر اننا فى طريقنا لأن نصبح بؤر معزولة سيحيطها العالم المتمدن بالأسوار كمراكز الحجر الصحي ويعتبرها محميات أنثروبولوجية ويرسل علماءه لدراسة شعوبها الأحفورية ، وبالذات تلك الكائنات البدائية التى تنظر لهم شعوب منطقتنا كمراجع و قادة رأي فى محميتاهم الأنثروبولوجية.

كتبت في 2 سبتمبر 2009
( 120) : لاشك أن الثقافة العربية - الإسلامية القرون - أوسطية المضادة للعقل والتمدن والتقدم والأنسنة الممولة بالبترو- دولار قد تفشت فى معظم المجتمعات العربية والإسلامية ، وقد تهيئت لها البيئات بفعل الإستبداد والقيادات المترعة فى الجهل والفساد وفى ظل مؤسسات دينية وتعليمية غارقة فى الجهل والماضوية والثيوقراطية ... ولاشك أن سياسة القوي العظمي الوحيدة القائمة على التحالف مع السعودية (ركن الأساس فى نشر ورعاية وذيوع الإسلام السياسي ) لاشك أن كل تلك الحقائق جعلت من يفهمون ما حدث ومل هو حادث ، وهم قلة وسط سواد أعظم من الغوغائية القرون-أوسطية والذين علي كل موضوعي أن يتسامي عن لومهم ، فما هم إلا ثمرة حقائق تاريخية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية ما كان لها إلا أن نتنتج هذه الثمرة المسممة ... إنني أكتب هذه الكلمات وأنا محاط بأمواج وأنواء وعواصف الإحباط ، لا سيما وأن أقرب الناس لي لا علاقة لهم بهمي أو مهمتي ، ناهيك عن وحدة فكرية ضارية ... ولكنني مصر على أن أقاوم وأحضك على المقاومة ... (من رسالة لصديق) ...
كتبت في 2 سبتمبر 2009
( 121 ) : كتبت أكثر من مرة عن سبب إستقالتي من مجلس أمناء مركز إبن خلدون ، وكتبت أكثر من مرة عن(أخطاء وخطايا سعد الدين إبراهيم) بل وطلبت أن أناظره فى الولايات المتحدة ، وأنا على يقين أن مناظرتي له ستجعل الرأي العام فى الولايات المتحدة (حيث يستمع له كثيرون) وفى كل مكان يعرف من جهة سطحية معظم رؤاه السياسية والثقافية ، ومن جهة أخري مدي خطأ أفكاره عن إمكانية أن يكون الثيوقراطي (أي ثيوقراطي) جزءا من العملية الديموقراطية . إن سعد الدين إبراهيم (بسوء نية أو بحسن نية) يروج لأفكار من شأنها شق الوطن المصري شقاً لا علاج ولا رأب له . وأختم بهذه القصة : ذات مساء منذ أقل قليلاً من أربع سنوات كان هناك أربعة أشخاص على مائدة عشاء إمتد للفجر بالقصر الأميري بالعاصمة القطرية . وكان هؤلاء الأربعة هم : أمير قطر الحالي حمد بن خليفة آل ثان ، والزوجة رقم (2) للأمير الشيخة موزة بنت ناصر المسند ، والدكتور سعد الدين إبراهيم ، وكاتب هذه السطور . فى هذا اللقاء إستمع الأمير من سعد الدين إبراهيم لمدح له أول وليس له آخر عن قناة الجزيرة . وفى نفس الجلسة إستمع الأمير مني لنقد بالغ العنف للدور التخريبي والهدام لقناة الجزيرة التى أطلقت عليها ليلتها (قناة المريرة) ... وعندما كنت أقول للأمير : (كيف تترك قطر إدارة قناة الجزيرة لفتي من إفرازات دائرة الإعلام بمنظمة حماس ؟) كان سعد الدين إبراهيم يضغط على يدي لأتوقف عما كنت أقوله ويعلم هو أنه لن يرضي الأمير. بعد اللقاء وأثناء عودتنا للفندق قال لي سعد أن كلامي عن قناة الجزيرة قد أغضب الأمير وزوجته ، فكان ردي بشعر قاله نزار قباني ( ان شعري لا يبوس اليدين ، وأحري بالسلاطين أن يبوسوا يديه ) ... وكنت قد وضعت كلمة (فكري) محل كلمة (شعري...) بعد هذا اللقاء بأسابيع بلغني أن قرينة الأمير إشتكتني لشخصية مصرية كبيرة (جدا) ، كما بلغني (من سعد إبراهيم شخصياً) أن قطر تبرعت لمركزه بعشرة ملايين دولار ، ولمركز تديره زوجته بالجامعة الأمريكية بعشرة ملايين دولار أخري ... ثم توالت الأخبار عن زيارات سعدالدين ابراهيم لحماس و حزب الله !!!!
كتبت في 2 سبتمبر 2009
(122) : أتعجب ممن لا يرى الصلة بين نظام التعليم في دولة من الدول الإسلامية و بين إفراز المجتمع لأمثال سكان كهوف وزيرستان من قادة القاعدة. الرحلة تبدأ من التعليم بمعناه الواسع أي الذي تقدمه المؤسسة التعليمية و المؤسسة الدينية و ينتهي بتفجيرات اندونيسيا و بومباي و لندن و مدريد و نيو يورك و غيرها. هذه "الحالة" هي حالة ثقافية سائدة إما توجد أو لا توجد لكنها لا يمكن تهذيبها أو تأديبها أو أقلمة أظافرها. يسألني كثيرون: هل مساهمة السعودية في إنتاج الإسلام المحارب أكبر من مساهمة مصر؟ و الحقيقة انهما ليسا مجرد شريكين بل انهما (في هذا الصدد) "كيان واحد".و سأشرح قليلاً: كان محمد رشيد رضا، تلميذ محمد عبده الذي لم يرث عن استاذه انفتاحه و اعتداله و جرأته على ما يعتبره البعض من مسلمات الفقه الإسلامي. منذ وفاة محمد عبده سنة 1905 أخذ تفكير محمد رشيد رضا يتخذ إتجاها مغرقاً في السلفية و ما أن تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في سنة 1925 من صيرورته ملكاً للحجاز و سلطاناً لنجد على أسنة رماح و حراب و سيوف "الإخوان" (اخوان نجد) حتى كان محمد رشيد رضا هو أقرب المشتغلين بالدراسات الإسلامية مما حدث في الجزيرة العربية أي وصول الوهابية إلى سدة الحكم في بلد ليس هو فقط أكبر البلدان العربية شرق البحر الأحمر و إنما أيضاً مقر أقدس مقدسات المسلمين. أما الرجل (محمد رشيد رضا) و الذي كان على أوثق الصلات بعبد العزيز بن سعود و بالمؤسسة الوهابية كان هو الأستاذ الأكبر لمدرس اللغة العربية الشاب حسن البنا. و كان هو الذي حضه على تأسيس الإخوان المسلمين في مصر كجمعية دعوية و بمباركة من ممثلي الإحتلال البريطاني و شركائهم الفرنسيين الذين كانوا مديري قناة السويس و بمباركة الملك فؤاد الذي كان يحلم مع الإنجليز بوجود ند قوي للوفد بزعامة سعد زغلول الذي كان قد مات للتو (23 أغسطس 1927). وهكذا فإن الحديث عن: من المسؤل أكثر عن ظاهرة الإسلام المحارب هو حديث عبثي. فنحن أمام كيان واحد و لسنا أمام كيانين. ثم جاءت السنون بما دعم الإرتباط العضوي بين المؤسسة الدينية السعودية و حركة الإخوان المسلمين في مصر. فعندما وجه جمال عبد الناصر الضربتين القويتين للإخوان (1954 و 1965) كانت السعودية لزعماء الإخوان و للآلاف من أتباعهم هي الملاذ. و أخيراً فإن القىء الجيولوجي (البترول) جعل بمكنة السعودية أن تحول الحلف الوهابي الإخواني من حركة سعودية مصرية لحركة كونية تؤسس مراكز بث أفكارها من أستراليا إلى كاليفورنيا مروراً بكل القارات و سائر البلدان.وكل ما "وفته" هنا لا يجدي معه التعامل الأمني ... وبتحديد أكثر ‘ فبإستثناء الذين يقترفون ما يعتبر وفق قوانين العقوبات (او القوانين الجنائية او الجزائية) جرائما ‘ فإن التعامل مع غيرهم (اي غير مقترفي الجرائم) بغير الأساليب الثقافية وتطوير وتحديث النظم التعليمية لن يكون مجديا - فالمعضلة فكرية وثفافية وتعليمية فى جوهرها وفى كافة تجلياتها ...
كتبت في 2 سبتمبر 2009
(123) : هذا النص : منذ سنوات وكاتب هذه السطور يسطر يومياته قبيل نهاية كل يوم. وهى يوميات لا تكتب أساسا للنشر. وإنما للعودة إليها لاحقا وإستعمال بعضها ؛ كما فعلت منذ أكثر من ربع قرن عندما أصدرت كتابي "تجربتي مع الماركسي’" (كتب فى صيف 1981 ونشرت طبعته الأولي فى صيف 1983). فقد بنيت صفحات هذا الكتاب الثلاثمائة على يوميات كنت قد كتبتها فى الفترة من 1972 إلى 1975 ... كذلك ؛ بنيت نصي الطويل "حوارات مع صديقي نصف العاقل" على يوميات كتبت فى صيف 2004 ... أما "هلوسات" التى أقتطف منها هذا النص ؛ فهو نقل حرفي عن يوميات كتبت منذ أسابيع قليلة ... والآراء الواردة فى هذا النص (وفى الأجزاء التى ستنشر تباعا منه) آراء أصحابها المشار إليهم وليست آراء المؤلف - فهدف هذا الكتاب (هلوسات) تقديم صورة بانورامية عن الآراء التى يردده بعض المثقفين فى جلسات حرة وخاصــة بكل ما تعنيه الكلمتان ...
