أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حامد الحمداني - لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة السادسة















المزيد.....


لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة السادسة


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 1006 - 2004 / 11 / 3 - 10:52
المحور: القضية الكردية
    


تدهور العلاقة بين عبد الكريم قاسم والقيادة الكوردية
واللجوء إلى حمل السلاح ووقوع انقلاب 8 شباط 1963
الحلقة السادسة
كانت ثالثة الأثافي في تدهور الأوضاع السياسية في البلاد ، وانقسام القوى الوطنية ، حدوث الخلافات العميقة بين قيادة عبد الكريم قاسم وقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مصطفى البارزاني ، ولجوء الطرفين إلى الصراع المسلح ، واستخدام السلطة للجيش في حسم ذلك الصراع .
بدأت العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والسلطة بالتدهور عام 1961 ، عندما هاجمت صحيفة الحزب [ خه بات ] أسلوب السلطة في إدارة شؤون البلاد ، وطالبت بإلغاء الأحكام العرفية ، وإنهاء فترة الانتقال ، وإجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة، وسن دستور دائم للبلاد ، وإطلاق سراح السجناء السياسيين الأكراد ، واحترام الحياة الحزبية ، وحرية الصحافة .
كان الرد من قِبل عبد الكريم قاسم أن أمر بغلق مقر الحزب في بغداد ، وغلق صحيفة الحزب ومطاردة قادته ، واعتقال البعض منهم في آذار 1961 ، واستمرت العلاقة بين الطرفين بالتدهور حتى بلغت مداها في شهر تموز من ذلك العام .
وفي 20 تموز 961 ، قدم المكتب السياسي للحزب مذكرة إلى الزعيم عبد الكريم قاسم تضمنت المطالب التالية :
1 ـ تطبيق المادة الثالثة من الدستور المؤقت والمتعلقة بحقوق الشعب الكردي .
2 ـ سحب القوات العسكرية المرسلة إلى كردستان .
3 ـ سحب المسؤولين عن شؤون الأمن والشرطة والإدارة ، الذين كان لهم دور بارز في الحوادث التي وقعت في كردستان .
4 ـ إعادة الموظفين الأكراد المبعدين إلى كردستان .
5ـ إطلاق الحريات الديمقراطية ، وإلغاء الأحكام العرفية .
6 ـ إنهاء فترة الانتقال ،وانتخاب مجلس تأسيسي،وسن دستور دائم للبلاد.
7 ـ تطهير جهاز الدولة من العناصر المعادية لثورة 14 تموز .
لكن عبد الكريم قاسم تجاهل المذكرة ، واستمر في حشد قواته العسكرية في المناطق المحاذية لإيران ، حيث كانت قد اندلعت حركة تمرد قام بها اثنان من كبار الإقطاعيين هما كل من [ رشيد لولان ] و[ عباس مامند] بدعم وإسناد من النظام الإيراني ، والسفارة الأمريكية في طهران ، وقد أستهدف رشيد لولان ، وعباس مامند ، إلغاء قانون الإصلاح الزراعي ، فيما استهدفت الإمبريالية الأمريكية ، وعميلها [شاه إيران ] زعزعة النظام الجديد في العراق ، وإسقاطه .
أما الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد استهل صراعه مع السلطة بإعلان الإضراب العام في منطقة كردستان في 6 أيلول 961 ، حيث توقفت كافة الأعمال ،و أصاب المنطقة شلل تام ، وقام المسلحون البيشمركة باحتلال مناطق واسعة من كردستان ، حاملين السلاح بوجه السلطة ، دون أن يقدروا دوافع تلك الحركة ، والقائمين بها ، والمحرضين عليها ، ومموليها ، مغلّبين التناقض الثانوي على التناقض الرئيسي مع الإمبريالية وأذنابها سواء كانوا عرباً ،كما هي الحال مع حزب البعث وحلفائه القوميين ، أو كانوا من الكورد، كما هو الحال مع تمرد الأقطاعيين رشيد لولان وعباس مامند.
