أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - حتميتان تاريخيتان ... وأيضا جفرافيتان .















المزيد.....

حتميتان تاريخيتان ... وأيضا جفرافيتان .


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 3333 - 2011 / 4 / 11 - 17:56
المحور: المجتمع المدني
    



يتعلم الأنسان من السفر كما يتعلم من مصادر المعرفة الآخرى ، وأهمها القراءة. ,وإذ كنت محظوظاً إذ سافرتُ لاكثر من الف مدينة بأكثر من ستين دولة بكل قارات المعمورة ، فقد كان السفر والتعامل مع معظم المجموعات البشرية في العالم مصدراً من أهم مصادر "محصولي المعرفي".

ومما تعلمته من السفر ، أن البشر المعاصرين ينقسمون لمجموعتين: أَما المجموعة الأولى فتضم البشر الذين ينتمون لمجتمعات مثل مصر والعراق والهند والصين واليونان وايطاليا والمغرب ( وغيرها) ، وهي مجتمعات ذات تاريخ متعدد الرقائق . فتاريخ مصر منذ ثلاثين قرناً غير تاريخ مصر منذ عشرين قرناً ، غير تاريخ مصر منذ عشرة قرون ، غير تاريخ مصر منذ قرن واحد. أَما المجموعة الثانية فتضم البشر الذين ينتمون لمجتمعات مثل معظم المجتمعات العربية-الخليجية ومثل الكثير من المجتمعات الأفريقية . وهي مجتمعات ذات تاريخ أحادي الرقيقة. فتاريخ دولة مثل "ترابستان" (مجرد إسم مفترض) منذ ثلاثين قرناً هو (تقريباً) صورة كربونية من تاريخ "ترابستان" منذ عشرة قرون ، وهذا الأخير هو أيضاً (بشكل تقريبي) صورة كربونية من تاريخ "ترابستان" منذ مائة سنة فقط ! فنظام الحياة واشكال الفن والابداع ( ان وجدت) هي ذاتها لم يطرأ عليها تغيير جذري. وقد علمتني تجربة السفر والعمل والإقامة في العديد من مجتمعات المجموعتين (المجموعة الأولى ، اي مجموعة التاريخ الديناميكي ، والمجموعة الثانية ، أي مجموعة التاريخ الإستاتيكي) ، وكذلك تجربة التعامل الطويل مع أبناء وبنات المجموعتين ، وأيضاً علمتني قراءة تاريخ معظم شعوب المجموعتين والآثار الفكرية والأدبية والفنية (كلما وجدت) لابناء وبنات شعوب المجموعتين درساً بالغ الأهمية . وفحوي هذا الدرس هو أن إنسان كل مجموعة انما هو ثمرة عاملين:



- العامل الأول ، هو الشخص ذاته ، بتكوينه الجيني والاجتماعي

والمعرفي والثقافي ....

- وأما العامل الثاني ، فهو حقيقة أن " مجتمع كل انسان " يوجد في كل ذرة من كيان هذا الإنسان.



ومعنى هذا أَنني ثمرة عاملين : فمن جهة فأنا ثمرة ظروفي الشخصية ومساري المعرفي وتجربتي الحياتية ، ومن جهة ثانية فانا ثمرة مجتمعي المصري ، اي ثمرة رقائق التاريخ المصري الشتي ( المصرية القديمة والهيلينية والرومانية والقبطية والأسلامية-العربية ( وهذه الاخيرة وحدها ذات رقائق عدة). ومثلي ، فان كل انسان من أبناء وبنات المجتمعات ذات الرقائق التاريخية المتعددة ، هو كائن بشري يحمل ( بشكل نسبي ) معالم هذا التعدد الناجم عن تعدد رقائق تاريخ وثقافة مجتمعه .

وفي ذات الوقت ، فان انسان المجتمعات ذات الرقيقة الواحدة يكون من جهة ثمرة عوامله الشخصية ، ويكون فى ذات الوقت ثمرة تاريخ مجتمعه أحادي الأبعاد.

وقد علمتني تجربة التعامل مع العديد من أبناء وبنات المجموعتين البشريتين ( مجموعة الرقائق المتعددة ومجموعة الرقيقة الأحادية ) ، كما علمتني دراسة آداب وفنون وإبداعات أبناء وبنات المجموعتين المذكورتين أن "القفز فوق الزمن" هو أَمرُ مستحيلُ . فلا التعليم العصري ولا الثروة بقادرين على إحداث أي تجاوز حقيقي لآثار التاريخ أُحادي الرقيقة وثقافته أحادية البعد . والعلاج الوحيد الفعَّال سيأتي من خلال تكوين رقائق جديدة ( اضافية وعصرية مختلفة ومتعددة الأطياف). ولاشك عندي أن الثروة الهائلة كانت في بعض المجتمعات بمثابة عائق من اكبر عوائق التطور . إذ أن هذه الثروة تخلق مناخاً عاماً راضياً عن النفس ، وهو أَمرُ عكس المطلوب تماماً ! وبدون إثراء لرقائق واقع وتاريخ مجتمعات المجموعة الثانية ( مجموعة التاريخ ذي البعد الواحد أو ذي الرقيقة الواحدة ) ، فلن يكون بوسع أبناء وبنات هذه المجتمعات اللحاق بركب العصرنة والحداثة والتقدم . ومن البديهات أن اللحاق بركب العصرنة والحداثة والتقدم هو ظاهرة تختلف كلية عن ظاهرة "شراء" ثمار العصرنة والحداثة والتقدم ! .