طارق حجي .
جمعتني الليلة جلسة مودة مع أصدقاء قدامي كانوا جميعا ونحن طلبة جامعيين إبان ستينيات القرن الماضي ماركسيين ؛ بعضهم كان ماركسي لينيني والبعض كان ستاليني للنخاع وآخرون كانوا تروتيسكيين ؛ كما كان غيرهم ماويين بضراوة ! ... الآن (وبعد نيف وأربعين سنة) أصبح بعضهم ليبرالي - علماني قح ؛ وآخرون صاروا عدميين بشكل مذهل ؛ وقلة تحولوا لأتباع لنجم الإشتراكية الفوضوية برودون ... وتحول واحد فقط للأسلمة السياسية ؛ وعوضا عن التغني بآراء كيم إيل سونغ وباخونين وماو تسي تونغ منذ أربعة عقود ؛ صار لا يكف عن ذكر آراء أبي الأعلي المودودي ؛ وإن بقي الجميع أصدقاء تجمعهم ذكريات عزيزة ومودة عتقتها السنون. يومها أعطيت آرائي (ولساني) عطلة وراحة وتركت أذناي يلتقطتان شذرات الحوار والحديث ... فاجئنا نبيل الذى عاد للتو من الولايات المتحدة بعد ثلاثين سنة من التألق كطبيب وأستاذ بواحدة من ألمع كليات الطب فى شمال شرق الولايات المتحدة بأحد آرائه الصاخبة (كعادته منذ الصغر) : " ألا توافقونني على أن الذى يفضل رجلا بدائيا مثل إسماعيل هنية على رجل متحضر ذي علم وثقافة وخبرة عارمة مثل رئيس وزراء فلسطين المستقيل سليمان فياض يجب التعامل معه كمريض عقلي أو كمريض نفسي ؟ إن من يفضل هنية على فياض هو كمن يقول أن البحث العلمي فى جمهورية بوركينا فاسو أفضل من البحث العلمي فى سويسرا !!؟؟ "" ... بعد دقائق من الضحك تكلم صديقنا جرجس الذى عاد هو أيضا لمصر منذ شهور بعد أكثر من ربع قرن فى بريطانيا كان خلالها نجما فى عالم التاريخ المملوكي ؛ وبهدوءه الذى إتسم به منذ الصغر قال كأنه يحدث نفسه " أتعجب من نغمة التفاؤل الذائعة فى كتابات صديقنا طارق حجي ... إن كل شيء حولنا يؤكد أن مجتمعنا تخطي نقطة الإصلاح وصار مرشحا لإحتمال من إحتمالين لا ثالث لهما : إما أن نصبح مثل طالبان ونعيش قرونا من التدهور والتخلف والتأزم والفوضي والظلام والبؤس الثقافي وإما أن نظل نعيش داخل إطار مماثل لإطار حياتنا اليوم مع مزيد من الإنحدار والإنهيار فى كل جوانب ونواحي حياتنا " ... ضحكنا والبعض يردد مؤيدا "لا فض فوك " !! وهنا وقف أكثرنا نقمة على ثقافة العربان (كما يسميها) وقال : " لم يعد أحد الآن يقول لا فض فوك ؛ نحن نقول كما يقول العربان صح لسانك" ... ثم رفع صوته ببيت قديم من واحدة من قصائد نزار قباني وهو شبه يهتف ( أيا متشقق القدمين يا عبد إنفعالاتك ) !!! وبينما هو يجلس إرتفع صوت صديق آخر من أشد المصريين المثقفين إستنكارا لأثر السعودية الثقافي على مصر والمصريين وقال ( أذكركم بكلمات أستاذنا الذى أحببناه جميعا منذ أربعين سنة وهو التغريبي الأعظم الدكتور حسين فوزي الذى طالما قال وكرر لنا "أن الخير كل الخير يأتي لمصر وللمصريين من الشمال الغربي ؛ وأن الشر كل الشر يأتيها من الجنوب الشرقي ؛ بما فى ذلك الطقس والذوق والأفكار والآراء وأساليب الحياة") ... هنا فقط إرتفع صوت صديقنا الوحيد الذى ترك الإشتراكية العلمية وغرق فى بحار إبن تيمية وإبن القيم ورسائل محمد بن عبد الوهاب وكتابات محمد رشيد رضا وسيد قطب وهو يردد وسط ضحك أصدقاءه " أعوذ بالله من جلسة الزندقة هذه والتى ستكلفني ساعات من الإستغفار على ما سمعته وسوف أسمعه خلالها" ... فعلق هاني عنان (نجم حركة كفاية المعارضة) مخاطبا صديقنا المستغفر " تأكد أن ثواب برك بأصدقائك سيفوق ما سيسجله الملائكة الكتبة الأبرار فى صحيفتك اليوم من ذنوب لحضورك هذه الجلسة ... إن الحسنات يذهبن السيئات" ... هنا فرقعت ضحكة صديقنا الطبيب الروائي والشاعر هشام السلاموني وهو يصيح (الله يفتح عليك يا إبن عنان !! ) ... فى ذيل قهقهة الرفاق من دعاء السلاموني (غير البريء) لهاني عنان قال صديقنا إبراهيم شحاتة الذى تالق كخبير إقتصادي بأحد أهم المؤسسات النقدية فى العالم " لا أستطيع أن أفهم فرحة البعض بسلوك الصحفي العراقي الهمجي الذى رمي الرئيس الأمريكي السابق بفردتي حذائه ؛ ولا أستطيع أن أفهم إعجاب أي إنسان مثقف ومتحضر بما يبثه تلفزيون الجزيرة الغارق فى الهمجية والذى يديره صبي من صبيان الجهاز الإعلامي لحركة حماس وهو فى ذات الوقت الرجل المقرب من رئيس وزراء قطر المخرب واللاهث على دور لدولة لا تملك مؤهلا واحدا من عشرات المؤهلات المطلوبة فى أية دولة تروم أن تلعب الدور الذى يتوق له ذلك البدوي نصف المتعلم والذى نشأ فى ظل المؤسسات التعليمية لنظام صدام حسين" ... بدأ العاملون فى بيت صديقنا هاني عنان فوق هضبة المقطم القاهرية فى إحضار طعام العشاء ومع ذلك إستمر صديقنا إبراهيم شحاتة متسائلا " أمس وأثناء ندوة كنت المتحدث الرئيس فيها سمعت من طالب بجامعة القاهرة ما أدعوكم للتفكير فيه ومناقشته بعد العشاء ؛ لقد قال لي هذا الطالب إنه على إستعداد للإنتقال من شعوره السلبي الحالي تجاه أمريكا إلى حبها وليس فقط التوقف عن إستهجان سياساتها لو قامت أمريكا بدلا من تصالحها المزري مع النظام الليبي ومتابعتها للرئيس السوداني المتورط - لا شك - فى جرائم دارفور ومحاولة سحب الرئيس السوري لمحاكمة قتلة رفيق الحريري ؛ لو قامت عوضا عن كل ذلك بكشف حقيقة ثروات مئات اللصوص العرب من طبقة الوزراء إلى ما ذري مجتمعاتنا الأعلي " ... هنا وقف صاحب الدار وقال لصديقنا إبراهيم " فى المشمش يا إبراهيم ... هل لا زلت تذكر هذا التعبير المصري ؟ " ... بعدها دعانا صاحب الدار لبدء العشاء وتأجيل الآراء الملتهبة لما بعد إمتلاء البطون ....
كتبت في 28 مارس 2009
( 124) : في مُقابل رموز التعصُب والإنغلاق والهجرة العمياء للماضي والتي كان أبرزها في جيله الأديب المصري مصطفى صادق الرافعي ، كان هُناك آخرون من رموز الإنتصار للعِلم والتقدُم والحضارة والمدنية مثل أحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وسلامة موسى ومنصور فهمي ومن الجيل التالي لهم الدكتور حسين فوزي . اليوم يشيعُ بين عددٍ غير قليل من حَمَلة الأقلام في واقعنا نموذج مصطفى صادق الرافعي ولا نكادُ نجد مُمَثِل للمدرسةِ الأُخرى . بقى أن يعرف القُراء أن مصطفى صادق الرافعي عاش ومات بدون أن يكون بوسعه قراءة فقرة واحدة بأية لغة غير عربية . أما أمثال أحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وسلامة موسى ومنصور فهمي فقد أحاطوا بكلاسيكيات الإبداع الإنساني في أصولها وبلُغاتها .
كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 125 ) : على كثرةِ ما يتردد ويُقال عن مُختلف الأنشطة في مجال "الحوار بين الأديان" ، فإنني لا أفهم ما المقصود بكل تلك الجهود . إن الشيء الوحيد الذي علينا أن نزرعه في عقول وضمائر أبناءِ وبناتِ أي مُجتمعٍ مثل مُجتمعنا هو أنكَ إذا أردت أن يحترم الناس دينك ومُعتَقَدَك فإن عليك أن تحترم أديانهم ومُعتقداتهم وألا يكون همك الدخول في حواراتٍ هدفها إثبات التفوق والسبق .
كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 126 ) : أُكررُ في هذه "الدانة" ما كتبته في أول فصول كتابي "ما العمل" الذي صدر في سنة 1986 وهو أن الشارع المصري اليوم يُجَسِد ويُمَثِل ويُشَخِص مُعظَم ملامح حالتنا المُجتمعية الراهنة من إنعدامِ معنى القانون وعدم إلتزام الأقوى بالذات بأحكامه وسيادة مبدأ أن القوى تُنشيء الحق وتحميه وذيوع القيمة العالية المؤَسَسة إما عن السُلطةِ أو المال وقبل كل ذلك خرق القانون من قِبَل المنوط بهم إحترامة ناهيك عن ترجماتٍ شتى لثقافة الفهلوة التي يكون فيها كل مواطن هو السُلطة التشريعية والسُلطة التنفيذية وأحياناً السُلطة القضائية أيضاً في ذات الوقت .
كتبت في 15 ديسمبر 2008

