أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - طارق حجي - الثورة المتوخاة فى التعليم الديني















المزيد.....

الثورة المتوخاة فى التعليم الديني


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 3833 - 2012 / 8 / 28 - 11:43
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


* نص الكلمة التى سيلقيها طارق حجي بالمؤتمر الدولي الذى تنظمه كلية الآداب بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة بالمغرب : 4 و 5 مايو 2011



يمكن للتعليم الديني أن يغرس في عقول و ضمائر أبناء و بنات أي مجتمع قيماً تدعو للتعصب و الإنعزال عن مسيرة الإنسانية بل و تؤسس لذهنية العنف و إقصاء الآخر. وفي ذات الوقت يمكن للتعليم الديني أن يشكل عقولاً و ضمائرا إنسانية بناءة و إيجابية و قادرة و قابلة لإلحاق مجتمعاتها بمسيرة التقدم الإنساني.

و في اعتقادي أن هناك خللاً كبيراً في مناهج تعليم الدين في المجتمعات العربية حيث تميل العقلية التي تضع برنامج التعليم الديني للإستغراق في الجوانب الطقوسية و القصص الديني/التاريخي بما في ذلك تاريخ الحروب و الغزوات. و يواكب ذلك نقص شديد في الإهتمام بالأنساق القيمية سواء كنا نتحدث عن القيم الشخصية أو القيم العامة المجتمعية.

و في اعتقادي أن الجانب المتعلق بالقصص الديني بل و بالطقوس و العبادات ينبغي أن يقلص (بضم الياء) و أن يُترك بعضه للقراءات الحرة للإنسان وللتربية المنزلية أي الأسرية.

و الثورة التي أدعو لها في كتاباتي فيما يخص التعليم الديني هي أن يكون عصب و محور و جوهر حصص تعليم الدين متعلقة بجانبين، أولهما القيم الشخصية و ثانيهما القيم المجتمعية.

أما القيم الشخصية فأبرز أمثلتها قيماً مثل الصدق و الأمانة و الوضوح و عدم الإزدواجية و احترام و إكبار الروابط الأسرية و احترام و إجلال كبار السن و الإهتمام بالمحتاجين و أصحاب الإحتياجات الخاصة و كذا حب الحيوان و الطبيعة و النظافة و النظام. و لن يكون من الصعب تدعيم كل قيمة من هذه القيم بنصوص دينية و أمثلة من التاريخ الديني تحض على التخلق بتلك القيم.

و أما القيم المجتمعية و المتصلة بعلاقة الإنسان بمجتمهع ، فإنها بالغة الأهمية. وهى إن لم تُغرس إبان سنوات التعليم الأولى فقد يصعب غرسها لاحقاً.

و أهم القيم العامة أي المجتمعية التي ينبغي على دروس الدين أن تؤصلها و تغرسها في عقول و ضمائر أبناء و بنات المجتمع هي:

¯ التعددية: بمعنى أن ينشأ الإنسان و هو مؤمن أن التعددية هي معلم من معالم الحياة على الأرض و أن التعددية تشمل الإختلاف في العرق و الدين و الثقافة و الرأي و سائر أشكال الإختلاف و التباين.

¯ الغيرية: و تعني تأصيل قيمة قبول الآخر في عقول و ضمائر أبناء و بنات المجتمع كنتيجة طبيعية لقيمة التعددية.

¯ النسبية: بمعني تأصيل قيمة أن كل شيء بما في ذلك الآراء و الأحكام الإنسانية هي نسبية بطبيعتها و هو ما يقتضي ألا ينشأ أبناء و بنات المجتمع في ظل ثقافة "ملكية الحقيقة المطلقة".