وأضيف ، أن بعض المجتمعات التى يتكون تاريخها من رقيقة واحدة وتتسم (بناء على ذلك) بثقافة ذات بعد واحد ، قد حكمت علي أبنائها وبناتها بإستحالة اللحاق بركب العصرنة والحداثة والتقدم ، رغم وفرة الثروة المتاحة ، وذلك عندما قررت قيادات هذه المجتمعات أن التقدم يتحقق بدراسة الطب والهندسة والزراعة والعلوم وليس بدراسة الفلسفة !! التي إستبعدت ( أو همشت ) من المنظومة التعليمية لمعظم مجتمعات هذه المجموعة. وهذا جانب آخر من جوانب مآساة هذه المجتمعات ( مجتمعات التاريخ آحادي الرقيقة والثقافة احُادية البعد ) . فالتقدم لا يحدث بغير العقل النقدي والتسبيب المنطقي ونسبية الآراء ووجهات النظر والاحكام والمعتقدات ، وهذه كلها من ثمار دراسة الفلسفة ! ومعروف على نطاق واسع لدارسي تاريخ الشعوب الناطقة بالعربية ان جمود وتيبس معظم هذه الشعوب وإنسحابها من مسيرة التمدن والتقدم الإنسانيين انما حدثت عندما توقفت تلك المجتمعات (أو عندما توقفت نخب هذه المجتمعات) عن التفلسف ، وعندما رفع رجال الدين ( المحافظين السائرين على منهج الشرح على المتون وإكبار السلف ) الشعار المدمر والمخرب "من تمنطق فقد تزندق" !! فالشعوب تتقدم (فقط) عندما تتمنطق وعندما تقوم بتشريح الأفكارونقد كل الآراء وتفعيل العقل الأنساني بوجه عام والعقل النقدي بوجه خاص. وما اكثر ما قلت في محاضراتي (لطلبة الدراسات العليا في علوم الإدارة الحديثة) أن فيلسوفين مثل إيمانويل كانط وأوغست كونت يسيران (اليوم وبعد موتهما بعشرات السنين) في أروقة المؤسسات الصناعية العالمية الكبرى كما تسير بأروقتها الثمار العلمية ( والتكنولوجية ) لمسيرة التقدم العلمي الإنساني. وبدهي ، أن الظواهر التاريخية والاجتماعية والثقافية لا تعني التعميم . فهناك إستثناءات لكل الظواهر. ولكن العبرة بالصورة العامة وليس بعض الإستثناءات الفردية . وبالتالي ، فإن إفراز "مجتمعات التاريخ أحادي الرقيقة والقافة ذات البعد الواحد " لحالات استثنائية تخالف "نسيج أو قماشة" الحالة العامة التي أنتجتها الحتميتان التاريخية والجغرافية ، هذا الإفراز لا ينفي ولا يدحض النظرية المطروحة في هذا المقال ... والذى أهديه لبعض أصدقائي الذين ينتمون لمجموعة المجتمعات ذات المسيرة التاريخية الإستاتيكية . فمن خلال حواراتي معهم لمست بوضوح العديد من عواقب مجيئهم من خلفية إجتماعية لا تتمنطق ، خشية أن تتهم بأنها تتزندق ... وكانت النتيجة - بوضوح جلي - ضمور العقل النقدي المصحوب بعجز شبه مطلق على التسبيب ناهيك عن إختفاء مذهل للموضوعية ...



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشر دانات
- محاولة لفلسفة ثورات 2011 العربية
- ثلاثة أدران بجسد مصر (من أوراق -ثورة اللوتس- ) .
- من أوراق ثورة اللوتس : 5 مارس / آذار 2011
- حديث عن الثورة.
- أوراق ثورة اللوتس (7) : الشكر والإمتنان لجمال مبارك ...
- أوراق ثورة اللوتس - الورقة السادسة.
- لا بد ... لا بد ... لا بد - المقال الخامس عن ثورة اللوتس .
- المقال الرابع عن ثورة اللوتس.
- متابعة طارق حجي لتداعيات الثورة المصرية - التقرير الثالث
- اليوم ... اليوم ، وليس غدا
- دانات أسيفات ...
- تعليق على ما حدث
- الثورة المتوخاة فى التعليم الديني
- خواطر لندنية
- خواطر وشذرات
- دانات - بمناسبة تحرر الشيطان من أغلاله الرمضانية !
- حجر الأساس للإصلاح في المجتمعات العربية.
- د.طارق حجي في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول العلمانية و ...
- سجون العقل العربي - النص الكامل


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - حتميتان تاريخيتان ... وأيضا جفرافيتان .