(127 ) : رغم وجودَ ألف دليل على فوائد بل وحتمية الفصل بين رجال الدين والعمل السياسي (لخطورة ذلك المروعة وعواقبه المدمرة) فقد تعلمتُ منذُ أيام أن هناك دليل آخر لم أكن على دراية واضحة به ، ففي أثناء مُطالعتي لعدة بحوث أكاديمية عن المُرشد الأعلى الحالي للجمهورية الإسلامية في إيران تعلمت أن جُزءاً كبيراً من هيبتهِ وسُلطتهِ وسطوتهِ أن غير قليلٍ من مُساعديه (ومنهم رئيس الجمهورية الحالي) يؤمنون بأنه يتلقى تعليمات بشكل مباشر من الإمام المهدي الغائب أي من الإمام الإثنى عشر في سلسلة الإمامية الإثنى عشرة ذات القداسة الكُبرى عند الشيعة وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري الذي إختفى ويعتقد الشيعة الإمامية أنه لم يَمُت وأنه سيعود بل ويدعون في صلواتهم ويسألون الله أن يُعَجِل عودته . ومن الطريف أن نُقارن بين فكرة آخر الزمان عند عدةِ فِرَقٍ مسيحية تربطُ آخرِ مرحلةٍ في الزمان بإسرائيل وعودة المسيح ومعركة أرماجيدون التي تستقي جذورها من سفر رؤية يوحنا اللاهوتي وبين ما يُقابلها عند الشيعة الإمامية . والتماثُل في الأفكار والأساطير غير محصور في هذا المثال . فالجدل المُحتدم قبل مجمع نيقيا (325 م) حول ما إذا كان الإبن مخلوق من الآب أم لا (وقد قال بأن الإبن مخلوق عددٌ من رجال الدين المسيحي في ذلك الزمان آريوس) بينما قال معارضوه أن الإبن غير مخلوق – وقد طالعتُ منذُ سنواتٍ بعيدة الجدل المُحتدم بين المُعتزلة والآخرين (أهمهم الحنابلة) حول القُرآن وهل هو مخلوق أم غير مخلوق وأنا في ذهول من إنتقال مفاهيم بأكملها من دينٍ لآخر . ولعل أيضاً من أشهر الأمثلة الكثير من النُظُم الصوفية/الإسلامية المأخوذة بالكامل عن رُهبان المسيحية (الخلوة أربعون يوماً ... عدم تناول طعام فيه روح ... ذكر أسماء لله هى في حقيقتها في اللغة بإحدى اللغات الثلاث (العبرية أو الآرامية أو السيريانية) .

كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 128 ) : في شهر مايو 1967 سُئِلَ قائد عربي كبير عما ستفعله بلده لو أن الأسطول الأمريكي السادس تَدَخَل فى النزاع الذى كان مرتقبا يومها بين بلده وإسرائيل .فكان رده بكلمة واحده (سنغرقه) !!! وفى سنة 2003 قال قائد عربي آخر أن الأمريكيين سيموتون على أبواب بغداد . ومنذ أيام قال قائد إيراني أن أكثر من ثلاثمائة قبر يجري حفرها وإعدادها لدفن الأمريكيين والإسرائيلين بها !! . تذكرت تلك المقولات الناضحة بالحكمة وبُعد النظر ورجاحة العقل وأنا أراجع بروفة الطبعة الخامسة من كتابي عن العقل العربي ؛ وكنت ساعتئذ أراجع فصلاً معنوناً " ثقافة الكلام الكبير" ؛ فهمست : "على بركة الله !!
ما الذى يسوغ لعربة كارو (مثل مصطفي صادق الرافعي أو جلال كشك) أن يتجاسر ويهاجم بل ويسفه سيارة رولز رويس (طه حسين) أو جاجوار (سلامة موسي ) ؟ ... السيد جلال كشك كان يكتب للملوك (بالأجرة !!) ؛ إذ كتب لملك سعودي كتابه السقيم "السعوديون والحل الإسلامي" وكتب لملك مغربي كتابه المرتزق " وقيل الحمد لله " .

كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 129 ) : رأيت الأب جورج قنواتي ( 1905-1994) مرة واحدة فى حياتي ... ذهبت إليه فى الدير الدومينيكاني بالقاهرة وأنا طالب بقسم الماجيستير فى القانون بجامعة عين شمس (1971)... كان حديثه يومها عن الفيلسوف فى أعمال نجيب محفوظ (الرواية والقصة القصيرة ) ... يومها : صال الأب قنواتي وجال فى حديثه المعمق عن فن الرواية فى الآداب العالمية وفى الأدب العربي المعاصر ... ثم طوف بنا فى عالم محفوظ من عبث الأقدار لبداية ونهاية لثلاثية بين القصرين ثم أولاد حارتنا واللص والكلاب ... ثم أطال الحديث عن رواية الشحاذ وعن المجموعات القصصية التى نُشِرَت فى أواخر الستينيات وبالذات "تحت المظلة" ... وفى نفس الجلسة تحدث بإستفاضة عن الفيلسوف الفرنسي جابرييل مارسيل وعن الفيلسوف الوجودي الألماني مارتن هايدجر ... ثم عرج على فيلسوف الشباب الأمريكيين - وقتها - هربرت ماركوز مؤلف "الإنسان ذى البعد الواحد"... فى آخر هذا اللقاء أعطانا الأب قنواتي بعض كتاباته عن إبن رشد ( الذى هو فى إعتقادي : أفضل عقل فى تاريخ المسلمين) ... وكانت تلك بداية غرام فكري وثقافي بإبن رشد العظيم . تذكرت كل ذلك منذ أيام وأنا أطالع مقالا عن الأب قنواتي ورد فيه أن أبرز المفكرين المصريين معرفة - شخصية وفكرية - بالأب قنواتي هو استاذ الفلسفة المرموق الدكتور عاطف العراقي ... فعسي أن يتحف الدكتور العراقي المناخ الثقافي فى مصر والمنطقة العربية بسلسلة مقالات عن هذا المحيط الفكري والثقافي والمعرفي والفلسفي العارم الأب جورج قنواتي ... وعسي أن تجذب هذه الكتابة الراقية عقول وضمائر أبناء وبنات مجتمعاتنا عوضاَ عن إستئثار التفاهة والسطحية والهزال الثقافي الذى يروج له - ليل نهار - مسوخ من الناحية المعرفية ... مسوخ وراءهم تمويل مفسد لا مثيل له فى تاريخ البشرية .