كما أن عبد الكريم قاسم فضل هو الآخر اللجوء إلى استخدام القوة ، ورفض الحوار وحل المشاكل مع القيادة الكردية ، وإيجاد الحلول الصائبة للقضية الكوردية حسب ما نصت عليه المادة الثالثة من الدستور المؤقت .
ظن الزعيم عبد الكريم قاسم أن اللجوء إلى السلاح سينهي الأزمة خلال أيام ، ويصفي كل معارضة لسياسته في البلاد ، لكن حساباته كانت خاطئة ، وبعيدة جداً عن واقع الحال ، وكانت تلك الحرب في كردستان أحد أهم العوامل التي أدت إلى اغتيال ثورة 14 تموز يوم الثامن من شباط 1963 .
لقد رد الزعيم عبد الكريم قاسم بدفع المزيد من قطعات الجيش في 9 أيلول 961، لضرب الحركة الكردية مستخدمأً كافة الأسلحة ، والطائرات ، وهكذا امتدت المعارك وتوسعت لتشمل كافة أرجاء كردستان
ولم تجدِ نفعاً كل النداءات التي وجهها الحزب الشيوعي لكلا الطرفين لإيقاف القتال ، واللجوء إلى الحوار، وإيجاد حل سلمي للقضية الكوردية ، حيث شن الحزب الشيوعي حملة واسعة شملت كافة أنحاء العراق تحت شعار [ السلم في كردستان ،والديمقراطية للعراق ] ، وقد أثارت تلك الحملة غضب الزعيم عبد الكريم قاسم على الحزب ، وتعرض المئات من رفاق الحزب للاعتقال والتعذيب وحتى السجن ، وكنت واحداً من الذين شاركوا في الحملة في السليمانية وتعرضت للاعتقال والتعذيب الشنيع على يدي الجلاد صديق مصطفى ، آمر اللواء العشرين ،والمجرم رشيد علوان آمر الانضباط العسكري ، لكن تلك الجهود باءت بالفشل ، ولم تلقَ الاستجابة من الطرفين ،واستمرت الحرب بينهما حتى وقوع انقلاب 8 شباط 1963 .

لقد وقع قادة الحركة الكردية في خطأ جسيم آخر ، عندما وضعوا أيديهم بأيدي انقلابيي شباط 963 ضد السلطة الوطنية بقيادة عبد الكريم قاسم ، ظناً منهم أن بالامكان حصول الشعب الكردي على حقوقه القومية المشروعة على أيدي أولئك القوميين الفاشيين المتعصبين .
لقد كان موقفهم هذا ، أقل ما يقال عنه ،أنه ينم عن جهل بطبيعة حزب البعث ، والقوى القومية المتعصبة المتحالفة معه، الذين لم يكّنوا يوماً المودة للشعب الكردي ، ورفضوا حتى إشراك الحزب الديمقراطي في جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 .
وهكذا فلم تمض ِسوى أربعة أشهر على انقلاب 8 شباط ، حتى بادر الانقلابيون في 1 أيار 1963 إلى شن حملة شعواء على الشعب الكردي ، لم يشهد لها مثيلاً من قبل ، منزلين فيه الويلات ، والمآسي ، و ألوف القتلى ، وتهديم القرى ، وتهجير الشعب الكردي .
لقد تمزقت الوحدة الوطنية ، وتحولت الجبهة الوطنية إلى الصراع المرير بين أطرافها ، ومع السلطة جراء الأخطاء القاتلة لكافة الأحزاب السياسية والسلطة على حد سواء ، فقد كان لكل طرف حصة ونصيب في تلك الأخطاء التي أدت إلى التمزق والصراع ، وضياع الثورة ، وتصفية كل مكاسب الشعب ، وإغراق البلاد بالدماء .