¯ العيش المشترك: قليلة هي المجتمعات التي يوجد فيها دين واحد وثقافة واحدة. و معظم المجتمعات تتعدد فيها المعتقدات و الثقافات والخلفيات وهو ما يحتم تنشئة أبناء و بنات المجتمع على قيم العيش المشترك و التي لا يمكن أن تتحقق بدون تأسيس العلاقة بين أبناء المجتمع و بناته و بين الدولة على أساس المواطنة فقط. فتعميق ثقافة المواطنة هو بمثابة تأسيس ركيزة العيش المشترك بل و ركيزة ثقافة السلام المجتمعي.

¯ مكانة و حقوق المرأة: تشترك البشرية جمعاء في ظلمها التاريخي للمرأة و هو ظلم عبّر عنه الشاعر الفرنسي بول إيلوار (Paul Éluard) عندما قال أن البشرية لو وقفت تعتذر للنساء عما اقترفته الثقافة الذكورية من جرائم في حق المرأة عبر التاريخ و كان وقوفها للإعتذار لمدة خمسين ألف سنة، لما كان ذلك كافياً. فمن الضروري لأي مجتمع يتوخى التقدم و اللحاق بمسيرة الإنسانية أن يقوم بتنشئة أبناء و بنات المجتمع على إحترام و تقدير مكانة المرأة ككائن لا يقل و لو بذرة عن الرجل في الحقوق الدستورية و السياسية و القانونية و المجتمعية. و استئصال بقايا الثقافة الذكورية من المجتمع هو عملية تربوية و تعليمية شاقة ستستغرق عقوداً من الزمن لأنها بقدر حاجتها لدعم مناهج التعليم الديني لها، بقدر حاجتها أيضاً لمساندة الأسرة و المجتمع و المناخ الثقافي العام لتلك الرسالة التي على مناهج التعليم الديني أن تبثها و تغرسها في عقول و ضمائر أبناء و بنات المجتمع. و لا بد من ضرب أمثلة واقعية تظهر دور نساء عديدات في تقدم البشرية (اكرر دائما أن إمرأة واحدة مثل مدام كوري يمكن أن تكون دليلا ليس فقط على كون المرأة كائن يتساوي مع الرجل ، بل لأن تكون دليلا على تفوق المرأة ، فهى أول "إنسان" يحصل على جائزة نوبل فى العلوم لمرتين) .

¯ عالمية المعرفة: لا يمكن إلحاق المجتمعات المسلمة بمسيرة الإنسانية المتقدمة دون أن ينشأ أبناء و بنات المجتمع مؤمنين إيماناً راسخاً بعالمية أو كونية أو إنسانية المعرفة سواء كنا نعني العلوم التطبيقية أو العلوم الإجتماعية. ففي عصرنا الراهن لا توجد حدود فاصلة بين مواطن التقدم العلمي و بين سائر المجتمعات. و من حقائق العصر أن يبحث الإنسان عن الجديد في العلوم التطبيقية و الإجتماعية فى أي مكان تحت الشمس.

¯ السماحة الدينية و الثقافية: السماحة أو الإحتمال (Tolerance) هي منتج حتمي لقيم التعددية و الغيرية و النسبية و العيش المشترك. وهي قيمة تشكل المادة اللاصقة لمجموعة القيم الأخرى التي أوردناها آنفاً. و تنطلق قيمة السماحة من مبدأ عبر عنه أحد أشهر أئمة الفقه الإسلامي السني و هو محمد بن إدريس الشافعي عندما قال "إن رأيي صواب يحتمل الخطأ و إن رأي معارضي خطأ يحتمل الصواب".

¯ الإيمان بالإنسانية: عاش الإنسان لقرون طويلة في ظل إيمانه بالعائلة و بالقبيلة و بالجماعة ثم في عصور لاحقة بالدولة القومية. و لكن الإنسان المعاصر يقف على أعتاب مرحلة جديدة تتعاظم فيها قيمة أفق أعلى من تلك الآفاق الأخرى و أعني أفق الإنسانية. و كلما ارتقى الإنسان علمياً و ثقافياً (معاً) كلما كان أقرب للإنتماء للإنسانية في ذات وقت إنتمائه لروابطه الأخرى.