كتبت في 15 ديسمبر 2008
(130 ) : رغم إحترامي وتقديري الكبيرين لرموزٍ عظيمة من رموز النهضة الفكرية والأدبية في مصر مثل طة حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ؛ إلا أن جيلهم كان يضم نجوماً أخرى لم تحظ بالشهرة والشيوع والتقدير اللائقين لفقرٍ شديد في جانب المُتلقي . فعمالقة مثل أحمد لطفي السيد وسلامة موسى ومنصور فهمي ولويس عوض هم أفذاذ من طبقة برتراند راسل في بريطانيا ... ولكن المُتلقي هنا لا يستطيع التلقي على موجة الإرسال والبث التي تأتي عليها تجليات هؤلاء الأفذاذ فلطفي السيد الذى لا يعرف للمصري هوية إلا أنه مصري . ولطفي السيد الذى يُترجم للمصريين روائعا من أعمالِ أرسطو ... وسلامة موسى (مثله مثل حسين فوزي) الذى يُقدر الحضارة الغربية التقدير الذي تستحقه بصفتها الحضارة الوحيدة الحية اليوم على سطح الأرض اليوم ؛ فهؤلاء يصعب على المتلقي العربي المعاصر إستيعابهم . أما منصور فهمي فأكبر وأكثر من إحتمال (حتى بالمقارنة بسلامة موسي وأحمد لطفي السيد ) المُتلقي الذي هو في أعلى حالاته وفي شخوصِ من يُسَمون بكبار مثقفيه , محض أطفالٍ في عوالم المعرفة الإنسانية الرحبة . وينطبق نفس القول على لويس عوض الذي كان بقامة طة حسين والعقاد , ومع ذلك فإن مُقدريه وعارفي قدره أقل بكثير مما كان ينبغي أن تكون عليه الحال . ويمكن قول نفس الشئ على شخصياتٍ أخرى مثل محمود عزمي (فارس معركة الطربوش والقبعة منذ ثمانين سنة في مواجهة رمز من أكبر رموز التقوقع والهجرة للماضي وكراهة الحضارة الغربية وهو مصطفى صادق الرافعي) . أما حسين فوزي , فلا يوجد بين المثقفين المصريين والعرب المعاصرين من يعرف عنه أي شئ ؛ بإستثناءات معدودة . لماذا كانت ولا تزال تلك الظاهرة مُتفشية ؟ الجواب ببساطة: لأن المُتلقي ليس فقط مُعتل الصحة الثقافية وواهن الكيان المعرفي ولكن لأنه أيضاً ضحية ذهنية ثيوقراطية إقصائية تضع مُسميات على هؤلاء الأفذاذ , وهي مُسميات كفيلة بالإنصراف عنهم في بيئةٍ ثقافية أحفورية (من الحفريات) .
ما الذي دهى حِصن الإسلام السُني الأكبر أي الأزهر ؟ . لماذا تقبل مؤسسة بهذه العراقة بالتبعية الفكرية لمؤسسة دينية أُخرى خاضعة بالكلية لأضعف تيارات الفقه الإسلامي وأكثرها نصية وعبادة للنقل وعداءاً للعقل (تيار أحمد بن حنبل وإبن تيمية وإبن قيم الجوزية) ؟ لماذا لا يتصدى الأزهر لأفكارٍ هى بالتأكيد مفارخ التعصُب والتزمت والعُنف والإرهاب والدعوة الحاضة على الصدام مع الإنسانية مثل أفكار الولاء والبراء التي كان لها المُساهمة الكبرى في إنتاج دولة طالبان والأفغان العرب وأتباعهما من الجهاديين والإنتحاريين في شتى أرجاء المعمورة . لماذا لا يتصدى الأزهر لمُجمَل نظرية الولاء والبراء ويشرح لجمهوره الواسع أنها (نظرية الولاء والبراء) نظرية أنتجت في زمن معين وفي ظل ظرف تاريخي محدد هو سقوط أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تحت سنابك خيل المغول الذين أسقطوا عاصمة الدولة الإسلامية وداسوا أشياءاً عديدة في طريقهم . لماذا لا يُقال على أوسع نطاق أن القول بنظرية الولاء والبراء كانت حاجة سياسية مُلحة في زمنٍ وظرفٍ تاريخي لمنع أبناء الشعوب الإسلامية (وقتها) من التعامل مع العدو الغازي .

كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 131) : سمعت بأُذُني عملاق الأدب العربي الراحل عباس محمود العقاد وهو يتسائل في سُخريةٍ موحية : لا أظن أن الله سيُحاسبنا على أعمالنا في زمنٍ صار فيه كمال الدين حسين وزيراً للتعليم والبحث العلمي ! ... تذكرت هذه السخرية الفذة أثناء محنة تسرب أسئلة الثانوية العامة مؤخراً فالنظام التعليمي الرائع الذي ورثته حركة يوليو 1952 وحولت قيادتهِ من رجالٍ على شاكلة أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وطه حسين لرجلٍ مثل كمال الدين حسين ، كيف وضعت هذه المؤسسة الهامة للغاية بيد الجهالةِ والسطحيةِ والرعونة منذ نصف قرن على طريق الأفول والإنهيار والإنحدار والتراجعِ حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم ؟

كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 132 ) : موقف جامعة الدول العربية (يوم 19 يوليو 2008 ) من قرار المحكمة الجنائية الدولية والذى ت َ ض َ م َ ن الأمر بالقبض على الرئيس السوداني مع توجيه الإتهام له بالمسئولية عن جرائم دارفور ؛ موقف الجامعة العربية من هذا القرار هو موقف مفهوم وم ُ ست َ نك َ ر فى آن واحد : مفهوم لأن وزراء الخارجية العرب (أو معظمهم) لا يعملون فى خدمة ِ شعوبهم وإنما فى خدمة ِ من وظفوهم أى الحكام ؛ وخدمة الموظف لرئيسه أمر مفهوم . كما أنه أمر بشع ؛ لأنه يعني أنهم يهتمون بجلال مناصب رؤسائهم وملوكهم وأمرائهم عن حياة وأرواح وأمن وكرامة مئات الألوف من أهل دارفور الذين ق ُ ت ِ لوا والذين ش ُ ر ِ دوا واللآئي إغت ُ ص ِ بن من بنات دارفور لا ل ِ ج ُ رم إقترفوه وإنما - فقط - لكونهم من أصول إفريقية سوداء ؛ على خلاف قاتليهم الذين ينحدرون من أصول عربية (ربما يكون هذا دافع وزراء الخارجية العرب ؛ فهم يحمون القاتل لأنه من أصول عربية ؛ ولا يعبأون بالقتلي لأنهم من أصول إفريقية سوداء) ... أي خزي هذا ؟
كتبت في 15 ديسمبر 2008
( 133 ) : منذُ أيام قليلة (6 مايو 2008) وبينما كنت أجلس على يسار رئيس وزراء كوردستان في مدينة إربيل (عاصمة كوردستان) سمعته يتحدث عن أن أول قرارٍ إتخذه يوم أصبح رئيساً لحكومة كوردستان (سنة 1991) هو إغلاق كافة المدارس الدينية في الإقليم . فقد كان يرى أن المجتمعات الحديثة تحتاج لعددٍ قليل جداً من رجال الدين من أصحاب المستويات الرفيعة في التعليم ولا تحتاج إلى تلك المفارخ لذهنية التعصب والتزمت والرجعية . في نفس يوم إصداره إلغاء المدارس الدينية في إقليم كوردستان العراق إتصل به الرجل الثاني في دولةٍ تُنفق على المدارس الدينية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وعرضَ عليه إغراءات مالية بمليارات الدولارات إن قامَ بإلغاء قرار إغلاق المدارس الدينية . ولكن السيد ( Nichirvan Barzany ) أصر على التمسك بقرارهِ . وهاهي كوردستان اليوم منطقة هادئة مسالمة تنعم بسلامٍ نادرٍ وسط أتون الغليان العراقي بل أَنها الجهة الوحيدة في العراق التي لا يحارب بعضُها بعضَها . توقعاتي لإقليم كوردستان أن يكرر النهضة العظمى لمكانٍ مثل إمارة دبي كما أتوقع له أن ينسلخ عن أتون الغليان والقتلِ والدم القريبة منه .

كتبت في 12 ديسمبر 2008
(134) : كان مُحدثي على مشارف التسعينيات من العمر . وهو عراقي من جيل الملكية في العراق. تلقى تعليمه في أرقى مدارس العالم وحصل على الدكتوراة في الإقتصاد من جامعة أُكسفورد البريطانية العريقة . قال لي : سافرت إلى يافا في فلسطين في صيف سنة 1942 وكنتُ قد تخرجت حديثاً من جامعة أُكسفورد . بعد زيارتي إلى يافا أخذني أصدقاءُ فلسطنيون إلى الجزء اليهودي من المدينة أي تل أبيب . رغم أن إسرائيل يومها لم تكن قد قامت بعد كدولة , إلا أن صاحبي العراقي المثقف الكبير أدهشته الفوارق بين يافا وتل أبيب . في تل أبيب طلب منه سائق الحافلة العامة أن ينزل ويقف في طابور المنتظرين ثم يُعاود ركوب القافلة وفق النظام . في الحافلة قال له أحد اليهود من قاطني تل أبيب أن اليهود سوف ينتصرون دائماً على خصومهم العرب طالما أنهم يقفون في الطابور والعرب لا يعرفون الإنتظام في طوابير!... قد تُضحك هذه القصة البعض ... ولكنها لم تضحكني فقد سبق وأن قرأت نفس الكلمات في مذكرات "بن جوريون" الذي كتب أنه لن يأخذ العرب مأخذ الجد طالما أنهم لا يقفون في طوابير .