ولاشك أن عبد الكريم قاسم يتحمل القسط الأكبر من مسؤولية تلك الأخطاء ، لأنه كان على قمة السلطة ، وكان بمقدوره أن يفعل الكثير من أجل إعادة اللحمة للصف الوطني ، ومعالجة المشاكل ، والتناقضات التي نشأت ، والتي يمكن أن تنشأ مستقبلاً ، بروح من الود والتفاهم ، والمصلحة العامة لشعبنا ووطننا ، والتحلي بإنكار الذات ، وتغليب مصلحة الوطن على كل المصالح .
كان بمقدوره أن يعمل على إنهاء فترة الانتقال ، ويجري انتخاب المجلس التأسيسي، وسن الدستور الدائم للبلاد ، وإرساء الحكم على أسس ديمقراطية صلبة ، ولو فعل ذلك لتجنّب ، وجنّب الشعب العراقي كل تلك الويلات ، والمصائب ، والمصير المظلم الذي حلّ بالبلاد على أيدي انقلابيي 8 شباط 1963 .
تطورات العلاقة بين حزب البعث والحزب الديمقراطي الكوردستاني

اتسمت العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب البعث العربي الاشتراكي بالفتور والتنافر منذ بداية تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 بسبب المواقف الشوفينية لهذا الحزب من القضية الكوردية ، ورفضه انضمام الحزب الديمقراطي الكردستاني للجبهة رغم كل المحاولات التي بذلها الحزب الشيوعي في إقناع حزب البعث ، وحزب الاستقلال القومي ، بقبول الحزب الديمقراطي الكوردستاني بعضوية الجبهة ، مما اضطر الحزب الشيوعي إلى عقد تحالف ثنائي معه .
وعندما مزق حزب البعث جبهة الاتحاد الوطني وتآمر على ثورة 14 تموز وقيادتها المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم وقف الحزب الديمقراطي الكردستاني جنباً إلى جنب مع الحزب الشيوعي في الدفاع عن الثورة وقيادتها وساهم الحزبان مساهمة فعالة في قمع انقلاب العقيد عبد الوهاب الشواف عام 1959.
لكن العلاقة بين القيادة الكوردية بزعامة السيد مصطفى البارزاني والزعيم عبد الكريم قاسم ما لبثت أن أصابها الفتور، وتعمقت الخلافات بين الطرفين بسبب التلكوء في تطبيق الفقرة الثالثة من الدستور المؤقت والخاصة بالحقوق القومية للشعب الكوردي ، مما أدى في نهاية الأمر إلى تصادم قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بحكومة عبد الكريم قاسم عام 1961 ، واندلاع القتال بين الطرفين ،رغم كل المساعي التي بذلها الحزب الشيوعي بين الطرفين لتجنب الحرب .
و دخلت كردستان في حرب طرفاها يمثلان قوى وطنية ،و أستمر لهيبها حتى نهاية حكم عبد الكريم قاسم ، وفي تلك الفترة كان أعداء ثورة 14 تموز يعدون العدة للانقلاب ، واغتيال ثورة الرابع عشر من تموز، وقائدها الزعيم عبد الكريم قاسم ، مستغلين وقوع الحرب في كردستان ، وانشغال الحكومة وقوات الجيش في تلك الحرب .
لكن المؤسف أن تحصل القناعة لدى قيادة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بأن إقامة نوع من التعاون مع تلك القوى البعثية والقومية ، لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم ، يمكن أن يحقق لهم آمالهم في نيل ا لحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي !!.
كان على قيادة الحزب والحركة الكوردية أن تدرك النوايا الحقيقية لحزب البعث تجاه الشعب الكوردي ، ولاسيما وأن البيانات التي أصدرتها الجبهة القومية التي ضمت حزب البعث والقوميين قبل الانقلاب تنضح بالشوفينية والكراهية للشعب الكوردي ، وقضيتهم العادلة .