¯ الهوية بين الفكر المركب و الفهم الأحادي: تطور مفهوم الهوية خلال مسيرة التمدن الإنساني حتى أصبح من المسلم به أن هوية كل إنسان هي ناتج مكونات عدة. بمعنى أن الهوية ذات البعد الواحد أو الأحادي صارت مخالفة و مناقضة لكل قيم العصر. بل أن هناك إعتقاد لدى عدد من المفكرين (أمين معلوف على سبيل المثال) أن الهوية أحادية المكون (أو البعد) هي هوية محاربة للإنسانية ، بل (وحسب تعبير أمين معلوف) "هوية قاتلة" .

¯ حقوق الإنسان: شهدت الإنسانية منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة في قصر شايوه (Palais de Chaillot) بباريس يوم 10 ديسمبر 1948 تطوراً حثيثاً في مجال جديد من مجالات العلوم الإجتماعية و القانونية و هو مجال حقوق الإنسان. و الذي هو بمثابة الجهة المقابلة و الموازنة لسلطات و سلطان الدول و الحكومات. و هنا فإن للتعليم الديني دوراً كبيراَ في تفعيل شعور و اهتمام أبناء و بنات المجتمع بفكرتي "حقوق الإنسان" و "المجتمع المدني" لكون الأخير أحد أهم الجهات المنوط بها تفعيل الإهتمام بحقوق الإنسان.

¯ الإهتمام بالمستقبل: من أمراض المناخ العام لمعظم المجتمعات المسلمة و العربية هو ذلك الإنشغال غير الصحي بالماضي و أمجاده دون توازن معقول بين الإهتمام بالماضي و الإهتمام بالمستقبل.

¯ ترسيخ قيم العمل العصرية: برزت خلال القرن العشرين مجموعة من العلوم الإجتماعية أصبح يطلق عليها علوم الإدارة الحديثة و التي هي بمثابة دستور و قانون العمل في المؤسسات العصرية. هذه العلوم صارت هي مفتاح النجاح لمجتمعات بأكملها (مثال "النمور الآسيوية"). و من أهم قيم العمل العصرية العمل الجماعي أو عمل الفريق و الإتقان (علم الجودة الشاملة) و الإهتمام بعلوم الموارد البشرية و بالثقافة المؤسسية عوضاً عن الثقافة الشخصانية.

و أخيراً، فإن على التعليم الديني أن يعيد صياغة مضامين جديدة لعدد من المفاهيم مثل الجهاد و الآخر و الأمة... إلخ.



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر لندنية
- خواطر وشذرات
- دانات - بمناسبة تحرر الشيطان من أغلاله الرمضانية !
- حجر الأساس للإصلاح في المجتمعات العربية.
- د.طارق حجي في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول العلمانية و ...
- سجون العقل العربي - النص الكامل
- موجز الكلمة التى سيلقيها طارق حجي بجامعة الزيتونة بتونس يوم ...
- عن كتاب فذ : الإختلاف فى الثقافة العربية - دراسة جندرية للبر ...
- أدبيات تحقير الاسلام : الى اين ؟
- ثقافتنا: ... بين الوهم والواقع (كتاب أصدرته -دار أخبار اليوم ...
- اختلال الميزان فى مقال الامير سلمان !
- ثلاث معضلات متداخلات
- ياسمين يحي ومقالها البديع عن الوهابية
- مقدمة مقال حديث مطول (غير منشور) عن أزمة الهوية فى مصر
- دانات منتخبات (مقالات قصيرة جدا) .
- لا تقدم بدون -حقوق كاملة للمرأة- ...
- الآثار : بين العلماء والتجار !
- لماذا نحن عاجزين عن ركوب قطار الحداثة ؟
- التحدي الاكبر للمجتمعات العربية : التعليم
- مفتي السعودية : المدّعون أن الكسوف والخسوف ظواهر كونية مخالف ...


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - طارق حجي - الثورة المتوخاة فى التعليم الديني