كتبت في 12 ديسمبر 2008
( 135 ) : سألني شابُ بعد محاضرةٍ عامة منذ أسابيع عن تقييمي للحقبة الناصرية فقلت له أنها حقبة لها إيجابياتها ولها سلبياتها . ويمكن أن أقول أن أكبر الإيجابيات كانت محاولة عبد الناصر النبيلة لتوسعة الطبقة الوسطى المصرية وأن أكبر السلبيات هي الطريقة غير الصائبة التي تمت بها محاولة توسعة الطبقة الوسطى فإنتهينا بطبقة تُسمى بالوسطى ولكنها تحت ذلك بكثير . سألني الطالب : وماذا عن الهزائم والإخفاقات العسكرية ؟ قلت بالنظر لكل ذلك من خلال ظروفِ الحرب الباردة وما بعد الحرب الثانية فإن مجتمعات كثيرة غير مصر كانت لها إخفاقات مماثلة . ولكن هذه المجتمعات لم تسقط مثلنا في كل الأخطاء الكبيرة التي شابت عملية توسعة الطبقة الوسطى (وهي مهمة نبيلة في الأساس) وأهم هذه الخطايا ما أُقترف عندنا عندما سمح بتوفر عوامل إنهيار المؤسسة التعليمية بالشكل الذي حدث وما أعقبه من هبوط مذهل في مستويات التعليم (في الفلسفة التعليمية وفي مستويات الأساتذة والمدرسين وفي طبيعة ومستويات البرامج التعليمية وأخيراً في مستويات التلاميذ والطلبة). لقد إقترفت روسيا أخطاءاً كبرى على مستوى السياسات الكلية ولكن لم يكن من بينها إنهيار المؤسسة التعليمية كما حدث لدينا . ففي ظل أسود مراحل الإتحاد السو ?يتي والتي ضرب من خلالها سوس الإنهيار في الإقتصاد في بدن الإتحاد السو ?يتي ظلت الجامعات الروسية بمستويات تعليمية رفيعة وعالية . وقد حدث نفس الشئ في الهند . فرغم خيارات نهرو الإشتراكية (والتي من حق البعض أن يُعجب بها ومن حق البعض أن ينتقدها) فقد ظلت المؤسسات التعليمية الهندية بوجه عام والجامعات الهندية بوجه خاص بمنأى عن التدهور وإنهيار المستويات . واليوم ، فأننا نسمع الكل يتحدث عن إنهيار التعليم في مصر , ومع ذلك فلا توجد إرادة إقتحام جريء وعريض وعميق للمشكلة وتقديم حلول جذرية بل ولا تزال الفلسفة التعليمية لدينا هي ذات الفلسفة التي أدت لتدهورِ أحوالِ التعليم
كتبت في 12 ديسمبر 2008
( 136 ) : يدعو "البعض" لإقامة دولة الخلافة . وهى أخبار سيئة للخُلفاء القادمين !! ... إذ أن ثلاثة من الخُلفاء الراشدين (عُمر وعُثمان وعلي) قد قُتِلوا !! أما مؤسس الدولة العباسية ، فإسمه "السفاح" ! وأما هارون الرشيد ، فقد ترك ولدين للخلافة من بعده ، وقد قتل أحدهـما الآخـر (!) . وخلال القرون المتتالية ، فإن الخلفاء الذين كانوا على شاكلة السلطان العثماني "عبد المجيد" أكثر بكثير ممن كانوا على شاكلة عُمر بن الخطاب .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 137 ) : كان حواراً محتدماً حول الإسلاميين ومبدأ تداول السلطة الذي بدونه لا تكون هناك ديموقراطية . الأغلبية كانت تردد مبررات إيمانها بأنه لا يمكن أن يؤمن من يخلط الدين بالسياسة بتداول السلطة ، أما الأقلية فكانت تردد ما مؤداه "التجربة فقط هى القـادرة علـى الحكـم !!" ... وقد أنهى الحوارَ شخصٌ كان صامتاً طوال الوقت عندما قال : (إذا كانت التجربة هى مناط الحُكم ، وهذا ما أعتقده ، فإن الأمر منته ! وشكراً لحماس ، فقد أثبتت لنا منذ أيام أن الذين يخلطون الدين بالسياسة لا يمكن أن يتركوا الحكم وستكون لديهم في كل الحالات مبررات البقاء في الحُكم قسراً ... وأكبر تلك المبررات أن "الله معهم" كما يتصورون ! ... الحقيقة أن الذين يؤمنون بأن الأحزاب الدينية في المنطقةِ العربية لا تؤمنُ إيماناً حقيقياً بالديموقراطية يجب أن يكونوا اليوم في قمة الإمتنان لحركةِ حماس ، فقد أثبتت أنهم على حق وأن وجهة النظر الأخرى باطلة كُليةً .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 138 ) : الإمام أبو حنيفة النُعمان هو المُلَقَب بالإمام الأعظم . وهو أول الفُقهاء الأربعة الكبار خارج المذاهب الشيعية ومذاهب الخوارج الأربعة . وحسب الإمام أبي حنيفة فإنهُ يجوزَ للمُسلِم أن يرفُض تأسيس الأحكام على الأحاديث المعروفةِ بأخبارِ الآحاد . ولمّا كان غير أخبار الآحاد من الأحاديث (أي الأحاديث المتواترة والأحاديث المشهورة) تقل عن مائةِ حديثٍ مُقابل آلاف الأحاديث التي هى من قبيل "أخبار الآحاد" ، فإنني أتعجبُ من الهجوم (الذي تُشارك فيه الدولة) على جماعة القُرآنيين التي لا تقبل إعتبار الأحاديث النبوية من مصادر الفقه الإسلامي ، نظراً لإعتقاد القُرآنيين أن السواد الأعظم من الأحاديث قد وضِعَت بدوافع سياسية إبان حِقبةِ الدولة الأُموية والحِقبةِ الأولى من عُمرِ الدولة العباسية. ويُشكك القُرآنيون في صوابية الأحاديث التي جمعها رجالٌ مثل البُخاري ومُسلِم بعد ثلاثةِ قرون من آخر يومٍ من أيام البعثة المُحمدية . ولا أعرف ما هو الأساس العقلي لمُعاملة القُرآنيين وكأنهُم كُفار أو ذنادقة ؟ لقد إعتمد أبو حنيفة (أول الفُقهاءِ الأربعةِ الكِبار) أقل بكثيرٍ من مائةِ حديث . أما رابع الفُقهاءِ الأربعةِ الكِبار (أحمد بن حنبل) فقد إعتمد آلاف عدة من الأحاديث التي جمعها في كتابهِ "المُسنَد" . ومع ذلك ، فإن الذي إعتمد آلاف الأحاديث لم يتهم الذي إعتمد عشرات الأحاديث بالكُفر والذندقة . وأنا لا أعرف لماذا لا ننظُر إليهم كمدرسة فقهية لها ما لها وعليها ما عليها . وكيف يستقيمُ المنطقُ الذي يترُك الحُكم على هؤلاء لفُقهاء من عينةِ أصحاب الفضيلة القائلين ببركة الفضلات ؟!
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 139 ) : رُبما يكون من المفيد أن أُذّكر القُراء هُنا أنه في مواجهة "البنك الأهلي المصري" والذي كان يُمثل المصالح الأجنبية في مصر ، فإن مُسلماً (هو طلعت حرب) وثلاثة يهود (هُم سوارس، يوسف قطاوي وشيكوريل) قد إتجهوا (منذُ قُرابة تسعين سنة) لتأسيس بنك وطني (هو بنك مصر) يُمَثِل المصالح المصرية العُليا. وأدعو من يشاء لمُطالعة كتاب الأُستاذ الكبير فتحي رضوان الرائع عن طلعت حرب بعنوان (درس في العظمة) .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 140 ) : في سنة 2006 صدَر كتابي (الإدارة في الواقع العربي) الذي نشرته جامعة الدول العربية. وقد حاول الكتاب أن يثبت (في 200 صفحة) وجهة نظري التالية : (هناك شعوب "تحكُم" ، وهناك شعوب "تُدار" – من الإدارة - . ولا يوجد دليل واحد على أن معظم المُجتمعات العربية "تُدار" وفق مفاهيم وتقنيات علوم الإدارة الحديثة . ولكن هُناك "ألف دليل" على أنها "تحكُم").
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 141 ) : ما هى نقطة البداية في العلاج : الحُكام أم الناس ؟ وإذا كان الطرفان قد تبادلا (في جدلية عجيبة) المثالب والعيوب والسلبيات والنقائص ، فمن أية نقطة يبدأ الإصلاح ؟ ...