فقد أصدروا بياناً في أواخر أيلول 1061 حول موقفهم من الحركة الكوردية بعنوان [ بيان حول التطورات الأخيرة في شمال العراق ] وجاء في البيان :
{منذُ الانحراف الرجعي الذي قاده عبد الكريم قاسم بمعونة الحزب الشيوعي ، والقوى الشعوبية ، والاستعمار وعملائه لعزل العراق عن الحركة التقدمية العربية ، ظهرت في شمال العراق نزعات عنصرية مشبوهة تدعو زيفاً باسم الأكراد ومصلحتهم لتجزئة العراق ، وتفتيت وحدته النضالية، واليوم ومنذُ الحادي عشر من هذا الشهر تجري المعارك المسلحة بين قوات الجيش ورجال العشائر الكردية الذين أعلنوا العصيان المسلح ، ورفعوا شعار تجزئة العراق والجبهة القومية تحمل [ قاسم] مسؤولية ما يصيب الجيش ، وتحذر العناصر الكردية المخلصة من الانسياق وراء دعاة التجزئة والانفصال ، والسير وراء قيادات مشبوهة } .

أما جريدة الاشتراكي لسان حال حزب البعث العراقي فقد نشرت تصريحاً لمصدر قيادي بعثي نشر في أيلول 1962 بعنوان [ حول الحركة المشبوهة في الشمال ] وجاء فيه ما يلي :
{أن الحركة المسلحة التي قامت في شمال العراق منذُ أكثر من عام واحد أصبح استمرارها يمثل خطراً ليس على استقلال البلاد ، وحسن العلاقات بين الشعبين العربي والكردي فحسب ، بل على وجود العراق ... إن هذه الحركة ،وموقف قاسم منها تفوح منها رائحة التآمر والتواطؤ مع الاستعمار ، فقيادة الحركة المسلحة بماضيها الملطخ بالدماء ، والمتصف بالاعتداء ، ونياتها العدوانية التي أفصحت عنها مراراً وبغضها الأعمى يجعلها محلاً للشبهة والاتهام } .
ثم عادت جريدة الاشتراكي في تشرين الثاني 1962 ، حينما كانت الاتصالات وتبادل المذكرات تجري بين الطرفين بنشر مقال بعنوان [ مخاطر الحركة المشبوهة في الشمال وموقف قاسم منها ] وجاء فيها :
{إن الحركة المسلحة على الرغم من أنها معادية للحكم القاسمي ، إلا أنها بسبب ارتباطاتها وأساليبها واتجاهاتها لا يمكن أن تعتبر جزءاً من الحركة الوطنية في العراق وباعتقادنا أن طرفي الفتنة [عبد الكريم قاسم] و[ قيادة الحركة الكردية] لا يمثلان رغبات الشعبين العربي والكردي ولا يعبران عن مصالحهما.
وبعد كل هذا من حق كل حريص على مصلحة الشعبين العربي والكوردي أن يتساءل : كيف حصلت تلك القناعة لدي قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بوعود أعداء الشعب الكوردي لكي يمدوا إليهم أيديهم للتعاون على إسقاط حكم عبد الكريم قاسم ؟
لكن قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني استمرت بمغازلة الانقلابيين من أجل إقامة التعاون بين الطرفين على الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهها الحزب الشيوعي لقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني من مخاطر أن الإنجرار وراء الإنقلابيين لإسقاط حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم ، والتي سوف تصيب بكل تأكيد الشعب الكردي بصورة خاصة والشعب العراقي بصورة عامة بأفدح الأضرار .
إلا أن قادة الحزب لم يأخذوا بتلك النصيحة ، وأخذوا يتبادلون المذكرات واللقاءات مع الانقلابيين ،حيث جرت اللقاءات بين [العقيد طاهر يحيى] ممثل الإنقلابيين و[صالح اليوسفي] عضو المكتب السياسي للحزب ، وكان آخر لقاء مع الإنقلابيين قد جرى في بغداد بين [ علي صالح السعدي ] أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث والسيدين [ صالح اليوسفي ] و [ شوكت عقراوي ] وذلك في 4 شباط 63 ، قبل الانقلاب بأربعة أيام .
لكن الإنقلابيين لم يقدموا أي تعهد خطي لقيادة الحزب ، بل مجرد وعود شفوية لا غير ،لا تلزم أحداً ، وكان واضحاً أن الانقلابيين كانوا يستهدفون بقاء الحركة الكوردية على الحياد في صراعهم مع قوات عبد الكريم قاسم .
وشاءت الظروف أن أطلع على المذكرات المتبادلة بين السيد إبراهيم احمد ـ سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني ، وطاهر يحيى ، ممثل الانقلابيين ، بعد يوم من وقوع انقلاب 8 شباط مباشرة .
وهكذا ، ومع مزيد الأسف ، وضع قادة الحزب أيديهم بأيدي الانقلابيين ، أعداء القومية الكردية ، الذين لا يعترفون بالأكراد كقومية ، وتظاهروا فرحين ، يوم الانقلاب ، في الثامن من شباط ، وأسرع ممثليهم ، صالح اليوسفي ، وفؤاد عارف إلى دار الإذاعة صباح يوم الانقلاب لتقديم التهاني للانقلابيين ، مستبشرين بالعهد الجديد ، يحدوهم الأمل بأن يمنح هؤلاء الشوفينيين القتلة الحقوق القومية للشعب الكردي !!!.
كما بادر المكتب السياسي للحزب بإرسال البرقية التالية للإنقلابيين ، والتي جاء فيها :
{اليوم تلاحمت ثورتكم مع ثورة الشعب الكوردي العظيمة ضد طغيان [ قاسم ] القاتل والعدو الأكبر للشعب الكوردي ، وعبرت البرقية عن إعجاب الكورد بالحركة التي أطاحت بقاسم ، كما عبرت عن أملها بانتظار الخطوات العملية من هذه الحركة نحو حل المشكلة الكوردية على أساس الحكم الذاتي الذي من شأنه أن يرسي قواعد الأخوة إلى الأبد } وقد تم إذاعة البرقية في اليوم الثاني للإنقلاب من إذاعة بغداد .
غير أن الانقلابيين كانوا يضمرون كل الشر للكورد ،وتظاهروا في لقاءاتهم ، ومذكراتهم بحرصهم على تلك الحقوق ،وكانوا يهدفون من وراء ذلك منع القوى الكوردية يوم الانقلاب ،من التصدي للإنقلاب كما فعل الشيوعيون ،ولاشك إن القيادة الكوردية كانت لها كل الإمكانية للقيام بدور فاعل في كركوك،والسليمانية ،والموصل،وأربيل وسائر المناطق الكوردية ،بالتصدي للانقلابيين ،وإفشال مؤامرتهم الدنيئة ضد ثورة تموز المجيدة .
لكنهم وقعوا في الفخ الذي نُصب لهم ،وظلموا ثورة 14 تموز ، وضيعوا ليس حقوق الشعب الكردي فحسب ،بل الشعب العراقي كافة ، وتنكر الأنقلابيون لكل الوعود الشفوية ، وأخذوا يتهربون من الالتزام بأي شيئ للوفد الكوردي المفاوض .
ففي التاسع عشر من شباط 63 وصل الوفد الكوردي المفاوض الذي ضم السادة [جلال الطالباني] و[صالح اليوسفي] و[ شوكت عقراوي ] ومثل الانقلابيين [أحمد حسن البكر ] رئيس الوزراء ، [صالح مهدي عماش ] وزير الدفاع و [طاهر يحيى ] رئيس أركان الجيش و[ حردان التكريتي ] قائد القوة الجوية وتمخض اللقاء عن وعد بقرب إعلان الحكم الذاتي لكردستان .