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 142 ) : مُحاكمة المدنين أمام القضاء العسكري أمر لا يجوز السماح بتمريره ... وعلى مجلس حقوق الإنسان وعلى المُثقفين ، وعلى مُنظمات المُجتمع المدني إحداث الجلبة اللازمة لإيقاف هذه المهزلة .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 143 ) : متى تصبح بطاقة الهوية المصرية (مثل بطاقات الهوية في كل المجتمعات المتحضرة والراقية) بدون خانةِ الديانة ؟
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 144 ) : كان أُستاذنا "السنهوري" (واضع المدونة المدنية المصرية الحالية) يقول أنه وإن كانت المدونة (المصرية) تستقي الكثير من موادها من القانون المدني الفرنسي (مدونة نابليون) ، فإنه كان يجزم بخلوها من أي تعارض مع الشريعة الإسلامية . فهل السنهوري (أكبر علاّمة قانوني في منطقتنا خلال القرنين الأخيرين) على خطأ والشيخ حنظلة بن جهم الجيهـمي علـى صواب (؟!) .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 145 ) : لن نبرأ من عللِ مُناخنا الثقافي العام إلاَّ بالمزيد من الترجمات عن سائر اللغات . وكما أن المُسلمين لم يُصبح لهم شأن فكري وثقافي وعلمي إلا على أساس الترجمات العديدة التي تمت في القرنين الثامن والتاسع الميلاديين (وفي مُقدمتها ترجمات أعمال عديدة لأرسطو وتعليقات عمالقة مثل إبن رُشد عليها) فإننا لن نخرُج من مناخ الخُرافة والمحلية الحالي إلا بتعظيم حركة الترجمة . ومن حُسن الحظ (لمُجتمعنا) أن توضع تلك "المُهمة التاريخية" في يد رجُل مثل الدكتور / جابر عصفور بمحصوله المعرفي العارم ورؤيته الإنسانية الصافية وتوجُهاته الحضارية الراقية . أمامي عشرات الترجمات الفذة التي أشرف عليها هذا الرجل التنويري العظيم ، ومن بينها ثلاثة أعمال صعبة لتشارلز داروين (ترجمها بإبداع الدكتور / مجدي المليجي أُستاذ الطب) ... وأمامي أيضاً عمل فذ من كلاسيكيات الدراسات اليهودية (نقد العهد القديم لشازار زالمان) وعشرات العناوين ... وليس عندي أمل في أن نكسر شرنقة المحلية القرون-أوسطية المُتشحة برقائق سميكة من الخُرافة والتخلف إلاَّ بحركة ترجمة واسعة تجعل أبناء وبنات مجتمعنا ينصرفون عن كُتب هى الهوان المُجسِداً لنا ولعقلنا: وهى جل الكُتب المعروضة للبيع وداخلها ذهنية البداوة والظلام والإنغلاق ومُعاداة الإنسانية .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 146 ) : في سنة 2003 صدر لي في ولاية أوريجون الأمريكية كتاب بالإنجليزية بعنوان (الثقافات والحضارات الإنسانية) صدّرته بكلمات الملك داوود الواردة في المزمور الثاني عشر وهى: (عند إرتفاع "الأرذال" بين الناس ، "الأشرار" يتمشون في كل ناحيةٍ) . وكأن الملك داوود كان يعيش بيننا اليوم .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
(147) : مطالبُنا السياسية مُتعددةٌ ومُتنوعةٌ . البعضُ يختزل مطالبه في كلمةِ "الديموقراطية" والبعضُ يُركزها في "الإصلاح السياسي والإقتصادي" وآخرون يتحدثون عن "المُحاسبة" وغيرهم عن "الشفافية" ومجموعة أخرى تتكلم عن "مُحاربة الفساد" والبعض يتحدث عن "ثورة إصلاحية في مجالِ الخطاب الديني" الذي تأسن خلال قرون وعقود الركود والجمود حتى وصل إلى بركته الآسنة الراهنة ... وآخرون يتحدثون عن "حقوق الإنسان" وغيرهم عن "حقوق المرأة" والحقيقة أن فكرة "المُطالبة" هى فكرة عبثية عند أي إنسانٍ ذي حسٍ تاريخي . فالحقوقُ تُكتَسَب وتُنتَزَع ولا تُعطى . ومن سمات الطُغاة بالغة الوضوح تَحَدُثهم الدائم عن أنهم "مانحوا المزايا لشعوبهم" . وتاريخُنا الحديث عامرٌ بالأمثلةِ على تلك الروحِ التفضُلية المانحة. وفي إعتقادي الخاص أن كل تلك المطالب المتنوعة والمتعددة يُمكن أن تتحقق إذا أنجزنا أمراً واحداً هو إجبار غير الموافقين على أن تكون رئاسة الدولة لفترة رئاسية واحدة لمدة سبع سنوات أو لفترتين لا أكثر بعدد إجمالي من السنوات لا يزيد عن عشر سنوات . إذا تحقق لنا ذلك فكل المطالب الأخرى سوف تُلَبَى . فالذين يعلمون أنهُم راحلون عن مناصب الحُكم هُم الذين يُمكن أن نُحقق معهم المطالب الأخرى أما الذين عقدوا العزم على إستمرار طغيانهم فإنهم من المُحال أن يوافقوا على تحديد حد أقصى لمكوثهم في الحُكم . وأول من يعرف ذلك هو "الطغاة" أنفسهم
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 148 ) : يقول "جان بول سارتر" (وما أروعه من قائلٍ) أنه لا يوجد شيء إسمه المُستَقبَل ، فالمُستَقبَل هو ما نصنعه في مطبخ اليوم . ويقول ذات العبقري – سارتر – أنه لا يليق بالمُثقف إلاَّ أن يكون "ناقداً" .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 149 ) : أكتُب هذه "الدانة" والإحصائيات أمام عينيَّ تفصح عن رسالة يرفض الدراويش المرضى بنستالجيا تقديس ماضٍ من صُنع أوهامهم التسليم بوجودها وفرط وضوحها . اليوم وتعداد المصريين يقترب من الثمانين مليوناً ، فإن عدد جرائم إغتصاب النساء تُقَدَر بنحو عشرين ألف حالة سنوياً . عندما كان عددنا نصف عددنا اليوم (أي أربعين مليوناً) لم يكُن عدد جرائم إغتصاب النساء هو عشرة آلاف جريمة سنوياً كما قد يظُن البعض وإنما أقل من ثلاثة آلاف جريمة إغتصاب سنوياً . أي ثُلث ( ? ) الوضع الحالي ... رغم أن النساء يومها لم يَكُن "مُلتَزِمات" (!!!) كما هو أمر الكثيرات اليوم . إذن ، "الإلتزام" لا يؤدي إلى "الفضائل المُجتمعية" التي يتوهمها البعض ... بل قد تكون مفردات الواقع في إتجاه مُعاكس لهذا "التوهم" . تفسيري الخاص لهذه الظاهرة ، أن إغتصاب النساء لا علاقة له بشكل لباسهن أو درجة "إلتزامهن" . وإنما الأمر نتيجة لذيوع عقلية/ذهنية أشد تخلُفاً في المُجتمع ولشيوع حالة غضب عارمة (تُعَبِر عنها أشكال شتى من أشكال الخلل) من جراء سوء إدارة الُمجتمع من قِبَل أجيال مُتتالية من العجز الإداري وإنعدام المواهب القيادية وإستشرار الفشل والفساد. إن جرائم الإغتصاب ليست "فعل إثارة من جانب الضحية" (كما يُرَدِد المُتخَلفون) وإنما هى "فعل عدوان شرس وهمجي وغاباوي وحيواني من جانب الذئب" . ولكننا أبناء وبنات "ثقافة الذئب" درجنا على تبرئة الذئاب وإلقاء كل المسئولية على عاتق الضحية !