لكن علي صالح السعدي أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث سارع في اليوم التالي إلى اتهام الحزب الديمقراطي الكردستاني بالتعاون مع الشيوعيين !! ،وأضاف قائلاً : { نحن لا نمثل كل العرب ، وكذلك الوفد الكوردي لا يمثل كل الأكراد ولذلك يتوجب الدعوة لعقد كونفرس شعبي واسع لانتخاب عناصر أخرى لعضوية الوفدين } ، وبذلك نسف السعدي المحادثات .
ثم بدأ البعثيون يتحججون بخشيتهم من أن يثير إعلان الحكم الذاتي لكردستان انتقاد دعاة الوحدة العربية لتصرف للحكومة ، وطلبوا من الوفد الكوردي المفاوض التريث لبحث المشكلة الكوردية جنباً إلى جنب مع مباحثات الوحدة مع عبد الناصر في القاهرة .
وبعد أيام جرى تشكيل وفد للتفاوض مع عبد الناصر ، وتم ضم السيد [جلال الطالباني ] للوفد على مضض ، وكان الطالباني ينوي عرض مطالب الشعب الكوردي أمام الوفود المصرية والسورية والعراقية .
لكن سفر الطالباني مع الوفد لم يلقً قبول السيد البارزاني حيث صرح قائلاً :
{ لقد أرسلت الطالباني للتفاوض في بغداد وليس في عواصم عربية }.
وفي 18 آذار عقد الحزب الديمقراطي الكرستاني مؤتمره في [كويسنجق ] ضم 168 مندوباً بحراسة 2000 من قوات البيشمركة حيث تم دراسة الوضع السياسي العام وقضية المفاوضات مع الانقلابيين ، وظهر في المؤتمر اتجاهان ، الاتجاه الأول ويمثله السيد جلال الطالباني والذي دعا إلى الاستمرار في المفاوضات مع سلطة الانقلاب ، والإتجاه الثاني ممثلاً بالسيد مصطفى البارزاني والذي .يدعو للاستعداد للقتال من جديد .
وفي النهاية تقرر تشكيل لجنة مكونة من 35 مندوباً كي تعد قرارات المؤتمر ، وجرى انتخاب وفد مؤلف من 14 مندوباً برئاسة السيد الطالباني، سبعة منهم هم أعضاء الوفد المفاوض ، والسبعة الآخرين مستشارين للوفد .
وفي نهاية المؤتمر تم إعداد مذكرة تتضمن المطالب الكوردية من الحكومة العراقية أكدت على قيام الحكم الذاتي في إطار الجمهورية العراقية ، كما طالبت المذكرة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الكورد ، ورفع الحصار عن كردستان ، وإعادة المفصولين إلى وظائفهم وأعمالهم ، وسحب القوات العسكرية من كردستان ،إضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بالمنطقة التي سيشملها الحكم الذاتي ، والقضايا المتعلقة بالاقتصاد والثقافة .
وفي 30 آذار وصل الوفد الكوردي المفاوض إلى بغداد برئاسة السيد جلال الطالباني ، لكن أحمد حسن البكر ماطل في استقبال الوفد ، مما دفع الوفد إلى التهديد بالعودة إلى كردستان .
لكن تدخل طاهر يحيى استطاع إقناع الوفد بتأجيل المفاوضات إلى الأول من أيار مدعيا أن المطالب الكوردية قد أرسلت إلى القاهرة لدراستها .
وفي العاشر من نيسان تم في القاهرة توقيع الإتحاد الفيدرالي بين مصر وسوريا والعراق ، وفي 24 نيسان تقدم الجانب الكوردي بمذكرة تظمنت مطالب جديد أخذت بالحسبان قيام الاتحاد الفيدرالي المذكور حفاظاً على مستقبل الوجود القومي الكوردي في ظل الإتحاد الجديد.