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 150 ) : يقول فولتير : "إنني على إستعدادٍ لمخالفةِ خصومي في الرأي لآخرِ نفسٍ في حياتي ، ولكنني – بنفسِ القدرِ – على إستعدادٍ لفقدِ حياتي من أجل حريتهم في التعبيرِ عن آرائهم" . أما شيخُنا الأكبر فقد طالب بجلدِ بعض حملةِ الأقلام !! . أنت إذن (يا مولاهم) تدعو لجلدِ بعض حملةِ الأقلام لأنهم كتبوا ما لم يرق لك ... بينما كان ?ولتير على إستعدادٍ لملاقاةِ الموت من أجلِ حمايةِ حريةِ وحقِ خصومهِ في التعبيرِ عن آرائهم . وكأنك بذلك قد قصدتَ أن تجسدَ (أمام العالم) الفارق الأكبر بين حضارة الإنسانية التي أثمرها جهادُ أجيالٍ ضد الكهنوت ، وبين حضارتك (يا مولاهم) ، أي حضارة جلد حملة الأقلام ... وما أبأسها من حضارةٍ .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 151 ) : أيها الشيخ الكبير ؛ منذ نحو عشر سنوات ، كنتَ أنت في منصبٍ ديني آخر رفيع الشأن . وأثناء جلساتِ مؤتمرٍ بمدينة الإسكندرية ، إتهمك حضرميَّ وهابي (تسلل لمؤسساتنا الإعلامية وتغلغل (فيها) كالسوسِ في الخشب ، إتهمك هذا الوهابي بأنك تفتي على حسب هوى الحكام . يومها ، لم تغضب أنت لنفسك بينما غضب إثنان (الدكتور / حماد عبد الله وكاتب هذه السطور) وألحقا بالإعرابي ما يستحقه من هوان . يومها لم أفعل ذلك لمصلحةٍ أو منفعةٍ (وأنت أول من يعلم ذلك – وكانت مكالمتُك بعد الحدث إعترافاً بذلك) . والروح التي جعلتني أغضب لإهانةِ ذلك الأعرابي لك ، هى ذات الروح التي تجعلني اليوم (وقد طالعت السخامَ الذي تفوهتَ أنت به في حقِ بعض حملةِ الأقلام) أغضب منك غضبةً أشد من غضبتي (منذ أكثر من عشر سنوات) من ذلك "الورم السرطاني الوهابي" الذي تغلغل في إعلام المنطقة بأسرها يبث سمومَه الوهابية . لماذا غضبتي منك كانت ولا تزال أكبر ؟ لأن الجالسَ على مقعد "مصطفى باشا عبد الرازق" العظيم يجب ألاَّ يكون مشابهاً لأزلام ذهنية الخيام وكثبان الرمال ! .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 152 ) : عندما إكتسح سعدُ زغلول وحزبُه (الوفد) الإنتخابات التي أجريت تحت نظر ملك يمقت سعداً (الملك فؤاد) وتحت إشرافِ حكومةٍ تُعادي سعداً (حكومة يحيى باشا إبراهيم) وهى الإنتخابات التي سقط فيها يحيى باشا إبراهيم (وكان رئيس الحكومة ووزير الداخلية في الوزارة التي أجرت الإنتخابات !!) أخذت العزةُ بالإثمِ نفسَ الملكِ فؤاد ، فعوضاً عن أن يكتب لسعد زغلول مكلفاً إياه بتشكيل الوزارة لأنه فاز في الإنتخاباتِ العامة ، فإذا بنفس فؤاد المستبدة تجعله يكرر ما يقوله كل طاغية . ماذا قال الملكُ فؤاد في خطابِ التكليفِ ؟ قال إن إرادته إتجهت لتكليفِ سعد زغلول بتشكيل الحكومة !! (إرادته إذن وليست نتائج الإتخابات) . ولما كان سعدٌ رجلاً عظيم النفس ، فقد أبى أن يخاطبه الملك بتلك الكلمات . فماذا فعل ؟ ... يجلس سعد زغلول العظيم ويكتب للملك فؤاد رسالة تنبيء الملك بموافقة سعد على تشكيل الحكومة ويبدأ بأن يحمد – سعد زغلول – الله ، أن جعلَ إرادةَ الملك تواكب وتوافق إرادةَ الأمة التي إختارت سعداً !! ... هكذا كان الرجالُ !! .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 153 ) : أكاد أسمع صدى صوت وصدح كلمات إسماعيل باشا صدقي (1875 / 1950) وهى تأتي من القبورِ تحث الفلسطينيين بكلماتٍ قالها تحت قبة البرلمان المصري منذ أقل (بشهورٍ قليلة) من ستين سنة : (أَملي ، ألاَّ تركضوا وراء "المستحيل" ، وتهجروا : "الممكن").
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 154 ) : تحية للديمقراطيةِ المتناميةِ في المغرب . وتحية للتحضرِ المغربي الذي تمثل في وجود سبع وزيرات في التشكيل الحكومي (منذ أيام) . فأقوى دلائل التقدم , وجود النساء في الحياة العامة وفي الوزارات وعلى رأس كبريات المؤسسات . أما نحن ، فلا يزال غير قليل من شيوخنا المتكلسون يفتون بعدم ولاية المرأة للقضاء ... ناهيك عن الولاية الكبرى (أنظروا لسخافة اللغة !) .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 155 ) : منذ عشر ِ سنوات ٍ ؛ وأثناء سباحتنا اليومية (كل يوم من السادسة للثامنة مساءا ً ) قال لى الصديق والأستاذ الدكتور ميلاد حنا : "دعنى أرسم لك صورة َ السودان بعد عشرة ِ سنوات ثم بع ـ د عشري ـ ن سن ـ ة" ... اليوم أنظر ُ للصورة ِ السودانية ِ فأجدها طبق َ الأصل لما توقعه الأستاذ ُ الكبير بعلمه الذى لا مثيل له عن السودان ... ما قاله عن الجنوب ِ وعن دارفور وعن مواقف النظام السودانى في مواجهة عشرات المسائل هو - بالحرف - ما حدث . لذا فإننى لا أملك إلا أن أقول : يا ويل السودان إن كانت نبؤات الدكتور ميلاد لشكل الصورة السودانية بعد عشر سنوات أخرى بنفس ِ الدرجة ِ من الصحة ِ وبنفس ِ الدرجة ِ من الدقة ِ ... وكذا ؛ يا ويل أمة لها أبناء مثل ميلاد حنا ولا تسمع لهم .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 156 ) : أصبح المصريون بعد المؤتمر الأخير للحزب الوطني لا يفهمون الفوارق بين مصطلحات مثل: النظام والدولة والحكومة والحزب الحاكم ؛ وكأنهم (بتعبير توفيق الحكيم فى عودة الروح) قد صاروا "الكل فى واحد ..."

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 157 ) : أعتقدُ أن كثيرين فى المجتمعات العربية لا يرون واحدة من أشد الظواهر قوة ً ووضوحا ً وهى ظاهرة إتفاق المؤسسات السياسية والدينية على ضرورة عدم تنمية العقل النقدى عند جموع المواطنين وحتمية إستمرار ذهنية الأجوبة لا ذهنية الأسئلة ... فمع إنتشار ِ العقل ِ النقدى وتحول الذهنيات ِ من عوالم ِ الأجوبة ِ الضيقة ِ إلى عوالم ِ الأسئلة ِ الرحبة ِ ؛ يأتى طوفان ُ المشاركة ِ والمسائلة والمحاسبة الذى هو آخر ما تقبل بشيوعه ِ مؤسسات ُ الإستبداد ِ والفساد ومعهما المؤسسات الدينية .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 158) : وأَضَلَّ فِرعَونُ قَومَُه وَمَا هَدَى??

سُورَة طَه ، الآية 79 .

فَاستَخََّف قَومَهُ فَأَطَاعُوُه إنَّهُم كَانُوا قَوماً فَََ?سِقِينَ?

سُورَة الزّخُرفِ ، الآية 54 .

ونَاَدَى فِرعَونُ فِي قَومِهِ قَاَل ي?َقَومِ َأَلَيس ِلي مُلكُ مِصرَ?