أخذت الحكومة تماطل في الاستجابة للمطالب الكوردية واضعة المسؤولية على عاتق عبد الناصر ، واقترحت على الأكراد عرض المطالب الكوردية على عبد الناصر ، وطلبوا من السيد جلال الطالباني السفر مع الوفد الحكومي إلى القاهرة للقاء مع عبد الناصر ، لكن ناصر تجاهل موضوع الحكم الذاتي ولم يقدم أي مقترحات حول القضية الكوردية .
أدرك السيد جلال الطالباني أن التفاوض مع البعث لا يعدو كونه مضيعة للوقت، وأنهم ليس بنيتهم الوفاء بوعودهم الكاذبة ، فقرر العودة إلى كردستان من دون أن يمر ببغداد ، فيما وضع النظام البعثي بقية أعضاء الوفد في الإقامة الجبرية ، وفي 20 أيار أعادة الحكومة الحصار على كردستان ،وقطعت كل الطرق المؤدية إليها،وقامت بحملة اعتقالات واسعة شملت آلاف المواطنين الأكراد.
وفي 9 حزيران اعتقلت الحكومة الوفد الكردي المفاوض ، وفي اليوم التالي أصدرت بياناً طالبت فيه باستسلام البارزاني وقواته خلال 24 ساعة ،وبدأت الاستعدادات للحملة العسكرية الجديدة لقمع الحركة الكوردية .
وفي المقابل بدأت القيادة الكوردية استعداداتها العسكرية لمجابهة الهجوم العسكري لقوات الحكومة البعثية ، فقد أصبح من المؤكد استحالة تفادي الحرب بين الطرفين .



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة مقابل كل واحد من الشهداء ياسيادة رئيس الوزراء
- لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الخام ...
- مقتل أفراد الجيش الخمسين جريمة كبرى لن تمر دون عقاب
- أين برامج الأحزاب التي ستتوجه للانتخابات بموجبها ؟
- لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الراب ...
- لمحات من حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الثالثة
- الدكتور سلمان شمسة ، رحيل قبل الأوان ـ قصيدة رثاء
- موقف أمريكا بمجلس الأمن يصب في خانة تشجيع الإرهاب
- لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الثان ...
- لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الأول ...
- الإرهاب الفكري مدرسة لتخريج القتلة والمخربين
- الإرهاب خطر جسيم يهدد العالم أجمع ولا حياد في التعامل معه
- الحزم هو السبيل الوحيد لمجابهة الإرهابيين ولا ديمقراطية لأعد ...
- القوى الديمقراطية في العالم العربي والموقف من الأزمة العراقي ...
- مبروك لوزارة التربية ،مدير تربية البصرة يربي لنا جيلاً ديمقر ...
- الرضوخ لمطالب الإرهابيين يشكل ضرراً بالغاً لأمن العراق وشعبه
- مقطوعة شعرية لن أحيد
- مخاطر الإرهاب والسبل الكفيلة للتصدي له
- حكام إيران يلعبون بالنار
- البعثيون والشيوعيون والبارتيون والجبهة الوطنية ـ الحلقة الثا ...


المزيد.....




- بريطانيا - هل بدأ تفعيل مبادرة ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا ...
- أونروا تستهجن حصول الفرد من النازحين الفلسطينيين بغزة على لت ...
- اجتياح رفح أم صفقة الأسرى.. خيارات إسرائيل للميدان والتفاوض ...
- احتجاجات الجامعات الأميركية تتواصل واعتقال مئات الطلاب
- الأونروا: وفاة طفلين بسبب الحر في غزة
- لوموند تتحدث عن الأثر العكسي لاعتداء إسرائيل على الأونروا
- لازاريني: لن يتم حل الأونروا إلا عندما تصبح فلسطين دولة كامل ...
- مميزات كتييير..استعلام كارت الخدمات بالرقم القومي لذوي الاحت ...
- تقاذف الاتهامات في إسرائيل يبلغ مستوى غير معهود والأسرى وعمل ...
- غورغييفا: 800 مليون شخص حول العالم يعانون من المجاعة حاليا


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - حامد الحمداني - لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة السادسة