سُورَة الزّخُرفِ ، الآية 51 .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 159 ) : منذُ يومين كانت سيدة أعمال سعودية ورجل اعمال سعودي في إجتماع عمل ثم قررا إستكمال الإجتماع على مقعدين وحول طاولة بمحل من محلات (ستاربكس) المنتشرة في شتى بقاع العالم , وهي جيل جديد وعصري ومُتحضر من المقاهي . أثناء الإجتماع هبط على سيدة الأعمال ورجل الأعمال السعوديين رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر, وعندما تأكدا أن الرجل ليس زوج سيدة الأعمال السعودية , قاما بإختطافها وساقوها لمحبس من محابس هيئتهم التي لا مثيل لها على وجه الأرض . بعد ساعات من الإعتقال وجه رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر تُهمة (الخلوة غير الشرعية) لسيدة الأعمال السعودية . أيحق لاحد بعد ذلك لومارس العالم الحر أي شكل من أشكال الضغوط على السعودية لكي تكف عن هذا العدوان على حقوق الإنسان – أن يعتبر ذلك تدخلاً في أمور تخضع للسيادة السعودية ؟! سَمعت بهذا الخبر وأنا بحضرة عدد من ضيوفي أساتذة جامعة لندن فغمرتني سُحب سوداء من سُحب الهم والغم والعار !
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 160 ) : الأحكام القضائية الأخيرة بخصوص البهائيين والأشخاص الذين كانوا مَسيحيين ثم أسلموا ثم عادوا للمَسيحية تفتح باب الأمل في أن نصل لمرحلة حضارية تُلغى فيها أية إشارة لدين الإنسان في الأوراق الرسمية .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 161 ) : الصراع ُ العربي الإسرائيلي لا يصل إلى تسوية ٍ أو حل ٍ إلا من خلال طريقين : الحرب أو التفاوض . ومن أغربِ ما ي ُ ثير عجب م ُ ثقفي المجتمعات الأكثر تقدماً أن يروا المثقفين العرب يتخذون مواقفً ويكتبون آراءً تناهض إسلوب الحل السياسي أي التفاوضي . فمعظم (إن لم يكن كل) مُثقفي العالم يعتقدون أن من طبائع ِ الأمور أن يكون المثقفون في جانبِ الحل التفاوضي وليس الحل القتالي . ترى ما الذي يجعل المثقف العربي (في أغلبِ الحالات) يُمجد إسلوب القتال أو المقاومة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي ويرفض بل وأحياناً يزدري إسلوب ت ن اول الصراع بالمفاوضات؟ رغم أن لدي إجابة ً (خاصة ً ) إلا أنني أؤثر الإكتفاء بطرح السؤال والدعوةِ لحوار ٍ بهذا الخصوص.
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 162 ) : ليس من معالمِ أو خصائصِ المثقف الحقيقي ألا يرى من الحقائقِ إلا ما يوافق هواه . أقول ذلك بعد إنتهائي من مطالعةِ كتابٍ كبير عن خذلان أوروبا وكل العالم لمسلمي البوسنة ثم لمسلمي كوسو?و في مُقابل نصرة الولايات المتحدة الأمريكية لهؤلاء المسلمين في البوسنة وكوسو?و . ومع ذلك , فإنني لم أطالع مقالاً واحداً لكاتب ٍ مصري كبير من " غير – المنبطحين " (حسب تسميتهم هم أنفسهم والتي تدل على إحتياجاتهم ال سيكولوچية لعلاجٍ فوري ) يبرز فيها دور الولايات المتحدة الأمريكية في حمايةِ مُسلمي هذين الإقليمين من أقاليم ما كان يُعرف بدولة يوغوسلا?يا , لماذا ؟ ... أيضاً عندي إجابة خاصة , ولكن أؤثر إثارة الأسئلة عن طرح الأجوبة .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 163 ) : أمضيت الأسبوع الأخير أُطالع عشرات التقارير والدراسات والمقالات عن الجرائم التي أُرتكبت (ولا تزال تُرتكب) في حق مواطني إقليم دارفور من أصولٍ إفريقية . هناك العديد من الزوايا التي يمكن النظر منها لمأساةِ دارفور إلا أنني أختارُ هنا النظر لفظائعِ إقليم دارفور من خلال ِ سؤالا ٍ واحد ٍ : لماذا لم يكتب كاتب عربي كبير واحد ما يدل على إستنكارهِ للجرائمِ التي أُ ق ترفت من قِبل سكان دارفور من أصول عربية وكذا من قِبل الحكومة المركزية في السودان ضد أهل دارفور المنحدرين من أصول أفريقي ة؟ لماذا لا يغضب هؤلاء لأطفال ونساء ورجال دارفور من أصولٍ غير عربية كغضبتهم للفلسطنيين في غزة؟ أي ة ذهنية هذه ؟ أية إنسانية هذه ؟ وأخيراً : أي تعصب مقي ت هذا ؟
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 164) : كنت منذ أيامٍ (في باريس) أُتابع مقابلات ولقاءات وأنشطة وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني مؤخراً في العاصمة القطرية الدوحة , كنت أتابع إجتماعاتها ومن بينها إجتماع مع أمير قطر وآخر مع رئيس وزراءِ قطر (الأب الروحي لقناة الجزيرة) وكذلك مع وزير خارجية سلطنة عمان . حولت القناة الفرنسية إلى قناة الجزيرة عسى أن يكون بوسعي مُتابعة زيارة ليفني لقطر بتفصيل أكثر – فلم أجد شيئاً . السؤال الآن : ترى ماذا سيكتب دعاةُ الصمود والتحدي والمُقاومة من كُتابنا الكِبار أصحاب الصلاتِ (الأدبية والمعنوية والمادية) مع قطر ؟ هل سنطالع لهم كتابات تستهجن الزيارة واللقاءات وتُهاجم قناة الجزيرة ورُعاتها ؟ أم أن الإنتقائية هي سيد الموقف عند الصناديد والمغاوير أصحاب الكلام الكبير ؟.
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 165 ) : منذُ أيام قليلة (6 مايو 2008) وبينما كنت أجلس على يسار رئيس وزراء كوردستان في مدينة إربيل (عاصمة كوردستان) سمعته يتحدث عن أن أول قرارٍ إتخذه يوم أصبح رئيساً لحكومة كوردستان (سنة 1991) هو إغلاق كافة المدارس الدينية في الإقليم. فقد كان يرى أن المجتمعات الحديثة تحتاج لعددٍ قليل جداً من رجال الدين من أصحاب المستويات الرفيعة في التعليم ولا تحتاج إلى تلك المفارخ لذهنية التعصب والتزمت والرجعية . في نفس يوم إصداره إلغاء المدارس الدينية في إقليم كوردستان العراق إتصل به الرجل الثاني في دولةٍ تُنفق على المدارس الدينية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب وعرضَ عليه إغراءات مالية بمليارات الدولارات إن قامَ بإلغاء قرار إغلاق المدارس الدينية . ولكن السيد ( Nichirvan Barzany ) أصر على التمسك بقرارهِ. وهاهي كوردستان اليوم منطقة هادئة مسالمة تنعم بسلامٍ نادرٍ وسط أتون الغليان العراقي بل أَنها الجهة الوحيدة في العراق التي لا يحارب بعضُها بعضَها . توقعاتي لإقليم كوردستان أن يكرر النهضة العظمى لمكانٍ مثل إمارة دبي كما أتوقع له أن ينسلخ عن أتون الغليان والقتلِ والدم القريبة منه .

كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 166 ) : ما الذي دهى حِصن الإسلام السُني الأكبر أي الأزهر ؟ . لماذا تقبل مؤسسة بهذه العراقة بالتبعية الفكرية لمؤسسة دينية أُخرى خاضعة بالكلية لأضعف تيارات الفقه الإسلامي وأكثرها نصية وعبادة للنقل وعداءاً للعقل (تيار أحمد بن حنبل وإبن تيمية وإبن قيم الجوزية) ؟ لماذا لا يتصدى الأزهر لأفكارٍ هى بالتأكيد مفارخ التعصُب والتزمت والعُنف والإرهاب والدعوة الحاضة على الصدام مع الإنسانية مثل أفكار الولاء والبراء التي كان لها المُساهمة الكبرى في إنتاج دولة طالبان والأفغان العرب وأتباعهما من الجهاديين والإنتحاريين في شتى أرجاء المعمورة . لماذا لا يتصدى الأزهر لمُجمَل نظرية الولاء والبراء ويشرح لجمهوره الواسع أنها (نظرية الولاء والبراء) نظرية أنتجت في زمن معين وفي ظل ظرف تاريخي محدد هو سقوط أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تحت سنابك خيل المغول الذين أسقطوا عاصمة الدولة الإسلامية وداسوا أشياءاً عديدة في طريقهم . لماذا لا يُقال على أوسع نطاق أن القول بنظرية الولاء والبراء كانت حاجة سياسية مُلحة في زمنٍ وظرفٍ تاريخي لمنع أبناء الشعوب الإسلامية (وقتها) من التعامل
مع العدو الغازي .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
( 167 ) : منذ ُ مائة سنة بالتمام والكمال فتُحت الجامعة المصرية ( تحول الإسم من الجامعة الأهلية للجامعة المصرية لجامعة فؤاد الأول لجامعة القاهرة ) ... فى سنواتها الأولي كان من بين طلاب الدراسات العليا با لجامعة طه حسين ؛ كما كان من أساتذتها البروفيسور الإيطالي الأشهر نيللينو - اليوم تغرق قطاعات عديدة من هذا الصرح العلمي العريق تحت ظلام ملاّك الحقيقة المطلقة فيما تسحب صفة "الجامعة" عن أماكن كثيرة بها ... ففى البحث العلمي لا يوجد أ و لئك الذين يملكون الحقيقة المطلقة .
كتبت في 13 نوفمبر 2008
(168 ) : الثقافة العربية اليوم مكبلة بثلاثة قيود : القيد الأول يمثله عدد من رجال الدين الغارقين فى الرجعية والماضوية والتخلف (وهم أيضا الذين يعطون الشرعية) لنظم حكم أسوأ من السوء ... ثم القيد الثاني والذى تمثله برامج التعليم ومناهجه الغارقة فى عقلية التلقين والغارسة لقيم التخلف والحاجرة على إبداعات العقل النقدي ... ثم القيد الثالث والمتمثل فى إشكالية الثقافة العربية المعاصرة مع التقدم وعجز هذه الثقافة عن التعرف على الطبيعة الإنسانية لقيم التقدم ... وبفعل تلك القيود الثلاثة تغلف واقع مجتمعاتنا رقائق بل طبقات سميكة من الآفات أكبرها موقف ثقافتنا المخزي من الوضعية المزرية للمرأة العربية ... فالرجل العربي الكسيح والفاقد - كلية - للثقة فى الذات لا يزال يقبل بمعاملة المرأة وكأنها شر مؤكد (بل ويدين المرأة إذا تحركت غرائزه هو بشكل حيواني فيصرخ "كفنوها" بالأقمشة والبراقع لأنها تغريني !! فالضحية هى المسئولة لا الجاني الذى يعترف ضمنا بحيوانيته وبهيميته وتوحشه ... ومع ذلك يلقي بتبعة دونيته على المرأة) ... إن المثقفين العرب مطالبون اليوم بإعتبار أعداد غير قليلة من رجال الدين فى مجتمعاتهم (وهم أولئك الذين يعارضون المساواة والحقوق الكلية للمرأة) مجرد مرضي من مصلحة المجتمع حجزهم فى المصحات لعلاجهم نفسيا لا إقامة التشريعات وسن القوانين بناءاً على آرائهم المريضة والمترعة فى التخلف والظلامية والرجعية والماضوية واللا–إنسانية ...
كتبت في 13 نوفمبر 2008



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دانات أطلسية
- ثورة اللوتس : الإنجازات والمحاذير ...
- دانات حارقات ...
- حتميتان تاريخيتان ... وأيضا جفرافيتان .
- عشر دانات
- محاولة لفلسفة ثورات 2011 العربية
- ثلاثة أدران بجسد مصر (من أوراق -ثورة اللوتس- ) .
- من أوراق ثورة اللوتس : 5 مارس / آذار 2011
- حديث عن الثورة.
- أوراق ثورة اللوتس (7) : الشكر والإمتنان لجمال مبارك ...
- أوراق ثورة اللوتس - الورقة السادسة.
- لا بد ... لا بد ... لا بد - المقال الخامس عن ثورة اللوتس .
- المقال الرابع عن ثورة اللوتس.
- متابعة طارق حجي لتداعيات الثورة المصرية - التقرير الثالث
- اليوم ... اليوم ، وليس غدا
- دانات أسيفات ...
- تعليق على ما حدث
- الثورة المتوخاة فى التعليم الديني
- خواطر لندنية
- خواطر وشذرات


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - 168 دانة